مؤتمر دبي وتقييم الجهود الدولية لمكافحة التغيرات المناخية المتفاقمة


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 7712 - 2023 / 8 / 23 - 14:22
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

تمهيد

يشهد العالم تحول التغيرات المناخية الحادة وتداعياتها الخطيرة الى واحدة من أبرز المشكلات العالمية الساخنة. وهي تتفاقم عاماً بعد عام، مُكلِفة العالم المزيد من الخسائر والأضرار والدمار والعواقب. ولم تفلح لحد الآن الجهود الدولية المبذولة لمكافحتها، لأسباب كثيرة، في مقدمتها عجرفة الدول الأكثر تلوثاً للبيئة العالمية، والسلوك الجشع للمنتفعين من التنمية المتجاهلة للأبعاد البيئية وللتنمية المستدامة..

لقد بُذِلت جهود دولية كبيرة برعاية الأمم المتحدة لمكافحة التغيرات المناخية.وللإنصاف هي جهود مثابرة ومتواصلة منذ نحو أربعة عقود، خاصة عقب إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة في عام 1988،والتي هي ثمرة مشاركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) .
وتحولت IPCC الى مؤسسة دولية رائدة تعنى بتقييم تغير المناخ، وتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي له، ولأسبابه، ولتأثيراته المحتملة، ولاستراتيجيات التصدي له، معتمدة على أكفأ العلماء وأحدث المنجزات العلمية والتكنولوجية.
ومن أنشطتها البارزة أنها دأبت على إصدار كل 5 - 7 أعوام تقريراً هاماً مكرساً لتقييم الجهود، وما تحقق إيجاباً أو سلباً.، وما يتوجب القيام به. بشأن الحد من التغيرات المناخية وتداعياتها,
وأعدت ‎ لحد الآن 6 تقارير ضخمة، الأول في عام 1990 والثاني في 1995 والثالث في 2001 والرابع في 2007 والخامس في 2014. وقد تضمن كل واحد منها بيانات قوية، مُلِخصاً أحدث المعلومات والوقائع حول واقع تغير المناخ ، مُقدماً أكثر الأدلة شمولية وموثوقية حول دور أنشطة الإنسان الجشعة، عاكساً إجماعاً لا لبس فيه من أن النشاط البشري الجشع هو سبب مهم في التغيرات المناخية وتداعياتها المؤثرة كارثياً على نصف البشرية.

ويُذكرُ بان تقارير IPCC الدورية هي حصيلة جهود ثلاث مجموعات عمل ( WG) مختلفة، مركزة على علم تغير المناخ، آثاره والحلول المحتملة. يحتوي كل تقرير منها على آلاف الصفحات، ويمثل طيفاً كاملاً للمعرفة البشرية بشأن النظام المناخي، متضمناً بيانات لا غبار عليها بشأن واقع تغيراته.
يُعد التقارير المئات من العلماء المتخصصين ،من جميع أنحاء العالم، وهي ثمرة عملهم المشترك لجمع الأدلة ومراجعة كل ما له علاقة بمشكلة التغير المناخي، ومن ثم التوصل إلى توافق في الآراء ، وفي تحديد الخلاصات والإستنتاجات الرئيسية لاف الدراسات التي يتم نشرها خلال فترة التقرير.

بعد ثلاثة أشهر، من المقرر ان يدرس مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ" (COP28)، الذي سينعقد في دبي في تشرين الثاني 2023، التقرير التقويمي الجديد عن حالة تغير المناخ والجهود الدولية المبذولة لمكافحته والتخفيف من وطأة تداعياته وأبرز الحلول المطروحة.

ورقتنا هذه تسلط الضوء على التقرير وأبرز محتويات، ومضامينه، وأهميته، والمسائل الهامة التي تناولتها أبوابه، والخسائر والأضرار والعواقب، والتحديات والطموحات، والحل الآني المطروح- بالإستناد الى تقارير IPCC، ولجانها الثلاث، وما نشرته الأمم المتحدة من مواد على موقعها في باب العمل المناخي ذات العلاقة بالتغيرات المناخية. ونختتم الورقة بتساؤلات اَنية وملحة مشروعة. .

