الحرب وتفاقم تدهور الأوضاع المعيشية والامنية
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:20
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
١
مازالت الحرب اللعينة مستمرة مع الخسائر في الأرواح والمعدات والبنيات التحتية، وتدهور الأوضاع الإنسانية كما هو جارى الآن في دارفور وكردفان، اضافة لتدهور أوضاع الحريات وحقوق الإنسان، ويستمر تدهور الأوضاع الأمنية كما في ظهور عصابات ٩ طويلة في أم درمان، وقرار البرهان بخروج الفصائل المسلحة من الخرطوم، إضافة لاستمرار القمع والإرهاب وحملات الاعتقالات، وحجب المكالمات الصوتية في تطبيق واتساب، مما يشي بفساد لخدمة شركات الاتصالات التي تضررت من استخدام مكالمات واتساب، ولجباية الحكومة المزيد من الضرائب والرسوم.مما أدي لسخط واسع وسط الجماهير.
من جانب آخر تستمر المقاومة لسياسات الحكومة في مناطق التعدين، كما في معارضة التعدين الضار بالبيئة، مثال : ما حدث في حلة يونس الواقعة غرب محلية بربر بولاية نهر النيل، فقد نفذ المواطنون اعتصامًا سلميًا يوم السبت 12 يوليو، احتجاجًا على توسع نشاط أحواض التعدين العشوائي عن الذهب في محيط المنطقة، وسط تصاعد المخاوف من الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن استخدام المواد الكيميائية في عمليات الاستخلاص.ويشهد شمال السودان، لا سيما ولايات نهر النيل والشمالية وشرق البلاد، توسعًا ملحوظًا في عمليات التعدين الأهلي والتجاري، مع استمرار نهب وتهريب الذهب، وقد أدى هذا التوسع إلى حوادث مأساوية، أبرزها انهيار منجم قرب مدينة هيا بولاية البحر الأحمر مطلع الشهر الجاري، والذي أسفر عن وفاة 50 شخصًا، وفقًا لتقارير محلية.
٢
من جانب آخر يستمر انهيار الجنيه السوداني حتى وصل متوسط سعر صرف الدولار حاجز ٣٠٠٠ جنية، مقارنة ب ٥٥٠ جنيهًا فقط قبل عامين. فقد دمرت الحرب اللعينة الاقتصاد السوداني، فقد أوضح أحدث تقرير للبنك الدولي صورة قاتمة للانهيار الاقتصادي في السودان بسبب الحرب الدائرة. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 29.4% عام 2023، تلاه انكماش آخر بنسبة 13.5% عام 2024. وارتفع معدل التضخم بشكل حاد إلى 170%.
وارتفعت البطالة إلى 47%. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع نسبة الفقر المدقع إلى 71% من السكان، بعد أن كانت 33% قبل الحرب. إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد حتى أصبحت البلاد على حافة المجاعة، نتيجة لتدهور الإنتاج الزراعي بسبب الحرب، ونقص التمويل ومدخلات الإنتاج، والنقص في الكهرباء والوقود. الخ. مما يتطلب وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وحماية المدنيين وضمان عودتهم لمنازلهم وقراهم، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه والانترنت والتعليم والصحة والدواء، وتقديم المساعدات الدولية.
إضافة لاستمرار الزيادات في الأسعار، كما في الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، حيث بلغ سعر جالون البنزين نحو 14,355 جنيهًا سودانيًا، بارتفاع قدره ألف جنيه مقارنة بالتسعيرة السابقة. وبدأت محطات الوقود في العاصمة تطبيق الأسعار الجديدة، إذ ارتفع سعر لتر البنزين إلى 3,190 جنيهًا، بعد أن كان 2,975 جنيهًا للتر، في خطوة تعكس استمرار الضغوط الاقتصادية التي تواجه البلاد. وجاءت هذه الزيادة في ظل أزمة اقتصادية حادة تشهدها البلاد، تزامنت مع رفع سعر الدولار الجمركي قبل أيام، ما أدى إلى مزيد من الضغوط على الأسعار. وبلغ سعر صرف الدولار في البنوك حاجز ٣٠٠٠ جنية سوداني، في حين أعلنت هيئة الجمارك يوم الأربعاء 17 يوليو عن رفع قيمة الدولار الجمركي إلى 2,400 جنيه، ما يُنذر بموجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات المرتبطة بالوقود والنقل. هذا علما باستمرار انهيار الجنية السوداني، الذي فقد أكثر من 400٪ من قيمته خلال فترة تولي جبريل للوزارة، وسط تراجع حاد في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
٣
لقد وصلت البلاد إلى درك سحيق من التدهور الاقتصادي والمعيشي والأمني، مما يهدد وحدة البلاد، كما في الحكومة الموازية، وتعثر ولادة حكومة بورتسودان بعد تعيين د. كامل إدريس رئيس للوزراء كديكور مدني، وفشل تحقيق حكومة التكنوقراط لتحل محلها حتى الآن من ١٥ وزير حركات مسلحة من الجيش ومؤتمر وطني واسلاميين، إضافة للصراعات الداخلية التي تنذر بالانفجار في تحالف حكومة بورتسودان، في تحالفها الهش مع جيوش حركات جوبا و الإسلامويين الرافضين التسوية ومع استمرار الحرب، ورفض حركات جوبا لقرار البرهان بالخروج من العاصمة، كما في تصريح مناوي، بأن القرار لم يصلهم بطريقة رسمية.
لقد أكدت تجارب تاريخ السودان منذ السنوات الأخيرة لمملكة الفونج التي شهدت تفككا وتكوين دويلات مستقلة، وفرض ضرائب ومكوس عالية ، وتدخل السلاطين في التجارة اضافة الى الفساد وتدهور الأحوال الأمنية، أن ذلك من علامات انهيار النظام. والان يتكرر المشهد نفسه في ظروف تاريخية وأوضاع عالمية مختلفة، حيث نشهد تفكك السودان، وتدهور الاوضاع المعيشية وزيادة الأعباء الضريبية والفساد، إضافة انحياز الدولة لمصلحة شركات وتجار وطفيلي المؤتمر الوطني والمليشيات الذين يحققون أرباحا عالية من هذه الزيادات في الأسعار، ومن نهب ممتلكات الدولة، وبعد الحرب اللعينة أصبح النظام أكثر قهرا في الجباية وزادت معاناة الناس، اضافة الى خطورة تمزيق ما تبقى من الوطن، بحيث لا يبقى أي خيار سوى مواصلة المقاومة الجماهيرية، في أوسع وحدة جماهيرية لحل داخلي، ومقاومة بمختلف الأشكال لوقف الحرب واسترداد الثورة وإسقاط الانقلاب العسكري واستعادة الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وعدم الإفلات من العقاب، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، باعتبار ذلك مفتاح الحل للأزمة في البلاد.