الخليج يكره المملكة 3


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 6445 - 2019 / 12 / 23 - 23:47
المحور: الادب والفن     

ما هي أبعاد العلاقة بين قطر وإسرائيل؟ "قطر وإسرائيل ملف العلاقات السرية" هذا الكتاب الذي ألفه الدبلوماسي الإسرائيلي سامي ريفيل وترجمه محمد البحيري، والذي نشرته مكتبة جزيرة الورد، يميط اللثام عن كثير من أبعاد ومعالم تلك العلاقات المشبوهة. يقول المترجم في مقدمة الكتاب: تمثل منطقة الخليج العربي بالنسبة لإسرائيل "خزينة الذهب" المغلقة في وجهها بسبب ثراء دول الخليج ومعدل إنفاق هذه الدول الذي يعد أعلى المعدلات على مستوى العالم، وفي هذا الكتاب، يكشف دبلوماسي إسرائيلي عن الجهود التي بذلتها إسرائيل دون توقف لاختراق دول الخليج العربي، وترسيخ التطبيع معها، بدعوى عدم وجود حدود مشتركة بين إسرائيل وتلك الدول، فيما يعني عدم وجود نزاع بين الجانبين، وقد يسبب ما سنكشفه هنا بعض الألم والأسف لمناهضي التطبيع بنفس الدرجة التي سيسعد بها أنصار التطبيع، لكن النصف الآخر من الفنجان والجانب المضيء من هذه الصفحات يتمثلان في أن هذا الكاتب الإسرائيلي يعترف صراحة بما يقول، ويؤكد على أهمية المقاطعة لإسرائيل وأثرها عليها بالشكل الذي يؤرق قادتها ليل نهار، ويدفعهم إلى العمل بإلحاح لكسر هذه المقاطعة، وحث جهود التطبيع، كما يلقي الضوء على العلاقات الخفية والمتشابكة بين السياسة والاقتصاد وتغيير أنظمة الحكم.


إسرائيل والخليج العربي كيف؟ تنبع أهمية هذا الكتاب الذي عنوانه الأصلي "إسرائيل على جبهة الخليج الفارسي" الصادر عن مؤسسة يديعوت أحرونوت أن مؤلفه سامي ريفيل يعد واحدًا ممن كان لهم باع طويل في دفع التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، خاصة إذا علمنا أنه كان أول دبلوماسي إسرائيلي يعمل في قطر حيث كان رئيس أول مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 1999. عمل ريفيل في مكتب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية ضمن فريق كانت مهمته الرئيسية والمركزية هي دفع علاقات التطبيع الرسمية الأولى بين إسرائيل ودول الخليج العربي، وتنمية التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والعالم العربي بأسره. في السنوات الأخيرة، رأس سامي ريفيل قسم العلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوربي وحلف الناتو في وزارة الخارجية الإسرائيلية. واليوم، يعمل ريفيل كوزير مفوض لسفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس. لذا، من الطبيعي أن يركز سامي ريفيل في كتابه على مسيرة العلاقات التي نشأت بين قطر وإسرائيل، وعلى المراحل التي مرت بها هذه العلاقات بما يحمله ذلك من أسرار وتحولات ومفاجآت.


قطر علاقة خاصة مع إسرائيل! لعل من أبرز ما يحتويه الكتاب تأكيد هذا الدبلوماسي الإسرائيلي على أمرين الأول: ارتباط صعود أمير قطر السابق، عبر الانقلاب على والده، بتوطيد العلاقات القطرية الإسرائيلية. الثاني: الادعاء بأن الضغوط التي مارستها مصر على قطر لكبح جماح علاقاتها المتسارعة باتجاه إسرائيل كانت ترجع إلى قلق مصر على مكانتها الإقليمية من الناحية السياسية، وإلى الخوف من أن تفوز قطر بصفقة توريد الغاز إلى إسرائيل بدلا من مصر، وهي الصفقة التي كانت وما زالت تثير الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية. هذا طبعًا بالإضافة إلى إشادة الدبلوماسي الإسرائيلي بالشيخة موزة قرينة أمير قطر والد تميم واصفًا إياها بأنها باتت السيدة الأكثر تأثيرًا في العالم العربي متفوقة بذلك على كل زوجات الرؤساء والملوك العرب. ويلح المؤلف على الترويج لادعاءات محددة أولها أن إسرائيل ليست عدوًا أو مصدر تهديد لمنطقة الخليج العربي عبر القول بأن التهديد المركزي على منطقة الخليج ينبع من جانب إيران التي تطمح بأن تكون قوة إقليمية، وكأن إسرائيل لا تستفيد من كل سوء يلحق بالعرب عامة. يقول المؤلف إن طموح إيران يدفع بها إلى زيادة التوترات بين الشيعة والسنة، وإن إيران تستمر أيضًا وفي الخفاء في إثارة الصراعات الداخلية في دول شبه الجزيرة العربية بين أولئك الذين يتمتعون بالثراء الخيالي الآتي به اكتشاف النفط والغاز، وبين هؤلاء الذين لم تتحسن أوضاعهم بنفس الدرجة، إلى جانب الأصوليين الذين يطالبون بالتمسك بأصول الإسلام والشريعة وتراث السلف. كذلك يرى الدبلوماسي الإسرائيلي أن ثمة خصوصية ميزت إمارة قطر التي قال إنها تحاول شق طريق خاص بها لمواجهة التحديات الواقفة عند بابها، لكنه يضيف "أن خزائن قطر الممتلئة بالذهب مكنتها من لعب دور لافت للنظر في منطقة الشرق الأوسط بما يتعدي أبعادها الجغرافية وحجم سكانها"، ويشيد بقطر لأنها رغم الضغوط التي تعرضت لها من جانب جاراتها في الخليج العربي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل عام 1996، وسمحت لها بفتح مكتب تمثيل دبلوماسي على أراضيها، وفي نفس الوقت، هذه الإمارة الصغيرة التي تتقاسم مع إيران حدودًا بحرية وحقول غاز طبيعي وطدت علاقاتها مع القيادة الإيرانية، وكذلك مع القيادة السورية، بل وأيضًا مع منظمات إسلامية متطرفة على حد تعبيره مثل حماس وحزب الله.


