المخرج من مأزق العراق


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 5941 - 2018 / 7 / 22 - 01:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

العراق كان مستعمرة تركية – عثمانية لمئات السنين . ثم غدا مستعمرة بريطانية منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى و حتى 14 تموز 1958 ، حيث حرره الجيش مدعوما من الشعب بقيادة الشهيد عبدالكريم قاسم . وقبل ان يكمل العام الخامس من وجوده المستقل اسقط قاسم على ايدي تحالف قادته واشنطن و لندن و شارك فيه جمال عبدالناصر و حزب البعث العفلقي و عدد من كبار الضباط القوميين في العراق . ومنذ تموز 1968 كان حاكم العراق عميلا مباشرا لـ CIA - صدام حسين ، الذي اسقطه اسياده في2003 بعد ان احتل الكويت من دون موافقتهم . وبعد ذلك بثلاث سنوات سلم الامريكيون ، عمدا أو حماقة ، السلطة الى الأحزاب الاسلامية الطائفية ، التي انصرف قادتها الى سباق جنوني في نهب المليارات من ممتلكات الدولة و شكلوا ميلشيات ليستخدموها في اعمال السطو و الارهاب . وخلال رئاسته للحكومة لثمانية اعوام اوصل نوري المالكي العراق الى أسوأ مايمكن وسلم قسما كبيرا منه الى عصابات الدواعش و وتر العلاقات بين الشيعة و السنة و الكرد لدرجة خطيرة و فتح الطريق أمام التدخل الأجنبي لضمان بقائه في الحكم . لكن زعماء الشيعة أحسوا بمخاطر سياسة المالكي و بادروا الى تغييره بحيدر العبادي من قادة نفس الحزب ، ففرح العراقيون بالتغيير آملين تغيير وضع العراق نحو الاحسن .
تمكن العبادي من انجاز قضية هامة – طرد الدواعش . كما تعامل بشكل أهدأ مع احتجاجات المواطنين المتظاهرين . ولكنه أخفق في تنفيذ ماكان عليه القيام به وما وعد نفسه بتنفيذه في مجالات شتى :
- وعد مرارا بانه سيلاحق الفاسدين ، المسؤولين عن سرقة مليارات الدولارات ، ولم يف بوعده .
- وعد العراقيين بانتخابات حرة و نزيهة . لكن تدابيره لضمان نزاهة الانتخابات كانت فاشلة واتت بأسوأ الانتخابات واكثرها تزويرا في تأريخ العراق . ويعتقد الكثيرون بأن اكبر سرقة وقعت على اصوات العبادي نفسه ، ولم يستطع الدفاع عن نفسه .
- لم يحقق شيأ من وعوده بتحسين الخدمات العامة ، وبالاخص توفير الكهرباء ، وهي الاكثر ضرورة للمواطنين .
- العبادي هو المسؤول الاول في الحكومة عن صيانة ارواح و أموال العراقيين ، حسب الدستور . وهو لم يضطلع بهذه المسؤولية ، لامن الناحية القانونية ولا الاخلاقية ، تجاه مواطنيه الكرد ، ولم يستخدم صلاحياته الدستورية لايقاف تجاوزات حكام الاقليم على حقوق شعبهم و لعدم دفع الرواتب للموظفين و المتقاعدين في كردستان ، أودفعها جزئيا ، طوال اربع سنوات . يضاف الى ذلك أنه وعد مرارا بدفع الرواتب من بغداد ولم يف بوعده .
وايا كان الامر فان الوضع في العراق اليوم ، بعد اربع سنوات من رئاسة العبادي ، بالغ التعقيد ، خصوصا بعد الانتخابات المزورة الهادفة الى تشكيل برلمان مزيف . ولم يكن من قبيل الصدف ان انتفض الشباب في المدن الشيعية و أحرقوا مقرات الاحزاب الاسلامية الحاكمة بجناحيها العراقي و الايراني كما احرقوا و نهبوا مؤسسات حكومية و هددوا المنشآت البترولية . وهنا لزام على ان اناشد الاخوة المتظاهرين و اطلب منهم الكف عن أي شكل من اشكال العنف و الحرق و النهب و التخريب و التمسك الصارم بالطابع السلمي الحضاري كحق قانوني كفله الدستور في المظاهرات .