التقرير التقويمي الجديد

أصدرت IPCC في 20/3/2023 التقرير التقويمي السادس Assessment Report (AR6) بعد ان أقرته الهيئة في جلسات لها إستمرت إسبوعاً في إنترلاكن بسويسرا، خلال إجتماعها الـ 58 في 13-17 اَذار 2023.و AR6هو التقرير الأخير في سلسلة التقارير الهادفة إلى تقييم المعلومات العلمية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالتغيرات المناخية العالميةوتداعياتها..
حمل التقريرعنوان: " الخيارات الفعالة موجودة وينبغي وضعها موضع التنفيذ الآن للتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري".

محتوياته

التقرير التقويمي السادس (AR6) هو مؤلف ضخم ، ساهم في إعداده 234 عالمًا، بالإستناد الى أكثر من 14 ألف ورقة بحثية علمية. وبلغ مجموع صفحاته 10 اَلاف صفحة، ضامة مقدمـة و 6 أجزاء:
الأول- عنوانه : التغيرات المرصودة فـي المناخ وآثارها. يتضمن الملاحظات والآثار المرصودة للتغيرات المناخية، وإتساق التغيرات في الأنظمة الفيزيائية والأحيائية مع الاحترار، وبعض الجوانب المناخية التي لم يلاحظ الرصد تغيرها.
الثاني- عنوانه:أسباب التغيرات المناخية. ويتناول:انبعاثات غازات الدفيئة المعمرة، ومحركات تغير المناخ، وحساسية المناخ، والمرتدات، وغزو تغير المناخ.
الثالث- عنوانه: تغير المناخ وآثاره ذات المدى القصير والطويل وفقاً لسيناريوهات مختلفة. ويتناول: سيناريوهات الانبعاثات، وإسقاطات التغييرات المناخية، واَثارها في المستقبل، ومخاطر حدوث تغيرات مفاجئة أو لا رجعة فيها.
الرابع- عنوانه:الخيارات والاستجابات فـي مجالي التكيف والتخفيف وترابطها مع التنمية المستدامة على المستويين العالمي والإقليمي.ويتناول:الاستجابة لتغير المناخ، وخيارات التكيف والتخفيف، والعلاقة بين خيارات التكيف والتخفيف والتنمية المستدامة،والتعاون الدولي والإقليمي.
الخامس- عنوانه: المنظور طويل الأجل: الجوانب العلمية والاجتماعية - الاقتصادية ذات الصلة بالتكيف والتخفيف المتسقة مع أهداف وأحكام الاتفاقية الإطارية، والواقعة فـي سياق التنمية المستدامة. ويتناول: منظور إدارة المخاطر، ونقاط الضعف والآثار والمخاطر الرئيسية: منظورات طويلة الأجل، والتكيف والتخفيف، ومسارات الانبعاثات نحو التثبيت، وتدفقات التكنولوجيا والتنمية، وتكاليف التخفيف وأهداف التثبيت طويلة الأجل،والتكاليف والمنافع والآثار المناخية المتفاداة على المستويين العالمي والإقليمي، وقضايا البيئة والاستدامة الأعم.
السادس- عنوانه:الاستنتاجات المتينة وأوجه عدم اليقين الرئيسية. يتناول:التغيرات المرصودة فـي المناخ وآثارها وأسبابها، محركات وإسقاطات تغيرات المناخ المستقبلية وآثارها، والاستجابات لها.

أهميته

تأتي أهمية التقرير من المؤشرات الهامة التالية
1- من المحاور التي تناولها، وهي بإختصار 3 محاور أساسية:
الأول: تناول الوضع الحالي وآخر الأرقام بشأن التغيرات المناخية وتأثيرها السلبي.
الثاني: تم تخصيصه للتوقعات وما يمكن أن يحدث مستقبلا في حال بقاء الوضع على ما هو عليه. والمحور الأخير: إستعرض الحلول وما يمكن للحكومات القيام به للتعافي من هذا الوضع المقلق.

2- من مكوناته، حيث يتكون من تقارير مجموعات العمل (WG) الثلاث لـIPCC ، وتقرير تجميعي Synthesis Report (SyR). ومن بين تقارير مجموعات العمل، التي ضمها AR6:
* التقرير الخاص بشأن ارتفاع درجة الحرارة 1.5.
* التقرير المختص بالعلوم الفيزيائية، وعنوانه " الأساس العلمي الفيزيائي لتغير المناخ".
* التقرير الخاص بالتغيرات المناخية واستخدامات الاراضي،
* التقرير الخاص بالمحيطات والغلاف الجليدي،
* التقرير الخاص بتخفيف آثار التغيرات المناخية..
ويُذكرً ان الدورة 43 لـ IPCC، التي إنعقدت في نيروبي، بكينيا، في نيسان 2016، هي من حدد موضوعات التقاريرالخاصة بالتقرير التقويمي السادس ((AR6، ووضعت التسلسل التالي لتواريخ صدورها الفعلي:
* تقرير خاص عن ظاهرة الاحتباس الحراري 1.5 درجة مئوية، تشرين الأول 2018
* تنقيح المبادئ التوجيهية لـ IPCC لعام 2006 بشأن قوائم الجرد الوطنية لغازات الاحتباس الحراري، اَيار 2019
* تقرير خاص عن تغير المناخ والأراضي، اَب 2019
* تقرير خاص عن المحيطات والغلاف الجليدي في مناخ متغير، أيلول 2019
* مساهمة WGI بعنوان «الأساس العلمي الفيزيائي»، اَب 2021 .
* مساهمة WGII " التأثيرات والتكيف وقابلية التأثر» ، شباط 2022
* مساهمة WGIII «التخفيف من آثار تغير المناخ»، اَذار 2022
* التقرير التجميعي، تشرين الأول 2022.
وإعتمد AR6 أيضاً على خلاصات وإستنتاجات التقرير التقمويمي الخامس (AR5) في عام 2014.
ولعل من أبرز التقارير التي ضمها AR6 هو تقرير مجموعة العمل الأولى (WGI)، الذي حمل عناون: "الأساس العلمي الفيزيائي لتغير المناخ"، والذي اأقرته الدورة الـ 54 لـ IPCC ونُشِرَ في 9 اَب 2021، والذي ركزت فيه على الإجماع التأسيسي لعلوم المناخ حول أسباب وتأثيرات انبعاثات غازات الدفيئة البشرية.
وقد تضمن أدلة جديدة عن علم المناخ مبنية على الأبحاث التي نُشرت في هذا المجال.وبالمقارنة مع التقييمات السابقة تضمن مزيد من التفاصيل حول الآثار الإقليمية للتغيرات المناخية ، مع الحاجة إلى مزيد من البحث حول تغير المناخ في شرق ووسط أمريكا الشمالية.

3- من المسائل التي تناولتها أبواب AR6.
فقد تناولت الأبواب العلمية للتقرير بالوصف العلمي للمعرفة الأساسية لأزمة المناخ: ما وصلت إليه، وتفصيلات ما يتعلق بتأثيراتها، وطرق الحد منها، باحثة في أسباب تفاقمها، وتداعياتها، والتطورات المتوقعة لها مستقبلآ،وكيفية التصدي لعواقبها.
أما التقرير التجميعي، الذي حمل عنوان ” العمل المناخي العاجل يمكن أن يؤمن مستقبلا صالحا للعيش للجميع” فقدم تقييماً علمياً رصيناً للمناخ،هو حصيلة 8 سنوات، اي منذ اتفاقية باريس 2015 ، معتمداً على النماذج التي توصل إليها العلماء في العلوم الفيزيائية لتغير المناخ، وفي آثار التغيرات المناخية، والتكيف معها، والتخفيف من اثارها.

4- من تخصيصه ملخصاً هاماً خاصاً لصانعي السياسات (SPM)،حمل عنوان:” العمل المناخي العاجل يمكن أن يؤمن مستقبلا صالحا للعيش للجميع”،جرت الموافقة عليه سطراً سطراً من قبل ممثلو الدول خلال الأيام الخمسة التي سبقت 6 اًب 2021.وهو يقدم فهماً للموقف الحالي للمناخ بما في ذلك كيفية تغيره، ودور التأثير البشرى في ذلك، وحالة المعرفة حول مستقبل المناخ المحتمل والمعلومات المناخية ذات الصلة بالمناطق والقطاعات، والحد من التغيرات المناخية الناجمة عن الأنشطة البشرية.
وقام معدو التقرير بتلخيص المعرفة والمعلومات والاستنتاجات بلغة سهلة الفهم لأصحاب القرارات، على النحو التالي:
* الظروف الراهنة والتوجهات.
* التطورات المتوقعة في المستقبل البعيد.
* رد الفعل المطلوب، والخطوات التي لا بدّ منها في المستقبل القريب.

5- من وصِفَ التقرير بحق بأنه مرجع رئيس لكافة المؤسسات المعنية بتغير المناخ، وفي مقدمتها أطراف الإتفاقية الإطارية ، بإعتباره تقريراً تجميعياً لسلسلة من تقارير جولة التقييم الأخيرة، والتي بدأت في عام 2015.
ولا أدل على ذلك من حضي التقرير بموافقة 195 دولة من اطراف إتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC).

مسائل ساخنة وهامة

من المسائل الساخنة والهامة، التي تناولها التقرير:
أولاً: التأثير البشرى قد أدى إلى تدفئة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض بحيث لا يدع مجالاً للشك، فقد حدثت تغيرات واسعة النطاق وسريعة في الغلاف الجوي والمحيطات والغلاف الجليدي والمحيط الحيوي.و ورد في التقرير أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية مسؤولة عن ارتفاع درجات الحرارة بنحو 1.1 درجة مئوية منذ الفترة ( 1850- 1900 )،وهي الفترة الأولى لعمليات الرصد الكاملة والوافية على مستوى العالم لتقدير درجة حرارة سطح الأرض وبما يتفق مع التقرير الخامس (AR5) و SR 1.5، وتعمل هذه الفترة الزمنية على تقريب ظروف ما قبل الصناعة. كما خلُص التقرير إلى أنه من المتوقع أن تبلغ درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية أو أكثر في المتوسط في السنوات العشرين المقبلة.
ولاحظ العلماء بان الزيادات الملحوظة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري منذ عام 1750 ناتجة بشكلٍ لا لبس فيه عن الأنشطة البشرية، وهو ما أُكدته قياسات غازات الاحتباس الحراري المُختلفة منذ عام 2011 وتضمنها التقرير التقويمي الخامس (AR5).واستمرت التركيزات في الزيادة في الغلاف الجوي لتصل في عام 2019 إلى معدلات سنوية بلغت نحو 410 جزء في المليون لثاني أكسيد الكربون(CO2) ونحو 1866 لغاز الميثان( (CH4، ونحو 332 لأكسيد النيتروز (N2O).
وبين التقرير ان اليابسة والمحيطات قد إستحوذت على نسبة شبه ثابتة عالمياً (حوالي 56% سنوياً) من انبعاثات CO2 من الأنشطة البشرية، على مدى العقود الستة الماضية، مع وجود اختلافات إقليمية.
وسُجلّت العقود الأربعة الماضية على التوالي أنها الأكثر دفئاً من أي عقد سابق منذ عام .1850 وكانت درجة حرارة سطح الأرض في العقدين (2001- 2020) أعلى بنحو 0.99 درجة مئوية عن الفترة(1850-1900) .. وفي الفترة الزمنية ( 2011- 2020 ) كانت درجة حرارة سطح الأرض أعلى بنحو 1.09 درجة مئوية عما كانت عليه في الفترة الزمنية (1850-1900).
وأشار التقرير إلى إحتمال أن يكون التأثير البشري هو المحرك الرئيس للتراجع العالمي للأنهار الجليدية منذ التسعينيات وانخفاض منطقة الجليد البحري في القطب الشمالي بين (1979-1988) والفترة الأخيرة (2019-2010).، ومن المُرجح أن يكون التأثير البشرى منذ السبعينيات هو المحرك الرئيس لارتفاع درجة حرارة السطح العلوي للمحيطات (من 0 إلى 700 متر) . كما أن زيادة انبعاثات غاز CO2 البشرية هي السبب الرئيس في زيادة حموضة مياه البحار والمحيطات. وقد ارتفعَ المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر بمقدار 0.20 متراً في الفترة ( 1901- 2018)، وبلغ متوسط معدل ارتفاع مستوى سطح البحر 1.3 ملم/سنة في الفترة ( 1901- 1971)، وارتفع إلى 1.9 ملم/سنة في الفترة ( 1971- 2006)، و إلى 3.7 ملم/سنة في الفترة ( 2006-2018).

