لا لإستخدام أسلحة اليورانيوم من جديد ! (القسم الأول)


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 7571 - 2023 / 4 / 4 - 13:44
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

ذخيرة اليورانيوم "المنضب"( Depleted uranium ammunition) إستخدمتها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها من قوات حلف الناتو ضد العراق ( مرتين في 1991 و 2003) وضد يوغسلافيا(1994و1999) وضد أفغانستان(2003)، وإستخدمتها القوات الأمريكية في سوريا وليبيا، وإستخدمتها إسرائيل ضد اللبنانيين.
وقد نجم عن إستخدامها حيثما إستُخدِمَت كوارث بيئية وصحية رهيبة، لكونها مصنعة من نفايات نووية خطيرة، وهي مشعة وسامة كيمياوياً.لذلك يعتبر خبراء القانون الدولي إستخدامها جريمة حرب دولية.ولعل ما يؤكد ذلك هو مواصلة البنتاغون ومؤسسات الصناعة الحربية الغربية، تنصلآ من المسؤولية الجنائية لإستخدامها ضد الشعوب، تسترهم على طبيعة هذه الذخائر ومكوناتها وأضرارها البيولوجية على العسكريين والمدنيين.
بيد ان العلماء المستقلين وأصحاب الضمائر الحية توصلوا وكشفوا الكثير الكثير من أسرارها.. سنتناولها بالتفصيل لاحقاً..
وإقراراً بأضرارها، وبعد صراع طويل جداً ومضني، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الحادية والسبعين المنعقدة في نيويورك، في الخامس من كانون الأول 2016،تصويتاً نهائياً، بأغلبية الدول الحاضرة، على قرار يدعو حكومات العالم الى حظر إستخدام أسلحة اليورانيوم، صوتت ضده 26 دولة، في مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبقية دول حلف الناتو..
وقبل ذلك، صوت البرلمان الأوروبي في العام 2001 على وقف استخدام ذخائر اليورانيوم المنضّب من قبل حلف الناتو، وحث أعضاءه دائماً على مساندة قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لحظر إستخدام ذخائر اليورانيوم المنضّب.
وعقب ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان والتشوهات الخلقية بين المدنيين والعسكريين في المناطق التي تعرضت للقصف بهذه الذخائر نشأت في العديد من البلدان حملات مناهضة لهذا السلاح، وتأسس التحالف الدولي لحظر اليورانيوم المنضّب ( ICBUW) في عام 2003، الذي أتشرف بعضويته، والذي يعود له الفضل في صدور قرار الأمم المتحدة بحظر أسلحة اليورانيوم . وحظرت بعض الدول استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، مثل بلجيكا وكوستكاريكا[1].

بريطانيا تستفز روسيا

في خطوة إستفزازية، وأُعتبرت تهدف الى تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية، ولإدامتها، جاء إعلان حكومة المملكة المتحدة أنها ستزود كييف بقذائف اليورانيوم خارقة الدروع، إلى جانب دبابات من طراز "تشالنجر 2" لإستخدامها في الحرب ضد روسيا.
وقد أثار هذا الإعلان احتجاجًا روسياً، في الوقت الذي حذَّر خبراء عسكريون من تداعيات تلك الخطوة على مستقبل الصراع الراهن، الذي قد يتحول إلى "سيناريو يوغوسلافيا".
فرداً على الخطوة البريطانية، هدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الماضي بالرد في حال زودت لندن أوكرانيا بذخائر تحوي اليورانيوم.واتهم الغرب بنشر أسلحة تحمل مكوّناً نوويا [2].
فردت وزارة الدفاع البريطانية في بيان لها، مبررة:" أن الجيش البريطاني يستخدم اليورانيوم المنضب في قذائفه الخارقة للدروع منذ عقود، وروسيا تعرف ذلك، لكنها تحاول عمداً التضليل"[3]..
واعتبرت وزارة الخارجية الروسية إن تزويد كييف بذخائر اليورانيوم المنضّب هو استفزاز لدفع الصراع إلى مرحلة جديدة.