ان دلت هذه المظاهرات على شيئ فأنما تدل على عمق الأزمة السياسية التي خلقتها الاحزاب الدينية – الطائفية خلال 12 سنة من تسلطها على هذه البلاد بعد سقوط صدام . فقد نفد صبر الناس طويلا و تغير الوضع نحو الاسوأ بدل التحسن و تفجر غضبهم بعد الانتخابات الاخيرة التي اعادت العراق الى المربع الاول .
وفي كانون أول 2017 انتفضت جماهير كردستان محتجة على احتكار الحكم الفاشل طوال 27 عاما من قبل الحزبين الحاكمين و على استمرار الفساد المالي – الاداري . ولجأ الحاكمون الى استخدام ميليشياتهم ( البيشمركة ) لقمع الاحتجاجات ، ولم تحرك السلطة المركزية ساكنا ، وكأن هذا الاقليم ليس جزءأ من العراق .
وقد تقع المظاهرات و الاحتجاحات غدا في مناطق السنة العرب و مناطق التركمان ، و الحكومة المركزية تقف متفرجة لتتعقد الاوضاع اكثر . فالحكام ، شيعة و سنة و كردا ، مهتمون بالحفاظ على كرسي الحكم ، وليسوا مهتمين بمشاكل الناس من مكونات العراق ، لابالفساد المستشرى و لابالفقر و المجاعة و البطالة و تدهورالخدمات .... الخ .
ان الاستمرار على هذا النهج السياسي من شأنه جر العراق الى اضطرابات اخطر و متاعب أوسع و يفتح طريقا أوسع لتدخل الاوساط الأجنبية و ابقاء بلادنا ساحة صراع بين تلك الاوساط على حساب العراقيين المغلوبين على امرهم . ان دحر الدواعش كان نصرا كبيرا ، ولكن مشاكل العراق المتراكمة طوال عشرات السنين أوسع بكثير من مجرد الدواعش . فالمشاكل عراقية و الحل يجب ان يكون عراقيا اذا اريد له النجاح . واستطييع الجزم على الا حل بدون الديمقراطية . فالمدخل الاساسي الذي دخل عبره المشاكل كان انعدام الديمقراطية . والحكام الطائفيون و القوميون جميعا ، شيعة و سنة و كردا ، حرصوا على اللاديمقراطية ليبقوا احرارا في تأمين مصالحهم على حساب مصالح الشعب ، الذي غلب اليوم على امره وسوف ينهض و ينتصر .
الخطوة الاولى نحو الاصلاح هي دعوة البرلمان الى عقد جلسة طارئة لالغاء انتخابات 12 مايس و اتخاذ التدابير المناسبة لاجراء انتخابات برلمانية نزيهة و عاجلة ، لكي يبدأ البرلمان اللاحق عمله لتطبيع الوضع . وينبغي الغاء المفوضية العليا للانتخابات الحالية و تشكيل مفوضية جديدة . وباستطاعة السادة مقتدى الصدر و حيدر العبادي و اياد علاوي و كثيرين غيرهم التكاتف لانجاز هذه المهمة الوطنية المشرفة .
ومن اجل تغيير نوعي يضع العراق على طريق سنغافورة أقترح على كافة رجال الثقافة و الادب و الفن و الصحافة من اساتذه الجامعات و طلبتها و جميع المعنيين بالشؤون العامة لتأسيس ( حركة الاصلاح الديمقراطي ) السلمية المدنية بهدف الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقراع ولكي تقدم نموذجا يقتدى به في الشرق الاوسط . ويبدأ تأسيس الحركة بمبادرات ذاتية محلية ، كل في مدينته أوقريته ، ويتداول الجميع عبر النشر الالكتروني ، ويعلنون تشكيل نواة الحركة في مدينتهم أو محلتهم أو قريتهم . ويمكن للكروبات و التنظيمات ان تنضم اليها شريطة الالتزام ببرنامجها الذي سيصادق عليه في مؤتمرها .
الى امام لبناء عراق ديمقراطي مزدهر .