الخلل الفكري، والرؤية الغيبية الأيديولوجية للعالم من أسباب ويلاته


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 7633 - 2023 / 6 / 5 - 14:24
المحور: الادب والفن     

ثمّة رؤيتان أيديولوجيتان رئيستان إلى العالم تتنازعان الإنسان والمجتمعات البشرية:
رؤية يزعم أتباعها أنّها توحى إلى النخبة من الغيب وما وراء الطبيعة، وتدعو إلى بناء الأنظمة الاجتماعية والعلاقات بين الناس، ومعالجة مشكلاتهم وتناقضات حياتهم الاجتماعية على أسس غيبية...
ورؤية واقعية تنطلق من دواعي الحياة ذاتها، ومتطلبات التنمية الاجتماعية والتقدم الحضاري، وتدعو إلى الارتقاء بمستوى حياة الإنسان، والسمو بوعيه، ومعالجة المشكلات والتناقضات في الحياة الاجتماعية على أسس عقلانية واقعية...
يتعرّف العقل البشري الرؤية الأولى عبر التأمل المجرد، وعبر تبني الموروث المعرفي والمعارف الغيبية المتراكمة من فكر السلف، الذي يثقله البشر بهواجسهم، وما يحسبونه اتصالاً مع القوى الغيبية، أو ما اصطلح على تسميته بالعقل الكلي الفعّال، عبر الوحي، فتعيش هذه الفكرة كأنّها تتوق إلى الماضي، وإلى ما وراء الواقع، وتأسر أتباعها وتدفعهم إلى الانغلاق على قناعاتهم زاعمين أنّها الحقيقة لا يأتيها الباطل، وتكتسب قوتها من هالة القداسة التي يغلفها اتباعها بها ومن نسبهم مصدرها إلى الإلهة...
أما الرؤية الثانية فتنشأ في الحياة عبر صراع الإنسان مع الطبيعة، وفي تناقضات وجوده الاجتماعي لتحسين حياته... تتميز هذه الرؤية بنزعتها التقدمية الثورية، ورغبة أتباعها في التحرر من قيود القداسة المعرقلة لتقدم الإنسان والمجتمعات نحو أفق رحب في فضاء من الحرية والتوق إلى التقدم الحضاري والإنساني...
وتمرّ المجتمعات البشرية عبر تطورها في حالات مدّ وجذر لسيادة واحدة من هاتين الرؤيتين الرئيستين وانحسار الأخرى، وقد تتحول الثانية إلى الأولى حينما تصبح دوغما مقدسة، فتصاب المجتمعات البشرية بالمرض نفسه...
وتلقي هيمنة أي رؤية بظلها على مجمل حياة الإنسان والمجتمع؛ فحينما تسود الرؤية الغيبية يفرض أتباعها أسلوبهم في الحياة على أسس لا تخلو من الأوهام، فيميل مقياس تطور المجتمع نحو الانحدار والانحطاط... وإن حاز اتباع هذه الرؤية إلى العالم فائض قوة تتعزز نزعتهم العدوانية، ويبررون قمع الآخر لفرض رؤيتهم، ويبدؤون الحروب مع تعزيز قناعتهم أنّهم ينفذون رسالة إلهية أوكلت قوى الغيب إليهم مهمة تنفيذها...
ويساعد انتصار الرؤية التقدمية في ازدهار المجتمعات والبحث عن حلول واقعية لمشكلاتها وأزماتها... وتتطور تلك الرؤية وأساليب حياة الناس مع تطور المجتمعات ونموها وتقدمها، ويبقى هاجس أتباع هذه الرؤية التقدمية البحث في كيفية معالجة ما يواجه الإنسان من تحديات بناء على رؤية مستقبلية للحياة والعالم لا تعرف التأطير ولا القداسة، وتحتمل المراجعة والتصويب بناء على التنبؤ بالمستقبل، وليس العيش في هواجس الخوف من الموروث والأحلام بعودة الماضي... فأي تفكير بعودة الماضي يتناقض مع جوهر مسيرة الحياة ذاتها...
إذا أردتم معرفة أسباب انحطاط البشرية، وميل قادة بعض البلدان إلى الحروب ابحثوا في عقولهم وفكرهم، ورؤيتهم الأيديولوجية إلى العالم، وفي الوعي والفكر السائد في تلك البلدان، ستجدون أنّ أساس الخلل في الرأس وفي العقل المنغلق على الفكر الجامد بهالة القداسة والرؤية الغيبية للعالم، فضلاً عن الدوافع الاقتصادية لتلك المواقف...