ردود فعل موضوعية

تعليقاً على خطط لندن لتزويد كييف بقذائف اليورانيوم المنضّب أعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن استخدام اليورانيوم المنضّب في أي مكان.
وأدانت منظمة ” الحملة من أجل نزع السلاح النووي” البريطانية المناهضة لأسلحة اليورانيوم المنضّب تزويد كييف بذخائر اليورانيوم المنضّب، واعتبرت الأمر أنه سيكون بمثابة كارثة بيئية وصحية إضافية لأولئك الذين يعيشون في قلب النزاع.
ورأى الجنرال التركي المتقاعد أردوغان قراقوش، أن نية لندن تزويد كييف بذخيرة خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المنضب لن يفيدها في كسب الحرب، بل سيجلب لها أضرارًا جسيمة، مؤكدًا أن بريطانيا تهدف إلى إطالة أمد الحرب. وقال قراقوش لوكالة "سبوتنيك": "لا يعتبر تزويد لندن، كييف بذخيرة خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المنضب خطوة مهمة من شأنها تغيير مسار الحرب لصالح أوكرانيا، إنما ستلحق أضرارا جسيمة بالطبيعة والبشرية، وتؤدي إلى انتشار الأمراض المختلفة ووصف خطوة بريطانيا بالاستفزازية، موضحًا أنها "إحدى البلدان الغربية التي تريد إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وخطوتها هذه تهدف إلى تصعيد الوضع".[4].

تهديدات روسية

إن إرسال ذخائر اليورانيوم المنضّب إلى كييف واستخدامها في النزاع الدائر سيقابله استخدام السلاح النووي من قبل روسيا، وهذا ما يُستدل من تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد أن بلاده لن تبادر إلى استخدام السلاح النووي ولن تستخدمه إلا رداً على هجوم نووي، ولفت إلى أن روسيا ستدافع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة.
وصرح كونستانتين غافريلوف، رئيس الوفد الروسي في المحادثات في فيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلّح بأن “موسكو ستعتبر تسليم قذائف يورانيوم مصنوعة في الغرب إلى كييف، استخداماً للقنابل النووية القذرة”.
و تعليقاً على نية بريطانيا إرسال ذخائر اليورانيوم المنضّب إلى أوكرانيا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بريطانيا مستعدة ليس فقط لتحمل مخاطر هذه العملية، ولكن لانتهاك القانون الإنساني الدولي. فقواعد هذا القانون تحدد الشروط والقيود المفروضة على الأسلحة واستخدامها، وفي حال مخالفتها سيشكل ذلك خرقاً لما هو قائم من عرف دولي يكون ملزماً لجميع الدول. فمثلاً تحظر المادة 35 من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 استخدام الأسلحة التي لا تميز بين المقاتلين والمدنيين، والتي تسبب الاماً لا داعي لها، وتلحق بالبيئة الطبيعية ضرراً واسع الانتشار وطويل الأمد . ومن جهة أخرى يترتب على استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان.

سيناريو يوغوسلافيا

بذريعة "دعم" شعب البوسنة شن حلف الناتو في أعوام 1994-1995 و 1999 الحرب على يوغسلافيا، وإستخدم خلالها الذخائر التي تحتوي على اليورانيوم "المنضب" .وذات الشيء عمله في عام 1999 على صربيا وكوسوفو، ملقياً ما يقارب 15 طناً من اليورانيوم "المنضب"، قاصفاً المنطقة بحوالي 3000 صاروخ كروز، رامياً 80 ألف طن من القنابل الفتاكة المختلفة، بما في ذلك الذخائر العنقودية، وقذائف اليورانيوم "المنضب"، التي تسبّبت في تلويث هواء وتربة وأنهار صربيا وكوسوفو والبوسنة بمواد مشعة وكيميائية سامة، وتحول المدنيون الأبرياء الضحية الرئيسية، حيث قُدّر عدد الذين لقوا مصرعهم ما بين 3500 و4000 شخصاً وجرح حوالي 10 آلاف في تلك الضربات.
وعلى أثر تلك الذخائر شهدت صربيا وكوسوفو والبوسنة أعلى معدل للأورام الخبيثة في أوروبا، حيث تم تشخيص أكثر من 30 ألف إصابة بالسرطان في السنوات العشر الأولى منذ القصف الذي قامت به قوات حلف الناتو. ووجد علماء من دول البلقان ان التلوث الإشعاعي الناجم عن ذخائر اليورانيوم المنضب قد وصل عبر الرياح والمياه الجارية الى العديد من الدول المجاورة، كألبانيا والنمسا وبلغاريا واليونان، التي تبعد عن يوغوسلافيا اَلاف الكيلومترات.. وأكدت دراسات علمية الرابطة المباشرة لتلك الذخائر بالولادات الميتة والمشوهة وبالإصابات والوفيات الناجمة عن سرطانات الدم والرئة والكلى وغيرها، التي إنتشرت في المنطقة لدى المدنيين والعسكريين، ولدى جنود حفظ السلام الأيطاليين والكنديين وغيرهم.

