إفتح يا سمسم ........


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6245 - 2019 / 5 / 30 - 02:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

كما نعلم بذور السمسم هي من البذور الدهنية والتي تعتبر من أقدم المحاصيل الزيتية المعروفة للبشرية والتي تم إستخدامها لاستخلاص الزيت منها.
تشير البحوث الأثرية أن أول تدجين للسمسم كان في شبه القارة الهندية حيث تم العثور على بقايا السمسم المتفحمة والتي تعود للألف الرابع قبل الميلاد كما في بلاد الرافدين فإننا نجد السمسم مذكوراً في معظم النصوص الدينية والحياتية إبتداءً من الألف الثالث قبل الميلاد ففي النصوص السومرية مثلاً تم ذكر السمسم بالصيغة še-gišì وفي النصوص الأكادية تم ذكر السمسم بالإسم šamššamu .
للسمسم وزيته منذ القِدم إستخدامات عدة كالإستخدام الغذائي والإستخدام الطبي والإستخدام السحري و الإستخدام الديني في الطقوس الخاصة بالمسح والتطهر.

لكن الغريب والذي سناقشه الآن لماذا يتم إستخدام الزيت تحديداً في هذه الطقوس ولناذا هذه المكانة الروحية التي يأخذها عند الاديان ؟؟

في البداية يجب أن نعرف أن الزيوت المستخدمة بالمسح والتطّيب والتطهير تختلف من مكان إلى أخر تبعاً للمواد الأولية المتوفرة في كل منطقة المستخدمة لإستخراج الزيوت التي إستخدمت في التطهير منذ ألاف السنين نقلت الينا المدونات الاثرية الكثير الأمثلة عن الإستخدام الديني للزيوت نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

- في ملحمة جلجامش انكيدو الوحشي بعد ان اكل الخبز وشرب سبعة أقداح من الشراب ونُظف جسده المشعر مُسح جسده بالزيت أصبح إنساناً وغدا كالعريس بالتالي كانت أخر خطوة من خطوات تحويله الى إنسان هو مسحه بالزيت .

- في أوگاريت في دورة البعل نجد مثلاً الألهة عناة حين إنتهت معركتها مع الإله موت غسلت أيديها من دماء الجنود وطهرتها بزيت السلام الذي ورد بالعبارة " šmn šlm " " شمن شلام "،كما نجد في اوگاريت أيضاً في ترنيمة لنيكال H6 عملية التطهر بالزيت وغسل الزنوب تحديداً زيت السمسم.

- كما يظهر في رسائل تل العمارنة تقليد تعين الملوك المصري المرتبط بالمسح بالزيت كالموجود في الرسالة EA#51 حيث نجد الملك أددو نيراري ملك إحدى المناطق التي تقع شمال سوريا وهي نوحاشي يرسل رسالة الى الملك المصري يطلب منه العون والمساعدة ويخبر الملك المصري أن أجداده أعطوا أجداده الحكم على هذه المنطقة بمسح رأسهم بالزيت " .

- بذات الطريقة إنتقلت هذه التقاليد الى التقاليد اليهودية فأصبح تعين الكاهن أو الملك عند اليهود يرتكز بشكل أساسي على مسح الشخص بالزيت المقدس الذي حدد مقاديره الرب لموسى كما ورد في التوراة في سفر الخروج ومنه كان مشيحا المشيح أو المسيح الذي يعني " الممسوح بالدهن المقدس " والتي كانت صفة للأنبياء والملوك عند بني إسرائيل حيث يتم مسحهم بالزيت المقدس .
لكن بالنسبة للمسيحية كان المسح للمسيح بالروح القدس عند المعمودية عندما حلت الألوهية في ناسوته .
وفي الإسلام العديد من الأحاديث التي تتحدث عن فضل المسح بالزيت والتداوي به فنذكر الجديث المشهور " كلو الزيت إدهنوا به فإنه يخرج من من ثمرة مباركة "