ثانياً: تركيزات ثاني أكسيد الكربون،التي بلغت في الغلاف الجوي عام 2019 أعلى من أي وقتٍ مضى خلال مليوني سنة ماضية. وتركيزات غازيّ الميثان وأكسيد النيتروز التي أصبحت أعلى من أي وقت مضى خلال الـ 800 ألف عام المنصرمة، إذ تجاوزت الزيادات في تركيزات CO2 (47%) وCH4 (156%) و N2O (23%) منذ عام 1750.

ثالثاً: ظواهر الطقس المُتطرفة،مثل موجات الحر، والأمطار الغزيرة، والجفاف، والأعاصير المدارية، التي أثر تغير المناخ الناجم عن التدخل البشرى على العديد منها، في تكرارها وقوتها، في كل منطقة في أنحاء العالم. وهو ما أُشار إليه تقرير التقييم الخامس (AR5).
وبين التقرير السادس ازدياد شدة وتكرار الموجات الحارة على مناطق كثيرة في دول العالم، بخلاف الموجات الباردة التي قَلَ تكرار حدوثها. كما ازداد تكرار وشدة هطول الأمطار الغزيرة منذ خمسينيات القرن الماضي على معظم الأراضي التي تكون فيها بيانات الرصد كافية لتحليل بيانات الأمطار، ويعد تغير المناخ بسبب الإنسان محركًا رئيسًا لهذا، والذي ساهم في زيادة حالات الجفاف الزراعي والإيكولوجي في بعض المناطق بسبب زيادة البحر.
رابعاً: درجة حرارة سطح الأرض التي تستمرفي الارتفاع حتى منتصف القرن الحالي على الأقل في ضوء جميع سيناريوهات الانبعاثات التي دُرست وضمها التقرير. ومن جهة أخرى سيُتجاوز الاحترار العالمي في القرن الحادي والعشرين بمقدار 1.5- 2 درجة مئوية؛ ما لم تحدث في العقود القادمة انخفاضات كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى.

شبح العواقب الوخيمة

تناول التقرير السادس خسائر وأضرار التغيرات المناخية وعواقبها الوخيمة على البيئة الطبيعية وعلى البشرية حاضراً، وستستمر في المستقبل، حيث أن الضرر الأكبر لحق وسيلحق أكثر بالمجتمعات المحرومة التي حصتها في ظاهرة الاحتباس الحراري ضئيلة، بينما تواصل تعمق الفجوات بينها وبين البلدان المتقدمة.
وتوقع التقرير، إذا إستمرالوضع على ما هو عليه،ان توقع التغيرات المناخية مستقبلآ أشد الضرر على الفئات والنظم الإيكولوجية الأكثر ضعفاً.
وركز التقرير على أسباب إرتفاع درجات الحرارة وما نجم عنها من خسائر وأضرار وتداعيات جسيمة، مؤكداً إرتفاعها بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، نتيجة لأكثر من قرن من حرق الوقود الأحفوري (مثل النفط والغاز)، بالأضافة الى استخدام الطاقة والأراضي بشكل غير متكافئ أو مستدام. وقد أدى ذلك إلى زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة التي تسببت في آثار خطيرة بشكل متزايد .على الطبيعة والناس في كل منطقة من مناطق العالم.، متوقعاً أن يزداد الطقس المتطرف تماشيًا مع درجة الحرارة ويتفاقم، مما يجعل الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تأثيرًا على المجتمع.
وصنف التهديدات من التأثيرات المركبة بدرجة أعلى من التقارير السابقة لـ IPCC، منبهاً الى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والمائي الناجم عن المناخ، مع زيادة الاحترار.
وعرض الاثار السلبية للتغيرات المناخية وعواقبها الوخيمة الناتجه عن زيادة انبعاث غازات الاحتباس الحراري، من تدمير للمنازل وفقدان للاستقرار وسبل كسب العيش، والتصحر، وتدهورالتربة، والهجرات الداخليه والخارجيه.وسلط الضوء على التغييرات في قطاع الأغذية والكهرباء والنقل والصناعة والمباني واستخدام الأراضي باعتبارها سبلا مهمة لخفض الانبعاثات.
وبين التقرير تأثير المناخ على النظم الايكولوجية، الذي سيزداد بزيادة درجة الاحترار.وأصبح التاثير واضحا في الناتج الزراعي منذ تمدد تأثير المناخ، الذي بات يتقلص يوميا، خاصة في القارة السمراء، كما أن الفيضانات قد انهكت السكان، بل اجبرتهم لترك منازلهم، إضافة إلى أن الاحترار نفسه، يقود الإجهاد مائي وحراري وتصحر هنا وهناك.

