من أجل ثقافة جماهيرية بديلة : ما العمل - لينين 18


عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن - العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 21:25
المحور: الارشيف الماركسي     

ولذلك لم يجدوا حتى الآن الجواب الواضح على سؤال "من أين نستمد القوى للنضال ضد الحكم المطلق؟"". هذا الإستخفاف الرائع بالنضال ضد الشرطة من قبل هائم (بأردأ معاني الكلمة) بالحركة العفوية، أليس بديعا حقا؟ إنه مستعد لتبرير عدم مهارتنا في العمل السري بحجة أن النضال ضد الشرطة السياسية لا أهمية له في جوهر الأمر بالنسبة لنا في حالة الحركة الجماهيرية العفوية!! لن يوقع على هذا الإستنتاج الفظيع غير قلة قليلة: فقد حز الألم صميم أفئدة الجميع من جراء نواقص منظماتنا الثورية. ولكن إذا كان مارتينوف، مثلا، يرفض التوقيع عليه فما ذلك إلا لأنه لا يحسن التفكير بموضوعاته حتى نهايته المنطقية أو لا يجرؤ على ذلك. وفي الحقيقة، إذا ما وضعت الجماهير مطالب معينة تبعث الأمل بنتائج حسية، فهل تتطلب هذه "المهمة" اهتماما خاصا بإنشاء منظمة ثوريين وطيدة، متمركزة قادرة على الكفاح؟ ألا يقوم بهذه المهمة جمهور لا "يناضل ضد الشرطة السياسية" على الإطلاق؟ وفوق ذلك: هل يمكن تنفيذ هذه المهمة إذا لم ينهض بها أيضا، عدا القادة القلائل، عمال هم (في أكثريتهم الكبرى) غير أهل على الإطلاق "للنضال ضد الشرطة السياسية"؟ فهؤلاء العمال، هؤلاء الناس المتوسطون من الجماهير يستطيعون إظهار فيض من الهمة والتفاني في الإضراب وفي نضال الشوارع ضد البوليس والجيش، يستطيعون (وهم وحدهم الذين يستطيعون) تقرير نتيجة حركتنا بأكملها - ولكن النضال ضد البوليس السياسي هو الذي يتطلب صفات خاصة، يتطلب ثوريين محترفين. وينبغي لنا أن نحرص، لا على أن "يقدم" الجمهور مطالب ملموسة وحسب، بل على أن "يقدم" جمهور العمال كذلك أمثال هؤلاء الثوريين المحترفين بعدد متزايد على الدوام. وهكذا نصل إلى مسألة التناسب بين منظمة الثوريين المحترفين وحركة العمال الصرف. إن هذه المسألة التي قلما وجدت لها مكانا في المنشورات قد شغلتنا كثيرا نحن "السياسيين" في الأحاديث والجدال مع الرفاق الذين يميلون إلى "الإقتصادية" إلى هذا الحد أو ذاك. وهي مسألة تستحق الوقوف عندها بوجه خاص. ولكن لنختتم أولا، باستشهاد آخر، عرض رأينا في الصلة بين العمل الحرفي و"الإقتصادية". لقد كتب السيد N.N. في مقاله "الجواب"(87): "إن فرقة "تحرير العمل" تنادي بالنضال المباشر ضد الحكومة دون أن تقدر أين تكمن القوة المادية الضرورية لهذا النضال ودون أن تشير إلى طرق هذا النضال". وقد وضع الكاتب بالخط العريض الكلمات الأخيرة ووضع تحت كلمة "طرق" الملاحظة التالية: "هذا الواقع لا يمكن تفسيره بأهداف العمل السري، لأن البرنامج لا يتحدث عن مؤامرة، بل عن حركة جماهيرية. ولا يمكن للجمهور أن يسير في الطرق السرية. إذ هل يمكن وجود إضراب سري؟ هل يمكن وجود مظاهرة أو عريضة سرية؟" ("Vademecum" "فاديميكوم"، ص59). لقد وقف الكاتب وجها لوجه أمام هذه "القوة المادية" (منظمو الإضرابات والمظاهرات) وأمام "طرق النضال". ولكنه يجد نفسه مع ذلك في حيرة وبلبلة، لأنه "يقدس" الحركة الجماهيرية، أي أنه ينظر إليها نظرته إلى أمر يعفينا من نشاطنا الثوري، لا إلى أمر من شانه أن يشجع ويحفز نشاطنا الثوري.الإضراب السري مستحيل بالنسبة للمضربين وللأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة به. ولكن هذا الإضراب قد يبقى (وإنه ليبقى في معظم الحالات) "سرا" بالنسبة لجمهور العمال الروس، لأن الحكومة تعمل على أن تقطع كل صلة بالمضربين، تعمل على أن تجعل من المستحيل نشر أي نبأ عن الإضراب. وهنا تظهر الحاجة إلى "النضال ضد الشرطة السياسية"، وهو نضال خاص لا يمكن أن يقوم به بنشاط في أي حال من الأحوال جمهور كبير كالجمهور الذي يشترك في الإضرابات. وينبغي أن ينظم هذا النضال "وفق جميع أصول الفن" من قبل أناس يجعلون من النشاط الثوري مهنة لهم. ولا تقل الحاجة إلى تنظيم هذا النضال من جراء انجذاب الجمهور إلى الحركة بصورة عفوية. بل بالعكس، فإن هذا الواقع يزيد الحاجة إلى هذا التنظيم، لأننا نحن الإشتراكيين لا نقوم بواجباتنا المباشرة أمام الجمهور إذا كنا لا نستطيع إعاقة الشرطة عن أن تبقي طي الكتمان (وإذا كنا لا نحضر نحن أحيانا في طي الكتمان) أي إضراب أو أية مظاهرة. في طاقتنا أن نفعل هذا، وذلك على وجه الضبط لأن الجمهور المستيقظ بصورة عفوية سيقدم أيضا من صفوفه "ثوريين محترفين" بعدد متزايد (هذا إذا لم يخطر لنا أن ندعو العمال بمختلف النغمات إلى المراوحة في مكان واحد).