عشتار وتموز وقيامة المسيح


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6207 - 2019 / 4 / 21 - 19:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عيد الفصح هو أحد الأعياد المهمة التي يحتفل بها الملايين حول العالم من الديانتين اليهودية والمسيحية اليهودية .
فعند اليهودية يمثل خروج بني إسرائيل من مصر وخلاصهم من العبودية وعند المسيحية يعتبر يوم قيامة يسوع من بين الأموات لذلك يسمونه عيد القيامة .
تلك القيامة الموصوفة في العهد الجديد بأنها حدثت بعد ثلاثة أيام من صلبه في الجلجثة.
كان المسيحييون الأوائل يحتفلون بعيد الفصح بالتزامن مع الفصح اليهودي حتى عقد مجمع نيقية 325 م الذي أقر أن عيد الفصح يقع في اﻷحد اﻷول الذي يلي بدر القمر الواقع في أول الربيع بالتالي بعتمد على معياريين شمسي 21 آذار و قمري يوم 14 من الشهر القمري ونحن نعلم ان السنة القمرية أقل من السنة الشمسية ب 11 يوم لذلك يختلف حسابه كل عام :
- الفصح الشرقي اليولياني يقع بالفترة الممتدة بين ‏( 4 نيسان و 8 أيار ‏)
- الفصح الغربي الغريغوري يقع بالفترة الممتدة بين ‏( 22 أذار - 25 نيسان ‏)
فيكون عيد الفصح هو "عيد متحرك" يختلف موعده كل عام عن الآخر.
- كلمة الفصح وهي من الجذر اﻷرامي پسخا أو فسخا او فشخا ﻻن الباء P والفاء متبادلين والسين والشين كذلك פסחא ‏( Paskha ‏) وهي تعني العبور والتي ما تزال وﻻ نزال حتى اليوم نستخدم هذه الكلمة بالعامية السورية فشخ أو فسخ بمعنى " خطوة كبيرة تقارب القفز " مثل " فشخ من فوق الجورة " انتقلت من اﻷرامية لبقية لغات العالم فنجد :
- في العبريةפֶּסַח ‏( Pesach ‏) پسخ ، پسخة " فسخ.
- في اليونانية Πάσχα بسخا ومنها لﻼتينية اﻷم فنجد :
- في الﻼتينية Pascha
- اﻹسبانية Pascua
- اﻹيطالية Pasqua
- الفرنسية Pâques
باستثناء اللغة اﻹنكليزية نجد :
- اﻹنكليزية الحديثة Easter ايستر
- اﻷلمانية Ostern اوستر .
وللإسم الجرماني و الأنكلوسكسوني حكاية أخرى نستعرضها لاحقاً .
مفهوم القيامة من بين الأموات :
يعتبر مفهوم القيامة أحد المفاهيم الرمزية التي تعبر عن الولادة والنهضة والتجدد وقيامة النباتات من بذورها الميتة بعد قيامة الشمس وإنتصارها على قوى الظلام حيث يزداد طول النهار بالنسبة لليل بعد يوم الإعتدال .
- أقدم مصدر من مصادر حكاية القيامة هو أسطورة " هبوط إنانا" الخاصة بالإله الراعي النباتات ديموزي السومري (تموز) وزوجته إنانا (عشتار) وهي مدونة على أقراص طينية بالمسمارية يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
و تقول الحكاية :
" إنانا " لم تكتفي بسيادة السماء إنما طلبت لنفسها سيادة العالم السفلي " إركاﻻ أو كور " و الذي تسوده اختها " ايرشكيجال . "
اخبرت مستشارها " ننشوبر " عن مخططها وطلبت منه في حال عدم عودتها في ثﻼثة ايام أن يطلب مساعدة اﻹله العظيم إنيليل و إن لم يلبيه ليذهب ل نانا إله القمر وإن لم يلبيه فيذهب إلى انكي الحكيم الذي لن يتواتى عن مساعدته .
إنانا إجتاحت أبواب الموت و الظﻼم " اﻹركاﻻ " أرض الﻼعودة أرض بدون نور أو غذاء ساكنوها غبار وطعامهم طين .
