انطباعات في ديوان -لذة القلق- للشاعر حسان ديوب


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 7843 - 2024 / 1 / 1 - 13:28
المحور: الادب والفن     

مساكين هم الشعراء، حتى المتنبئ من بينهم يحتاج إلى الحنان...
كم من شاعر ومبدع من أجيال متفرقة عرفتها مجتمعاتنا عُتّم عليه، ولم ينل أغلبهم حقوقهم، إما بسبب منبتهم الطبقي الفقير، أو بسبب تحديهم للفكر المعرقل لتحضّر المجتمع وتطوره، وإما بسبب إثارتهم أسئلة وجودية بأسلوبهم الخاص، في أسئلة فلسفية ووجودية عميقة كتلك التي يطرحها شاعرنا حسان ديوب في أشعاره:
"أخلع أردية الوحي عنّي،
أرمي الضلالة
في بئر بلا قرار،
أختصر المخاض بالألم،
أهزّ الصمت والموت،
أطوف في صحراء الوجود،
أهجس:
في صدري
يجري نهر الحياة" (لذة القلق – ص164)
حسان ديوب ليس خرافة، بل هو شخصية حقيقية، وإن كانت شخصيته شخصية سينمائية... ولد في حمص العدية عام 1965، ودفعته طاقاته المتميزة، ومصادفات الحياة إلى سلوك درب المتميزين من أبناء جيله، أولئك الشبّان اليافعين المتحمسين الباحثين عن النور والحقيقة، فواجهوا معاناة، ومتناقضات وطعنات من أهلهم، ورفاقهم، وأقرب المقربين إليهم تصلح لأنّ تدوّن في رواية وتمثّل في فيلم سينمائي...
حينما علم أحد زملائه في صفهم الدراسي بشغفه في المطالعة سرق مجموعة من الكتب من إحدى المكتبات، وأهداه إياها، فجذبته رواية "الأم" لمكسيم غوركي، وعدد من الكتب الماركسية التي تدعو للدفاع عن المظلومين والمضطهدين، فغيّرت مجرى حياته ووجد نفسه متمرداً على كل ما يحيط به... وفُصل من المدرسة بسبب شعاراته (الثورية) التي ملأ بها جدران مدرسته... فأنكرته أسرته المحافظة بسبب توجهه الثوري... ومارس مهنة النجارة التي أحبّها لأنّها رفيقة الفن، إلا أنّها جلبت إليه المصائب... إذ أودع السجن بسبب تقرير كيدي من أحد زبائنه المتنفذين... وها هو ذا يتساءل على لسان كثيرين:
"في زحمة الطريق
أشعل ناراً تحت الرماد،
أتساءل مرتبكاً:
لماذا أنا معتقل؟" (لذة القلق – ص175)
وأصابه مرض في عموده الفقري، وبتر المنشار أعصاب يده فأصيب بمرض مهني دائم يمنعه ممارسة أي عمل عضلي، وظلّت زوجه وابنه سنده الوحيد في هذه الحياة... لم تمنعه مهنته من شغفه منذ يفاعته بالقراءة، بل تطورت وتنوعت قراءاته، إذ قرأ عشرات الكتب في الأدب والفن والفلسفة، زادت من ذخيرته المعرفية التي تجلت في أشعاره، إذ أنّه كأغلب الشعراء اقتحم عالم الشعر من دون بطاقة دعوة، فصدرت له ثلاث مجموعات شعرية:
1 – - كلمات تشبهني – دار أرواد – طرطوس 2012
2 – - نزوات الريح - دار أرواد – طرطوس 2012
- 3 – لذة القلق – الهيئة العامة للكتاب - وزارة الثقافة – دمشق 2020
يشير الانطباع الأولي في قراءة مجموعة "لذة القلق"، التي تقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط، التي تضج بالأفكار المكثفة، أنّه يمكن تسمية شعر حسان ديوب بشعر الأفكار القلقة:
"أنا الآن...
شغف الرؤى
بين أصابعي احتمال
أنا لهفة
في لحظة انكسار
أصطاد أسرار الينابيع
من ثغر الصبّار" (ص89)
"أشعر بالاختناق
حين أرى ظلالاً شاحبة
كالتعب
تعبث بمزابل الحرب" (ص100)
صرخة الأنا جلية في أشعاره، إنّما ينجح الشاعر في الابتعاد عن الأنا الذاتية المفرطة والمتغطرسة الجلية لدى عدد من الشعراء، فيحسّ القارئ أنّ الأنا هنا هي أناه الشخصية وقد أعيتها مرارة الحياة أيضاً:
"أنا السفح الأخير
لهذا الجبل
مصاباً بالثنائيات..." (ص5)
"أرتدي بداياتي العتيقة..." (ص14) "أبتلع الألم..."
تشكو بعض قصائده من اللغة العادية والأفكار المعروفة والمباشرة:
"شهوات المتخمين وفتاوى الظلام
تصرخ من جهات الأرض الأربعة؛
يلعبون بنا ألعاباً نارية
بسماء مستعارة
ووكالات إقليمية ودولية..." (ص109)
كما يشكو بعضها من كلمات زائدة:
"القصيدة المكبلة بالأجوبة المسبقة (الصنع)
تشكو تجاعيد الرؤيا". (ص6)
إنّما تبقى ومضات قريبة فكرياً من حياة القارئ الموضوعية العادية؛ المزينة بعنصر المفاجئة...
"تتمادى في حماقتها،
وأنا، أختصر الطريق؛
أحفر في ذاكرتي
ملامح ميلاد جديد" (ص13)
كثير من الصور الوجدانية، بل الصوفية، في هذه الأشعار استدعتني إلى أن أتوقف عندها، وأعيد تلاوة النص:
"الحلم يتداعى كانكسارات المرايا،
في باب الجنون:
بدء الطريق
في فرضية الوصول
خدعة..." (ص17)
"محتضناً لهفتي،
أهذي كصغار العصافير". (ص20)
ومن جمالية هذه النصوص إنّه يمكن العودة إليها باستمرار، إذ إنها تمتلك طاقة في جمالية الفكر الذي لا ينضب:
"في حجرات الصمت،
أدخل مجمرة الروح؛
بألم شفيف،
انتظر نظراتك؛
لا أنت ... أنت،
ولا أنا عابر سبيل". (ص21)
لقد استمتعت بقراءة هذه الأشعار - وقد خلت كأشعار أغلب الشعراء العرب من علامات التنقيط، ومن تاريخ كتابة كلّ قصيدة - وأتمنى للجميع الاستمتاع بقراءتها، وأشكر وزارة الثقافة، والأستاذ غسان كامل ونوس على دورهما الفعّال في نشر هذا الديون، وأتمنى من فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس، والأدباء والباحثين الجادين المهتمين بالأدب، الاهتمام بشعر الشاعر الجميل "حسان ديوب"؛ الذي جعلته اصابته المهنية عاطلاً عن العمل، ويعجز أحياناً عن تأمين أجرة الطريق للتنقل خارج داره، وعلى الرغم من ذلك ظلّ ينظم شعراً متمسكاً بالحياة يسعى إلى أن يزيد جمالها جمالاً:
"أدوّن رؤاي
على نصل الوجود،
أُرغم شفتيَّ
على انتزاع الندى
من ثغر الصبّار".