مشكلة التغيرات المناخية ودور الأمم المتحدة في التصدي لها


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 7641 - 2023 / 6 / 13 - 18:48
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

إدراكاً لخطورتها عالمياً.تتصدر أسرة الأمم المتحدة في طليعة الجهود الرامية لإنقاذ كوكبنا من تداعيات التغيرات المناخية، معتبرة إياها قضية مصيرية في عصرنا، محذرة من ان العالم أمام لحظة حاسمة، فالآثار العالمية لها واسعة، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، وتغير أنماط المناخ، وسخونة حرارة الجو، والجفاف، والتصحر، والعواصف الغبارية، والفيضانات الكارثية، وحرائق الغابات الرهيبة، وإنتشار الأمراض والأوبئة والوفيات، وغيرها.

جهود حثيثة

أولت الأمم المتحدة المشكلة إهتمامها الكبير، الحثيث والمتواصل طيلة عدةعقود.
ففي عام 1988 تأسست "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)‏، مؤلفة من علماء وخبراء وباحثين متخصصين، من أنحاء العالم ، بهدف توفير مصدر موضوعي للمعلومات العلمية، وللتقديرات الشاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته واستراتيجيات التصدي له. وقد أنجزت الهيئة مجموعة تقارير بشأن المستجدات المناخية العالمية، و 6 تقارير تقييمية، إضافة لمنهجيات ومبادئ توجيهية للعمليات الوطنية لحصر غازات الاحتباس الحراري(TFI) وكيفية إزالتها.
وفي عام 1992، قدمت الأمم المتحدة أثناء "قمة الأرض": " اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ " (UNFCCC)، كخطوة أولى في التصدي لمشكلة تغير المناخ، محددة الهدف النهائي لها ( ولأي صكوك قانونية متصلة بها، قد يعتمدها مؤتمر الأطراف) بالوصول إلى تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي.وبلوغ هذا المستوى في إطار فترة زمنية كافية تتيح للنظم الإيكولوجية أن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وتضمن عدم تعرّض إنتاج الأغذية للخطر، وتسمح بالمضي قدماً في التنمية الاقتصادية المستدامة.
الإتفاقية أصبحت نافذة في عام 1994. وهي تتمتع اليوم بعضوية شبه عالمية، حيث صدقت عليها 197 دولة كطرف فيها.
بحلول عام 1995، بدأت الأطراف مفاوضات من أجل تعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ، وبعد ذلك بعامين، تم إعتماد بروتوكول كيوتو.، الذي يُلزمُ الأطراف من البلدان المتقدمة بأهداف خفض إنبعاثات الدفيئة. وقد إنضمت 192 دولة كطرف في البروتوكول.
في عام 2007 نالت (IPCC) جائزة نوبل للسلام ‏ لقاء جهودها المتميزة.
وفي العام نفسه، نبهت الأمم المتحدة الى ان التكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية سيكون أكثر صعوبة ، وأكثر تكلفة في المستقبل، إذا لم يتم تدارك الكارثة جدياً وتتخذ اجراءات جذرية راهنة.
وبعد مسيرة طويلة ومضنية، أدركت الأطراف المعنية بالمخاطر القائمة، وتوصلت في عام 2015، في " COP 21" في باريس، إلى اتفاقية تاريخية لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون. وإتجهت الدول، لأول مرة، للقيام ببذل جهود جماعية طموحة لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع آثاره، مع تعزيز الدعم وتطويره لمساعدة البلدان النامية على القيام بذلك، حيث تم رسم مسار جديد في جهود المناخ العالمية إقترن بتعهد الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لدعم الدول النامية والفقيرة على مكافحة التغيرات المناخية وتداعياتها.
واليوم، تضم اتفاقية باريس191 دولة.

مؤتمرات الأطراف

قبل قرابة ثلاثة عقودً إعتمدت الأمم المتحدة تنظيم "مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ" (COP)، كجزء من الاتفاقية الإطارية (UNFCCC) في 1992، التي وقعتها 197 دولة، وهدفها الأساس الحد من تأثير النشاط البشري على المناخ.
وقد نهضت الأمم المتحدة بتنظيم المؤتمر سنوياً منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ في 21 اَذار 1994، وتحول الى مؤتمر أممي للأطراف ، يدرس مشكلة تغير المناخ عالمياً، ومستجداتها، ومتابعة ما أنجزته الأطراف بشأنها، ورسم ما ينبغي عمله لمواجهتها.
إنعقدت 27 مؤتمراً،.وسينعقد المؤتمر الـ 28 في مدينة إكسبو دبي، خلال الفترة من 30 تشرين الثاني إلى 12 كانون الأول 2023.وسيشهد مراجعة لمدى التقدم الذي تحقق، أو مدى الفشل، في تحقيق مقررات " COP 27 " عام 2022، واتفاقية باريس 2015، التي مثلت في الأساس خطة لتجنيب البشرية الكوارث المناخية، محذرة من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عن 1.5 درجة مئوية عما كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، وإلا ستصبح الكثير من التغييرات التي طرأت دائمة ولا رجعة فيها. وقد تعهدت جميع الأطراف بتخفيض انبعاث غازات الدفيئة، ومنع ارتفاع درجة الحرارة العالمية فوق الـ 1.5 درجة مئوية، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة. أما الدول المتقدمة فقد تعهدت بضخ 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان الفقيرة على درء تأثير تغير المناخ.