وصلت عشتار أول أبواب اﻹركال متسلحةً بتعاويذها طلبت من الحراس فتح البوابة معلنةً أنها إن لم تُفتح اﻷبواب ستحطمها وتسمح للموتى باﻹرتفاع إلى عالم اﻷحياء ليلتهموا اﻻحياء ويعم الخراب .
توسل لها حراس البوابات كي تتحلى بالصبر حتى يذهبوا إلى ملكة العالم السفلي " ايرشكيجال " كي تمنحهم اﻹذن بدخول عشتار اعطتهم اﻷذن لكن ليس كألهة إنما بالطريقة التي دخلها جميع من حل بهذا المنزل الكئيب .
بدأت إنانا دخول بوابات اﻹركاﻻ السبعة :
- البوابة اﻷولى : تتم إزالة تاجها من رأسها .
- البوابة الثانية : نزع اﻷقراط من أذنيها
- البوابة الثالثة : نزعت القﻼدة من رقبتها
- البوابة الرابعة : نزعت الحلي من صدرها
- البوابة الخامسة : نزع الحزام من خصرها
- البوابة السادسة : نزعت اﻷساور من يديها و قدميها
- البوابة السابعة : نزعت العباءة التي تغطي جسدها .
سجنت إنانا الهة الخصوبة في عالم اﻷموات وتمكن الموت منها وبعد ثﻼثة أيام على ذهابها ذهب وزيرها " ننوشبر " كما اوصته إلى إنيليل ونانا الذان يصدانه ثم يذهب الى إنكي الحكيم الذي يدرك جيداً خطر موت عشتار على الوجود فعشتار تمثل روح الخصوبة و خسارتها تفقد اﻷرض خصوبتها وتصبح بالتالي قافرة ﻻ تنمو المحاصيل فيها بالتالي تموت الحياة على اﻷرض .
يرسل إنكي رسوﻻن مع ماء وطعام الحياة إلى العالم السفلي ويطالبان باﻹفراج عن إنانا تضطر " ايرشكيجال " لﻼمتثال ﻷوامر إنكي ويتم سكب ماء الحياة على عشتار فتحيى و تأكل طعام الحياة تشفى من العاهات التي لحقت بها لكنها تبقى تسيرةً في العالم السفلي فتشترط " ايرشكيجال " على اطﻼق سراحها تأمين بديل يمكث مكانها في العالم السفلي حسب شروط هذا العالم فتقبل إنانا تأمين البديل و تسمو إنانا إلى أعلى خﻼل البوابات السبعة و في كل بوابة يعاد إليها ما أخذوه منها ومعها عدد من شياطين العالم السفلي تبحث عشتار عن من إله ترمي له بنظرة الموت لتضعه مكانها في العالم السفلي كان أو من قابلت اﻹلهان الحاميان لها اللذان تعفرا بالتراب ولبسا اﻷسود وبدأ بالنواح خوفاً منها وتذلﻼً لها فعفت عنهما وخﻼل بحثها وصلت إلى مدينة زوجها ديموزي الذي رفض النواح والحداد والتذلل وارتدى أجمل ثيابه كانه في العيد مما أثار غضب زوجته التي ظنته في حداد عليها فرمقته بنظرة الموت وكي ترسلته مع شياطينها ليحل مكانها في العالم السفلي .
حاول تموز الهرب منها فالتجأ إلى اخته وإختبأ عندها فاخبر صديق مجهول لتموز أحد الشياطين وهو غالا بمكان تموز فذهب الشياطين إلى ﻷخت تموز وعذبوها فخشي تموز على اخته فسلم نفسه لهم و بدأوا تعذيبه فدعى اﻹله أوتو فيستجاب له وحول رجليه إلى قوائم غزال فهرب منهم لكن هروبة ﻻ يستمر طويﻼً حيث أمسكه الشياطين و بدأوا بتعذيبه وينزﻻنه الى عالم الﻼعودة .
شعرت إنانا بالحزن واﻷسى و تأنيب الضمير على حبيبها ديموزي الذي أرسلته بيدها إلى الموت فطلبت من أختها أن تشفع له وتخرجه وكان لها ما أرادت لكن بشرط أن يقضيَ اﻹله ديموزي في عالم اﻷموات ستة اشهر من كل عام يبدأ من شهر تموز وخﻼل هذه المدة تموت معه المزروعات والماشية من شدة الحر والجفاف وينتشر القحط ثم تبدأ ولادته في منتصف ليل 24 كانون اﻻول وتكون قيامته الفعلية بعد الإعتدال الربيعي بعد 21 آذار وخلال هذه المدة تقضي اخته جيشتينانا مكانه.
