هل سيلبي مؤتمر دبي للمناخ الطموحات الأممية ؟


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 7606 - 2023 / 5 / 9 - 15:18
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

تستضيف الإمارات الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ COP 28" " في مدينة إكسبو دبي خلال الفترة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، متطلعة لإستقبال العالم في المؤتمر والعمل مع كافة الأطراف المعنية لتحقيق نتائج ومخرجات متوازنة وطموحة وشاملة للجميع لتكون إرثاً يمنح الأمل للأجيال القادمة.

تلكم هي طموحات أممية اَنية وملحة في ظل ما يواجهه مؤتمر دبي من تحديات كبيرة وضرورة إيجاد حلول ومعالجات جدية وعاجلة،مقرونة بتنفيذ الإلتزامات، إذا ما أرادت الأطراف المعنية الحد من وطأة المشكلات الساخنة المزمنة المتعلقة بالتغيرات المناخية وتداعياتها البيئة والأقتصادية..وقد واجهتها مؤتمرات "كوب" السابقة، ولم تتحق أغلبها وأهمها..

فهل ستلبي قرارات COP 28 وراهنيتها وفاعليتها، وضمان إلتزام الدول الغنية بتعهداتها، التطلعات الأممية التي طال إنتظارها ؟
هذا التساؤل مشروع إذا ما أُخِذت بنظر الأعتبار الوقائع التالية:

* فشل خطة الحد من ظاهرة الأحتباس الحراري(Global warming‏) ، الذي أكده علماء من جامعة كونكورديا الكندية، مستندين لتحليلهم لدراسات علمية مكرسة لحالة المناخ العالمي، ولدراستهم للإتجاهات التي أدت الى إرتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، ولإستخدامهم للنتائج في تنبؤاتهم- وفقاً لمحلة Science- موضحين أنه مع الأخذ بالاعتبار الأوضاع الحالية، فإن احتمال تحقيق هدف الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.يعادل الصفر عملياً. لأن هذا يتطلب تخفيض الانبعاثات المسببة للإختباس الحراري بنسبة 43 في المئة بحلول عام 2030، بينما هي آخذة في الارتفاع حالياً.
وهذا يدلل على إستمرار التقاعس في تنفيذ اتفاقية باريس لعام 2015، التي صادقت عليها 195 دولة، ومن ضمنها دول الإتحاد الأوربي، والداعية لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ( CO2)على مدى العقود الثلاثة القادمة، للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.
علماً بان مؤتمر " COP 27" شهد تنازع الوفود بشأن الأرقام التي تحدد مقدار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يجب خفضها خلال السنوات المقبلة، وكيفية تضمين جهود إزالة الكربون الاصطناعي أو الطبيعي في المعادلات. وعدا هذا، عارضت الولايات المتحدة الأمريكية بشدة فكرة "المسؤولية التاريخية" عن التغير المناخي، وهي التي أطلقت أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون(CO2) في الغلاف الجوي منذ التحول الصناعي.

* قبل 14 عاماً تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل مكافحة تغير المناخ ومساعدة الدول النامية في التعامل مع تبعات تزايد درجات الحرارة العالمية، ولكنها تقاعست عن الوفاء بإلتزاماتها، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تصف التقاعس، على لسان مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر، بـالمهزلة،لاسيما وهي التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن الاحتباس الحراري، ناسية أو متناسية أنها تعهدت خلال محادثات المناخ التي عُقدت تحت رعاية الأمم المتحدة في كوبنهاغن عام 2009 بتمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ في البلدان الأشد فقراً، بحلول عام 2020.

* تبنى "COP 27 " العام الماضي في شرم الشيخ بمصر إنشاء صندوق " الأضرار والخسائر" لدعم الدول النامية المعرضة بشكل خاص لمواجهة التداعيات الخطيرة الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ. هذا القرار إعتبره البعضَ "خطوة نحو العدالة المناخية". وهناك من إعتبره "أحد القرارات التي نجحت فى دفع العالم للانتقال من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ".. بينما عملياً يجري حتى الآن الحديث عن " تفعيل" الصندوق، ولم يتضح بعد كيفية تفعيله، ولا الدول التي ستدفع الأموال،ولا كيفية تحديد أي الدول التي تعتبر نامية ومعرضة للخطر وتستحق تلقي الدعم المالي من الصندوق، فضلا عن عدم تحديد مقدار الأموال التي سوف تُدفع.

