بصدد الموقف تجاه الحرب والهدنة في حرب إسرائيل وأمريكا على ايران
مؤيد احمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 15:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بصدد الموقف تجاه الحرب والهدنة
في حرب إسرائيل وأمريكا على ايران
مؤيد احمد
8/7/2025
في 13 يونيو/حزيران 2025، خاض النظام الإسرائيلي، بالتنسيق الكامل مع حكومة امريكا حرباً ضد النظام الإسلامي في إيران. استمرت هذه الحرب لمدة 12 يوماً، ولم تتوقف إلا بعد دخول أمريكا عمليا في الحرب وقصف طائراتها المنشآت النووية للنظام الإسلامي، ومن ثم إعلان دونالد ترامب عن وقفها وفرض هدنة على الجانبين الإسرائيلي والإيراني.
إن تحليلًا ماركسيًا دقيقاً لحرب الـ 12 يوماً والهدنة الحالية، انطلاقًا من مصالح البروليتاريا الأممية الثورية وتقدم نضالها الطبقي الاشتراكي المستقل، واستنباط المهام السياسية والعملية بصددها، يشكل، باعتقادي، أحد أهم ميادين النضال النظري والسياسي والعملي للشيوعيين والحركة العمالية في هذه الفترة، بالأخص في إيران والعراق ومنطقة الشرق الأوسط.
بخصوص الهدنة الحالية ما بعد الحرب، أود أن أشير هنا إلى ما كتبه لينين في مقال له في مارس/آذار 1916، تحت عنوان (بصدد “برنامج السلام")، والذي ينطبق كلياً على الهدنة الحالية:
"لنعد الى الأذهان مفاهيم المذهب الاشتراكي الاساسية التي يشوهها الكاوتسكيون. الحرب هي استمرار بوسائل العنف لتلك السياسة التي انتهجتها الطبقات السائدة في الدول المتحاربة قبل الحرب بزمن طويل. والسلام هو استمرار للسياسة نفسها مع تسجيل تلك التغييرات التي احدثتها العمليات الحربية في النسبة بين قوى الاخصام. فان الحرب بحد ذاتها لا تغير الاتجاه الذي تطورت فيه السياسة قبل الحرب بل تعجل فقط هذا التطور." ( لينين، المختارات في 10 مجلدات المجلد 6 ص 58.)
لا يروم هذا المقال إعادة استعراض ما سبق أن تناولناه وركّزنا عليه في أدبيات منظمة البديل الشيوعي في العراق، أو ما عبّرت عنه في المقابلات والندوات بخصوص الطبيعة الفعلية للحرب ضد إيران وما ترتّب عليها من تداعيات سياسية عقب توقف العمليات والهدنة المؤقتة. إن الغاية الأساسية هنا هي الوقوف على طبيعة بعض المواقف العامة التي اتّخذتها التيارات السياسية البرجوازية الليبرالية والقومية المدافعة عن الحرب، وتلك المساندة لإيران من التيارات البرجوازية الإسلامية والقومية الإيرانية، وكذلك أطراف في الحركة الاشتراكية والشيوعية، إلى جانب من يعرّفون أنفسهم بالتيار اليساري، في تعاطيهم مع هذه الحرب وتطوراتها وما أعقبها من هدنة.
ولكي يكون تقييم تلك المواقف دقيقاً وموضوعياً، لا بد أولاً من التوقف عند بعض النقاط الجوهرية، كما أراها، المتعلقة بالطبيعة الفعلية للحرب التي اندلعت، وما أعقبها من هدنة مؤقتة ما زلنا نعيش تداعياتها في الوقت الراهن.
1. إن حرب إسرائيل وأمريكا على إيران كانت امتداداً بشكلها العنيفً للسياسة الإمبريالية التي تنتهجها البرجوازية الحاكمة في كل من أمريكا وإسرائيل تجاه إيران ومنطقة الشرق الأوسط. وتحديدا كانت هذه الحرب استمرارًا لسياسة الدولة الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل وحلفائهما من القوى الإمبريالية الغربية، والتي تجسدت في حرب الخليج الأولى عام 1991 وما تلاها من فرض الحصار الاقتصادي على العراق لمدة 13 عامًا، وإسقاط النظام البعثي الفاشي واحتلال العراق وتداعياته من تدمير بنيته المدنية ومؤسساته، وتقسيم المجتمع على أسس قومية وطائفية ودينية، وإرساء نظام سياسي برجوازي إسلامي وقومي قائم على المحاصصة والقمع، والذي تهيمن عليه قوى ميليشياتية.