وقبل يوغسلافيا قصفت الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية وحليفاتها العراق عام 1991 بذحيرة اليوانيوم "المنضب"، وبعد يوغسلافيا قصفت أفغانستان عام 2001، والعراق (للمرة الثانية) عام 2003، بعد ان طورت القدرة التدميرية وعملية الفتك لتلك الذخيرة بنحو 400 مرة، عبر زيادة المواد شديدة الإشعاع المصنعة منها.
ولليوم تعاني الشعوب التي تعرضت للقصف بهذه الذخيرة من تداعيات بيئية وصحية وخيمة، تنفيها أمريكا وبريطانيا كذباً وبهتاناً..سنكذب نفيها لاحقاً بنتائج ابحاث ودراسات علمية عديدة..
تؤكد د.تمارا بزو، الباحثة اللبنانية في شؤون الأسلحة، إن استخدام قذائف اليورانيوم المنضب في اوكرانيا سيلحق ضرراً ليس فقط بالجنود الأوكرانيين، بل أيضاً بالجنود الروس، إضافة الى السكان المدنيين الأوكرانيين والروس، كون أن الغبار الذري الذي ينتج عند استخدام ذخائر اليورانيوم ينتقل عبر الهواء، ومن المحتمل انتقاله إلى أماكن بعيدة اعتماداً على الكمية المستعملة وحركة الهواء، وأيضاً سيتعرض المدنيون للخطر ، لاسيما الأطفال، الذين سيقومون بجمع خردة الأسلحة المشعة، كما حصل في العراق، لعدم معرفتهم بالآثار الكارثية لهذا السلاح.
إن استخدام كييف لأسلحة اليورانيوم المنضّب يعني أنها ستسبب الموت البطيء لشعبها ولجنودها وحتى لصانعي القرار الذين وافقوا على استخدام ذخائر اليورانيوم المنضّب في المعارك الدائرة . ومن المحتمل أن تتلوث العديد من الدول الأوروبية بإشعاعات اليورانيوم المنضّب استناداً إلى كمية الذخائر المستعملة وحركة الرياح. [5].
وعدا هذا، إذا حصل على إثرها نزاع عسكري بريطاني روسي فعلآ، فهذا يعني ان حلف الناتو سيتدخل الى جانب بريطانيا العضو فيه، وبالتالي ستتطور الأمور الى نشوب حرب عالمية ثالثة، ستستخدم خلالها كافة أنواع الأسلحة الفتاكة، بما فيها الأسلحة النووية..