تحديات وطموحات

الملاحظ ان مؤلفي التقريرقد مزجوا بين التخويف من مشهد كارثي مستقبلا في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه، وبين وجود أمل كبير في التعافي- إذا تمكنت دول العالم من توفير الشروط الضرورية لتحقيقه، منبهين الى ان العشرية مقبلة على مرحلة جد حاسمة، وفي غاية الأهمية، من أجل تحديد وجهة السفينة وقيادتها نحو برّ الأمان، مستعرضبن العديد من النشاطات والسياسات التي يمكن اعتمادها وتسريع تنفيذها لتحقيق كل ذلك .وضرورة الاعتماد على البحوث العلمية والمعارف التقليدية لإرساء سياسات التأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف منها
وبناءً على التزامات الدول بشأن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري،توقع معدو التقرير أن يتجاوز العالم عتبة الدرجة ونصف الدرجة خلال القرن الحادي والعشرين، وسيكون من الصعب منع تجاوز عتبة الدرجتين. بالإضافة إلى ذلك هناك فجوات عميقة بين الالتزامات والسياسات وبين الإجراءات الفعلية ، مما يزيد الوضع سوءًا.
وأكدوا على وجوب خفض الانبعاثات عاجلآ، وتقليصها إلى النصف تقريبا بحلول عام 2030.، وعلى أهمية بناء المرونة، للتكيف مع التغيرات المناخية السالبة ، التي تسبب عادة الكثير من الخسائر والاضرار. لذلك أدرج التقرير أهمية التخلي عن الوقود الاحفوري، وإزالة الكربون، للحد من ارتفاع درجة الحرارة، وصولآ لمستقبل أمن يواجه تغير المناخ.
ودعوا الى التوجه نحو أنماط الحياة "منخفضة الكربون"،الذي من شأنه تحسين الصحة والرفاهية، منبهين الى ان بلوغ ذلك يتطلب الكثير من الجهود وخاصة تمويل مكافحة التغيرات المناخية، ومتطلبات التخفيف والتكيف.
وركزوا على أهمية بناء المرونة، للتكيف مع التغيرات المناخية السلبية المسببة للكثير من الخسائر والاضرار. وحذروا من أن إدارة المخاطر تصبح أكثر صعوبة إذا رافقتها أحداث سلبية أخرى، مثل الأوبئة و النزاعات
وبين التقرير إن اتخاذ الإجراءات الصحيحة الآن يمكن أن يؤدي إلى التغيير التحويلي اللازم لإقامة عالم مستدام ومنصف، لاسيما وان قرابة 3.5 مليار نسمة تعيش حاليًا في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ ويعاني ملايين الأشخاص من انعدام الأمن الغذائي والنقص بالمياه.ويؤثر الاحترار أيضًا على صحة الإنسان ورفاهه مما يؤدي إلى زيادة معدلات الاعتلال والوفيات والأضرار الاقتصادية.
من هنا، يكتسي في هذا العقد التعجيل بالإجراءات الرامية إلى التكيّف مع تغيّر المناخ أهمية أساسية لسد الفجوة بين مستويات التكيّف الحالية ومستويات التكيّف المطلوبة. وفي الوقت نفسه، يتطلب إبقاء مستوى الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي وإحداث تخفيضات سريعة وحادة ومستديمة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في كل القطاعات.

