أكيتو .... رأس السنة الزراعية العراقية-السّورية


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 03:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

- أكيتو Akitu بالسومرية و أكيتوم Akitum بالأكادية و هو مهرجان خاص بالإحتفال برأس السنة (السومرية / البابلية / اﻻشورية) لذلك كان يسمى بالأكادية إلى جانب التسمية أكيتو " rêššattim " ريش شاتيم " أي رأس السنة ومنها الكلمة المستخدمة حتى اليوم لوصف نهاية السنة .
كان يُقام في رأس كل سنة مهرجاناً يتم اﻹحفال به تحديداً في الربيع في اﻷول من نيسان من كل عام يفترض البعض أن هذا العام يوافق اﻻكيتو رقم 6769 بدءاً من أول إحتفال أُقيمَ بمناسبته لكن لا دليل على هذا التاريخ سوى بعض الإستنتاجات التي قام بها البعض لكن في الحقيقة ماهو مثبت أن أقدم إحتفال بالأكيتو يعود لمنتصف الالف الثالث قبل الميلاد ويعتبر أقدم إحتفال ومهرجان برأس السنة مازال مستمراً حتى اليوم.
- كانت بداية اﻹحتفال بالأكيتو عند السومريين وأكيتو بالسومرية تعني " الشعير " لذلك كان موعد اﻹحتفال بالأكيتو عند السومريون يتم مرتين سنوياً أي موافقاً لإكتمال نمو الشعير في الربيع في شهر " Nisannu نيسانو " و إحتفال آخر موافق لموعد زراعة الشعير في الخريف في شهر " Tišritu تشريتو " وعند انتقال العيد للبابلين أصبح احتفاﻻً لنصر مردوخ على تيامات و أشور من بعده حيث تحددت معالم اﻹحتفال وترسخت عاداته وتقاليده .
- كيف كان يتم هذا اﻹحتفال ؟
كان اﻹحتفال البابلي التقليدي يبدأ في 21 من آذار ‏( Adar ادار ‏) إلى الأول من نيسان ‏( Nisannu نيسانو ‏) أي خﻼل 12 يوماً .
فكانت كل طبقات المجتمع تحتفل به ابتداءاً من الملوك والكهنة وانتهاءاً بالفﻼحين العاديين .
- اليوم اﻷول الى اليوم الثالث :
كان الكاهن اﻻكبر ومعه بقية الكهنة يقرأون صلوات خاصة تسمى " سر Ésagila " في معبد مردوخ المسمى Ésagila ايساجيﻼ او ايساكيﻼ ويطلب من مردوخ الرحمة والمغفرة وحماية بابل المدينة المقدسة وكانت الناس تجيب لتلك الصلوات بالتضرع والخشوع الذي يحمل في طياته خوفاً من المجهول ومن تلك الصلوات التي كان يتلوها الكاهن :
- يا رب يامن ليس له نظير بغضبه . . . . . .
- يا رب يا من ليس له نظير بكرمه . . . . . .
- يا رب اﻷرض الخالق المخلص لﻶلهة العظيمة - . يا رب يامانح القوة من رؤيته . . . . . .
- يا رب الملوك ، نور الرجال ، ومحدد اﻻقدار .
- يا رب ... بابل هي مقعدك ، وبورسيبا تاجك والسماء الواسعة جسدك ....
- من أذرعك يأخذون القوة .... ومن ظهرك تعطيهم نعمتك .
- اشفق على مدينتك بابل وولي وجهك لﻼسايكﻼ بيتك ومعبدك
- اعطي الحرية واﻻمان لمن يسكن في بابل مدينتك .
في اليوم الثالث من اﻹحتفال وبعد قراءة الصلوات كما اليومين السابقين يقوم حرفيون بصناعة دميتين من الخشب والذهب واﻷحجار الكريمة ويلبسونها باللون اﻷحمر . و تم وضع هذه الدمى جانباً فسيتم استخدامها في اليوم السادس من اﻹحتفال .