اليورانيوم "المنضب" .. التعريف والطبيعة

شاع إستخدام مصطلح " اليورانيوم المنضب "، ومرادفه بالأنجليزية Depleted Uranium ،ومختصره (DU)،عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 التي إستخدمت خلالها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها، ذخائر اليورانيوم المشعة، وجربتها لأول مرة في ميادين القتال " الحية" في الحرب على العراق، وحولت شعبه الى "حقل تجارب" لأسلحتها الجديدة اَنذاك..
بالرغم من إصرار البنتاغون وحلفاؤه وخبراؤهم في التستر على مخاطر أسلحة اليورانيوم "المنضب"، ومساعيهم المحمومة الرامية الى التخفيف منها بشتى الوسائل، بما فيها التضليل والكذب، إلا أنهم لم يفلحوا طويلاً، بل سرعان ما تكشفت، رغم أنوفهم، الكثير من الحقائق التي كانوا يغطون عليها. فقد كشف العلماء المستقلون النقاب عن ان الأبحاث حول السمية الكيميائية لليورانيوم المنضب بدأت في أربعينيات القرن العشرين، وقد بات مؤكداً ضررها البيولوجي على الطبيعة الحية، الشبيه بما يصيب الأنسان من المعادن الثقيلة من أضرار، كالرصاص والكروم والنيكل والزئبق- سنتوقف عند الأضرار لاحقاً بتفاصليل وافية.
وثبت ان اليورانيوم "المنمضب" عنصر سام كغيره من العناصر الثقيلة،مثل الرصاص والزئبق.
كما أنه عنصر مشع بالرغم من ان نشاطه الإشعاعي أقل من اليورانيوم الطبيعي. فنشاط (ألفا) الإشعاعي لليورانيوم الطبيعي هو نحو 25 ألف بيكريل/ غرام . أما بالنسبة لليورانيوم " المنضب" فهو نحو 15 ألف بيكريل/غرام. ويتساوى نشاط (بيتا) الإشعاعي لكل من اليورانيوم الطبيعي و"المنضب"( 25 ألف بيكريل/غرام)[6].البيكريل (Bq)هو كمية الإشعاع الصادرة من مادة مشعة تتحلل فيها نواة واحدة في الثانية.ويعادل 1 بيكريل = 1 ثانية− 1( 1 Bq = 1 s𕒵). .

بالنسبة للتعريف، يُعتبر "اليورانيوم المنضب" (DU) هو: "مصطلح صناعي للنفايات الناتجة عن تخصيب خام اليورانيوم"- حسب تعبير العالمة الراحلة برتل Rosalie Bertell[7].
وعرفته هيئة التنظيم النووي الأمريكية (NRC) بأنه ذلك اليورانيوم الذي تقل فيه نسبة النظير U-235 عن 0.711 %. وحسب التعليمات الصادرة عن البنتاغون بخصوص المواصفات العسكرية، فأن نسبة U-235 في اليورانيوم المنضب لابد أن تكون أقل من 0.3 % [8]، ولكن الواقع العملي يفيد بأن البنتاغون يستخدم الـ DU المحتوي على U- 235 بنسبة لا تقل عن 0.4 % [9].

ولم تعد طبيعة اليورانيوم "المنضب" سراً، وإنما أصبحت مكشوفة. فعلمياً، يُعد اليورانيوم "المنضب" نفايات نووية، مكونة من مركب كيميائي سام ومشع. وهذا ما يدلل عليه مركبه النظيري:
جدول رقم ( 1)
المركب النظيري لليورانيوم الطبيعي و"المنضب"
بنسبة مئوية ذرية
النظير اليورانيوم الطبيعي اليورانيوم "المنضب"
U-238 99.2749 99.7947
U-234 0.0055 0.0008
U-235 0.7196 0.2015
U-236 0.0000 0.0030
المصدر: Prof.Asaf Durakovic,1999