الحل الآني المطروح

قدم التقرير تقييمًا أكثر تفصيلاً لتغير المناخ ومعلومات واسعة النطاق، مركزاً على المعلومات المفيدة التي يمكن الاسترشاد بها في عملية تقييم المخاطر والتكيف والتخفيف وغيرها من العمليات المستخدمة في صنع القرار، لتشكل إطار عمل جديد يساعد في تفسير التغيرات الحادثة في الحرارة والبرودة والأمطار والجفاف والثلوج والرياح والفيضانات الساحلية وغيرها على المجتمع والنظم الإيكولوجية المختلفة، و لتمكين التنمية القادرة على التكيف مع تغير المناخ، وإعتبارالإجراءات العاجلة ضرورة حتمية لمواجهة المخاطر المتزايدة، مؤكداً ان موجات الحر، والجفاف، والفيضانات، تتجاوز حالياً قوة تحمل النباتات والحيوانات، وتؤدي إلى موت أعداد هائلة من أنواع النباتات والحيوانات مثل الأشجار والشعاب المرجانية. وتحدث ظواهر الطقس المتطرفة هذه في آن واحد، فتتسبب في تأثيرات متعاقبة تزداد إدارتها صعوبة وتعرض ملايين الأشخاص لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد، ولا سيما في أفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية والجزر الصغيرة وفي المنطقة القطبية الشمالية.
وأكد معدوه أن وتيرة وحجم ما تم إنجازه حتى الآن، والخطط الحالية، غير كافيتين لمعالجة تغير المناخ.
وأن التقدم المحرز في التكيّف حتى الآن غير منتظم، وأدى إلى اتساع الفجوة بين الإجراءات المتخذة وما هو مطلوب لمواجهة المخاطر المتزايدة، وبخاصةٍ في صفوف الفئات السكانية المنخفضة الدخل.:
ونبه العلماء الى إحتمال ان لا تكون كل هذه الإجراءات كافية فسنضطرّ إلى الاعتماد على امتصاص غازات الاحتباس الحراري من الهواء وتطوير تقنيات التحكم في المناخ.ويتطلب التعامل مع تغير المناخ تعبئة جميع قطاعات المجتمع البشري والقيام بالتعاون بينها، والالتزام السياسي، والتمويل، وتطوير التقنيات الجديدة وودّيّة للبيئة وإلى جانب التغيير العميق في السلوك الفردي والجماعي والحكومي بما في ذلك التعاون الدولي.
ولن يتم مثل هذا التغيير إلا من خلال التعبئة الواسعة من خلال التربية والتعليم واستخدام الآليات التنظيمية والاقتصادية.
وإقتراناً بما مر، إعتبرت IPCC ان الحل المطلوب الآني والملح يكمن في التنمية المقاومة للمناخ. وهذا ينطوي على تكامل التدابير للتكيف مع تغير المناخ، مع إجراءات لتقليل، أو لتجنب، انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بطرق توفر فوائد أكبر. فعلى سبيل المثال:
ان الوصول إلى الطاقة النظيفة والتكنولوجيات يحسن الصحة، وخاصة بالنسبة للنساء والأطفال؛
وستؤدي عمليات إنتاج الكهرباء منخفضة الكربون، والمشي، وركوب الدراجات، والنقل العام ، الى تحسين جودة الهواء، وبالتالي تحسين الصحة، وتوفير فرص العمل، وتحقيق العدالة.
وستكون الفوائد الاقتصادية لصحة الناس من تحسين جودة الهواء وحدها تقريبًا نفسها، أو ربما تكون أكبر، من تكاليف تقليل الانبعاثات أو تجنبها فيما بعد.