وفي الوقت ذاته، كانت هذه الحرب، وبشكل اكثر تحديدا، استمراراً لسياسة إسرائيل وأمريكا التوسعية لإرساء "شرق أوسط جديد" و"إسرائيل كبرى"، وذلك لتحقيق أهدافهما الاستراتيجية الإمبريالية الاستعبادية والتوسعية، التي تخنق آمال الجماهير في التحرر.
2. ان الدوافع الاقتصادية الأساسية خلف هذا الصراع الجيو سياسي والاستراتيجي من قبل هذه الدول الامبريالية في المنطقة هي تامين الظروف الملائمة لحركة راس المال الغربي والمزيد من ادغام راس المال القومي للمنطقة بحركة راس المال العالمي للرأسمالية الإمبريالية الغربية. لقد تحقق ذلك وبدرجات متباينة عبر مراحل مختلفة وبالأخص من خلال إرساء نظام سياسي دولي في المنطقة مبني على أساس الصلح مع إسرائيل كالذي تحقق في حالة مصر سابقا ومن ثم "عميلة التطبيع" وابرام "اتفاقيات ابراهام" حاليا.
3. وفي هذا السياق، فان السياسة التي تقف وراء حرب امريكا واسرائيل على النظام الإسلامي في ايران بما فيها مساعيهما لمنع هذا النظام من نيله السلاح النووي والقدرة النووية هو ارغامه على القبول بهيمنة النظام السياسي البرجوازي الدولي في المنطقة تحت قيادة أمريكا وإسرائيل، وانطلاقا من هذا التحول وعلى أساسه فتح الطريق امام ادغام حركة راس المال القومي في ايران بحركة وتراكم راس المال العالمي تحت سيطرة رأس المال الأمريكي والغربي بشكل متزايد وتضعيف دور الصين وروسيا على هذا الصعيد الاقتصادي وكذلك ضرب نفوذهما الجيوسياسي والاستراتيجي والجيو اقتصادي في ايران والمنطقة.
4. ان هذا التحول السياسي الذي سيضع مصير مجمل النظام السياسي الإسلامي الحاكم في ايران على المحك، من الممكن تحقيقه اما من خلال اسقاط النظام في ايران عن طريق الحرب، كما كان يدعو له نتانياهو في حملته الحربية الاخيرة على ايران، او عن طريق احداث التغيير في النظام من فوق، مثلا عن طريق جناح معين، ضمن الاجنحة البرجوازية الإسلامية الحاكمة، يكون مستعدا لتبني هذه الاستراتيجية، او عن طريق ارغام النظام الإسلامي وجناحه الحاكم الحالي بقبول شروط امريكا وإسرائيل.
5. ان ربط اسقاط النظام في ايران وكما يدعيه نتانياهو بمد جماهيري وانتفاضة عارمة ليس سوى تحريضات سياسية حربية مخادعة لتسهيل اعماله العسكرية وتحقيق استراتيجيته في اسقاط النظام عن طريق الحرب وإرساء بديله من الموالين له وللغرب مكانه. ان سياسة واستراتيجية أمريكا وإسرائيل تجاه ايران فيما يخص ترتيبات وواقع ما بعد اسقاط النظام الإسلامي لا يخفي على احد اذ ان نموذج ذلك جلي للعيان في العراق ما بعد احتلال أمريكا له عام 2003.
6. ان النظام الإسلامي الحاكم في ايران( أي الجمهورية الإسلامية)، نظام الثورة المضادة البرجوازية الذي صعد الى الحكم عبر خنق ثورة جماهير العمال والكادحين وسائر المضطهدين والمفقرين في هذه البلاد عام 1979 وبدعم من أمريكا والدول الغربية، وهو نظام سياسي إسلامي فاشي للبرجوازية الاسلامية الذي يحمي النظام الرأسمالي المتأزم في ايران عبر استمراره في قمع الطبقة العاملة والنساء والشبيبة وسائر الجماهير المضطهدة، وعبر نشر وتقوية أيديولوجية إسلامية طائفية في أوساط الجماهير، وهو نظام يقوم بمهمته هذا بالارتباط المباشر بالرأسمالية العالمية وبدرجة معينة بكتلة راس المال الأمريكي والغربي أيضا بالرغم من عزلته الاقتصادية الحالية و وجود حصار اقتصادي امريكي وغربي عليه.
