قراءة في كتاب الازمة المالية والاقتصادية في الاردن


فهمي الكتوت
الحوار المتمدن - العدد: 6673 - 2020 / 9 / 10 - 13:09
المحور: الادارة و الاقتصاد     

كتب الباحث المحاسب القانوني والاقتصادي الاستاذ محمد البشير: يستكمل الاستاذ فهمي الكتوت ما قدمه للمكتبة الاردنية والعربية عن الاقتصاد الاردني بجزئية الكلي (المالية العامة) والجزئي القطاع الخاص بمكوناته الثلاث الصناعة، الزراعة والخدمات حيث تشابك السياسي بالاقتصادي منتجاً ما نحن عليه من اوضاع سياسية، اقتصادية واجتماعية حيث غطى في مؤلفه الاول بعنوان (التحولات الاقتصادية والاجتماعية) فترة هامة من تاريخ الاردن تعتبر مرحلة بناء الاردن ما بعد وحدة ضفتي نهر الاردن الغربية والشرقية وللفترة (50-1967) التي شهدت تطورات سياسية كبيرة توجت بتشكيل حكومة تقدمية (سليمان النابلسي) وانشاء البنية التحتية للاقتصاد الاردني ابتداءً من شبكة الطرق، المياه، الكهرباء وانتهاءً بالصناعات، البترولية، الاسمدة، المطاحن، الفوسفات وغيرها مترافقاً ذلك مع تأشير واضح على ازمة المالية العامة في الاردن وتطور مشوه لمكونات الناتج المحلي الاجمالي...الخ.
في مؤلفه الجديد عن الازمة المالية والاقتصادية يطلعنا الاستاذ فهمي على ادوات المالية العامة وأزمتها المزمنة وانعكاسها على القطاعات الاقتصادية كافة واسباب ذلك مقدماً البراهين الواضحة، المستندة الى تحليل علمي ووافي للسياسيات المالية وخاصة منها الضريبة والنفقات الجارية والتشريعات كمسببات رئيسية للاوضاع الاقتصادية التي نعيش مستلهماً من تاريخه النضالي في الحزب الشيوعي الاردني حيث الانحياز للطبقة العاملة على وجه الخصوص وللطبقة المتوسطة والفقيرة عموماً وللأردن دائماً في هذا الانجاز.
يتناول الكتاب المشهد السياسي اردنياً وعربياً لمرحلة ما بعد العدوان الصهيوني على الأقطار العربية الثلاث مصر، الاردن وسوريا من حيث المتغيرات العميقة للخطاب السياسي العربي والوطني على حدٍ سواء مفصلاً ذلك باربعة فصول عاكساً ذلك على فترات ذات دلالة فرضت حضورها على اقتصادنا الوطني فالفترة (1967-1989) كما حددت الدراسة التي يسميها الكتوت بالخصائص وتأثير العوامل الخارجية والازمة المالية التي ادت الى هبة نيسان المجيدة. مستعرضاً العوامل السلبية التي يعاني منها الاقتصاد الاردني كالنمط الاستهلاكي، تعطيل الانتاج الزراعي، الخضوع لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين كل ذلك ادى الى انخفاض نسبة النمو للانتاج الوطني وتالياً انخفاض التحصيلات الضريبية مع ارتفاع كبير للنفقات، مما دفع الحكومات خلال تلك الفترة للجوء الى المديونية من اجل سد عجز الموازنة على وجه الخصوص، خاصة بعد تراجع المساعدات العربية والدولية بشكل عام واعتماد الحساب الجاري على صادرات متواضعة وحوالات الاردنيين في الخارج مما ادى الى اللجوء مرة تلو المرة الى المديونية لسد العجز في الميزانية الختامية من جهة، ولدعم فاتورة الاستيراد من جهة اخرى.
تعود الدراسة في الفصل الثاني الى استعراضاً تفصيلياً لبرامج التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي من حيث تاريخ الاتفاقية والفترة التي استغرقتها والاهداف التي استهدفتها والذي تحقق من هذه الاهداف حيث ابرز الكتوت قواسم الاهداف المشتركة لهذه الاتفاقيات منذ سنة 1989 حتى عام 2019 ومنها تحقيق نمو اقتصادي بمعدل افضل من السنوات السابقة، تحقيق ايرادات محلية بنسبة (105%) من النفقات الجارية، تخفيض عجز الموازنة الى الحدود الدنيا، تخفيض نسبة البطالة وسد فجوة الميزان التجاري مقيماً نتائج هذه البرامج وانعكاسها على الاقتصاد الوطني.