وأكد التقرير التقويمي ان الطريق واضح للمضي قدماً، منبهاً في ذات الوقت بأن التنمية المقاومة للمناخ تصبح أكثر صعوبة مع كل زيادة في الاحترار.وهذا هو السبب في أن الاختيارات التي ستُتخذ في السنوات القليلة المقبلة ستلعب دورًا حاسمًا في تقرير مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة.ولكي تكون هذه الخيارات فعالة، يجب أن تكون متجذرة في قيمنا المتنوعة، وفي وجهات نظرنا للعالم، وفي معارفنا، بما في ذلك المعرفة العلمية، والمعرفة الخاصة بالشعوب الأصلية، والمعرفة المحلية. ومن شأن هذا النهج السليم ان يُسهل التنمية المقاومة للمناخ، ويسمح بحلول مناسبة محليًا ومقبولة اجتماعياً.

تساؤلات اَنية وملحة

التقرير التقويمي السادس (AR6)، والكثير من المشاكل البيئية الساخنة، وفي مقدمتها كيفية الحد من تغول التغيرات المناخية، ولماذا فشلت خطة الحد من ظاهرة الأحتباس الحراري، إضافة الى مطلب العدالة المناخية، وعدم وفاء الدول المتقدمة بإلتزاماتها بتقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل مكافحة تغير المناخ، وضرورة تفعيل صندوق " الأضرار والخسائر" الذي أنشأهCOP 27 في شرم الشياخ لدعم الدول النامية المعرضة بشكل خاص لمواجهة التداعيات الخطيرة الناجمة عن تفاقم ظاهرة تغير المناخ، والذي لم يتضح بعد كيفية تفعيله، ولا الدول التي ستدفع الأموال،ولا كيفية تحديد أي الدول معرضة للخطر وتستحق تلقي الدعم المالي من الصندوق، فضلا عن عدم تحديد مقدار الأموال التي سوف تُدفع، الخ. وللآن لم تحسم هذه الأمور..
كل هذه وغيرها من القضايا الهامة،الآنية والملحة، طروحة وبإلحاح على مؤتمر المناخ القادم (COP28) في دبي.. فهل سيسجل المؤتمر نقلة نوعية تميزه عن المؤتمرات الـ 27 السابقة، وينجح بتحقيق طموحات شعوب العالم، وفي مقدمتها وضع الحلول الجدية، المقرونة بتوقيتات محددة قصيرة الأجل، وبإجراءات عاجلة وفعالة وإلزامية، تسري على جميع الأطراف وتنصف المجتمعات الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية ؟

المصادر
1-IPCC, The Sixth Assessment Report, 20 March 2023.
2- UN, Climate Action, Climate Reports ,What`s New ,The Intergovernmental Panel on Climate Change, 2023
3- UN, Climate Change, Working Group I Report, Climate Change 2021: The Physical Science Basis of Climate Change
4- UN, Climate Change,Working Group II Report, Climate Change 2022: Impacts, Adaptation, and Vulnerability
5-UN, Climate Change,Working Group III Report, Climate Change 2022: Mitigation of Climate Change
6- IPCC"IPCC opens meeting to approve physical science report ".28 July 2021-
7-IPCC, Tentative IPCC AR6 WGI Schedule for 2020-2021 (11 June 2020)
8-IPCC "IPCC reschedules report approval sessions ", 3 July 2021.
9- Plumer, Brad Fountain, Henry "A Hotter Future Is Certain, Climate Panel Warns. But How Hot Is Up to Us". The New York Times , 9 Aug 2021
-10"The IPCC delivers its starkest warning about the world s climate".The Economist.9 Aug. 2021
11-"Climate change: IPCC Report is code red for humanity ". BBC News, 9 Aug.2021
12- IPCC "Key takeaways from the new IPCC report" , Yale Climate Connections", 9 Aug 2021
13-IPCC Special Report Global Warming of 1.5 ºC, 2019
14- الأمم المتحدة، العمل المناخي، تقارير مناخية، مستجدات: الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ 2023: التقرير التجميعي، IPCC Climate Change 2023: Synthesis Report، 20 اَذار 2023.