البشرية في حاجة إلى عقد شراكة، وليس إلى المواجهة


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 7794 - 2023 / 11 / 13 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لقد أظهر تطور الأحداث المأساوية في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، وانتشار وباء كورونا الذي أصاب شعوب العالم، وأغلق المدن والبلدات، وشلّ اقتصاد الدول في العقد الثاني من الألفية الثالثة، أنّ ثمّة تحدّيات بعضها جلي كتغير المناخ، وتلوث البيئة، والحروب، وبعضها غير واضح المعالم قد يظهر فجأة، كانتشار أمراض وأوبئة غير معروفة على نحو مفاجئ، وخروج منظومة التحكم بالأسلحة الفتاكة والنووية عن السيطرة، وغيرها، تواجه البشرية جمعاء، وتهدد حياتها، بل وجودها بالفناء...
كما أظهرت آلية تفكك الاتحاد السوفيتي، وخيانة من تطوعوا لقيادة البشرية إلى الجنة لرسالتهم الإنسانية، وغطرسة القوى الرأسمالية المنتصرة في الحرب الباردة، كيف تضرب حكومات الدول العظمى القانون الدولي عرض الحائط؛ وتستمر في معالجة أزمات البشرية ومشكلاتها عبر الحروب، ويتجلى ذلك في: غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وحربها ضدّ يوغسلافيا، وسعي الغرب ودول إقليمية إلى تحويل الربيع العربي إلى حروب أهلية، وتغذية الإرهاب والتطرف وتدمير بلدان المنطقة، وحرب روسيا وحلف الناتو في أوكرانيا، فأصبحت تلك الدول قدوة لغيرها في استخدام القوة المسلحة لمعالجة الأزمات بين الشعوب والدول، آخرها الحرب الهمجية في فلسطين... ويستمر حكام الدول، ولا سيّما العظمى منها، في اعتماد نهج الأنانية، والغطرسة، وضيق الأفق وإعلاء المنفعة الذاتية على القيم والهموم الإنسانية، إذ يعدّون الوصول إلى سدة الحكم، والتشبث به أهم من أي واجبات إنسانية تحمي البشرية وتجنبها الويلات والتحديات... كأنّ البشرية تعاني خبلاً وعطباً عميقاً في فكرها، وتدفع كلّ عاقلٍ لأن يتساءل مستغرباً: إن لم تنضج البشرية في الألفية الثالثة؛ فمتى ستنضج، وتصيغ عقد اجتماعها وتشاركيتها في حياة سليمة مشتركة على سطح هذا الكوكب؟
وتزداد التساؤلات:
أين اختفت المشاعر الإنسانية النبيلة، ولماذا؟
أيُعقل أنّ حكام العالم مجردون من الأحاسيس؟
كيف يستطيع وحوش في هيئة بشر أن يسوقوا شعوباً إلى التهلكة؟
بأي ذنب يموت الأطفال والنساء والشيوخ والشبّان في حروب يعلم الجميع أنّها ستنتهي بالمفاوضات؟
لماذا يُقتل الإنسان، وما السبيل كي ينتصر صوت العقل، وتوقف الحروب؟
من يوقف وحشية المفلسين من أبناء الأفاعي ودعاة الحروب، ويضعهم عند حدّهم؟ من؟
أجل، لقد أضحت البشرية في حاجة إلى اعتماد عقد شراكة جديد ملزم لجميع الدول ينظم العلاقات فيما بينها، ويعزّز شراكتها لمعالجة التحديات التي تواجهها، وآن الأوان لكي يقتنع حكّام الدول بأنّ الشراكة وليست المواجهة هي السبيل السليم للعلاقات بين الشعوب والدول، ولمعالجة المخاطر التي تواجه البشرية، وغدت الحاجة ملحة كي تضع حكومات العالم خلافاتها جانباً، وأن يتداعى حكماء العالم وعقلاؤه لاعتماد عقد جديد لبناء الدول على أسس إنسانية حضارية عادلة، ولصياغة عقد شراكة بين الشعوب والدول أساسه الاعتراف بالآخر لا إلغائه، بعيداً عن الاحتلال، والحروب وعن أي تمييز أو نزعة عنصرية، أو طبقية مستكبرة، عقد يقوم على أسس عادلة تنظّم العلاقات السليمة بين الشعوب والدول وتعالج مشكلاتها سلمياً وعقلانياً، مع تحريم الحروب، وتجريم من يفتعلها، أو يشنّها، والتأكيد على أنّ المحبّة هي مُنقذة الحياة، وحامية الجمال، وكلّ ما هو خيّر في النفس البشرية...
من نافل القول إنّ هذه الأفكار والمقترحات أقرب إلى الطوباوية في وقتنا الراهن- إذ لا مفرّ لسيزيف من الأحلام الطوباوية - وستبقى طوباوية إن لم تتبنَها قوى فاعلة في عالمنا المعاصر، وعلى رأس تلك القوى: مؤسسات الحكم، وأصحاب الشركات، وذوي النفوذ الاقتصادي الرئيس، وأن تقتنع تلك القوى أنّ ذلك في صالحها أيضاً، إذ أثبتت التجربة أنّ التحديات المناخية والأوبئة القاتلة، وخطر فقدان السيطرة على الحروب وعلى الأسلحة الفتاكة والنووية تطالها، وتطال المليار الذهبي مثلما تطال المستضعفين في الأرض، ومن الحكمة أن يسود صوت العقل، والاستفادة من تجربة البشرية التاريخية؛ حينما شهدت انطلاق فكر وأيديولوجية العدالة الاجتماعية والفكر الاشتراكي من أوساط رأسماليين، وملاكين أغنياء، ومحاولتهم تطبيق الاشتراكية - أمثال فورييه، وبيتراشيفسكي وغيرهما... وهذا دليل على أنّ كثيرين من الحكّام والرأسماليين لا يعدمون النزعة الإنسانية والاستماع إلى صوت العقل...
لا تدعوا الحقد، ولا البغضاء، تنتصر، فالمحبّة والعدالة هي القيمة الحقيقية، التي ينبغي أن تدوم!
طوبى للسلام، والعدالة والمحبّة وللإنسان الذي يرعاها.