7. ان بقاء النظام الاسلامي في الحكم ومصالح البرجوازية الإسلامية لإدامة سيطرتها وبسط قسوتها على الجماهير في ايران، كان ولا يزال، مرهونا بمدى توسع هذا النظام على الصعيد الإقليمي وتحقيق طموحاته الامبريالية وتقوية اذرعه الميليشية وتشديد قبضته الإرهابية على الجماهير في المنطقة. وكل ذلك باسم "تصدير الثورة"، و"محور المقاومة" واستغلال قضية فلطسين والنير القومي والمجازر والدمار الذي يعاني منه الفلسطينيون على يد دولة إسرائيل الاحتلالية والفاشية وحكوماتها المتتالية وجرائمها، وذلك للإدامة بنظامه.
8. ان النضال من اجل الإيقاف الفوري للحرب ومناهضة تجددها، كجزء من نضال البروليتاريا والاشتراكيين في العالم، مهمة سياسية وعملية لا تقبل التأجيل. غير ان ذلك لا يعطي أي مبرر للدفاع عن النظام البرجوازي الإسلامي الحاكم في ايران، ولا الدفاع عنه كما يدعو له القوميون والاسلاميون بذريعة "الدفاع عن الوطن".
9. ان النضال من اجل إيقاف الحرب ومناهضة اندلاعها من جديد وبالتالي سد الطريق امام تكرار ما مر به العراق ودول المنطقة الأخرى، من الدمار والهلاك وصعود الرجعية السياسية على ايدي أمريكا، من الضروري ان يكون شعارا للشيوعيين في العراق وايران.
"الدفاع عن الوطن" شعار رجعي
للقوميين والدينيين في ايران وإسرائيل والمنطقة
ان الدفاع عن البرجوازية الحاكمة في ايران او إسرائيل، في ظروف الحرب والسلام، وتحت اية ذريعة كانت، شعار ومطلب برجوازي قومي وديني، واخفاء لحقيقة كون الصراع الجاري والحرب الجارية حرب بين البرجوازيات الحاكمة في كلا طرفي جبهة الحرب.
ان كون هذه الحرب والهدنة الحالية امتداد للسياسة الامبريالية لإسرائيل وأمريكا، لترسيم خارطة المنطقة واخضاع ايران لتمرير مصالحها البرجوازية الامبريالية لا تجعل من النظام السياسي الإسلامي في ايران محل تأييد أي ماركسي وبروليتاري شيوعي، وبالتالي لا يجعل من شعار "الدفاع عن الوطن" أي ايران، شعارا ذا صلة بمصالح الحركة البروليتارية الثورية لان ذلك يجعل البروليتاريا في صف واحد مع البرجوازية الفاشية الحاكمة في ايران ويحولها الى حليف سياسي لها في وقت انه نظام اجرامي تريد الجماهير الخلاص منه.
ان التجربة المعاصرة، المحددة والمشخصة، في العراق وغيرها من بلدان منطقة الشرق الأوسط، ترسم لنا سمات حروب إسرائيل وأمريكا في المنطقة، كونها حروب لا تستهدف فقط اسقاط النظام او شل قدراته العسكرية بل بالأساس تدمير البينان الاجتماعي للمجتمعات، وهي سياسة واستراتيجية تتضمن خنق الثورة والطاقة الثورية للبروليتاريا. ومن هذا المنطلق فان شعار إيقاف الحرب فورا ذات صلة بمقاومة السياسة الامبريالية وبتقوية ظروف النضال الثوري للبروليتاريا داخل ايران ايضا بالضد من النظام الإسلامي القائم.
هناك طيف واسع من الأحزاب الستالينية والقومية النصف اصلاحية، ليس فقط على صعيد ايران، بل على صعيد منطقة الشرق الأوسط أيضا، يتحدثون باسم الاشتراكية والشيوعية واليسار عموما، ولكنهم يتبنون شعار "الدفاع عن الوطن" بصيغ متنوعة، ويروجون له في أدبياتهم وبيانتهم وتصريحاتهم. وهذا ما نراه في ادبيات "حزب توده" الإيراني، وقسم من اليسار داخل ايران وعلى صعيد المنطقة، وفي تصريحات الحزب الشيوعي العراقي، وذلك بالرغم من اجتناب قسم منهم عن التعبير بشكل صريح عن دفاعهم عن النظام السياسي القائم في ايران.
هؤلاء يمجدون الدفاع عن ايران بوصفه "وطن" و"بلد إسلامي"، وذلك حسب دوافعهم القومية والاسلامية، ويعتبرون ما يقوم به النظام الإسلامي في ايران في الرد على إسرائيل و أمريكا، اعمال دفاعية عسكرية و"مقاومة مشروعة". وهكذا وعمليا يلتفون حول "محور المقاومة" التي هي قوة قامعة بالأساس للجماهير في ايران والمنطقة قبل ان تكون قوة تواجه إسرائيل وتحاربها. ان المحتوى الطبقي البرجوازي القومي والإسلامي لهذا التوجه واضح ويتجسد في التحالف السياسي مع البرجوازية القومية وبدرجات متباينة مع النظام السياسي الحاكم في ايران.
