الذكرى ال ٣٦ لانقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩


تاج السر عثمان
الحوار المتمدن - العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 12:21
المحور: حقوق الانسان     

١
تمر الذكرى ال ٣٦ لانقلاب 30 يونيو 1989 الذي دبرته الجبهة الإسلامية في ظروف الحرب اللعينة اللعينة الجارية حاليا التي جاءت أمتدادا لذلك الانقلاب المشووم، ومزيدا من الدمار الشامل والخراب الذي الحقة الانقلاب بالبلاد والعباد.
كان الانقلاب كارثة بحق حلت بالبلاد وشعب السودان، فقد جاء ضد نظام ديمقراطي منتخب، وبعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية بعد حوار طويل وشاق مع الحركة الشعبية إلى اتفاق لحل مشكلة الجنوب " اتفاق الميرغني – قرنق" لوقف الحرب والسلام في إطار وحدة البلاد، وعقد المؤتمر الدستوري . لكن الانقلاب قطع الطريق أمام ذلك ، واشعل نيران الحرب الجهادية في الجنوب التي أدت إلى مقتل حوالي مليون ونزوح 4 مليون مواطن جنوبي ، وكانت النتيجة النهائية كارثة فصل الجنوب. كما اتسعت الحرب لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ، ودارفور، مما أدي لأكبر مأساة إنسانية. ومارس النظام أقصي درجات المراوغة في الحوار ونقض العهود والمواثيق ، والاتفاقات مع الحركات والأحزاب، التي كانت يمكن أن تفضي لحلول لأزمة البلاد ، مما أعاد إنتاج الحرب والأزمة بطريقة أعنف من السابق.
٢
صادر الانقلاب الحقوق والحريات الأساسية ، ومارس أبشع أساليب الاقصاء من تشريد أكثر من 400 ألف من الخدمة المدنية والنظامية ، واعتقال وتعذيب الآلاف ، واتخاذ سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية، والتعليم والصحة، والخصخصة وتشريد العاملين ، مما أدى لافقار 95 % من شعب السودان، ونهب ممتلكات الدولة مثل : السكة حديد ، النقل نهري ، الخطوط الجوية والبحرية ، ومؤسسات وشركات رابحة، وتم بيعها بأثمان بخسة لمحاسيب الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية. وتمت مصادرة حرية الأحزاب والعمل النقابي ، وتزوير الانتخابات العامة والنقابية ، وتكوين تنظيمات فوقية على حساب الدولة، و التفريط في سيادة البلاد " احتلال حلايب – شلاتين – الفشقة"، بعد المؤامرة الفاشلة لاغتيال الرئيس حسني مبارك .
٣
واجه الانقلاب مقاومة كبيرة بدأت بإضراب الأطباء في ديسمبر 1989، وإضرابات العمال وانتفاضات الطلاب والمدن، والحركات المسلحة، ومقاومة المزارعين ومتضرري نهب الأراضي والسدود، وتأجير الموانئ ، كما حدث في الميناء الجنوبي لبورتسودان ، وتأجير ميناء سواكن ، واستشهاد أبناء البجا وكجبار والطلاب في الهبات الجماهيرية ضد النظام ، وارتكب النظام مجازر مثل : إعدام مجدي وجرجس بسبب حيازتهم دولارات !!، ومجزرة شهداء 28 رمضان ، ومجزرة العيلفون، واستهداف طلاب دارفور..الخ ، وهبة سبتمبر 2013 التي هزت أركان النظام ، ويناير 2018.
توج ذلك التراكم المقاومة الجماهيرية بثورة ديسمبر 2018 التي انفجرت في 13 ديسمبر من الدمازين ، وبشكل أعمق في 19 ديسمبر في عطبرة ، وارتفع سقف المطالب من استنكار الزيادات في الأسعار إلى إسقاط النظام ، كما رفع تجمع المهنيين سقف مطالبه من زياد الأجور إلى إسقاط النظام في مذكرة 25 ديسمبر 2018 للقصر، وبعد ذلك تكونت " قوى الحرية والتغيير" ، التي قادت المعركة والمظاهرات بجداول محددة ، ورغم القمع الذي أدي لاستشهاد أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 500 ، واعتقال الآلاف ، إلا أن المقاومة استمرت بقوة حتى موكب 6 أبريل الذي أفضي للاعتصام في محيط القيادة العامة في العاصمة والحاميات العسكرية في الأقاليم ، وانحياز أقسام من الجيش للثورة ، مما أدى لانقلاب "اللجنة الأمنية" للنظام في 11 أبريل الذي أزاح البشير ، وجاء الفريق ابنعوف الذي رفضه الثوار ، وبعده جاء المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي".
٤
جاء انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد ليقطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها وامتدادا للنظام الفاسد، والذي أبقي على رموز النظام الفاسد في الوزارات والهيئات الدبلوماسية والقضائية والنائب العام والقوات النظامية والإعلام ، كما تم الإبقاء علي كتائب الظل ، ومليشيات النظام السابقة ، ومليشيات الدعم السريع ، وجهاز الأمن بدلا من إعادة هيكلته ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وإلغاء قانون الأمن وقانون نقابة المنشأة وكل القوانين المقيدة للحريات.