إذا بعد العرض البسيط لاهم الأمثلة ما هذا السر الذي يحمله الزيت في هذه الطقوس؟

ببساطة كتحليل شخصي أرى أن عملية تقديس الزيت ناتج من خواص الزيت الفيزيائية المتمثلة بكونه أقل كثافةً من الماء فيبقى طافياً على الماء و هذه الخاصية من أقدم الطرق لإستخراج الزيوت من النباتات الزيتية المختلفة بالتالي إرتبطت الزيوت بالسمو الروحي الذي يبقى في الأعلى و يأبى النزول الى الأسفل بالتالي كان مكوناً إلهياً فعرش الإله كان الماء حاملاً له في معظم الأساطير الوثنية والاديان السماوية وكما أسلفنا إختلف نوع الزيت بإختلاف المنطقة الجغرافية على سبيل المثال كان زيت الزيتون هو الأكثر رواجاً للمسح في الساحل السوري وفي بلاد الرافدين بشقيها السوري والعراقي فقد كان زيت السمسم هو المتصدر وهو الأكثر إستخداماً في الطقوس الدينية والعلاجية والسحرية ومن إسمه الأكادي يتضح مغزاه وما أسلفت " ellu " " إلو " أو " عِلو " أي في الأعلى أو في العالي فكما تأخذ هذه الكلمة معنى زيت السمسم تأخذ معنى التطهير والنقاء وحتى اليوم مازالت الصيغة الأكادية مستمرة في الشكل اللاتيني للإسم oleum وكما هو واضح يدل على العلو أيضاً بإعادة حرف O إلى أصله نعود لحرف عين الفينيقي .
إذا
من زيت السمسم ellu هل يمكننا محاولة تفسير الأسم الاكادي للسمسم šamaššamu :

بملاحظة بسيطة للإسم سمسم باللغة الأكادية أي šamaššamu شمشمو نجد أننا إذا فرقنا العبارة نحصل على معنى يعطي ذات المعنى الذي يلعبه السمسم في الحياة والطقوس الدينية واخترت الاكادية لتأصيل الأسم لأنها أقدم اللغات السامية في المنطقة وتعطي صورة واضحة عن المقصود بالتسمية :

1- الإحتمال الأول : الإسم šamaššamu مكون من السماء شُمو šumu و šammu شمّو وتعني نبات او عشب مجفف أو نبات طبي بالتالي يمكن أن يكون المعنى نبات السماء أو النبات المقدس أو نبات الإله .

2 - الإحتمال الثاني : الإسم šamaššamu فيمكن ان شَمشّمو هي منحوتة من šamnu شمنو وتعني كما هو واضح الدهن أو السمن وحتى الزيت و السماء شُمو šumu بالتالي يكون السمسم هو دهن السماء المستخدم بالطقوس ويصل لذات معنى ellu .

3 - الإحتمال الثالث : أن šamaššamu منحوت من šamšu ويعني الشمس أو ضوء الشمس و šamu السماء ويعني نور السماء ويدعمه إستخدام زيت السمسم في الإنارة ليلاً .

نلاحظ ان الإحتمالات الثلاثة السابقة وهي الأقوى بالنسبة لي وهي مرتبطة كلياً بنبات السمسم وتقدم معنى لغوي يعبر عن السمسم كنبات مقدس تُستخدم زيوته بشتى مجالات الحياة لأنها تقدم معاني حسية أقرب للإنسان ولكن في الإحتمالان التاليان سأقدم تاصيلاً نابعاً من الإستخدامات الدينية والسحرية لزيت السمسم التي ممكن أن تعطي معاني وظيفية في هذا المجال الطقسي و الديني :

- أولاً : šumu شُمو وتعني " إسم " و شُمو šumu تعني السماء والإله بالتالي السمسم هو "إسم الإله" والتطيب به يتم بإسم الإله .

- ثانياً : بذات التقدير السحري الطقسي من كلمة šâmu الأكادية شِامو والتي هي فعل يعني يقدر او يقرر حظ أو يبصر وهو موجود بالعربية شام الشيء قدره و šumu تعني السماء بالتالي شمشمو هو تقدير السماء او بتقدير الله بالحظ أو سوء الحظ او هي ما نسميها الأقدار.