ان هذه الأحزاب والتيارات لم تعد تبرر سياساتها ومواقفها بواسطة صيغ مشوهة عن الماركسية والتقاليد الاشتراكية الثورية، رغم ذلك من المحتمل ان يتحججوا بدفاع البلاشفة والاشتراكيين الثوريين عن نضال "الوطني التحرري لشعوب الشرق" بوجه القوى الامبريالية في تلك الفترة. ولكن هذا تشويه لسياسة البلاشفة والاشتراكيين عندما يتم تطبيقها بهذا الشكل على العهد الحالي.
ان من ينقل مقولات عهد الحرب العالمية الأولى في الدفاع عن حركات "التحرر الوطنية" بوجه الدول الامبريالية آنذاك، بصيغتها المجردة والعامة الى هذا العهد، يزيل من حسابته؛ أولا، احد اهم ضرورات تعريف الحروب الحالية، أي تحديد محتوى العهد الذي تحدث فيه هذه الحروب كعهد الرأسمالية الامبريالية وصراعات اقطابها داخل منظومة الرأسمالية العالمية الشاملة والمنتشرة في جميع انحاء كوكبنا، وثانيا، التغييرات الحاصلة في البلدان التي تتعرض لحروب الدول الامبريالية وضرباتها من حيث كونها بلدانا رأسمالية، بحكم التطور التاريخي منذ الحرب العالمية الأولى لحد الان حيث تسود فيها البرجوازية بمختلف تلاوينها القومية والدينية والليبرالية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي تحتكر السلطة والنظام السياسي وتقمع البروليتاريا بأشكال مختلفة في هذه البلدان.
كما وهناك قسما في أوساط اليسار الراديكالي يعارضون الإمبريالية ولكن كدول امبريالية مضطهِدة وسياسات "احتلالية" بدون ربط الامبريالية بالرأسمالية وبالنضال ضدها بوصفها ذلك. وهم يصورن الامبريالية كسياسة خارجية للدول الامبريالية لإخضاع البلدان وبسط سيطرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها وخرق "سيادتها" السياسية "الوطنية" المستقلة بدون ربط الامبريالية بالرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي وسياسي وعسكري متشابك على الصعيد العالمي تضم في منظومتها الرأسمالية بلد مثل ايران ونظامها السياسي الإسلامي الحامي لراس المال. وهذا ما يفسح المجال لتنامي التيار السياسي الراديكالي المناهض للإمبريالية من منطلق برجوازي قومي راديكالي وتبنى سياسات مناهضة للإمبريالية بمعزل عن الاخذ بنظر الاعتبار للماهية الطبقية للنظام السياسي البرجوازي في ايران، وبالتالي اما دعم "مقاومة" النظام او الدوران في فلك المعارضة القومية الراديكالية للتدخل الامبريالي "الأجنبي".
هذا، وان قسما من اليسار في بلدان الدول الغربية بالرغم من موقفهم الصحيح تجاه مناهضتهم الشديدة للحروب الامبريالية لدولهم وتجاه حرب إسرائيل وأمريكا على ايران، يطبقون نظرية الوقوف بوجه الحروب الامبريالية بدون ادخال التغييرات الحاصلة في علاقة الطبقات في المجتمعات التي تتعرض لهذه الحروب.
الموقف الماركسي الثوري تجاه حرب إسرائيل على ايران ليس "الدفاع عن الوطن"، ولا دعم النظام السياسي القائم في ايران، بل رفع شعار إيقاف الحرب وضمان عدم تكراراها وذلك لإبعاد الجماهير عن مآسي الحرب، ولتامين ظروف مناسبة لنضال البروليتاريا داخل ايران للخلاص من النظام القائم وبأسه وسيطرته عن طريق الثورة البروليتارية الاشتراكية وليس عن طريق الحرب.
ان مسالة استلام السلطة عن طريق الثورة البروليتارية وبناء الاشتراكية هي في اجندة تاريخ جميع المجتمعات في البلدان الرأسمالية الامبريالية والدول الإقليمية المقتدرة كما هو الحال في البلدان الأخرى ذات تطور اقتصادي اقل. وهذا ما يتطلب اكبر درجة من التضامن الاممي بين العمال والكادحين وجماهير الشغيلة جميع بلدان العالم، وليس التحول الى وقود نار حرب البرجوازيات القومية لكل بلد او دعم هذه البرجوازية وانظمتها السياسية بوجه هذه او تلك من الدول البرجوازية المتحاربة، وهذا يستلزم أيضا رسم الخط الفاصل بينهم وبين البرجوازية القومية والدينية والليبرالية المعارضة بأكبر درجة من الوضوح.
