الشيوعي العراقي والانتخابات المبكرة- وقت مستقطع


قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن - العدد: 6745 - 2020 / 11 / 27 - 18:16
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

لم تتغير سياسة الحزب الشيوعي العراقي منذ احداث 2003، فهو قد دخل العملية السياسية مع شلة الأحزاب الإسلامية والقومية، عملية سياسية منحطة، خطط لها بول بريمر بشكل دقيق، جلبت الخراب والدمار لهذا البلد، وافقرت جماهيره، فكان الحزب الشيوعي أحد الفاعلين داخل هذه العملية السياسية القبيحة، واحد فرسانها، وهو الى اليوم مصمم بشكل تام على اكمال المسيرة مع أحزاب الإسلام السياسي الفاشية، فهنيئا له.
ليس لدينا اطلاع كاف على الماركسية-اللينينية، وبالنصوص "النادرة" جدا لماركس-انجلس-لينين، التي يقرؤها بعض "منظري" هذا الحزب، والذين صدعوا رؤوسنا بها، حتى أصبح من المخجل الاستشهاد بهذه النصوص، فقد أصبحت القضية مملة جدا، أقول لا نعلم إذا وجدت داخل هذه النصوص، او الممارسات العملية لماركس او لينين عن تحالف الأحزاب الشيوعية مع القوى الرجعية والفاشية، قد يظهر لنا "منظر" ممن يتحدث الألمانية او الروسية، فضلا عن الإنكليزية والفرنسية، مع محافظته على الضمة والكسرة والفتحة والشدة، ويجد لنا نصاً مخفيا هنا او هناك، يستخرج منه مبررات التحالف مع التيار الصدري مثلا، او الجلوس بمجلس الحكم، او ان نقد الدين هو شيء ثانوي، او انه من الممكن الانتصار وتحقيق الثورة الاشتراكية بالتفاهم مع عمار الحكيم ومقتدى الصدر ومسعود بارزاني وجلال الطالباني واثيل النجيفي ومحمد الحلبوسي، او من الممكن سحب جماهير مقتدى الصدر "البروليتارية" بالتحالف معه، او ان الانتخابات المبكرة القادمة قد تكون "أداة للتغيير المنشود"، وبالحقيقة فهذه كلها هي سياسات دأب على ممارستها الحزب الشيوعي العراقي، وبالتأكيد هو يستند على "الماركسية-اللينينية" التي هو و"منظروه" فقط من يدرك سرها.
اخر "مكررات" هذا الحزب دعوته للجماهير بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات المبكرة القادمة، وبالحقيقة هي ليست سياسة جديدة ومفاجئة، فالحزب هو أحد الأبناء البررة للعملية السياسية، فقد استبق كل القوى الرجعية، من إسلامية وقومية، ليعلن دعمه للانتخابات المبكرة، فقام بتوزيع "ورقة عمل" مكونة من خمس عشرة صفحة بعنوان "لتكن الانتخابات المبكرة أداة للتغيير المنشود" وقد صاغ هذه الورقة المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 10-9-2020، ووزعت في شارع المتنبي الجمعة المصادف 20-11-2020، وقد حظيت هذه الورقة عند توزيعها بكم هائل من التعليقات الساخرة.
تقول الورقة ((تبنى المنتفضون الانتخابات المبكرة لاجل ان تكون أداة للتغيير بالطرق الدستورية والقانونية)) السؤال هل صحيح ذلك؟ منذ انطلاق الانتفاضة والجماهير هدفها اسقاط النظام، ولا شيء غير ذلك، لم يتبن المنتفضون قضية الانتخابات كوسيلة لإسقاط نظام الإسلام السياسي، لكن بعد ان دخل الحليف الرسمي للحزب الشيوعي العراقي "التيار الصدري" للمظاهرات، صار النداء بقضية "الانتخابات المبكرة" فجميع المنتفضين يدركون ان القوى الإسلامية لن تسمح لأحد بالتنافس معها، مطلب الانتخابات المبكرة كان خديعة، دبرتها القوى الإسلامية مجتمعة، لتفشل بها الحركة الاحتجاجية، التي كان من الممكن ان تتطور امورها وتتحول الى شيء آخر.