والأن ما رأيكم أن نأصل عبارة "إفتح ياسمسم" بعد هذا العرض البسيط لطقوس المسح والمكانة القيمة للسمسم فلابد أن تحمل لكم هذه العبارة حكاية ممتعة سنسردها لكم :

إرتبطت هذه الجملة السحرية بحكاية علي بابا والأربعين حرامي الشهيرة و التي يعتبر أول ظهور لها في حكايات ألف ليلة وليلة أو " الليالي العربية " المترجمة على يد الفرنسي انطونيو غالان Antoine Galland والتي نشرها في 12 مجلد من العام 1704 م الى العام 1717 م إعتمد فيهم على مخطوطة سورية لحكاية ألف ليلة وليلة تعود للقرن الرابع عشر ومصادر اخرى ومن أهم المصادر الأخرى هو وصول الرحالة وراوي القصص السوري الحلبي أنطون يوسف حنا دياب إلى فرنسا مع الرحالة الفرنسي بول لوكاس والذي رافقه بجميع أسفاره والتقى بانطونيو غالان حسب مذكرات غالان فروى له العشرات من الحكايات نذكر من هذه الحكايات
- حكاية علاء الدين والمصباح السحري الشهيرة التي رواها له حنا دياب في الخامس ايار سنة 1709 .
-حكاية قمر الزمان وبدر البدور التي رواها في السادس من أيار في ذات العام .
- علي بابا والأربعين حرامي التي رواها في السابع والعشرون من آيار في ذات العام .

لكن المثير أن حكاية علي بابا والأربعين حرامي التي رواها دياب لم توجد في أي مخطوطة من المخطوطات المشرقية مما يرجح أنها قد تكون من نسج خيال حنا دياب أو من التقاليد الشفوية السورية .

بالعودة لعبارتنا "إفتح ياسمسم" لنحاول التفكير بالأصل وسبب استخدام هذه العبارة وهل كان إستخدام هذه العبارة عشوائي؟
أو واختيار للسمسم كان نتيجة وقع الموسيقا في النطق ؟
أما انها إمتداد للطقوس التي ذكرتها والتي كان السمسم بطلاً لها ؟
طبعاً مايلي هو محاولة واجتهاد شخصي ايضاً يعمد على مجموعة من المعطيات التي وضعتها بين ايديكم :
نلاحظ في كل محاولات التاصيل الخمسة التي قمت بها لإسم السمسم ترجع إرتباطه بالسماء اي أنه منحة سماوية أعطتها الألهة للإنسان وخصوصاً من خلال المكون الإلهي الذي يخرج من السمسم نتيجة تفتحه وطحنه وهو الزيت ellu والذي يتمتع بصفة من صفاة الإله الأعلى وهي النقاء والرفعة بالتالي كان تفتح السمسم كنزاً من الكنوز الروحية تمنحها السماء للإنسان وكانت "إفتح ياسمسم " هي دعوة لهذا النبات السماوي من أجل أن تفتح السماء وتعطي الكنوز الروحية وحتى اليوم نقول للشخص المحظوظ " بواب السما فتحتلو " أي أبواب السماء قد فُتحت له فعبارة افتح ياسمسم سواء اكانت إفتح باسم الله أو إفتح بتقدير الله او حتى إفتح ببركة زيت الله هي عبارة سحرية تؤدي الى الحكمة بالتالي نجد هذه العبارة " إفتح ياسمسم " موجودة بكثرة في العلوم الروحانية كدعوة لفتح العقل نحو السماء وتلقي العلوم الروحية لتحرير الروح من الجسد.

و في التفكير المادي أيضاً هي قوة في مجابهة للتحديات الضخمة التي تواجه الإنسان والتي يمكن أن تُزاح مباشرة بالإيمان بفكرة فيمكن تحويل الفشل إلى نجاح ، والحزن إلى الفرح ، والمرض إلى الصحة والذكاء المحدود إلى عبقرية فكل الأشياء ممكنة و إمكانيتها تتناسب طرداً مع قوة الهدف لدينا وإيماننا بذاتنا فالحياة جملة من المتوافقات و المتناقضات تحددها جملة من الخيارات...
فنحن من تختار و نحن من ندير حياتنا نحو الجنة أو الجحيم فالجنة والجحيم ضمن التفكير المادي ليست سوى حالات ذهنية نحن نخلقها بعملنا وخياراتنا و الإنسان الذي يتغلب على نفسه يتغلب على العالم فتفتح له مغارة علي بابا وترتمي كل كنوزها عند قدميه.