ان إخفاء هذه الحقائق الطبقية والسياسية عن انظار العمال والكادحين والنساء والشبيبة باسم شعار "الدفاع عن الوطن" باي صيغة تكون، مكشوفة كانت ام مخفية، ليس سوى التحالف مع البرجوازية الحاكمة، والوقوع في أحضان سياسة البرجوازية القومية والإسلامية والليبرالية.
ان العهد الحالي الذي يتسم باخر درجة من تطور الرأسمالية على الصعيد العالمي واشتداد التناقضات الطبقية الى درجات كبيرة وسيادة الرجعية السياسية البرجوازية والعسكرتاريا وسباق التسلح لا تدع مجالا لأدنى شك بان ما هو في اجندة التاريخ الاجتماعي والسياسي هو الثورة البروليتارية الشيوعية والأممية الثورية للبروليتاريا وليس الدفاع عن هذا او ذاك من البرجوازية الحاكمة.
هل يمكن تفسير الحرب والهدنة الحالية على ضوء صراع قطبي الإرهاب العالمي: إرهاب الإسلام السياسي وإرهاب الدولة لإسرائيل وامريكا؟
من حيث الظاهر يبدو انه لا اشكال في هذه الصيغة اذ ان الطرفين إرهابيان، غير انه وبدرجة قليلة من التمعن نرى ان ذلك لا يساعد على فهم المحتوى السياسي الطبقي الرأسمالي الامبريالي للحرب والهدنة الحالية بين الطرفين، وبالتالي لا يساعد على استنتاج السياسة الماركسية والبروليتارية الصحيحة تجاه الحرب الأخيرة والهدنة التي تبعتها.
ان بعض الأحزاب والاتجاهات في الحركة الشيوعية العمالية في ايران الذين يعرفون انفسهم بانهم متبنين لمنهج وأفكار الرفيق منصور حكمت يستخدمون ما سبق ان طرحه بصدد صراع الإسلام السياسي والامبريالية الامريكية وحلفائها الغربيين بالارتباط مع الاعمال الإرهابية لـ 11 سبتمبر2001 في أمريكا، وعلى ضوئه يتبنون سياساتهم تجاه الحرب والهدنة الحالية بين إسرائيل وايران.
لست هنا بصدد تقييم تفاصيل هذه الموضوعة السياسية عندما طرحها منصور حكمت في وقتها، بل اود التركيز على ان تطبيق هذه الموضوعة وتصويرها كأنها نظرية يمكن استخدامها في الحقبة الراهنة من تطور الصراعات الرأسمالية العالمية لتفسير الصراع الحالي بين الامبريالية الامريكية وإسرائيل من جهة، والإسلام السياسي واحزابه وانظمته من جهة أخرى، ليس صحيحا. اذ ان ذلك يشكل خطأ نظريا وسياسيا قد يؤدي ببعض من المدافعين عنها، الوقوع في فخ الاصطفاف مع معسكر البرجوازية الليبرالية شبه العلمانية المعارضة في ايران والمنطقة.
ان الاستخدام الميكانيكي لهذه الاطروحة إزاء الوضع الحالي ينجم عنه عدم التمييز بين ما هو جوهري، وظاهري، وعدم التمييز بين "التربة" الموضوعية الاقتصادية والسياسية السائدة التي تجري على أساسها الحروب الامبريالية والحروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط في هذه الحقبة والتي تحدد هذه التربة سماتها الرئيسية، وبين التيارات والأنظمة السياسية القومية والإسلامية البرجوازية الاستبدادية الحاكمة في المنطقة، التي تعتاش على ادامة هذه التربة السائدة وهذه السمات الرئيسية للسياسة الرأسمالية الامبريالية الإسرائيلية والامريكية.
ان طرح موضوعة "صراع قطبي الإرهاب العالمي"، في عام 2001، في وقت لم يكن قد تبلور صراع الأقطاب الرأسمالية العالمية بشكله الحالي، لها أسبابها حيث ان "النظام العالمي الجديد" تحت قيادة أمريكا، كان لازال يرسم سمات السياسة الدولية الرئيسية خلال تلك الحقبة من تطور الرأسمالية والصراعات بين اقطابها، وان الإسلام السياسي وارهابه كانا ينموان باضطراد في جملة من بلدان العالم.
ان طرح هذه الاطروحة في تلك الفترة لمواجهة هذا الصراع الإرهابي بين الإمبريالية الغربية والإسلام السياسي كان لها موضوعيتها، ولكن نقلها وتطبيقها بشكل ميكانيكي على الحقبة الحالية حيث تتفاقم تناقضات الرأسمالية الامبريالية المعاصرة المتأزمة وتشتد صراعات اقطابها الأساسية العالمية الحالية، ليس سوى التمسك بالصيغ عوضا عن التحليل المشخص لأوضاع العالم الحالية.
ان الحرب على ايران والهدنة الحالية، تجري في تربة سيادة العلاقات الرأسمالية الإمبريالية المعاصرة وظروف صراع الأقطاب الامبريالية العالمية لتامين مناطق النفوذ الجيو سياسي والجيو استراتيجي والجيو اقتصادي، والسيطرة على مقدرات الجماهير في البلدان المختلفة، ليس هذا فحسب، بل تجري كإدامة لسياسات إسرائيل وأمريكا الاجرامية والتوسعية في ترسيم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الاوسط على ضوء التغييرات الحاصلة في ميزان القوى السياسي والعسكري بين النظام في ايران وإسرائيل وامريكا، بعد الاعمال الارهابية والعسكرية لحماس في 7 أكتوبر وما تلاها من جرائم الإبادة الجماعية الاسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة ومجازرها في الضفة الغربية.
ان تيار الإسلام السياسي بمثابة قوة برجوازية، ان كانت في الحكم او في المعارضة، في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا وآسيا، لازال يحتل مكانه في خارطة صراع الجيو سياسي والاقتصادي والجيو استراتيجي العالمي الاوسع والأكثر تشابكا وشمولا، وان النظام الإسلامي في ايران كذلك وكقوة برجوازية تتصارع في اطاره من اجل مصالحها الطبقية وأهدافها وطموحاتها الجيو سياسية .
وبعبارة أخرى، فان هذا التيار يسعى لنيل حصته من غنيمة اضطهاد الطبقة العاملة المحلية والعالمية، واستحواذ ثروات البلدان وبسط نفوذه في اسواقه الداخلية والخارجية، ضمن هذا الوضع العالمي الجديد. وهذا يعني، ان الإسلام السياسي لا يشكل قطبا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا عالميا بوجه القطب الرأسمالي الإمبريالي الأمريكي -الإسرائيلي والغربي حاليا كي يحدد سمات العهد الراهن والصراعات العالمية الجارية فيه.
وهذا الواقع الفرعي للإسلام السياسي في الصراع العالمي الراهن نراه حتى في تجربة تاريخ صعود قوى الثورة المضادة البرجوازية الإسلامية في ايران الى السلطة ارتباطا بدعم الإمبريالية الغربية لتحقيق ذلك ولخنق الثورة . كما ونرى هذا الواقع، في وجود دول تحكمها تيارات الإسلام السياسي ولكنها متحالفة مع الإمبريالية الغربية، وفي وجود دولة مثل تركيا وهي عضوة في حلف الناتو، وفي سياسة الدول الخليجية الداعمة للإرهاب الاسلامي الداعشي ومن نمط القاعدة، لتحقيق استراتيجية الامبريالية الامريكية في المنطقة، واخيرا وليس آخرا، في تحالف إسرائيل وأمريكا وهذه الدول مع الإرهابي الإسلامي احمد الشرع، في سوريا. هذا بالإضافة الى ان النظام الإسلامي في ايران مرتبط بأواصر اقتصادية وسياسية وعسكرية قوية مع كل من الصين وروسيا ضمن الصراع العالمي بوصفه حليف فرعي.
ان خنق النضال الثوري لجماهير البروليتاريا واعاقة نشوء ازمة ثورية تؤدي الى ثورة بروليتارية اشتراكية اثر تطور الازمة الرأسمالية المتفاقمة يوما بعد يوم، واشتداد الصراعات الجيو سياسية على أساسها، وسحق أي مساعي جدية للتضامن الاممي البروليتاري الثوري، يشكل بمجمله جزء من استراتيجية البرجوازية الامبريالية في هذه الحروب والصراعات.