تذكر ورقة عمل الحزب الشيوعي العراقي مجموعة من المتطلبات لإنجاح العملية الانتخابية هي:
((ضمان حرية الانتخاب ونزاهة العملية الانتخابية)) والسؤال هو كيف ذلك؟ او هل يعقل هذا الطلب؟ تصور ان هناك انتخابات تجري في ظل "جيش المهدي وعصائب اهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء وأبو الفضل العباس والامام علي والحشد الشعبي والبيشمرگه والاسايش والعشائر" والحزب يريد ضمان "نزاهة وحرية" في الانتخابات، ونقولها باللهجة العامية "شلون الخاطر الله"؟
ثم تقول الورقة ((ولكي يتحقق هذا في سياقات صحيحة وفي جو يوفر القناعة بالإجراءات المتخذة، تم التركيز على اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل الحكومة المؤقتة من شخصيات وطنية مهنية وكفؤة تقوم بتهيئة بيئة مناسبة لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة بإشراف دولي)) والسؤال هو هل ان الكاظمي رئيس الحكومة المؤقتة "مرشح التواثي الصدرية" سيوفر بيئة مناسبة؟ من سيصدق ذلك؟ يضحكون على من؟ ثم اين هي هذه الشخصيات "الوطنية والكفؤة والمهنية"؟
ثم تذهب الورقة الى طرح "مستلزمات التهيئة للانتخابات المبكرة" وتأمل ان تجري حكومة الكاظمي انجاز "مهمات أساسية":
((استكمال تشريع قانون الانتخابات)) وقد تم بالفعل اكمال هذا القانون، لكنه للأسف لم يأت كما ارادته ورقة الحزب الشيوعي هذه "عادل ومنصف" فقد فصلته قوى الإسلام السياسي على مقاساتها، او كما يقال "على گدها" وستبقى ذات الوجوه التي عهدناها منذ سبعة عشر عاما.
((تفعيل قانون الأحزاب)) هل هناك أحد يدرك ماذا يقول الحزب الشيوعي العراقي؟ انه يطالب بحل القوى المسلحة للأحزاب الإسلامية! هذه القوى المسلحة التي تعتمد عليها دول إقليمية، وتنفذ بها سيناريوهاتها واجندتها، وتسيطر بها على العراق كله، هذه القوى المسلحة التي تتوالد وتتكاثر يوميا، وهي السلطة الفعلية في هذا البلد، ثم يأتي الحزب الشيوعي العراقي ليطالب بحل القوى المسلحة للأحزاب، طيب لماذا لم يطالب الحزب بحل جيش المهدي، وهو القوة المسلحة للتيار الصدري، المتحالف معه الحزب "سائرون"؟
((قانون المحكمة الاتحادية واستكمال تشكيلتها)) وهل فعلت المحكمة الاتحادية شيئا حقيقيا؟ ما هي القضايا التي فصلت فيها هذه المحكمة؟ مدحت المحمود، هل هو شخصية نزيهة؟ او فائق زيدان الذي يزور إيران أكثر من زيارته لمجلس القضاء ذاته!
((محاكمة القتلة)) السؤال هو من هم قتلة المتظاهرين؟ انهم الميليشيات الإسلامية. ومن الذي سيحاكمهم؟ لا أحد يعلم ذلك. لكن المكتب السياسي نبيه في هذه النقطة، فهو يحدد هؤلاء القتلة (القناصين والقتلة المأجورين الاخرين) مع ان قادة الميليشيات اعترفوا، وبشكل علني، ومن على شاشات التلفزيون، بأنهم أمروا بقتل المتظاهرين "جرة اذن"، فهل يستطيع أحد ان يحاكم قادة الميليشيات؟ هذا مجرد هٌراء، لا أكثر.
((محاكمة الفاسدين)) هنا الشيوعي العراقي يطالب بمحاكمة كل الطبقة السياسية منذ 2003 الى اليوم، لكن لا أحد يعلم من سيحاكم هذه الشرذمة؟ على اعتبار ان المحكمة ذاتها وقضاتها فاسدين، اذن ف"محاكمة القتلة ومحاكمة الفاسدين" هي كليشيهات يجب ان تقال، فهي غير منطقية ولا واقعية ابدا.
((حصر السلاح بيد الدولة)) هنا المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي يفجر قنبلة، على اعتبار ان الدولة في العراق هي مجموعة ميليشيات وعصابات مسلحة، وكل ميليشيا تستولي على منطقة معينة، تكدس فيها سلاحها، وتبني فيها سجون ومعتقلات، وتطور فيها قواتها وقدراتها القتالية، ولا يمكن لاحد ان يدخل تلك المناطق، دون اذن هذه الميليشيات، وقد شاهدنا السيد "مرشح التواثي" الكاظمي، عندما اعتقل مجموعة من مطلقي الصواريخ، من كتائب حزب الله، كيف حوصر هو وقواته في المنطقة الخضراء، وبعدها صرح قيس الخزعلي رئيس ميليشيا العصائب، بأن مهمة رئيس الوزراء تنحصر بشيئين فقط "الازمة الصحية واجراء انتخابات مبكرة" غير ذلك عليه ان "يغلس" فما معنى "حصر السلاح بيد الدولة" انها سخافة، انها تٌرهات، فقضية سلاح الميليشيات قضية دولية وليست محلية، انها جزء من المعادلة السياسية في العراق، والدول الراعية لا تفكر مطلقا بهذا الامر، بل ان من يفكر بترك سلاحه، ستدفع عليه ميليشيات أخرى لقتله.
