القضاء العراقي فقد الكثير من إستقلاليته وخالف الدستور !


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 7282 - 2022 / 6 / 17 - 15:50
المحور: حقوق الانسان     

قبل نحو 20 عاماً تخلص الشعب العراقي برمته من أعتى نظام دكتاتوري ، لكنه لم يتخلص تماماً، للأسف، من تلامذته النجباء، ومن أذنابه وخدمه وبلطجيته..

رغم عدم تكافؤ الفرص، واصل معشر الوطنيين الديمقراطيين العراقيين، من مختلف الطوائف والأديان والقوميات، مسيرتهم النضالية الباسلة، وقدموا تضحيات جسام. ومع أنهم عانوا كثيراً، لكنهم صمدوا، وواصلوا مرفوعي الرأس، مسيرتهم، متحدين ومتصديين للدكتاتورية وللنظام البعثي ولطغيانه ولظلمه وجوره ..

ولقد تحقق النصر، وسجل التأريخ تعفن الدكتاتوريون والطغاة والمستبدون ونظامهم المقيت، جراء ما اقترفوه من جرائم ومجازر بحق الشعب والوطن.

أجد من الضروري جداً تذكير من يعنيهم الأمر، فعسى تنفع الذكرى ، بأن جرائم النظام السابق الوحشية لم تفلح إطلاقاً في كسر شوكة المناضلين الأشداء، ولا في شل مسيرتهم النضالية.. صحيح إن سقوط النظام لم يكن على يد الشعب، وإنما علي يد الأمريكان وحلفاءهم، الذين سلموا السلطة ومقاليد الدولة بيد طغمة تتسم بالطائفية والجهل السياسي، واصبحت تصول وتجول منذ عقدين من الزمن وسط بيئة فاسدة ، واحزاب نافذة تتلاعب بمقدرات الشعب وسلبته ثرواته وهدرتها ولم توظفها في خدمته وتنمية قدراته والارتقاء بمستوى حياته على مختلف الصعد ,غير متعظين من دروس وعبر التأريخ .

إسوة بالعديد من العراقيين والعراقيات أصدر القضاء البعثي علي حكماً غيابياً بالإعدام. وقرر " مجلس قيادة الثورة" الاستيلاء على أملاكي المنقولة وغير المنقولة، وحولها لمديرية الأمن العامة .
لم أقدم، شأني شأن مئات المناضلين، أي طلب للجهات العراقية بعد عام 2003 لتصرف لي " مكافئة" مالية كوني سياسياً محكوما ومصارة أملاكي، ولا كتعويض للمصادرة، إيماناً مني بأن المناضل الحقيقي لا ينتظر مكافئته مالياً، وإلا يتحول الى مأجور.
كذلك لا أستلم حتى تقاعد عراقي أستحقه عن وظيفتي السابقة ، مكتفياً بالتقاعد الذي أتقاضاه في السويد، التي لم أخدمها قدر خدمتي للعراق، وهو يكفي لنعيش ورفيقة دربي حياة كريمة ...

شخصياً، أفتخر وأعتز بانضمامي الى المثقفين العراقيين الواعين، الذين تصدوا للظلم والإستبداد، ولم يقبلوا بمنظومة المحاصصة والفساد وتقاسم المغانم والنفوذ والمال والمتاجرة بالدين وهدر المليارات من أموال الشعب وإفقار الشعب وإذلاله وإهانة كرامته على يد طغمة الحكم الفاسدة.
لعل ما يميز المناضلين الوطنيين الديمقراطيين بهو نهم لم يصمتوا ولم يستكينوا، فكتبوا منتقدين، وفاضحين ومساندين للحراك المدني ومطالبته بوطن وبحياة حرة كريمة..
وعدا هذا، كرست شخصياً كل حياتي كباحث وأكاديمي لفضح جريمة إستخدام ذخائر اليورانيوم في حربين مدمرتين على العراق، من قبل القوات الأمريكية والبريطانية وحليفاتهما، وفضح جريمة تحويل شعبنا العراقي الى "حقل تجارب" للتأثيرات البيولوجية الإشعاعية لهذه الأسلحة الفتاكة، التي سببت للعراق كوارث ومحن بيئية وصحية واجتماعية لا مثيل لها..
وأعتز بدوري في فضج جريمة العصر،وقد زادني همة ونشاط اعتماد المئات من الباحثين والكتاب العرب والكورد والأجانب على ما كتبته ونشرته في المجلات العربية والعلمية الأجنبية كمصدر علمي لرسائلهم ولأطروحاتهم ولكتبهم العلمية..

