كيف تتمكن الدولة الوفاء بالتزاماتها ضمن النهج السائد؟


فهمي الكتوت
الحوار المتمدن - العدد: 6661 - 2020 / 8 / 29 - 20:40
المحور: الادارة و الاقتصاد     

اتسمت تصريحات وزير المالية الأردني د. محمد العسعس بالتبسيط والتسطيح من جهة والتناقض من جهة اخرى، ان لم نقل فيها استخفاف بعقول الناس، وهي ليست المرة الأولى الذي يحاول مخاطبة الرأي العام بكلمات عاطفية لا ترقى للحد الأدنى للوعي الإجتماعي الأردني، حول الوضع المالي للدولة، حيث أكد “أن الحكومة لن تلجأ أبداً لرفع الضرائب أو الاستدانة الداخلية حفاظاً على سيولة السوق المحلية، مبيناً أن الحكومة تمتلك كل القدرة على الوفاء بالتزاماتها الداخلية من رواتب ونفقات عامة وسداد لمستحقات الدين الداخلي”، وجاءت تصريحات الوزير خلال جلسة حوارية لمناقشة السياسة المالية والمستجدات المرتبطة بها، نظمها منتدى الاستراتيجيات الأردني. ولتسليط الضوء على بعض الحقائق نتوقف عند النقاط التالية:
الحكومة لن تلجأ الى الاستدانة الداخلية حفاظاً على سيولة السوق المحلية، وأنها تمتلك كل القدرة على الوفاء بالتزاماتها وسداد مستحقات الدين الداخلي!
من المفيد العودة الى موازنة التمويل التي تشير الى ان الدولة ستقترض خلال العام الحالي 5.190 مليار دينار منهم 3.572 مليار دينار من السوق المحلي، لتسديد دين خارجي واطفاء الدين الداخلي وتغطية عجز الموازنة للعام الحالي والمقدر في الموازنة 1.046مليار دينار، ومن المتوقع ان يتجاوز 1.5 مليار دينار خلال العام الحالي، حيث بلغ العجز في الشهور الخمسة الاولى 1.094مليار دينار، اي تجاوز العجز المقدر للسنة الحالية، وارتفع الدين العام نحو 2 مليار دينار خلال نفس الفترة من 30.076 مليار دينار في نهاية عام 2019 الى 32.016 مليار دينار في نهاية ايار2020. بزيادة الدين الداخل 1.538 ملياردينار، والخارجي 402 مليون دينار… نرجو ان يوضح لنا الوزير متى وكيف تم تسديد الدين الداخلي او الخارجي… ان السياسات السائدة اغرقت البلاد بالمديونية، وباتت المديونية تشكل تهديدا خطيرا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد ان تجاوزت نسبتها 100% من الناتج المحلي الاجمالي، وتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي. وتحويل مشاريع البنية التحتية لشركات استثمارية أجنبية على نظام (B.O.T) بكلف مرتفعة.
يقول الوزير “الحكومة تمتلك كل القدرة على الوفاء بالتزاماتها الداخلية” اي وفاء … مع تراجع الايرادات المحلية خلال الشهور الخمسة الاولى من عام 2020 نحو 805 مليون دينار مقارنة مع نفس الفترة من عام 2019 ، وقد تم الوفاء بصرف الرواتب، بتغول الحكومة على اموال صندوق الضمان الاجتماعي، حيث ارتفعت قيمة السندات الحكومية – الاقتراض من صندوق الضمان- من 5.135 مليار دينار في نهاية سنة 2018 الى 5مليار دينار، وجاء قرار مجلس ادارة الضمان الإجتماعي رفع الحد الاعلى لمحفظة السندات الى 65%. وذلك لتمكين الحكومة من زيادة قيمة السندات – الاقتراض من صندوق الضمان – الى نحو 7.5 مليار دينار تقريبا. وبنسبة فائدة اقل من سعر السوق تقدر بحوالي 3%، ما يعرض اموال الاجيال الذين يشكلون غالبية العاملين والمتقاعدين في بلادنا واسرهم للخطر.
لقد صدعوا رؤوسنا بالحديث عن صندوق الأجيال لعائدات التخاصية قبل استنزافها كاملة دون ان تنشئ الدولة مشروعا تنمويا واحدا من عائداتها، فقدنا عشرات المؤسسات الكبرى التي جرى التخلي عنها بثمن بخس، كما فقدنا عائداتها، حذاري من نتائج هذه السياسات على صندوق الضمان.
يعود ويؤكد الوزير “ان الحكومة ستقوم بالعديد من الإصلاحات الهيكلية المالية بدءاً من رفع فعالية الإنفاق، موضحا أن الحكومة تقدم إعفاءات سنوية تقدر بـ 2.1 مليار دينار”. معنى ذلك ان ضرائب جديدة قادمة باسم الاصلاحات المالية الهيكلية، لإسترداد ما يسمى بالاعفاءات المتفق على الغائها مع صندوق النقد الدولي والمبينة في الجدول رقم (9) في الموازنة العامة للدولة. ليس بالضرورة في العام الحالي بسبب تعثر الاقتصاد.
ان الصفقة التي عقدت مع صندوق النقد الدولي باخراج دين المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي من احتساب نسبة اجمالي الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي، استهدفت دفع الحكومة نحو مزيد من الانفاق الممول بالقروض من صندوق الضمان الاجتماعي، بدلا من الإعتماد على الذات بمشاريع تنموية استثمارية تعزز قدرة الدولة اقتصاديا وتعالج قضايا الفقر والبطالة، خاصة وان مفاعيل الأزمة الاقتصادية العالمية ستترك اثارا خطيرة على الاقتصاد الأردني الذي بات يعتمد بالدرجة الأولى على الضرائب التي استنزفت قدرات الشعب الأردني، والقروض التي اصبحت قيمة فوائدها السنوية اعلى من النفقات الرأسمالية، وضعف قيمة المنح الخارجية. لم يعد مجال للشك أن ما بعد الكرونا ليس كما قبلها، البلاد تحتاج الى نهج جديد وسياسات جديدة.