مشروع قانون الموازنة يفاقم الأزمة


فهمي الكتوت
الحوار المتمدن - العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 15:53
المحور: الادارة و الاقتصاد     

كشف مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2025 عن عمق الازمة المالية والاقتصادية في البلاد؛ فالاقتصاد الاردني يعاني من أزمة بنيوية ناجمة عن هيمنة النمط الاستهلاكي، وضعف الانتاج السلعي، ومحدودية القطاع الزراعي، وزيادة الاعتماد على الخارج في تأمين الاحتياجات الاساسية والمواد الغذائية. والتوسع في السياسة الضريبية غير المباشرة،وتفاقم المديونية. خاصة بعد التخلي عن مؤسسات الدولة لصالح الاحتكارات الرأسمالية، واخضاع البلاد لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، وهيمنة الشرائح الطفيلية على الاقتصاد الوطني واغراق البلاد بالمديونية. الامر الذي ادى الى ارتفاع العبء الضريبي على الانتاج السلعي والمواد الاستهلاكية، واستنزاف طاقات المجتمع الاردني، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية، ووجود مناخات وقوانين غير مواتية وفي مقدمتها السياسات الضريبية التي اضعفت القدرة الشرائية للمواطنين وباتت تشكل عقبة امام التنمية الاقتصادية.
لقد جاءت الموازنة العامة للدولة ضمن السياسات التقليدية؛ الجديد استمرار تراكم العجوزات التي فاقمت الاختلالات الهيكلية، فالسياسات المالية والاقتصادية عاجزة عن الوصول الى رؤية مستقبلية لوقف حالة التدهور، رغم حالة الانكار.
تعكس المعطيات انفة الذكر حالة الفشل الذريع في السياسات الاقتصادية وادارة موارد البلاد، وتخبط في اعداد وإقرار الموازنات، وعدم الاعتراف بتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالاقتصاد الاردني يعاني من حالة استعصاء وغير قادرعلى تحقيق نمو حقيقي يسهم بوقف حالة التدهور، مع اصرارعجيب على الادعاء بقدرة الأقتصاد الوطني في توليد المزيد من الضرائب التي تزيد من افقار المواطنين .
بلغت زيادة الايرادات المحلية في مشروع قانون الموازنة 880 مليون دينار منها 804 مليون دينار ضرائب معظمها من جيوب الفقراء والكادحين. لتصل الايرادات المحلية الى 9.498 مليار دينار. علما ان الموازنة التقديرية لعام 2024 استهدفت تحقيق ايرادات محلية 9.579 مليار دينار، كانت النتيجة تراجعها 961 مليون دينار عن القيمة المستهدفة. دون ان تقدم اعتذارا للشعب الأردني على هذا التخبط في السياسات المالية والاقتصادية او تقييم موضوعي لعدم تكرار السياسات العشوائية. (كالطالب الذي يعيد الصف لتحقيق ما فشل في تحقيقه بنفس المنهاج). دون الوقوف على اسباب الفشل والاستعداد لعدم تكراره،(رب قائل يقول ان موازنة 2024 مسؤلية الحكومة السابقة، للعلم هذه السياسات الكارثية تتكرر كل عام، ومع ذلك نحن نتحدث عن (سياسات دولة وليست حكومات) أما تكلفة هذه السياسات على الشعب الأردني باهظة، بإرتفاع العبء الضريبي، وانهيار القدرة الشرائية للدخل المتواضع لغالبية المواطنين، ناهيك عن عدم وجود دخل لنحو ربع القوى العاملة، نتيحة ارتفاع معدلات البطالة.
بلغت النفقات العامة في مشروع قانون الموازنة 11.042 مليار دينار وبزيادة قدرها 875 مليون دينار، وبلغ عجز الموازنة بعد المنح 2.278 مليار دينار، ومع اضافة عجز الهيئات المستقلة يصبح العجز الحقيقي بعد المنح 3.066 . لقد شكل اتساع الفجوة بين الايرادات والنفقات الى تفاقم عجز الموازنة الامر الذي اسهم بزيادة عبء المديونية، وارتفاع تكلفتها على حساب تراجع الخدمات العامة والبنية التحتية المتهالكة، وباتت تشكل المديونية خطرا حقيقيا على السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية، كالوحش الكاسر الذي يلتهم ما حوله. فقد بلغت قيمة فوائد المديونية وحدها 2.500 مليار دينار "حكومة وهيئات مستقلة"، تساوي قيمة حصص ثماني وزارات رئيسية (الصحة والتعليم والزراعة والسياحة والنقل والعمل والاشغال والطاقة) أهم الوزارات التي يفترض ان تسهم في تحفيز الاقتصاد، وترميم وتوسع البنية التحتية، وتقدم الخدمات الاساسية للمواطنين. ولكي نتعرف على مزيد من المؤشرات التي تكشف عن مدى تردي الأوضاع المالية والاقتصادية، اصبحت قيمة فوائد المديونية تلامس قيمة اجمالي الدين العام الداخلي والخارجي لعام 1988 التي شكلت مفاعيلها مقدمات لإنفجار الأزمة المالية والاقتصادية، وإستدعاء صندوق النقد الدولي عام 1989 لتحقيق "الاصلاح الاقتصادي"، بتسديد الدين العام وإنعاش الاقتصاد، ومعالجة مشكلة البطالة. بدلا من الاصلاح تم اغراق الاقتصاد الوطني بالقروض التي بلغت 43.800 مليار دينار، وفشل نمو الناتج المحلي الاجمالي الذي يراوح بين 2- 2.5% منذ عام 2011.
اما اقساط القروض المستحقة، يجري تغطيتها من موازنات التمويل، والتي تبلغ قيمتها نحو 10.550 مليار دينار، ستتولى الحكومة اقتراضها خلال العام الحالي، لتسديد العجز الوارد في الموازنتين الحكومة والهيئات المستقلة، وتسديد اقساط القروض المستحقة.
أما تسديد التزامات سابقة؛ التي استحدثت في جداول الموازنة منذ عام 2016، وتتكرر سنويا، فهو اجراء غير دستوري ومخالف لقانون الموازنة، مشروع القانون المقدم لمجلس النواب؛ "موازنة تقديرية للنفقات والايرادات"، أما "الالتزامات السابقة" نفقات خارج الموازنة لم يجر الافصاح عنها او اقرارها من هيئة رقابية وان على مجلس النواب ردها، حيث لا يجوز اجازتها بعد انفاقها خارج الموازنة، ودون الافصاح عن تفاصيلها خاصة ان القيمة التراكمية لتسديد التزامات سابقة وصلت 1.167 مليون دينار منذ عام 2016. وتجدر الاشارة الى ان القرار التفسيري رقم (2) لسنة 2006 تاريخ 26/12/2005 الصادر عن المجلس العالي لتفسير احكام الدستور يتضمن بأن احكام الدستور تلزم الحكومة بعدم صرف نفقات تزيد عن المقرر في قانون الموازنة العامة. فإن ذلك يعني أن هذا الانفاق مخالف لأحكام الدستور.