في الحلقة الأخيرة من برنامج " مانشيت أحمر"، الذي قدمته قناة " الشرقية" الفضائية في 10/6/2022، عاتب الكاتب والاكاديمي كاظم المقدادي رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد فائق زيدان لاقتحام بيته واعتقاله بقرار من مجلس القضاء الأعلى، وتبين أنه ليس هو المطلوب، وإنما حضرتي، لتشابه الأسماء. وأطلق سراحه بعد ان أثبت بأنه لم يكتب أي مقال ضد مجلس القضاء، وإنما من كتب المقال " هو برفسور عراقي مقيم في السويد". ودعا رئيس مجلس القضاء الى التدقيق في أسماء من تصدر بحقهم أوامر اعتقال...
وهذا دليل جديد على الاخطاء الجسيمة للقضاء التي تستوجب الانتقاد وتؤكد على انه غير محصن وتشوب عمله الكثير من الشوائب التي تخالف الدستور وهي بحاجة الى معالجة الفورية..

من منطلق إنساني بحت اعلن التضامن مع د. كاظم المقدادي ، الذي بسبب تشابه إسمينا وعدم التدقيق بالأسماء من قبل الأجهزة المعنية، تعرض، وهو أستاذ الإعلام المعروف، لحادثة مؤسفة ومدانة، هي الاعتقال، ولم يكن هو المقصود، وإنما حضرتي , وتصح هذه الحادثة بحد التي توجد امثالها الكثير موضوعا لتأكيد الملاحظات والانتقادات للقضاء والمطالبة بإصلاحه والكف عن التضيق على حرية الراي وتكميم الافواه .

لمن لا يعرفني: انا أنشر بإسمي هذا قبله بأعوام عديدة، وتحديداً منذ عام 1958، في: " البلاد"، "إتحاد العمال"، " طريق الشعب"، "الفكر الجديد"،" الثقافة الجديدة"، " الجمهورية"،"بغداد"،"البيئة والتنمية"، " المستقبل العربي"،" الشرق الأوسط"، " الحياة"،"الزمان"، وفي مواقع:: "الطريق"،" الحوار المتمدن"،"الأخبار.أورغ"، "الناس"، " صوت العراق"، "المثقف"،" النور" وغيرها. وتنشر صورتي مع كل مقال.وإسمي هذا موجود على كتبي، وأولها صدر في عام 1972.وفارق العمر كبير بيننا، أنا مولود في عام 1940، ولا تربطني به أية علاقة قرابة، وهو إعلامي وأنا طبيب وباحث بيئي وأكاديمي متخصص بشؤون الصحة والبيئة، وبالأضرار البيولوجية لأسلحة اليورانيوم المنضب. ومنذ 17 عاماً وأنا متقاعد، وعمري الآن 83 عاماً

للاسف , ضمن حملة تكميم الأفواه المنتقدة للفساد ولسوء الأدارة والفشل وخراب اابلد والقتل والخطف والتغييب، أصدر القضاء العراقي برئاسة فائق زيدان أمره بإغتقالي،إسوة بالعديد من الكتاب والصحفيين والإعلاميين.. ولولا ما أعلنه الإعلامي كاظم المقدادي في برنامج " مانشيت أحمر" لما عرفت شخصياً بصدور هذا الأمر.

ما هي " جريمتي" ؟

نشر مقال بعنوان: "ملاحظات على التصريح الأخير لرئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي "، في " الحوار المتمدن"، محور: " حقوق الإنسان"، العدد 7211، في 5/4/2022..

ـُرى ألا يعلم السيد رئيس مجلس القضاء العراقي ان الاعتقال لأسباب جدلية تتعلق بحرية الرأي والتعبير هو أداة قمعية مخالفة للدستور. واستخدام الاعتقال يثبت ان مستخدمه ضعيف مهما كانت قوته في السلطة وتسلحه بأدواتها.