هذا العرض والتقييم والنقد لهذه المرحلة اشر بشكل واضح على الاسباب الرئيسية في ازمة الاقتصاد الاردني المزمنة والتي ما زالت مستمرة حتى ايامنا هذه، استناداً الى ان النهج الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة ما زال هو المعتمد، خاصة بعد ان احتل العدو الصهيوني الضفة الغربية الفلسطينية مما افقد الاقتصاد الوطني (38%) من الاراضي الزراعية، (80%) من مجمل الاراضي المزروعة، (62%) من انتاج الفواكه، (82%) من انتاج الزيتون، (45%) من انتاج الخضروات ....الخ، وليصبح القارئ على دراية باسباب ما حدث. تضمن الكتاب عرض لما قام به الليبراليون الجدد من سياسات مالية وخاصة بفترة (92-98) حيث تم كف يد الدولة عن التدخل بالشأن الاقتصادي من جهة ويبيع ممتلكاتها في الشركات الاستراتيجية من جهة اخرى (الخصخصة) مبيناً عوائدها واثارها على مالية الدولة وعلى الاقتصاد الوطني الذي اصبح اكثر هشاشة واكثر انكماشاً مما انعكس على المجتمع بحصة اقل من الناتح المحلي الاجمالي وفقر اوسع ادى الى انتشار المخدرات والعنف المجتمعي وتراجع القيم التي اتسم بها المجتمع الاردني خلال العقود الماضية من عمر الاردن.
في الفصل الثالث تحدثت الدراسة عن التنمية الاقتصادية والانظمة التي اتبعتها الدول تاريخياً وحاضراً مبيناً حسناتها ومساوئها مؤشراً على خطط التنمية الاقتصادية والتحفيزية للاقتصاد الاردني للسنوات 2018-2022 واخرى للسنوات 20-25 (رؤيا الاردن 2025) مبيناً الفجوات والنتائج المحبطة التي شابت هذه الخطط سواء من حيث لا واقعيتها او بسبب عدم تحقيقها لاي نمو او وقف لتراجع المؤشرات الاقتصادية سواء كانت ذات علاقة بالميزان التجاري، البطالة وجيوب الفقر التي اصبحت اكثر ارتفاعاً مع ارتفاع ملحوظ لعدد السكان.
القطاع الصناعي والزراعي كان لهما مكانتهما في الدراسة، التي اكدت على خصائصها، اهميتها، واقعها ومعيقات نموها والتحديات التي تتعرض لها.
السياسات المالية المتبعة في الاردن احتلت الجزء الاكبر من الكتاب في فصله الرابع، حيث قدمت الدراسة فحصاً للموازنة العامة للسنوات 1970 حتى عام 2018 مستعرضاً ابوابها ونصوصها وتغول نفقاتها الجارية على النفقات الرأسمالية واعتمادها على الضرائب العامة من المواطنين من جهة وعلى المساعدات العربية والدولية من جهة اخرى، حيث تعاظمت هذه الضغوط على المالية العامة بعد ان ركزت السياسات الضريبية على الضرائب غير المباشرة كمرجع في التحصيلات الضريبية وارتفاع كلفة المديونية الى جانب ارتفاع حصة النفقات العسكرية ومشتقاتها، فاتورة التقاعد واعباء الوحدات المستقلة التي لم تحقق من تاريخ انشائها حتى تاريخه اية عوائد على خزينة الدولة.
تخلص دراسة الاستاذ فهمي الى ان السياسات المالية تضمنت اختلالات هيكلية في الموازنة من حيث نفقاتها التي تذهب الى الجهاز العسكري والمدني وبحدود (60%) و(13%) لتسديد فوائد الدين العام ونفقات رأسمالية لا تزيد عن (11%) مبيناً ان الايرادات لها مصادر ثلاث ضريبية بمعدل (65%) ما يزيد عن (78%) منها ضرائب غير مباشرة ومباشرة (22%) ومساعدات عربية ودولية بالاضافة الى القروض التي قاربت قيمة الناتج المحلي الاجمالي .
الدراسة تزخر بالارقام والنسب عبر العرض او بالجداول التي كانت مرجعيتها البنك المركزي/ وزارة المالية ودائرة الاحصاءات العامة بالاضافة الى الصحف والمجلات والدراسات والابحاث الاقتصادية ومجموعة كبيرة من الكتب التي تناولت الاقتصاد الاردني من معجبين او منتقدين لهذا الاقتصاد، بما في ذلك مراجع سياسية وتاريخية باللغة العربية او اللغة الانجليزية بحيث استطيع ان اقول انه مرجع حقيقي للفريق الاقتصادي اولاً وللباحثين من طلبه ومهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي الاردني دائماً.