طلبة صربيا يحتجون على الفساد والقمع


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 18:13
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

في الأول من تشرين الثاني 2024، انهار سقف محطة قطار مدينة نوفي ساد شمال صربيا، التي تم ترميمها حديثًا. لقد أدى انهيار السقف إلى وفاة 15 مواطنا. ومنذ ذلك الحين، اندلعت حركة احتجاجات حاشدة، شكل الطلبة عمودها الفقري، مطالبين بتوضيح ملابسات الحادث، رافضين الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة. وفي نهاية الأسبوع الفائت، اندلعت احتجاجات حاشدة مرة أخرى، وتمت محاصرة الجامعات ونظمت إضرابات في العديد منها.

سبب مباشر
لقد شكل الهجوم على طلاب أكاديمية الفنون المسرحية في بلغراد، من قبل مهاجمين مجهولين أثناء إحياء ذكرى ضحايا الحادث في نوفي ساد، سببا مباشرا لاندلاع الاحتجاجات. وبدا واضحا للمحتجين واوساط واسعة من المجتمع أن انهيار سقف المحطة، نتيجة مباشرة للفساد، لذا كانت مطالب المحتجين واضحة في محاسبة المسؤولين عن الانهيار سياسيا وجنائيا، وكذلك محاسبة كل الجهات والأفراد الذين ساهموا في قمع الطلبة والمواطنين المشاركين في الاحتجاجات.

هذه المطالبات موجهة إلى النيابة العامة والمؤسسات المسؤولة، وليس إلى رئيس الجمهورية صاحب السلطة المطلقة. المشكلة هي أن هذه المؤسسات لا وجود لها إلا شكليا. لقد تم تقويضها بشكل كامل خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة للاستيلاء على الدولة وتركيز السلطة في أيدي الرئيس.

طبيعة الاحتجاجات
عشرات الآلاف من الناس وقفوا بصمت لمدة 15 دقيقة. ومنذ الأول من تشرين الثاني 2024، أصبح هذا المشهد مرئيًا ويتكرر باستمرار. وقبيل عيد الميلاد، تجمع أكثر من 100 ألف مواطن في ساحة سلافيجا في بلغراد في واحدة من أكبر المظاهرات في تاريخ البلاد. وانتظر المشاركون بصمت حتى منتصف الليل في مواجهة درجات انجماد وضباب كثيف.

عكست المشاركة الطلابية الواسعة في الاحتجاجات، وسعة مشاركة الأوساط الاجتماعية المشاركة فيها أيضا، شعورا أن الأوضاع في البلاد أصبحت لا تطاق، وأن التغيير أصبح ضرورة ملحة.

وسياسيا يتلقى المحتجون دعما تعبويا وماديا من جميع أحزاب المعارضة، على الرغم من عدم مشاركة هذه الأحزاب في تحديد شعارات وقرارات الحركة الاحتجاجية التي حافظت على طابعها الطلابي، وعلى الرغم من المضامين السياسية التي تمثلها.

خطر ثورة ملونة
الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش يحذر من "ثورة ملونة" مؤيدة للغرب. ويشير إلى تورط قوى أجنبية تحاول الإطاحة به، على خلفية اتهامه بموالاة روسيا. ويرد المحتجون بعدم وجود أي سبب للتدخل الأجنبي. قد يُنظر إلى الرئيس الصربي على أنه موالٍ لروسيا في وسائل الإعلام الأجنبية، لكنه في الوقت نفسه يحافظ على علاقات ممتازة مع بعض القادة الغربيين، لذلك فهو غير مستهدف. إن إصراره على أن هذه "ثورة ملونة" ليس سوى مناورة دعائية يحاول من خلالها تحجيم تعاطف المواطنين مع الطلبة.

رد الطلبة بجملة ثورية بسيطة "أنت لست مسؤولاً ومن خلال ترسيخ هذه الحقيقة الدستورية، فإنهم يقلبون المشهد السياسي بأكمله رأساً على عقب. حتى الآن، كان الرئيس، يشعر، في تناقض واضح مع الدستور، بأنه مسؤول عن كل شيء، وهو مقبول، سواء في صربيا أو خارجها. ولكن يبدو أن هذا الأمر يقترب في صربيا من نهايته.

تضامن
تحظى احتجاجات الطلبة في صربيا بتعاطف كبير وتضامن في البلدان المجاورة، وبدء طلبة هذه البلدان تنظيم فعاليات تضامنية. لقد أثبت الجيل الشاب حكمته وحصانته إلى حد كبير ضد السرديات القومية السامة التي سادت في الماضي القريب. ويستطيع مواطنو البلدان المجاورة أن يتعاطفوا ليس فقط مع المطالب، بل وأيضاً مع الشعور العام بالعجز.

قبل أيام قليلة فقط من انهيار سقف المحطة في صربيا، توفي 19 مواطنا في البوسنة والهرسك في حادث في مقلع كان العمل يجري فيه، طوال عشرين عاما، بشكل غير قانوني، دون أن يُحاسب أحد. وفي يوم رأس السنة الجديدة، هز جمهورية الجبل الأسود مرة أخرى حادث إطلاق نار جماعي أسفر عن مقتل إثني عشر مواطنا. وأعادت هذه المأساة إلى الأذهان أيضًا ذكريات مؤلمة في صربيا عن المجزرتين اللتين وقعتا في أيار 2023، والتي قُتل فيها 19 ضحية، معظمهم من الأطفال. وتشهد المنطقة أيام حداد ودقائق من الصمت. وتستمر الأزمة السياسية في صربيا في التصعيد. لقد فقدت أساليب الترهيب التي جربتها الحكومة سطوتها، وتبخر الخوف. إن النزعة القومية وزعزعة الاستقرار الإقليمي لم تعد تجدي نفعا، ويبدو أنها غير فعالة. ومن بين السيناريوهات الجديدة التي تطرحها الحكومة سيناريوهات الرعب الاقتصادي المصممة لفرض القانون والنظام. ويتناقض هذا مع الدعاية الحكومية الأخيرة، التي اعتبرت صربيا "نمرًا اقتصاديًا".

إن إجراء انتخابات جديدة لن يغير شيئا في ظل الظروف الحالية، لأن الانتخابات لم تكن حرة ولا ديمقراطية منذ سنوات. وفي نهاية عام 2023، تمكن المراقبون الدوليون من توثيق آلية الاحتيال الانتخابي المعقدة، والبلاد تغلي. وعندما انضم تلاميذ المدارس الثانوية والمتوسطة إلى الاحتجاجات الطلابية، تم تقديم موعد العطلة الشتوية، لكن العديد من التلاميذ كسروا العطلة، في رسالة مقاومة واضحة. وينضم عدد متزايد من النقابات العمالية والجمعيات المهنية إلى مطالبات المحتجين. وأصبحت الدعوات للإضراب العام أعلى من أي وقت مضى.