* منذ إنشاء "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) في عام 1988، بوصفها الهيئة العلمية التي تضم علماء من جميع أنحاء العالم، لتقديم المشورة إلى الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية في العالم، أصدرت الهيئة مجموعة من التقارير العلمية، كانت الأساس الذي ارتكزت إليه الاتفاقيات المناخية منذ بدأت مؤتمرات الأطراف (COP) قبل 28 عاماً.
اَخر تقاريرها صدر في اَذار/ مارس الماضي، وهدف أن يكون غطاء يستوعب الكم الكبير من الأبحاث التي أجريت حول ظاهرة الاحتباس الحراري منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وقد أكد التقرير- برأي الخبير البيئي العربي نجيب صعب،الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية" اللبنانية، ما هو معروف منذ سنوات:
أن المناخ يتغيَّر أسرع من المتوقَّع، والنتائج ستكون مدمّرة وكارثية في غياب معالجات فورية.
كما أن الحل لا يزال بعيد المنال؛ لأن الدول المتقدمة لم تلتزم بما وعدت به في المؤتمرات والمعاهدات المناخية منذ ثلاثة عقود.
ولخص التقرير عمل IPCC وأبحاثها خلال خمس سنوات، وتوصّل إلى استنتاجات وتوصيات يُفترض أن تشكّل الخلفية العلمية للخيارات السياسية التي ستناقشها قمة المناخ الثامنة والعشرون في الإمارات.
وأبرز استنتاجات الهيئة هو حَصْر ارتفاع معدلات الحرارة بدرجة ونصف درجة مع نهاية هذا القرن لم يعد هدفاً ممكن التحقيق، بسبب التأخر في تنفيذ الالتزامات المطلوبة لتخفيض الانبعاثات الكربونية. وهذا يعني أن نطاق الآثار التي لن يمكن وقفها سيتوسَّع، أكان في ارتفاع البحار أو الجفاف أو تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة وحجمها، مما يستتبع زيادة ميزانيات التكيُّف، استعداداً للتعامل مع تأثيرات لم يعد ممكناً ردُّها.
لكن هذا لا يعني – يوضح صعب-أننا دخلنا في قَدَر محتوم لن تجدي معه أي تدابير، كما يروّج بعض أرباب الصناعات والنشاطات الملوِّثة. فتسريع تدابير خفض الانبعاثات، وإن كان لن يوقف ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف درجة، سيضع حدّاً للارتفاع، لتجنُّب نتائج أكثر كارثية. كما يمكن، خلال فترة زمنية، امتصاص جزء من فائض غازات الاحتباس الحراري، إما بأساليب طبيعية مثل زيادة مساحات الغابات، أو صناعية بالتقاط الكربون من الجو وتخزينه. أما زيادة الانبعاثات بلا حدود فيضع التغيُّر المناخي وتأثيراته خارج أي ضوابط يمكن التعامل معها.

الى هذا، أعلن الوزير الأماراتي سلطان بن أحمد الجابر، الرئيس المعيّن لـ COP 28 ، بان المؤتمر القادم يسعى لتحقيق الهدف العالمي بشأن التكيُّف مع تداعيات تغيُّر المناخ، ووضع الصيغة النهائية للاتفاق على مضاعفة تمويل التكيُّف. وأوضح، في كلمته أمام اجتماع وزراء الطاقة في آسيا الذي أقيم مؤخراً ضمن فعاليات أسبوع الهند للطاقة في مدينة بنغالور الهندية، أن النقلة النوعية التي نحتاج إليها لتسريع التقدم تتطلب توفير التمويل بشكل مُيسَّر وبتكلفة مناسبة، مشيراً إلى أن التمويل المطلوب يُقدّر بتريليونات الدولارات.
ودعا الجابر الى ضرورة اعتماد سياسات داعمة للعمل المناخي والنمو الاقتصادي بشكل متزامن لضمان انتقال في قطاع الطاقة يشمل الجميع ولا يترك أحداً خلف الرَكب.
وأضاف أن الدول النامية لم تشهد سوى قدر ضئيل من العدالة حتى الآن فيما يتعلق بتحويل الطاقة، والحاجة ماسة لتوفير رأس المال من أجل التشغيل الكامل لصندوق "الخسائر والأضرار " الذي تبناه "COP 27 ".
وحث الرئيس المعين على التكاتف الدولي ليكون "مؤتمر الأطراف" المقبل مؤتمر النتائج العمليّة واحتواء الجميع، لافتاً إلى أن التقدم المحرَز لا يزال بعيداً عن المطلوب.

خلاصة القول: يشهد العالم بأجمعه تفاقم التغيرات المناخية وأضرارها وخسائرها الجسيمة.والجميع يقر بضرورة إتخاذ الإجراءات المطلوبة، بما فيها الدول المتقدمة التي لم تلتزم بتعهداتها.. فهل سيكون مؤتمر المناخ في دبي فرصة جديدة لإحداث نقلة نوعية لحلول ومعالجات مناخية وتمويلية عاجلة، تضع مصلحة الشعوب وتطلعاتها المشروعة بالحد عاجلآ من الكوارث والأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، على رأس أولويات المفاوضات الجديدة ؟
الجواب عقب إنغقاد المؤتمر وما سيتمخض عنه من قرارات جديدة، وفيما إذا سيلزم الدول بضمانات للإيفاء بتعهداتها.