رسالة مفتوحة الى رئيس الوزارة الاسرائيلية


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 22:54
المحور: القضية الفلسطينية     

دفعني التفجير الارهابي الأخير في معبد يهودي بالقدس قبل ثلاثة ايام لأكتب لك هذه الرسالة المفتوحة يانتنياهو. انني واكبت تطورات النزاع العربي – الاسرائيلي منذ صدور قرار التقسيم من UN في 1947 وحتى اليوم، وأعرف كم من الويلات والمآسي نجمت عن هذا النزاع. من الواضح أن كلاطرفي النزاع، الحكام العرب و مسؤولي الحركة الصهيونية، مسؤولون عماحدث من تعقيدات ومآس، لكن الفلسطينيين هم الخاسرون والباقون بلا دولة في حرب 1948 ثم 1967. وقد رضي عرفات باقامة دولة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، و تنازل عن الأرض التي احتلتها اسرائيل في حرب 948و وقع اتفاق أوسلو مع رئيس وزراء اسرائيل اسحاق رابين. لكن يهوديا متطرفا اغتال الاخير قبل التنفيذ. وفاز حزب ليكود في الانتخابات وعرقل التنفيذ. وخرج أريل شارون، رئيس وزرائكم آنئذ، من صفوف ليكود لكي يستطيع الحل، وقرر الانسحاب أولا من قطاع غزة أحاديا. لكن المرض اختطفه. وفي الانتخابات التالية فزت كزعيم جديد لليكود ووقفت من أول يوم وحتى هذه اللحظة ضد أية مصالحة ورفضت المبادرة العربية التي قدمت مشروعا معتدلا و واصلت، رغم وقوف كل العالم ضدك، الاستيطان اليهودي اللاشرعي الذي كان ولايزال عائقا أمام الحل واصرارا على تهويد القدس الشرقية ورفضت كل تعاون مع الرئيس محمود عباس لغرض الحل، ولم تقدم أي حل سوى أن يتنازل الجانب الفلسطيني عن القدس الشرقية وعن مساحات اخرى من أرضه وعن حقه في السيادة وقبوله باقامة كيان صوري منزوع السلاح وباق خاضعا لاسرائيل وليس دولة مستقلة. أني لا ادافع عن تطرف القوميين والاسلاميين في الجانب الفلسطيني، وعن تصرفات حماس و عصيانه على الرئيس الشرعي الفلسطيني لكن الواضح لكل من ينظر الى الأمور بموضوعية و انصاف هو انك، انت رئيس الوزراء الاسرائيلي، الوجه الآخر لذات عملة التطرف و الارهاب. واذا كان الارهاب لدى الجانب الآخر ضد اليهود يتخذ شكلا فرديا أو حزبيا فانك تمارس ارهاب الدولة المنظم ضد الفلسطينيين. وماذا يمكن أن نسمي ارسالك لجرافات الدولة تقوم بهدم دور العوائل الفلسطينية المنكوبة ان لم يكن ذلك ارهاب الدولة وجريمتها المنظمة؟ ماهو ارهاب الدولة المنظم ان لم يكن هدم مدارس الاطفال التابعة للأونروا أو قتل النساء و الاطفال في بيوتهم بقصف الطائرات و المدافع الاسرائيلية في قطاع غزة؟
انا عراقي غير عربي ولا أميز بين الناس من منطلق الانتماء القومي أو الديني، ولا اضمر الحقد على اليهود بسبب دينهم ولكنني اعتبرك، يانتنياهو ، سياسيا متخلفا و غارقا في العنصرية، شأن القوميين الشوفينيين العرب، محبالسفك الدماء ومعاديا للشعبين العربي واليوهودي معا لأنك لا تريد العيش لهما في أمن وسلام. واذا كان لحماس والجهاد الاسلامي و امثالهم قدر كبير من التأييد الشعبي اليوم فانك انت السبب الرئيسي في ذلك لانك دفعت، بسياستك الشوفينية الارهابية، الكثيرين من الفلسطينيين الى التعاطف مع هؤلاء المتطرفين. ولو وجد هناك قضاء عادل لوضعك بين المتهمين الرئيسيين في قفص الاتهام لانك مسؤول ليس فقط عن جرائم القتل والتدمير بين ضحاياك العرب، بل كذلك بين اليهود الابرياء امثال ضحايا العمل الارهابي في المعبد اليهودي بقدس. أنت الذي تنمي روحية الانتقام بين العرب واليهود ضد بعضهم وتحرضهم على قتل بعضهم.
من المفارقات ان اليهود، الذين عانوا ما عانوا على أيدي الحاكم النازي هتلر من تقتيل و اضطهاد لم يتعظوا بدروس التاريخ، بل يمارس رئيس حكومتهم نفس النهج الهتلري تجاه الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم. يعرف الجميع ما انتهى اليه هتلر. افلا يخاف نتنياهو ان ينتهي الى مصير مأسوي أيضا؟ وهل يعرف اليهود ان نتنياهو قد أوصل اسرائيل الى عزلة قد تهدد مستقبل البلاد؟ لقد حاول رؤساء الادارة الامريكية، وبالاخص كلنتون و أوباما محاولات جدية لايجاد حل وسطي على أساس احلال الدولتين لكن حكام تلأبيب سدوا طرق الحل واثاروا بذلك السخط بين حلفائهم واصدقائهم الكثيرين في امريكا و أوروبا. ولم يرد نتنياهو على ذلك بشيء سوى القول أن ذلك يمنع التوصل الى حل للمشكلة!
إن الساسة المعتدلين والعقلاء في اسرائيل يدركون خطورة تصرفات نتنياهو. وقد سبق أن رحب فريق من هؤلاء بالمبادرة العربية وحرضوا على اغتنام الفرصة للحل، ولم يجدوا من رئيس حكومتهم سوى الصمت. ألم يحن الوقت لكي يتحرك هؤلاء بشكل انشط حرصا على مصلحة الشعب اليهودي نفسه؟ إن أفضل خدمة يمكن لنتنياهو أن يقدمه الى الشعب اليهودي هو أن يغادر كرسي الحكم لحاكم آخر معتدل لعله يدرك اهمية وضرورة التوصل الى حل للمشكلة باقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش في جوار دولة اسرائيل متعايشتين في سلام وأمان. ومن مصلحة اسرائيل أن يدرك ساسته بان الوقت لايمر في صالحهم و يستحيل ان تبقى الظروف والتوازن كما هي اليوم. فاسرائيل دولة صغيرة وتعيش على بقعة صغيرة من الارض، بعكس العرب الذين يبلغ تعدادهم 300 مليون ومساحة أرضهم ملاين الكيلومترات ويملكون ثروات طائلة. واذا كانوا اليوم متخلفين فان ذلك أمر موقت ولا مناص من تطور هذه البلدان الى مستوى الدول الأوروبية المتقدمة. ويصعب على حكام تلأبيب ان يحصلوا في المستقبل على مايحصلون عليهم اليوم من الاتفاق على المصالحة.
23/11/2014
كردستان العراق
ملحوظة: أملي أن يكون بين رفاقنا من اليهود العراقيين، الذين عشنا سوية في سجن نقرة سلمان في خمسينات القرن الماضي، من يتعب نفسه مشكورا بترجمة هذه الرسالة و ايصالها الى رئيس الوزراء والى الآخرين حيثما يرغبون.