انه من الضروري، باعتقادي، ان يتصدى الماركسيون والشيوعيون في ايران والمنطقة والحركة العمالية والتحررية بكل حزم ويقفون بالضد من الحرب الامبريالية الجارية في المنطقة، وان يقوّا تضامنهم النضالي الاممي مع التيارات الاشتراكية والشيوعية العالمية المناهضة للحروب الإمبريالية في هذا العصر. كما ومن الضروري، اكثر من أي وقت آخر، ان يصطفوا مع صف البروليتاريا الثورية في كل البلدان بوجه برجوازية بلدانهم، وان لا ينجروا الى الدفاع عن الحرب الإمبريالية ولا عن" الدفاع عن الوطن".
بصدد اسقاط النظام الإسلامي عن طريق الحرب
ان عقد الآمال على الحرب الامبريالية لإسرائيل وامريكا على ايران كوسيلة لإسقاط النظام الإسلامي في هذا البلد يتطابق مع اهداف وسياسات واستراتيجية التيارات والأحزاب البرجوازية القومية والفيدرالية من أمثال " الملكيين" و"مجاهدي خلق" والتيارات القومية الداعية الى الفيدرالية وغيرها. ان هذه القوى وكالمعتاد تبحث عن تحقيق استراتيجيتها السياسية في الوصول الى الحكم من خلال ربطها بالحرب التي تدمر البينان المدني للمجتمع وتشل الطاقة الثورية للبروليتاريا وتفرض مشقات ومخاطر هائلة على جماهير الشغيلة والمفقرين وسائر المضطهدين. وهي تسعى عبر هذه الوسيلة بسط سيطرتها سواء على صعيد البلاد او على صعيد المناطق المختلفة في ايران التي تعاني من التمييز والقمع القومي والطائفي.
ان آثار اسقاط النظام في ايران او غيره من البلدان عبر حروب الدول الامبريالية او حروب بالوكالة داخل تلك البلدان، لا يخفى على احد، وان جماهير العمال والشغيلة والنساء في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان تدفع ضريبتها كل يوم ولحد الان. ان مسؤولية الشيوعيين والماركسيين في العراق تقتضي نقل دروس هذه التجربة التي مرت بها الجماهير في العراق إلى الجماهير البروليتارية في عموم المنطقة، وخوض غمار النضال من أجل تحصين القوى الاشتراكية والشيوعية والثورية من الوقوع في فخ الأوهام والدعايات التي تروج لها البرجوازية الليبرالية، والقوميون، وأحزابهم ومختلف تياراتهم. تلك القوى التي ما فتئت تربط تحقيق أهدافها السياسية بالركون إلى إسقاط الأنظمة من خلال الحروب الإمبريالية.
لا شك ان اسقاط النظام الإسلامي في ايران والخلاص من قبضته يشكل مطلبا لعشرات الملايين من جماهير العمال والكادحين والنساء والشبيبة والطبلة ليس في ايران فحسب، بل أيضا في العراق والمنطقة. غير ان ذلك لا يعني ان تهرول هذه الجماهير خلف سياسات واستراتيجيات البرجوازية المحلية او العالمية الرامية الى سلب ارادتها السياسية. لدى هذه الجماهير ونضالاتها واحزابها السياسية الاشتراكية والثورية في هذا البلد سياستها واستراتيجيتها وتكتيكها السياسي الخاص بها لإيجاد التحول السياسي في البلاد، ولا يمكن مزجها اعتباطا بسياسة واستراتيجية البرجوازية.
كل "نضال سياسي هو نضال طبقي" كما قال ماركس، فلا يجوز الحديث عن قضية سياسية مهمة كالحرب واسقاط النظام عن طريقها، بدون ان نحدد المحتوى الطبقي للسياسة التي تعد الحرب واسقاط النظام بالارتباط معها، استمرار لها. وبالمقابل، فان الثورة وكما يقول انجلز "اسمى أنواع ممارسة السياسة"، فالثورة البروليتارية في ايران وتحقيق التغيير السياسي عبر الحرب الامبريالية سياستان طبقيتان متضادتان لا يمكن الجمع بينهما. ان هدف المعارضة البرجوازية الإيرانية هو اسقاط النظام عن طريق الحرب، أي خنق الثورة عبر حرب أمريكا واسرائيل بوجه النظام الإسلامي في ايران، وهذه سياسة وموقف طبقي برجوازي لا علاقة له بديناميكية السياسة الطبقية البروليتارية وثورتها سوى خلق الظروف والشروط المعيقة لتحقيق الاخيرة.
ان البلاشفة والاشتراكيين الامميين اثناء الحرب الامبريالية العالمية 1914-1918 رفعوا شعار تحويل الحرب الرجعية الامبريالية الى حرب ثورية لبروليتاريا الدول المتحاربة واسقاط البرجوازية الحاكمة كل في بلده عن طريق شن هذه الحرب الثورية الاشتراكية العالمية وتوحيد النضال الاممي لإنجاز هذه الثورة.