كان حريّ بالسيد زيدان ،بدلا من أمر الاعتقال، ان يجيب أو يفند ما أوردته في المقال من اتهامات... ولأُذكره من جديد ببعضها:
أولآ- السيد زيدان متهم بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى بالتورط في التستر على جرائم القتل العمد والقمع الدموي، التي اقترفتها حكومة عبد المهدي بحق المتظاهرين السلميين، حينما منحها شخصياً صلاحية اعتقال المتظاهرين بدون أمر قضائي، ووفق المادة ( 4) إرهاب..وهذا موثق، ولم تنفيه سلطته القضائية، ولا هو شخصياً..
ومنح تلك الصلاحية جريمة لا تغتفر ترتقي الى مصاف جرائم الإبادة الجماعية، وعقوبتها، في البلدان المتحضرة، قاسية جداً- ليس فقط تنحيه كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، وكقاضي وحقوقي، وإنما محاسبته قضائياً لينال القصاص العادل !

ثانياً- تغاضى رئيس مجلس القضاء، مع بقية المسؤولين في مجلس القضاء الأعلى، ورئاسة الأدعاء العام، والمحكمة الأتحادية العليا، ورئاسة مجلس النواب، وغيرهم، من الذين كانون يتفرجون على الجرائم اليومية التي تقترفها الأجهزة القمعية بحق الشبيبة العراقية، أو ممن تجاهلوا وتستروا وظللوا وكذبوا وتواطئوا و" غلسوا "على جرائم القتل والقمع الدموي بالرصاص الحي والقنابل السامة القاتلة، وغيرها، ضد المتظاهرين السلميين، التي راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد وأكثر من 30 ألف جريح، منهم أكثر من 7 الآف معوق جسدياً، عدا المختطفين والمُعذبين والمُغيبين من خيرة شباب وشابات العراق، الذين تظاهروا سلمياً، مطالبين بحقوقهم المشروعة، التي كفلها لهم الدستور العراقي..

ثالثاً- لم يتجرأ القضاء العراقي ويحاسب نوري المالكي- رئيس مجلس الوزراء الأسبق- عن سقوط ثلث الأراضي العراقية بيد عصابات داعش، وعن مجزرة سبايكر، وعن جرائم القمع الدموي والقتل العمد للمتظاهرين السلميين، وتغييب العشرات منهم، وإهدار أكثر من ألف مليار دولار من أموال الشعب، وتأسيس " الدولة العميقة"، والمليشيات الولائية، وتأجيج الحرب الطائفية، وغيرها الكثير الكثير..

رابعاً- لمصلحة من كمم مجلس القضاء العراقي أفواه وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، وصادر حرية الرأي والتعبير، أو قيدها، وضيق على إستخدام شبكات الأنترنيت ؟
وبأي حق يحاصر، وهو " المستقل" و "الحيادي" و" النزيه"، الإعلاميين والصحفيين والكتاب الذين سعوا الى كشف حيتان الفساد، والبحث عن الحقيقة ؟
أليس ذلك مخالف للمادة 38 من الدستور العراقي، التي تنص على حرية الصحافة والتعبير؟

خامساً- يقف القضاء العراقي بقيادتكم يا سيد زيدان متفرجاً ولا أبالياً تجاه تحول الوزارات ومؤسسات الدولة وغالبية كبار مسؤوليها خدم أذلاء لأحزاب السلطة الفاسدة ولقادتها الجهلة والمتخلفين والمستهترين الأوباش..

هذه السلوكيات هي التي جعلت ثقة غالبية العراقيين تهتز بالقضاء العراقي..ليس هذا فحسب، وإنما ساهم القضاء الضعيف والخاضع لسياسيي الصدفة ، شاء أم أبى، في ان يسود في عراق اليوم سلطة اللادولة، واستشراء الفساد، وهيمنة المليشيات المسلحة، والعصابات الاجرامية، والانتهاك السافر والمستهتر للدستور وللقوانين ولحقوق الانسان .

ان إستقلالية وحيادية ونزاهة القضاء العراقي تتمثل في أداءه لواجبه الأساسي- مكافحة جرائم الخيانة والفساد ونهب أموال الشعب والقتل والتعذيب وإذلال المواطنيين، لا في تكميم الأفواه وإصدار أوامر إعتقال بحق من يكشف تلك الجرائم !