كما أبقى على وجود السودان في محور حرب اليمن " السعودية – الإمارات – مصر" ،ووجود القوات السودانية في اليمن ، في تدخل في شؤونها الداخلية ، بدلا من حل المشكلة سلميا في إطار الأمم المتحدة ، وبعيدا عن التدخلات الخارجية.
كما أبقي الانقلاب علي مصالح الرأسمالية الطفيلية ونشاطها المدمر في السوق ، من تصدير الذهب ورفع قيمة الدولار ، والتهريب ، واستمرت أزمات الوقود والخبز ، وشح السيولة ، والصرف الكبير علي الأمن والدفاع ، كما يتضح من انتشار قوات الدعم السريع في الشوارع ، وانعدام الأمن مثل: حالات النهب وحلاقة شعر الشباب، والقتل في الأحياء من أفراد قوات الدعم السريع، وانقطاع خدمات الماء والكهرباء ، و شح الجازولين الذي يهدد الموسم الزراعي، وعدم الاستعداد للموسم الدراسي من خلال انعدام الأمن وعدم تأهيل المدارس وتصدعها ، وارتفاع مستلزمات المدارس من حقائب وملابس وكراسات وأدوات مدرسية ، وكتب، والنقص في الكتب والمعلمين والمعدات ، وعدم تصفية رموز النظام الفاسد من وزارة التربية والتعليم ، واستمرار ما يسمى النشاط الطلابي الذي يقمع النشاط المستقل للطلاب السياسي والثقافي والأكاديمي ..الخ. واختزال محاكمة البشير في حيازته لدولارات!!، في حين أنه مطلوب للجنائية الدولية ، وجرائم هائلة ارتكبها بعد الانقلاب، ومنع قوات الأمن تفتيش منزل " قوش" بعد قرار النائب العام ، وإعفاء النائب العام نفسه بعد نفيه مشاركته في الاجتماع الذي قرر فض الاعتصام. وكان الهدف من مجزرة فض الاعتصام تصفية الثورة وعودة حكم العسكر الإسلاموي الفاسد.
واصل الانقلاب العسكري سياسة النظام السابق في المراوغة ونقض العهود والمواثيق ، والتعنت للحصول على أغلبية ورئاسة في المجلس السيادي ، ورفض مبادرة الوسيط الاثيوبي ، ونفي حتى الوصول لاتفاق مع" قوى الحرية والتغيير" حول مجلس الوزراء ونسبة ال 67 % لقوى التغيير في المجلس التشريعي ، وطلب تقليصها إلي 50 % ، وتقليص الفترة الانتقالية لمدة عام ، والدعوة لتكوين حكومة ، وانتخابات عامة خلال 9 شهور ..الخ ، وغير ذلك من المراوغة والتصريحات المتضاربة لقادة المجلس ، مما يعكس أن المجلس العسكري ما هو الا استمرار لنظام المؤتمر الوطني السابق، ومنهجه في المراوغة والخداع ، ونقض العهود المواثيق الذي لا يساعد في خروج البلاد من الأزمة ، والانطلاق نحو تحول ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية ، وحرية تكوين الأحزاب والنقابات والتجمع السلمي ، وتصفية المليشيات وإعادة هيكلة جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها ، وإلغاء قانون الأمن والقوانين المقيدة للحريات ، وقانون ديمقراطي للانتخابات ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وسياسة خارجية بعيدة عن المحاور وتضمن السيادة الوطنية ، ووقف الحرب ، والحل العادل لقضايا المناطق المهمشة ، مما يفتح الطريق لنجاح الفترة الانتقالية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهايتها.
لكن المجلس والعسكري واصل في القمع حتى مجزرة فض الاعتصام، التي كانت محاولة انقلابية على الثورة، لكن موكب ٣٠ يونيو كان سدا منيعا أمام تصفية الثورة، بعدها تدخلت المحاور الاقليمية والدولية وفرضت الوثيقة الدستورية التى وقعت عليها قوى الهبوط الناعم في (قحت)، التي كرست الشراكة مع العسكر والدعم السريع في السلطة وقننت الدعم السريع دستوريا، وحتى الوثيقة الدستورية تم تجاوزها كما في التوقيع على اتفاق جوبا الذي تعلو بنوده على نصوصها، واستمر الخرق لها حتى انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي الغي الوثيقة الدستورية وأعاد التمكين والأموال المنهوبة للفاسدين ٠ووجد مقاومة جماهيرية كبيرة ٠بعدها تدخلت المحاور الاقليمية والدولية لفرض الاتفاق الإطاري الذي أعاد الشراكة وكرس الدعم السريع واتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، وحدث الخلاف بين الجيش والدعم السريع حول مدة دمجه في الجيش، مما أدي لانفجار الحرب اللعينة الجارية حاليا حول السلطة والثروة وتصفية الثورة.
٥
في الذكرى الـ ٣٦ لانقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩، لنقف سدا منيعا ضد المحاولات اليائسة لعودة انقلاب الانقاذ من بوابة الحرب، تقوية التحالف الجماهيري القاعدي لوقف الحرب واسترداد الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات من العقاب، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وضمان عودة النازحين لمنازلهم و لقراهم وحواكيرهم، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم ومدنهم، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتوفير خدمات الكهرباء والمياه والانترنت والتعليم والصحة والدواء، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، والسيادة الوطنية وعدم الارتباط بالمحاور والأحلاف العسكرية، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.