انه ضرب من الخيال وتناقض منطقي الى حد السخرية ان يتصور احد بان "الملكيين" و"المجاهدين" والقوميين الفيدراليين، اي مدافعي اسقاط النظام في ايران من معسكر البرجوازية المعارضة بالارتباط مع الحرب الإمبريالية، ان يكونوا معنيين بتحقيق الثورة الاشتراكية في أمريكا وإسرائيل وايران، سوى مهمة خنقها. ولكن هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها امام كل اشتراكي ثوري وكل شيوعي عندما يتوهم ويدافع عن اسقاط النظام في ايران عبر الحرب الامبريالية متذرعا بتجربة البلاشفة والشيوعيين الامميين الثوريين في الحرب العالمية الأولى.
ان اول إشكالية امام هؤلاء الاشتراكيين هي كيف يمكنهم ان يستندوا على هذه التجربة بدون رفع شعار اسقاط النظام البرجوازي في جميع البلدان المتحاربة، وفي هذه الحالة في كل من أمريكا وإسرائيل والدول الإمبريالية الغربية في الحرب التي جرت؟ ولماذا لا يتحدثون عن ثورة اشتراكية عالمية في هذه الحرب بل يكتفون بتحقيق انتصار لـ"حركة اسقاط النظام" الجماهيرية في ايران ويأطرونها في اطار ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" فقط، ويلزمون الصمت حول كون هذه "الثورة" السياسية هي نفسها طبقية وتـتألف من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ذات مصالح واهداف متباينة ومتناقضة، ولا يتحدثون عن كون تلك المطالب "الديمقراطية" نفسها مرهونة اكثر فاكثر في ظروف الرأسمالية العالمية المعاصرة بتطور الثورة الاشتراكية وتقدمها على صعيد ايران والمنطقة.
ان الوهم بالحرب الامبريالية لتحقيق التغيير او ربط الاستراتيجية السياسية الثورية بها، ليس في اجندة الأحزاب والتيارات الاشتراكية الثورية ولا في اذهان معظم الجماهير البروليتارية. ولكن، الواقع المزرى للحياة تحت ظل الأنظمة القمعية للإسلام السياسي والقوميين في بلدان مثل العراق وايران يجعل قسم من الطبقة العاملة والجماهير وحتى بعض الاشتراكيين والناشطين السياسيين ان يقعوا في وهم اختيار الخلاص، بأية وسيلة كانت من قسوة الاستبداد والدكتاتورية، حتى وان تكن الحرب الامبريالية. ان هذا الوهم قد يشجعه التراجع المفروض على الحركات الثورية وقمعها لفترات طويلة.
ان ربط تحقيق التحولات السياسية في ايران بالحرب الامبريالية، سياسة مناهضة لجماهير العمال والكادحين ومصالح تقدم نضالهم الطبقي المستقل ومسار تطور الثورة الاشتراكية في البلاد، وهي كذلك سياسة تتعارض مع سياسة مناهضة الحرب التي تطرحها الحركة العمالية والاشتراكية في بلدان العالم المختلفة. فمن يدافع عن الحرب الامبريالية اليوم سيكون غدا وعند حدوث التحولات السياسية في هذا البلد، يتخندق في المعسكر المقابل للحركة البروليتارية الثورية والثورة الاشتراكية الا اذا كان الشخص الاشتراكي قد تبنى هذه السياسة من باب عدم فهمه وادراكه الصحيح لظاهرة الحرب المعنية كسياسة طبقية ذات جذر اجتماعي.
باعتقادي ان جذر المشكلة في اختلاف المواقف في الحركة الشيوعية على صعيد ايران والمنطقة تجاه الحرب والهدنة الراهنة يكمن في الاختلاف حول الهدف النهائي للحركة، أي الثورة البروليتارية الشيوعية في هذه البلدان. ان التوقف في منتصف طريق التحول الثوري الاجتماعي والسياسي في ايران والاكتفاء بتحقيق التحول السياسي من العلمانية والحرية السياسية والمدنية وبعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية يفتح الطريق امام دخول مفاهيم و سياسات برجوازية الى صفوف الحركة الشيوعية والمهام الشيوعية التي امامنا في خضم التحولات القادمة في ايران والمنطقة. وهذا ما يحدث تجاه عدم اتخاذ موقف حازم بالضد من الحرب الإمبريالية لإسرائيل وأمريكا في المنطقة بما فيها على ايران.
8/7/2025