خمريات الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان: بلوغ الأرقى (3-10)


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7969 - 2024 / 5 / 6 - 02:31
المحور: الادب والفن     

1. النص الشعري
صفيُّ الخلالِ وحُلوِ الخَلا *** ومن كل شائنةٍ قد خَلا
تذكرتُ عهدكمُ فانتشيتُ *** وهلّا يعود الذي قد خَلا !
فقد ذهبتْ بالأماني السنون *** وسَكبُ الغبوق سراعاً خَلا
فألزمتُ قلبي في صمته *** وقلتُ أيا نفس حان الخَلا.
2. المعنى
معلوم أن رسالة الخطاب (أي خطاب، شعراً كان أم نثراً) إنما توجّه للمتلقي حتماً، وبالتالي فإن مهمة تفسير معاني تلك الرسالة هي أمر مناط بالمتلقي المستلم للرسالة، نفسه. وفي حالات اللبس، يمكن للمتلقي الاستفهام من المرسل حول المُراد من رسالته. من هذه الحقيقة الاجتماعية للحادثة الكلامية جاءت القاعدة: المتلقي للخطاب هو سيد المفسرين له. هذه القاعدة يتوسّع مدى اشتغالها زمكانياً في التفسير للأعمال الأدبية، ومنها الشعر، خصوصاً. لذا، فإن كل تفسير لأي بيت شعري وقصيدة من طرف سين أو صاد من المتلقين هو أمر مناط به حسب فهمه الخاص لذلك النص، وليس أبداً حسب المعنى الذي قصده الشاعر، لسبب بسيط وواضح وهو كونهما شخصين مختلفين في كل شيء، ولأن المتلقي للرسالة الشعرية يتعذر عليه الرجوع للشاعر لسؤاله عما يقصد بالضبط وبالتحديد (هذا إذا كان الشاعر متاحاً لهذا الأمر، وذا احتمال نادر جداً، وقد يكون جواب الشاعر على مثل هذا الاستفسار هو مقولة أبا تمام لمتلق برم: وأنت، لماذا لا تفهم ما يُقال؟) لأن المراد من رسالة الشعر هو الالتذاذ للمتلقي لها بفتح مغاليقها وليس تحويلها إلى فعل للتحقيق بسين وجيم. لذا، فإن تفسيري أنا للمقطوعة الشعرية أعلاه – ولأي نص أدبي آخر – هو شيء خاص بي، قد يتطابق كلياً أو جزئياً مع المعنى المراد من طرف المؤلف، وقد لا يتطابق البتة. وقد قالت العرب منذ القدم: "المعنى في قلب الشاعر"، أي أن هذا المعنى متعذر على الإدراك على الوجه الجامع المانع من طرف غيره. كما يمكن بالتأكيد أن يكون تفسيري أنا غير متطابق مع تفسير غيري من المتلقين له في أي زمكان.
في نص الرباعية أعلاه، يتم الاشتغال الذكي والمكثف على مترادفات المفردة "خَلا"، اسماً وفعلاً في التجنيس، وذلك باقتدار شعري مدهش. أعيد في أدناه ايراد النص، مع تقويس المعنى الذي فهمته أنا لكل واحد من التكرارات الخمسة للمفردة "خلا" فيه:
1. صفيُّ الخِلالِ وحُلوُ الخَلا (الكلام)
2. ومِنْ كل شائنةٍ قد خَلا .(من الخلو: نفي الحصول)
3. تذكرتُ عهدكمُ فانتشيتُ،
4. وهلاّ يعود الذي قد خَلا ! (مضى)
5. فقد ذهبتْ بالأماني السنونُ،
6. وسَكبُ الغبوقِ سراعاً خَلا (نفد، انقطع)
7. فألزمتُ قلبي في صمته،
8. وقلت أيا نفس حان الخَلا. (التوحد مع الذات والتزهد)

الرباعية هذه تقترح شكلاً عربياً جديداً للنظم الشعري يزاوج بين شكل مزدوج الرباعية المردوف والموال الثماني الأشطر بفضل تجنيساتها الخماسية. وهذا الشكل الجديد يجمع بين شكل الرباعيتين المردوفتين (كل بيتين مقفيين رباعية) والموال الثماني المجنس غير المتنوع القافية. ليس هذا فحسب، بل ان الأبيات الأربعة تتسابك في خلق أقصوصة واحدة متلاحمة. يبدأ النص بوصف الحبيب - الزوج بكونه صفي الخلال وحلو الكلام ولا يعيبه أي شيء، في البيت الأول. في البيت الثاني والثالث تسترجع الشاعرة الذكرى العطرة لهذا الحبيب فتشعر بالانتشاء؛ ولكن تلك الذكرى هيهات أن تتكرر، فقد فرق الزمان بينهما بإجهازه بغتة على فرحهما معاً بفقدها إياه. ثم يأتي البيت الأخير- الضربة: ما عاد في القلب متسع لحب غير الحب المفتقد؛ لذا، فقد حان أوان التوحد مع الذات وتطليق الفرح بالتزهد .
في هذه الخمرية إشارات للخمرة: "الانتشاء" و"الغبوق"، وكلاهما يشيران لمشاعر الفرح والسعادة المفتقدة، وليس للخمرة أبدأ.
3. الترجمة
يجب عليَّ التوضيح بأن قاموس المترادفات في اللغة الإنجليزية – عكس قاموس العربية، الذي هو أثرى قاموس لغوي على وجه الارض قاطبة – لا يتيح النظم لخمسة جناسات متوالية. لذا، فقد حاولت ما أمكنني ذلك التعويض عن هذا بالاستهلال بقافية مثلثة، مردفة بقافية ثنائية، تليها قافية ثلاثية ختامية، لإعادة خلق الشكل الثماني الاصلي. وقد ألجأني هذا إلى اضافة معنى الفعل "ويسود" إلى نهاية الشطر الرابع من النص: (وهلاّ يعود الذي قد خَلا)، وهو ما أتصور أنه متضمن فيه أصلاً.

Pure in traits in address: sweetie
And from every sin is quite free.
I remembered your time in glee
May what’s gone bye return and sway,
But the years have taken the hopes away:
The spill of joy in haste came to a close.
So I committed my heart to its silence,
And said, ‘O soul, it is time for ascesis’.

يتبع، لطفاً.