((ضمان استقلالية الإدارة الانتخابية)) الورقة تدرك انه لا يمكن الاطمئنان على هذه الاستقلالية، وتدرك أيضا انها جزء من المحاصصة الطائفية والقومية، ورغم كل ذلك فأن الورقة تدرجها ضمن مستلزمات التهيئة للانتخابات.
((جدل تحديد موعد الانتخابات ومناكافات المتنفذين)) تطالب الورقة بحسم موعد الانتخابات وتثبيته، وكأن الحزب الشيوعي العراقي سيكتسح الأصوات، ويحصل على اغلب مقاعد البرلمان، وهو في أحسن حالاته مقعد او مقعدين.
ثم تتجه الورقة الى تحديد واجبات المفوضية، في تهيئة مستلزمات الانتخابات، وتعدد الورقة تسعة نقاط، وكلها بالطبع خيالية، منها ((معاقبة فورية حازمة لكل من يقدم على التزوير والتزييف)) ولا نعرف من سيعاقب مثلا "أبو درع" إذا دخل مركزا انتخابيا، او ((استبعاد القوائم ومرشحيها ان هم استخدموا المال السياسي او أنفقوا أكثر من المسموح بها قانونيا على الدعاية الانتخابية)) هم من نهبوا ثروات البلاد، ولديهم الة إعلامية كاملة، من سيستبعدهم يا ترى؟ هل ستستبعدهم المفوضية، وكل شخوصها من ذات القوى. او ((ضمان حيادية الاعلام الحكومي)) بمعنى ان جريدة الصباح وتلفزيون العراقية وإذاعة جمهورية العراق ستقسم الوقت بالتساوي، وتعطي للجميع الفرص، والجميع يعرف لمن مؤسسة "شبكة الاعلام العراقي" ومن يسيطر عليها.
ثم تطالب الورقة ما أسمتها "القوى الطامحة الى التغيير الحقيقي، ان تسهم في كسر احتكار السلطة" لكن لم تفصح لنا الورقة من هي هذه القوى الطامحة للتغيير؟ التي تريد بها "تغيير الخارطة السياسية".
وبعد كل تلك النقاط والحروف يرى الحزب الشيوعي العراقي ان عليه الاستعداد والتحضير للانتخابات بشكل جدي، ومراقبة البيئة السياسية جيدا من كافة اوجهها، ودراسة قانون الانتخابات، الذي هو اصلا تم تشريعه والمصادقة عليه، ثم التحالف مع قوى سياسية تريد التغيير، او حتى ناشطين، وهي سياسة معروفة للحزب، ثم يقول ان خوض الانتخابات او عدم خوضها هو خيار كفاحي، لكن هذا الحزب لم يجرب ابدا عدم خوض الانتخابات كخيار كفاحي، وبعدها يحذر من المخاطر الجسيمة المترتبة على عدم تأمين متطلبات اجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية، ومعروف ان الانتخابات في العراق ومنذ 2004 الى اليوم غير نزيهة وغير عادلة، ولم يترتب عليها أي مخاطر، ثم بعد ذلك يريد لهذه الانتخابات، والتي هي تحت ضلال السيوف، يريد لها ان تؤمن السير على بناء الدولة المدنية الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
هي تلك ورقة الحزب الشيوعي العراقي، هي تلك أحلامه وتمنياته وطموحاته، هي تلك فلسفته المستندة على "الماركسية-اللينينية"، التي يتشدق بعضا من "منظريه" وفرسان الفصاحة، بنصوص ماركس النادرة، او تحالفات لينين "الشعبوثية"، المشكلة ان التيار الصدري، وعلى لسان قياداته كان قد حسم نتيجة هذه الانتخابات المبكرة، التي يستعد لها الحزب الشيوعي العراقي، فحاكم الزاملي يقول رئيس الوزراء القادم هو من التيار الصدري، واخرون منهم هددوا بحرق العراق اذا لم يكن منهم رئيس الوزراء، فعن اية انتخابات يتحدث الشيوعي العراقي، انهم فقط اداة لتجميل العملية السياسية، لكن ((سينشر الزمن ما طوته الخديعة، انه يستر الأخطاء، ليزري عارا في النهاية، ومن يعش ير)) شكسبير.