ملاحظات على الحكاية:
إن حكاية " هبوط إنانا " مرتبطة كلياً كما نرى مع فكرة القيامة من بين الأموات وهي مشتركة بالخطوط العريضة عند عدد من المخلصين الزراعيين كادونيس و بعل.
و أشهر قيامة نحن الأن نعيش مناسبتها هي قيامة المسيح من بين الأموات مع التنويه أن هذا الترابط والتناص بين الحكايتين لا يعني بالضرورة أنه لم يكن هناك شخص حقيقي يدعى يسوع فهناك عدد من المؤرخين ذكروا وجود مُعلم عاش بين اليهود في فلسطين تم صلبه ورافقت وجوده إضرابات واحداث مميزة في تلك الفترة وهذا ليس موضوعنا لكن ما يهمنا التقارب بين الحكايتين بخصوص القيامة والزخرفة الحاصلة على قصة يسوع فنجد من خلال الحكاية عدداً من الملاحظات المهمة تظهر بشكل غريب تطابق تموز والمسيح من جهة وتطابق المسيح وعشتار من ناحية ثانية .
- الوجهة الأولى من ناحية إنانا ( عشتار)
1-كل من يسوع وإنانا يتم إلقاء القبض عليهما ومحاكمتهما وإدانتهما والحكم عليهما بالإعدام بعد تعذيبهما .
2- كلاهما يموت وتعاد إليهما الحياة بعد ثلاثة أيام من موتهما يسوع من قبل الله و إنانا من قبل الإله إنكي .
3 - إنانا السومرية كما نعلم أصبحت معروفة خارج بلاد ما بين النهرين باسمها البابلي "عشتار" وفي كنعان/ فينيقية عشتروت و عند الإغريق إفروديت وعند الرومان ڤينوس وهي ذاتها هي تجسيد لكوكب الزهرة في الحقيقة عشتار تحتوي جانباً من ذكورة الإله وهي المعروفة بجمع المتناقضات وهذا ما نجده في أثاره في عبادة عشتار عند العرب فكان عثتر هو إله مذكر مرمز بكوكب الزهرة بالتالي كان كوكب الزهرة له جانبان ممثلاً للأنوثة بنجمة المساء و جانباً للذكورة في نجمة الصباح فنجد من المطابقات الإنجيلية المهمة لهذا الكلام عندما يتحدث السيد المسيح في رؤيا يوحنا يقول: " أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَﻼَكِي ﻷَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ اﻷُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ . أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ . كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ ‏"
4- في القرن الرابع عندما قامت الإمبراطورة القديسة هيلانة والدة اﻻمبراطور قسطنطين يمساعدة أوزيبيوس أسقف قيصرية بالبحث عن قبر المسيح فوجدوا على حد قولهم عند صخرة الجلجثة المنطقة ثلاثة صلبان فإعتقدوا أن هذا المكان هو مكان قبر المسيح فهدموا معبد وثني كان هناك وهو معبد فينوس عشتار فوجدوا تحته مدفناً رومانياً عبارة عن كهف فإعتقدوا أن هذا المكان هو قبر المسيح الذي قام منه بالتالي كانت كنيسة القبر المقدس أقدم كنيسة في العالم فوق معبد فينوس الذي بناه فيما مضى الإمبراطور هادريان حيث إعتبر أن الجحيم تحت الصخرة لذلك بنى المعبد تمثيلاً لقيامة عشتار من عالم الأموات.
6 - في العالم الجرماني والأنجلو سكسوني اسم عيد الفصح هو Easter الاسم هو بالتأكيد إنعكاس لعبادة الألهة عشتار في التقاليد الروحية الوثنية لألمانيا وإنجلترا في فترة العصور الوسطى ولكن هذا الإنعكاس كان بطريقة غير مباشرة مر عن طريق الإغريق والرومان Eastra و Austra و Ostara وهي ألهة الربيع و الفجر المشع ، والنور المنبعث تجلب معها الفرح والنعمة وكان يحتفل بها في وقت الفصح تقريباً عند الاعتدال الربيعي في 21 آذار وهو اليوم الذي يكون فيه الضوء مساوياً للظلام وبعده يزداد الضوء بالنسبة لليل.
