-ميراث الإياب- ابحار في خبايا النفس البشرية انطباعات في شعر ريم البياتي


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 14:05
المحور: الادب والفن     

"لك رقعة الساري
ولي صبر الحبالْ"
سيأتي يوم ويكتشف النقاد الجادون في قصائد "ريم البياتي" نفائس تباهي الشعر العالمي، ولا سيّما، ذلك البحر العميق، والأفق الواسع من الأدب، والفكر واللغة الذي تنهل منه، و في آن واحد تفيض بمكنوناتها الإنسانية الوجدانية والكفاحية الأصيلة، في أسلوبها الأدبي الفريد المميز لها وحدها، لتتحفنا في كثير من أشعارها بمعلقة تشبه الديوان في قصيدة... إنني لست ناقداً، لكنّ لغزاً أو قوة ما تكمن في نصوص أقرأها تدفعني أحياناً لأدلي بانطباعاتي حولها؛ ومن تلك النصوص قصائد "ريم البياتي"، وآخرها قصيدة "ميراث الإياب"، التي تبدو من السهل الممتنع، إنّما تعكس موهبة وجهداً حقيقين لإبداع هذه اللوحات الفنية الرائعة، التي تبحر في أعماق النفس البشرية...
لفتتني في هذه القصيدة ثنائية ووحدة ما لدى الأنا، وما لدى الآخر (الأضداد) "لك أغنيات تجرح المعنى... ولي قصبُ البراري" التي تشي كأنّ الشاعرة تتحدث عن شخص واحد وليس اثنين، فكيف ومن يوحد "لك، ولي؛ الآخر، وأنا" في شخص واحد؟ إنّه الإنسان. وليس عبثاً أنّ اللغة العربية تستخدم كلمة أو مفردة الإنسان للتعبير والدلالة على المذكر والمؤنث معاً، فمفردة (إنسان) تطلق على المرأة كما تطلق على الرجل... والشاعرة في هذه القصيدة تبرهن ببراعة على أنّ المرأة والرجل وجهان لجوهر متلازم واحد هو الإنسان، ولا وجود لأي منهما من دون الآخر، ولا يستقيم المعنى من دون وجودهما معاً، "ولك الكروم... ولي أهازيج الدنان وثغرها"... فهل يكتمل لغز وجود "الكروم" من دون "أهازيج الدنان"؟ والعكس صحيح... لقد أمتعتنا الشاعرة، وأفادتنا في محاولتها لفت انتباهنا إلى حقيقتنا الإنسانية الواحدة...
في انطباعاتي هذه لامست جانباً واحداً لفت انتباهي في هذه القصيدة، وأحسب أنني سأستفيد مما سيُكتب في البنية الفنية والشعرية الممزة لها ولشعر "ريم البياتي" عموماً...
9/8/2022

ميراث الإياب
_____
لك أغنيات تجرح المعنى
ولي قصبُ البراري
غسق الفضاء وسابحات الضوء في ألق انتظاري وليَ العراجين التي نضجت على جمر اصطباري
ولي الجذور وسعفها سقفاً لداري
ولك الكروم
ولي أهازيج الدنان وثغرها
وفواتح العنقود تحجب سرّها
لي سرّة الوقت العجول على مشارف سُكْرها
ولك الضباب
ولي بذور الغيم
حرف الموقنين وباطن الوديان
لي ماء الحياةْ
ولك السرابُ
ولي ...
على الأبواب ميراث الإيابْ
ولك البنان لك الهواءْ
لي بسمة الأصباح ترمقني ويرمقها العتبْ
لي صمتها ولك الصخب
لي ضحكة الموال في شفة الرواةْ
ولك المقابر واختيار شواهدي
وطريقة الموت الفواتْ*
لي أن أقهقه أن أقولْ
أهب الوصايا للحقولْ
لي غنج راعيةٍ ومزمار سؤولْ
لك زرقة البحر ولي دفء الرمالْ
لك رقعة الساري
ولي صبر الحبالْ
ولك النجوم لك القمرْ
لي مؤنسات الليل لي شغف القصائد والسهرْ
لك ما تظنُّ ولي رويدك ما أشاء.
......ريم البياتي.....
*..الموت الفوات هو الموت المفاجئ