- اليوم الرابع :
تعاد ذات الطقوس في اﻻيام الثﻼثة الماضية إبتداءاً من الفجر قبل شروق الشمس و تتم بعدها قراءة ملحمة الخلق Enuma Elish و هي أقدم قصة تتعلق بميﻼد اﻵلهة وخلق الكون والبشر تعرفنا عليها بمقاﻻت سابقة ثم يشرح كيف توحدت كل اﻵلهة مع اﻹله مردوخ بعد فوزه على تيامات .
- في اليوم الخامس :
يدخل الملك البابلي إلى إيساجيﻼ برفقة الكهنة ، و يقتربون من المذبح حيث ينتحل كاهن اﻷيساجيﻼ شخص اﻹله مردوخ ‏( Marduk ‏) ثم يقترب من الملك ويبدأ في تجريده من مجوهراته وصولجانه وحتى تاجه ثم يصفعه الكهنة بقوة ليذرف الدموع كنوع من الخشوع لمردوخ .
يركع الملك في المذبح ثم يبدأ بالصﻼة طلباً للمغفرة من مردوخ ويقول :
" انا لم أخطئ يا رب الكون ، ولم اتهاون في تقدير قوتك السماوية أبداً .
ثم يقول الكاهن الذي يجسد مردوخ :
" ﻻ تخف من ما يقوله مردوخ ، فسوف يسمع صﻼتك ، ويمد من قوتك ، ويزيد من عظمة عهدك "
بعد ذلك يقف الملك ويعيد له الكاهن مجوهراته وصولجانه وتاجه في رمز عن تجدد السلطة للملك كما هو الربيع تجدد للطبيعة والحياة .
بعدها يقيم اﻹله مردوخ ‏( Marduk ‏) في منزله اﻷرضي اي في معبد Esagila في بابل فكان اﻹعتقاد ان مردوخ ‏( Marduk ‏) وهو في مسكنه يدخل عليه ويفاجئه أعدائه من اﻵلهة الشريرة ثم يتم اسره من قبل تيامات وحش الفوضى .
ثم ينتظر مردوخ وصول ابنه اﻹله نابو الذي من شأنه أن ينقذه ويحرره ثم يستعيدة مجده .
- اليوم السادس :
سيتم حرق الدمى التي تم صناعتها في اليوم الثالث وستقام معركة وهمية كلها اضطراب وفوضى و هذا اﻻضطراب دﻻلة على أن الحياة في بابل بدون مردوخ ستكون في فوضى مستمرة .
عندها يصل اﻹله نابو في قوارب مع مساعديه من اﻵلهة الشجعان القادمة من نيبور ، أوروك ، كيش ، وإردو ‏( مدن بابل القديمة ‏) . وتمثل اﻵلهة المرافقة لنابو تماثيل اقيمت على قوارب صنعت خصيصًا لهذه المناسبة .
هنا يبدأ الناس بأعداد كبيرة في المشي وراء ملكهم نحو إساجيﻼ حيث كان سجن مردوخ ‏( Marduk ‏) ، وهم يرددون :
" ها هو اﻷتي من بعيد ليعيد مجد والدنا المسجون ."
- اليوم السابع :
يدخل نابو المعبد ليحرر والده مردوخ من سجنه فقد كانت اﻵلهة الشريرة قد أغلقت عليه بوابة ضخمة وحبسته خلفها .
يصل نابو ‏( Nabu ‏) يخترق تلك البوابة الضخمة و تجري معركة كبيرة تنتهي بنصر مردوخ وابنه ، يخرج نابو ويخرج مردوخ معه بالتالي يكون التحرير و إطﻼق سراح مردوخ .
- اليوم في الثامن :
يتم جمع تماثيل اﻵلهة في قاعة القدر لدراسة مصير مردوخ يطالب الملك جميع اﻵلهة بتأييد وتكريم مردوخ وهناك تقرر جميع اﻷلهة التوحد مع مردوخ واعطائه القوة المطلقة بالتالي تم تجديد القوة والوﻻء كنا هو الربيع يجدد اﻻرض ايضاً .