نظراً لكونها تجلب الضوء بعد فصل الشتاء المظلم الطويل كانت الإلهة تُصوَّر غالباً مع الأرنب وهو حيوان يمثل قدوم الربيع بظهوره وتكاثره وهو مشهور بالقوة الجنسية والتكاثر السريع لذلك يعتبر رمزاً من رموز الخصوبة.
أما لمن يسأل عن رمز البيضة البيضة فهي رمز للخصوبة و تجديد الحياة والدورة الكونية تعود فكرتها إلى المصريين والبيضة الكونية وكانت تعتبر البويضه ايضاً رمزًا للشمس .
بالنسبة للمسيحيين البيضة هي رمز للقبر الذي وضع فيه جسد يسوع بينما يمثل تكسير البيضة قيامة يسوع في التقليد الأرثوذكسي يتم طلاء البيض باللون الأحمر يرمز إلى الدم الذي ألقاه يسوع على الصليب بغض النظر عن الأصول القديمة لرمز البيضة يتفق معظم الناس على أن لا شيء يرمز إلى التجديد بشكل أفضل من البويضة التي تعبر عن الولادة وعن الانهاية .
فكما نرى أن العديد من العادات الوثنية المرتبطة بالاحتفال بالربيع كانت في مرحلة ما تمارس إلى جانب تقاليد عيد الفصح المسيح حيث تم استيعابها داخل المسيحية كرموز لقيامة يسوع.
- بالنسبة لإعتماد إسم ألهة الربيع الجرمانية الأنجلوسكسونية Ostara إسماً للفصح كان ذلك بحلول القرن الثامن الميلادي .
- الجهة الثانية من ناحية تموز :
قبل بدء المطابقة لنعرف تموز :
تموز او ديموزي معنى اسمه اﻷبن المخلص يعتبر تموز إلهاً الرعي و للنباتات هو أحد اﻷلهة الفرعية لكن كونه إلهاً للنباتات وراعياً في مجتمع زراعي سوري / عراقي جعله من اﻷلهة ذات المكانة العالية لدى الشعوب التي قطنت تلك المناطق وذلك لدوره المهم في المواسم الزراعية والتجدد وحركة ودورة المحاصيل .
ً كان تموز يموت ستة أشهر ويعيش ستة أشهر وكانت ولادته في 25 كانون الأول يوم الإنقلاب الشتوي والإحتفال بولادته بعد الإنقلاب الربيعي وذلك بعد إنتصار الشمس الذي يرافقه نصراً لتموز فيحمل معه الربيع و نمواً للنباتات وتكاثر المواشي فيحتفل الناس بالقيامة الفعلية للمخلص خصوصاً في المجتمعات الزراعية في سوريا والعراق وحيث كانت تسمى هذه الإحتفالات بالربيع بالأكيتو أو النوروز أو الرابع ... الخ .
بعد هذا التقديم لنعدد التطابقات :
1- كلاهما من أم بشرية وأب إله فتموز إبن إنكي و يسوع إبن إيل وفي كثير من المواضع نرى تطابقات بين إيل وإنكي كالعطف والحكمة .
2- كلاهما كان إلهاً راعياً مخلصاً حملا إسم الإله المخلص وكلاهما تمت خيانتهما من قبل صديق سلمهما للموت.
3- كلاهما تم تعذيبهما عند إلقاء القبض عليهما و من ثم إرسالهما إلى عالم الأموات.
4- كلاهما يقومان من بين الأموات في فترة بعد الإنقلاب الربيعي فالمسيح في أول أحد بعد أول بدر يظهر بعد الإعتدال وتموز حسب الأستاذ فراس السواح في 25 نيسان أي يقارب مدة الفصح " القيامة " .
5- في طقوس موت وقيامة تموز حسب ماذكر فراس السواح في لغز عشتار كانت تتم كما قلنا في 25 نيسان حزن وبكاء لثلاثة أيام ثم تبدا الإحتفالات بقيامة تموز بعد الأيام الثلاثة.
6- يسوع عند قيامته لا يعود للموت اما تموز يعاني الموت والقيامة سنوياً.