يبين الجدول بوضوح كذب مزاعم خبراء البنتاغون والصناعة الحربية بأن اليورانيوم "المنضب" يحتوي النظير U-238 فقط، وبالتالي فان ذخائره "ليست مضرة"، بينما تبين ان الذخائر مصنعة من نفايات نووية- ناتج ثانوي أو عرضي By-product لعملية تخصيب اليورانيوم Uranium enrichment، المستخرج من المناجم للحصول على اليورانيوم-235 بنسب عالية التركيز لأغراض الوقود للمفاعلات الذرية ولصنع الأسلحة النووية.
والأهم، ان هذه النفايات تحتوي على كافة النظائر المشعة لليورانيوم الطبيعي، قبل وبعد تخصيبه، ولا تختلف عنها سوى بفارق النسب، حيث تقل فيه نسبة النظير U-235 عالي الأشعاع، والقابل للإنشطار الذاتي، بعد عملية التخصيب من 0.72 الى 0.20، والنظير U-234 من 0.0058 الى 0.0008.
ولقد أظهرت نتائج التحليل باستخدام منظومة تحليل أطياف (غاما)، وجود تراكيز عالية جدا من النويدات المشعة التابعة لسلسلة اليورانيوم - 238 التي تنبعث منها أشعة (غاما)، وعلى الأخص الثوريوم - 234، البروتكتونيوم - 234، والراديوم - 226. كما أظهرت وجود تراكيز عالية من اليورانيوم - 235 ، ولكن بنسبة 0,2- 0,3% ، بدلا عن نسبة إلى 0,71 % الموجودة في الطبيعة، مما أثبت أن التلوث يعود إلى اليورانيوم "المنضب".
ولابد من الأشارة هنا الى أنه بالرغم من ان نسبة النظير U-234 ضئيلة في اليورانيوم الطبيعي (0.0058)، إلا ان نشاطه الأشعاعي يمثل 48.9 % من مجموع النشاط الأشعاعي الصادر من اليورانيوم الطبيعي، وهي أعلى نسبة، حيث ان النشاط الأشعاعي الصادر من نظير U-235 يمثل 2.3 %، والنشط الأشعاعي الصادر من U-238 يمثل 48.8 %. ويرجع السبب في ذلك الى إرتفاع النشاط الأشعاعي النوعي Specific radioactivity لنظير U-234 والذي يبلغ 6200 ميكروكيوري/ كغم. ولذلك فان النشاط الأشعاعي النوعي لليورانيوم المنضب يقارب 0.4 مايكروكيوري/ غرام، بينما النشاط الأشعاعي النوعي لليورانيوم الطبيعي يساوي 0.67 ميكروكيوري/ كغم [10]. الميكروكيوري µCi)) وحدة قياس الإشعاع تعادل واحد من المليون من الكيوري (Ci) = (μCi = 3.70 × 104).
الأمر الآخر المهم والأخطر، هو إحتواء الذخائر الحربية المصنعة من اليورانيوم "المنضب"، على نظائر أخرى شديدة الأشعاع، ليست طبيعية، وإنما تُنتج في المفاعلات الذرية، مثل النظير U-236، حيث عثر العالم دوراكوفيتش Asaf Durakovic( (أمريكي من أصل كرواتي، وهو خبير دولي بالأشعاع والطب الذري)، على هذا النظير ، إضافة لليورانيوم "المنضب" ،في أجساد 62 % من مرضى قدامى المحاربين، من الذين فحصهم. وعرض نتائج أبحاثه أمام «المؤتمر الأوروبي للطب النووي» الذي انعقد في باريس عام 2000 [11].
والى جانب النظير U-236، الذي هو أخطر إشعاعياً من النظير U-234 بـ 10 أضعاف، أُضيفت للمركب المصنعة منه ذخائر اليورانيوم "المنضب" مواد أخرى شديدة الإشعاع، مثل البلوتونيوم Plutonium، والتيتانيوم titanium والموليبدينوم. molybdenum..
علماً بان خطورة قذائف اليورانيوم تزداد 100 الف مرّة اذا احتوت على البلوتونيوم ((Pu-239، وربما نشهد في المستقبل احداثا اكثر جسامة من قبل الدول التي تمتلك هذه الاسلحة وقد تزداد الامور تعقيداً اذا ما انتقلت مثل هذه الاسلحة الى أيدي إرهابيين وعصابات متطرفة.
تسمية كاذبة ومخادعة
بالرغم من إصرار البنتاغون وحلفاؤه وخبراؤهم في التستر على مخاطر أسلحة اليورانيوم المنضب، ومساعيهم الرامية الى التخفيف منها بشتى الوسائل، بما فيها التضليل والكذب، إلا أنهم لم يفلحوا طويلاً، بل سرعان ما تكشفت، رغم أنوفهم، الكثير من الحقائق التي كانوا يغطون عليها، ولعل أخطرها أضرارها البيولوجية على البشر وبقية الكائنات الحية..نتناولها لاحقاً.