تواصل المساعي المُحبِطة والخبيثة

تميزت مؤتمرات COP السنوية بمشاركة الآلاف من للعلماء والخبراء والباحثين المتخصصين، إضافة لمئات رؤساء دول وحكومات ووزراء ومسؤولين حكوميين، من مختلف دول العالم،.وشهدت قبيل وأثناء إنعقادها طرح ملايين الوثائق والبراهين والشواهد الحية على حصول التغيرات المناخية، وأسباب تفاقمها، وتعاظم تداعياتها. وصدرت عنها حلول ومعالجات هامة جداً، لو نُفذت لما وصلنا للحال الراهنة.
في الواقع، إصطدمت جهود الأمم المتحدة في التصدي لمشكلة التغيرات المناخية وتداعياتها،وتصطم بمساعي الدول الغنية المخالفة لقرار اللجنة الدولية حول البيئة والتنمية في عام 1987 الموسوم: "مستقبلنا المشترك "، بوضعها مصالح شركاتها العابرة للقارات فوق مصالح الشعوب، المتمسكة بمشاريع التنمية المتجاهلة للأبعاد البيئية، وبالتالي الإضرار بالبيئة وكافة عناصرها، المهملة لمتطلبات التنمية المستدامة ومبدأ تلبية إحتياجات الحاضر دون المساس بإحتياجات الأجيال المستقبلية.
ولم تلتزم الدول المتقدمة بتعهداتها، واَخرها دعم البلدان النامية والفقيرة بـ 100 مليار دولار سنوياً لمجابهة التغيرات المناخية غير المسؤولة عنها.
وعدا هذا، تواصل الكارتلات الصناعية العابرة للقارات، وسياسيون، ووسائل إعلام كبرى، وأكاديميون مأجورين، من خدم أصحاب المصالح، التشكيك بوجود التغيرات المناخية وأسباب الأحتباس الحراري (أي المشكلة وأسبابها). وإتضح ان أغلب المشككين من "الباحثين" تقف خلفهم وتدعمهم مالياً الشركات الكبرى، التي لا يهمها سوى "التنمية الأقتصادية" التي تدر عليها المليارات، على حساب الأضرار بالبيئة، والمساس بمعيشة وصحة وحياة ملايين البشر.
ومن المزاعم التي يرددها المشككون بأن التغيرات الراهنة في درجة الحرارة "هي مجرد جزء من الدورة الطبيعية للأرض، وليست نتيجة لسلوك البشر".وان "الدورة الدنيا للشمس (أي فترة نشاطها الأضعف)، سوف تؤدي إلى انخفاض طبيعي في درجات الحرارة بدون تدخل بشري".
الواقع والأدلة القاطعة لا تشير إلى ذلك على الإطلاق- يؤكد ريتشل شراير وكايلين ديفلين من فريق تقصي الحقائق التابع لـ.BBC وأفاد تقرير أممي صدر عن عدد من الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة، في أيلول 2022: " العلم المناخي واضح: نحن نسير في الاتجاه الخاطئ." وركز على زيادة انبعاثات الوقود الأحفوري، وزيادة غازات الدفيئة، التي وصلت الآن إلى مستوى قياسي ما قد يؤدي إلى إحباط المشاريع المرسومة لتجنب الكوارث المناخية.وقال التقرير:" إذا وصل العالم إلى "نقطة تحول مناخية" ، فسنواجه تغيرات لا رجعة فيها ". وأكدت د. جنيفر غيدلي: " حالياً ثمة قبول واسع النطاق في الدوائر العلمية والبحثية الدولية بإن التغيرات المناخية هي من صنع الإنسان، وتشكل تهديداً كبيراً لمستقبلنا الحضاري بأكمله، حيث تتبع مساراً لتغييرات جذرية وسريعة، ربما تكون نهائية في النظام البيئي العالمي. وأضافت بان علماء المناخ متفقون على أن:
* الاحتباس الحراري ناتج عن أسلوب الحياة الصناعي للإنسان.
* ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يزيد من المخاطر على أعداد كبيرة من سكان العالم.
* يجب أن نحافظ على ارتفاع درجات الحرارة أقل من درجتين مئويتين لتجنب وقوع الكارثة.
* من المحتمل أن يكون تغير المناخ الجامح نهائي ولا رجعة فيه.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في نيسان 2022 من أن العالم سيواجه كوارث يومية إعتبارا من عام 2030، إذا استمرت وتيرة التغير المناخي على حالها.وستقع أحداث كارثية ناجمة عن درجات الحرارة القصوى والجفاف والحرائق والفيضانات المدمرة بشكل متكرر أكثر في المستقبل.

وحذر بحث جديد، نُشرته مجلة "Science" قبل أيام ، من أن ظاهرة "النينو" تلوح في الأفق، قد تؤدي هذا الصيف إلى موجات حرارة شديدة وجفاف وعواصف في العديد من البلدان، سينجم عنها خسائر للإقتصاد العالمي بنحو 3 تريليونات دولار.

وكانت منظمة "Kids Rights " الدولية، غير الحكومية، نبهت في تشرين الأول 2022 الى ان التغيرات المناخية تهدد مليار طفل في أرجاء الكوكب، وهذا الرقم يمثل نحو نصف عدد الأطفال في العالم.

والى جانب تهديد الطفولة -عماد حاضر ومستقبل البشرية- بالهلاك، حذرت منظمة الصحة العالمية (WHO) من مخاطر وفاة أكثر من 9 ملايين نسمة سنوياً مستقبلآ بسبب تغيُّر المناخ.

وكل هذا، وغيره، لم يكبح جماح الأنشطة البشرية الجشعة الضارة بصحة وحياة البشر !