- اليوم التاسع :
تسير مسيرة النصر إلى " بيت آكيتو " حيث يحتفل بنصر مردوخ في بداية الخلق على تيامات ‏( Tiamat ‏) ‏( إلهة المياه السفلى ‏) . فقد كان موكب اﻻنتصار هذا طريقة السكان في التعبير عن فرحتهم بتجديد مردوخ ‏( فيما بعد اﻹله آشور ‏) للسلطة وتدمير قوى الشر التي كانت تتحكم في بداية الحياة .
مع العلم أن بيت آكيتو كان يسمى في آشور و نينوى " بيت إكريبي " ويعني ‏( بيت الصﻼة ‏) باللغة اﻵشورية القديمة وهو على بعد حوالي 200 متر خارج أسوار المدينة حيث كانت تلك المنطقة مليئة باﻷشجار رائعة الجمال مزينة ومنمقة بعناية وذلك احتراماً لﻺله الذي يعتبر الشخص الذي يمنح الطبيعة الحياة والنضرة .
اليوم العاشر :
يبدأ اﻹله مردوخ باﻻحتفال مع آلهة العالم العليا والعليا في " بيت أكيتو " حيث يتم ترتيب تماثيل اﻵلهة حول طاولة ضخمة كالمأدبة ثم يعود مردوخ إلى المدينة ليﻼ ليحتفل به بالزواج من اﻵلهة " عشتار " حيث تتحد اﻷرض والسماء وبالمقابل توحدت اﻵلهة فإن هذا اﻻتحاد مقدر على اﻷرض بين الملك و أعلى كاهنة في Esagila حيث كانوا يجلسون على العرش أمام السكان ويقرأون قصائد خاصة لهذه المناسبة . وهي ذاتها طقوس الزواج المقدس السومرية والتي راينها بزواج الكاهنة الشاعرة انخدوانا والملك شوسين ونتيجة لهذا الحب سيجلب الخصوبة لﻼرض و لنساء المدينة بالتالي يحمل الحياة مع الربيع .
- اليوم الحادي عشر :
تعود اﻵلهة ومعهم ربهم مردوخ للقاء مرة أخرى في قاعة القدر ، حيث التقيا للمرة اﻷولى في اليوم الثامن وفي هذه المرة سيحددون مصير شعب مردوخ .
وفقاً للفلسفة اﻵشورية القديمة كان الخلق عموما يعتبر عهدا بين السماء واﻷرض بأن اﻹنسان يخدم اﻵلهة حتى موته بالتالي فإن سعادة اﻵلهة ليست كاملة إﻻ إذا كان البشر سعداء أيضا لهذا فإن مصير اﻹنسان أن يُعطى السعادة بشرط أنه يخدم اﻵلهة .
لذلك يتفق مردوخ مع واﻵلهة على تجديد العهد مع بابل عن طريق منح المدينة دورة حياة أخرى من الفصول و بعد أن تقرر مصير البشرية ، يعود مردوخ إلى السماء .
- اليوم الثاني عشر اليوم اﻷخير من Akitu تعود اﻵلهة إلى معبد مردوخ وتكون بإعادة تعود التماثيل من بيت اﻷكيتو وتستأنف الحياة اليومية في بابل ونينوى وبقية المدن .
يبدأ الناس بحرث اﻻرض واﻻستعداد لدورة فصلية أخرى .
اعتمد مهرجان اﻷكيتو في آشور القديمة أيضاً وذلك بعد تدمير بابل كما بنى الملك سنحاريب في عام 683 قبل الميﻼد " بيت آكيتو " خارج أسوار آشور و تم بناء " بيت أكيتو " آخر خارج نينوى . وكان يتم اﻻحتفال بالمهرجان حتى اﻷول من نيسان والذي يقابل بداية التقويم اﻵشوري
و استمر مهرجان أكيتو طوال الفترة السلوقية وفي فترة اﻹمبراطورية الرومانية .
في بداية القرن الثالث ميﻼدي كان اﻹحتفال بالأكيتو مازال مستمراً في حمص " إميسا " في سوريا تكريما ﻹله الشمس ايل جبال و الذي نقل عبادته اﻹمبراطور الروماني من اصل سوري Elagabalus ‏( حكم 222-218 ‏) معه الى روما .
أكيتو بريخو ....... أكيتو مبارك