إرتباطاً بالمخاطر التي يشكله إستخدام ذخائر اليورانيوم، فان التسمية Depleted ومرادفها العربي: "منضب" أو "مستنفذ"، أو" مضعف"، أو "ناضب"،أو "مخضب"، الخ، هي تسمية ليست فقط غير علمية، وغير دقيقة، وإنما هي كاذبة وخادعة ومضللة، أراد منها خبراء البنتاغون والمصانع العسكرية التغطية على خطورة هذا المعدن الخسيس Metal of dishonor - كما وصفه العلماء[12]، والإدعاء كذباً وزوراً بأن هذا النوع من اليورانيوم هو "غير " مضر بالصحة والبيئة !!، مانحين إياه توصيفات كاذبة لتمرير مزاعمهم بأنه "ضعيف" من حيث سميته الكيميائية، و" واطئ المستوى" من حيث إشعاعيته، بينما العلم والواقع يؤكدان بأن الشيء الوحيد الواطئ أو الضعيف فيه هو ثمنه، فهو رخيص بشكل بخس( يكلف الكيلوغرام الواحد منه دولارين فقط)،لا بل راح منتجوه يعطونه بدون مقابل ليتخلصوا من الكميات الزائدة منه[13]..
وفند العلم الحديث كل ما زعموه، زكشف العكس تماماً، مبيناً ان اليورانيوم "المنضب" هو نفايات نووية خطيرة، والأسلحة المصنعة منه تحتوي على تركيبة من مواد شديدة الإشعاع وسامة كيمياوياً، كالنظائر المشعة:U-235 وU-234 الى جانب U-238، الموجودة في اليورانيوم الطبيعي، إضافة الى النظير U-236، الذي هو أخطر 10 أضعاف من الـنظير U-234، ولا يوجد في الطبيعة، بل يصنع.كما وتحتوي البلوتونيوم والتيتانيوم وغيرها من المواد شديدة الإشعاع..

عقب ما خلفه إستخدامها من كوارث بيئة وصحية وخيمة،وإنكشاف طبيعة ذخائر اليورانيوم التي إستخدمت في الحرب، وأضرارها البيولوجية، وإعتبر خبراء في القانون الدولي إستخدامها وما نجم عنه ، جريمة حرب دولية،وجريمة بحق الإنسانية، إنبرى خبراء البنتاغون والصناعة الحربية الغربية، وما زالوا، بالكذب والتضليل وشراء الضمائر، تنصلآ من مسؤولية جريمة إستخدامها وتبريراً لإنتاجها..

الهوامش
1-د. كاظم المقدادي،الجمعية العامة للأمم المتحدة تقر المخاطر الصحية لليورانيوم المنضب،"إيلاف"،11/12/2016
2- BBC News"،22 March 2023"
3-"سكاي نيوز عربية"،22/3/2023
4-" Sputnik عربي"، 22/3/2023
5-د.تمارا برّو،هل يتكرر سيناريو يوغسلافيا في أوكرانيا بعد تعهد بريطانيا بتزويد كييف بذخائر اليورانيوم المنضّب؟، "رأي اليوم"،23/3/2023
6-عصام الحناوي، قضايا البيئة في مئة سؤوال وجواب،المنشورات التقنية،البيئة والتنمية،بيؤوت 2004، ص 85..
-7Bertell,R "Depleted Uranium: All the questions about DU and Gulf War Syndrome are not yet answered". International Journal of Health Service 36(3), 503-520, 2006.
8-US Army Environmental Policy Institute, Health and Environmental Consequences of Depleted Uranium Use in the US Army, Technical report, Atlanta, GA:Georgia Institute of Technology, June 1995.
9- عبد الرحمن فؤاد عبد الفتاح،اليورانيوم المنضب:تطبيقاته ومخاطره-، دار النفائس، 2003، ص30 .
10- المصدر السابق، ص 31.
11-Al-Muqdadi, Kadhim and Al-Ansari Nadhir,Depleted Uranium:Its nature,Characteristics and Risks of the Military Uses on Human and the Environment.Specialist International Workshop on Landfills of Hazardois Waste and its Implications on Health and Environment. Luleå Unvirsity of Technology, Sweden, November 15-17 , 2011.
12-Depleted Uranium: Metal of Dishonor, How the Pentagon Radiates Soldiers & Civilians with DU Weapons, Selections compiled and edited by the Depleted Uranium Education Project, Second Edition, International Action Center, New York City,1997
13- د.كاظم المقدادي، ضوء على السمية الأشعاعية والكيميائية لليورانيوم المنضب ،مجلة " الثقافة الجديدة"، العد 380، كانون الثاني 2016