عواقب الصراع الطبقي في فرنسا!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7576 - 2023 / 4 / 9 - 19:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تستمر الاحتجاجات في فرنسا ضد ما تسمى بالإصلاحات الحكومية للمعاشات التقاعدية منذ عدة أشهر. ان هذا الصراع بين الطبقة العاملة الفرنسية والطبقة الرأسمالية المتمثلة بحكومة ماكرون لا تقتصر اثاره على فرنسا وحدها، بل تهم العالم كله وخاصة الكتلة الغربية. هذا الصراع هو صراع شامل وتاريخي والبرجوازية الغربية برمتها تترقب نتائج هذا الصراع عن كثب.



ان الأدوات التي تستخدمها البرجوازية معروفة وهي القمع، وحرمان المضربين من الأجور، استخدام كاسري الإضرابات وتقسيم الطبقة العاملة عن طريق إجراءات مثل استثناء الشرطة من هذا القانون وغيرها. والتضليل هو جزء اساسي في هذه الحرب اذ لا يصور هذا القانون كأجراء تقشفي كما هو، بل كأجراء من اجل تحقيق العدالة. وكالعادة يلعب الاعلام دور محوري في التحميق و تشويه الحقائق. اذ يساعد الاعلام الطبقة الحاكمة بتصوير اي هجمة على العمال وحقوقهم ومكتسباتهم واي محاولة لتحميل الطبقة العاملة عواقب أزمات النظام بالإصلاح وهذا ما يحدث مع هذه الخطة. فالأعلام والمؤسسات والشخصيات البرجوازية تصر بشكل هادف على تصوير هذه الهجمة على مكسب مهم للطبقة العاملة كإصلاح لابد منه والمعارضين له يعرضون مستقبل المجتمع الفرنسي للخطر.



وهناك تعتيم اعلامي مقصود على هذا الصراع وخاصة في الغرب، اذ نادرا ما يتم تغطية احداثه اليومية. والى الحد الذي يقوم الاعلام بتغطيته، يواظب على تقديم صورة سلبية للغاية للمحتجين وتقليل حجم الاحتجاج والحديث عن عنف المحتجين في حين ان القسم الأكبر من العنف تقوم به قوات الشرطة. اذ ليس هناك تغطية تذكر لعنف الشرطة والاعتقالات الاعتباطية والاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع وغيرها.



يعتبر الصراع الحالي في فرنسا على خطة ماكرون للمعاشات التقاعدية في غاية الأهمية بالنسبة للطبقتين: الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية. ولهذا تقوم حكومة ماكرون بالمخاطرة بمستقبلها ووصل الامر بها ان تستخدم فقرة دستورية التي تسمح للرئيس باستخدام سلطته التنفيذية من اجل امرار القانون دون التصويت عليه في مجلس النواب.



ماكرون هو جزء من نخبة سياسية عالمية تمثل مصالح الرأسماليين مثله مثل الرئيس الكندي جاستن ترودو وبن كلنتون و جوزيف بوريل، الذي هو بمثابة وزير خارجية الاتحاد الاوربي و الينا بيربوك وزيرة الخارجية الالمانية أورسولا فون دير لاين ، رئيسة المفوضية الاوربية، وكرستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوربي وانتوني بلينكن وزير خارجية أمريكا وفكتوريا نولاند وغيرهم من السياسيين الذي ينتقلون بين وظائف سياسية الى وظائف في إدارة الشركات الاحتكارية والمؤسسات الرأسمالية والمراكز البحثية. فماكرون ليس مجرد سياسي فرنسي، بل هو احد اقطاب النخبة السياسية التي تعتمد عليهم البرجوازية الغربية.



ولهذا بينما تغلي فرنسا بالاحتجاجات تناول ماكرون العشاء مع 21 من كبار المديرين التنفيذيين لأكبر الصناديق المالية العالمية بما فيها رئيس شركة بلاك روك، لاري فينك ليناقشوا " الفرص الاستثمارية التي تقدمها الإصلاحات التي تقوم بها حكومة ماكرون".



وفي قمة الازمة التي تعصف بفرنسا يسافر ماكرون مع اورسولا فون دير لاين الى الصين كممثلين للبرجوازية الاوربية في صراعها مع برجوازية القطب الصيني.



لقد وصلت شعبية ماكرون الى الحضيض وهي لا تتعدى 25% ولكن رغم هذا مصر على خطته، لان مهمته ليست الاستجابة لمصالح الطبقة العاملة الفرنسية، بل للبرجوازية الفرنسية والغربية ولهذا فهو مستعد للمخاطرة بمستقبله السياسي ومصير حكومته من اجل الدفع بمصالح الطبقة الذي يمثلها.



من جهة أخرى ان هذا الصراع مهم جدا بالنسبة للطبقة العاملة الفرنسية والطبقة العاملة في الغرب والعالم كله. رغم ان السبب الأساسي وراء هذه الاحتجاجات هي خطة ماكرون للمعاشات التقاعدية، في الحقيقة هذه الاحتجاجات هي احتجاجات ضد مجمل السياسات النيو ليبرالية لحكومة ماكرون اليمينية من التقشف والموقف من الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الوقود وما تسمى بأزمة تكاليف المعيشة والأجور وعضوية فرنسا في الناتو والاتحاد الاوربي والتغير المناخي الخ. انه صراع ضد الليبرالية الجديدة والاستبداد والحروب والموقف من التغير المناخي. اذ ليس بخافٍ على الطبقة العاملة الفرنسية حقيقة، بينما حقق الأثرياء أرباحًا قياسية منذ تولي ماكرون الرئاسة ، أكثر من مليون شخص في فرنسا يعيشون تحت خط الفقر.



بالنسبة للطبقة العاملة الهزيمة في هذا الصراع سوف يقوي موقف البرجوازية في الميادين الأخرى ضمن خطتها لمصادرة مكاسب الطبقة العاملة والقضاء على ما تبقى من دولة الرفاه وزيادة الأرباح من استغلال الطبقة العاملة الفرنسية. هذه الهزيمة سوف تفقد الطبقة العاملة الزخم الذي تتمتع به وتجعل التعبئة في المستقبل أصعب.



من جهة أخرى ان انتصار الطبقة العالمة الفرنسية في هذا الصراع سيكون دافع للطبقة العاملة في الكثير من الدول الأخرى. اذ بدأت تطرح الأسئلة في أمريكا مثلا، الذي فيها عمر التقاعد 67 سنة. اذ يتمتع العامل حتى في دول مثل الصين وكوريا الشمالية و ايران والسعودية بسنوات تقاعد اكثر من العامل الأمريكي. فمثلا ان سن التقاعد في الصين هو 60 ومعدل العمر 78 وفي ايران سن التقاعد هو 60 ومعدل العمر 74 وفي كوريا الشمالية عمر التقاعد هو 60 ومعدل العمر هو 73 والسعودية سن التقاعد هو 60 سنة ومعدل العمر خو 76 سنة وفي فرنسا سن التقاعد هو 62 سنة ومعدل العمر 81 سنة بينما أمريكا سن التقاعد هو 67 ومعدل العمر 77 أي ان العامل الأمريكي له عشر سنوات من التقاعد فقط في حين العامل في الصين يتمتع ب 18 عام من التقاعد.



من الممكن ان تسير الأمور لصالح أي من الطبقتين في هذا الصراع. فالحكومة التي فشلت في اقناع الطبقة العاملة تراهن على القمع والتضليل وارهاق العمال وترفض التنازل بحيث وصلت الأمور ان التراجع عن هذا القانون قد يعني انهيار الحكومة الفرنسية. من جهة اخرى لاتزال الطبقة العاملة مصرة على هزيمة هذه الخطة ويتخذ النضال في فرنسا اشكال جديدة بشكل مستمر. ان النجاح في هذا الصراع سوف يقوي موقع الطبقة العاملة في المجتمع وقد يؤدي الى بلورة قطب يساري راديكالي منظم في المجتمع الفرنسي. وسوف يكون لانتصار الطبقة العاملة الفرنسية عواقب إيجابية على نضال الطبقة العاملة في الكثير من الدول الأخرى التي تترقب هذا الصراع الطبقي عن كثب. ان عيوننا على هذا الصراع التاريخي ويجب ان نتعلم من دروسه.