قطر حصان طروادة لإسرائيل! من المثير للدهشة والتساؤل الربط بين مكانة قطر في المنطقة ـ برأي المؤلف ـ وعلاقتها بإسرائيل منذ منتصف سنوات التسعينات من القرن العشرين، في الأيام التي بدأ فيها نمو العلاقات بين إسرائيل وقطر، ولا يخلو الكتاب من تلميحات مثيرة مثل حديث المؤلف عن وصول أمير قطر السابق إلى الحكم عبر الانقلاب على أبيه، وتحسن العلاقات القطرية الإسرائيلية فور تنفيذ هذا الانقلاب، وبسرعة لافته تجعل هذه التلميحات البعض يربط بين الحدثين. ويتحدث المؤلف عن صعوبة نسج العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه لولا الصحبة والمساعدة التي حظي بها من مسئولين كبار في قصر الأمير ووزارة الخارجية القطرية وشركات قطرية رئيسية، وأولئك الذين فتحوا بيوتهم وخيامهم أمام الإسرائيليين على حد تعبيره. ويحاول الدبلوماسي الإسرائيلي الفكاك من حقيقة الإرهاب الإسرائيلي والوحشية التي يستعملها الجيش الإسرائيلي كقوة احتلال ضد الفلسطينيين الذين هم أصحاب الأرض الحقيقيين، عبر كثرة الحديث عما يصفه بالإرهاب الإسلامي الذي يقوده تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن (داعش لم تكن مولودة بعد) متهمًا المملكة العربية السعودية (الاتهام في محله والسياق في غير محله فالسعودية كإسرائيل بربرية إجرامية دموية) بأنها أطلقت الراديكاليين الوهابيين من أراضيها إلى كل أنحاء العالم العربي لنشر التطرف، ولم يفته طبعًا سرد كل الحوادث المنسوبة إلى الإرهاب الإسلامي بدءًا من تفجيرات الظهران وعدن وأحداث 11 سبتمبر 2001 وما إلى ذلك ولكن ليس انتهاء بالإرهاب الإسرائيلي الذي يعيشه الفلسطينيون يوميًا تحت الاحتلال أو الإرهاب الإسرائيلي بالواسطة في سوريا والعراق واليمن وفي جميع أنحاء العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسي الإسرائيلي تعمد في كتابه استخدام مصطلح "الخليج الفارسي" بدلاً من "الخليج العربي"، وهو ما بادر المترجم إلى تغييره خلال الترجمة فقط حتى يكون القارئ العربي أكثر اقترابًا من السطور، ولا يشعر أن الحديث يجري عن منطقة أخرى أو مكان لا يعينه.


أسرار لم يُكشف عنها؟ الكتاب مليء بالمعلومات والأسرار التي تكشف كيف نشأت العلاقات بين قطر وإسرائيل، وكيف كانت تدار، والدوافع التي تقف وراءها، والظروف التي أحاطت بها. ويؤكد المترجم على إدراكه أهمية الكتاب بمجرد مطالعته لعنوانه في أحد مواقع الكتب الإسرائيلية عام 2009، وهو لهذا سارع إلى الحصول على نسخة منه عبر صديقة فلسطينية لم تتردد عن إرساله إليه، فعكف على ترجمته من اللغة العبرية إلى اللغة العربية. والهدف من الكتاب حسب الاستاذ البحيري ليس الإساءة إلى أية دولة عربية شقيقة، لأن الكلام الوارد هنا يأتي على لسان الدبلوماسي الإسرائيلي المؤلف للكتاب وليس على لسانه، ولأن مهمته تقتصر على الترجمة، ويرى انه ينبغي التعلم من هذا الكتاب، وأنه على الأقل لا يمكن ائتمان الإسرائيليين على أية أسرار، فهم سرعان ما سيكشفون ما اؤتمنوا عليه سواء بدافع الوقيعة بين صاحب الإسرار ورفاقه، أو بدافع الرغبة في الاستفادة من هذه الأسرار عبر الاتجار بها، وفي الحالتين من أجل تحسين صورة الإسرائيلي المتفوق المتميز، ليقدم نفسه إلى الآخرين على أساس أنه كان كاتم أسرار فلان الذي ائتمنه على خصوصياته، ولم يأتمن شقيقة العربي.


عن الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية