تطورات الثورة السورية وما يعترض طريقها


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 19:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جاوزت الثورة الشعبية السورية سنتين من عمرها، قدمت خلالها تضحيات جسيمة تزيد عن مئة الف شهيد اضافة الى مالايحصى من الجرحى و ذوي العاهات، والى الملايين من المشردين عن بيوتهم وعن ديارهم، والى الويلات والكوارث و تدمير البنى التحتية. وفي مجرى هذا الصراع السياسي والعسكري القاسي تمكن الثوار من تكوين وحداتهم المقاتلة وأحرزوا نجاحات كبيرة وحرروا معظم المناطق الريفية مغيرين الخارطة السياسية للبلاد ومشكلين مناطق محررة حتى في كبريات المدن مثل دمشق و حلب وحمص و ديرالزور و....الخ. وهم يواصلون كفاحهم البطولي بشجاعة فائقة. لكنهم لم يفلحوا للآن في تحرير محافظة كاملة أو مراكز المحافظات. ولايزال النظام الدكتاتوري صامدا في مواقع هامة مستندا الى ما في يديه من قوة جوية واسلحة آلية. ولايمكن لأحد أن يتنبأ بموعد الانتهاء للحرب الثورية الدائرة ولا يلوح افق للنصر القريب، ولم يتوقع المراقبون السياسيون هذا التأخر في الحسم. فلماذا سارت الامور على هذا المنوال؟ كيف استطاع دكتاتور سوريا الصمود حتى الآن، بعكس ماجرى في تونس و مصر وليبيا واليمن؟ هل كان وراء صموده تأييد الشعب السوري له؟ أم كان هناك عوامل اخرى لصموده؟
ان قيام هذه الثورة العظيمة المقرونة بكل هذه التضحيات دليل قاطع على عزلة النظام ورغبة الشعب في التغيير الديمقراطي. ولو تنحى الطاغية استجابة للتظاهرات الشعبية السلمية لمالجأ السوريون الى حمل السلاح ضده. لكن ديدن الحاكم البعثي هو أن يقتل الملايين وينشر أوسع الدمار لاجل البقاء على كرسي الحكم. ولسوء الحظ فان الحاكم البعثي في سوريا وجد في الظروف الدولية ما ساعد على بقاء حكمه حتى الآن. فقد تكون لون من التفاهم و التحالف غيرالمكتوب بين دول كبرى واطراف عديدة هدفه الابقاء على نظام الاسد، وان كان لكل طرف هدفه الخاص. يضاف الى ذلك ان الجيش السوري المتربي باشراف الاسد اختلف عن جيوش مصر وتونس وثبت على تماسكه وعدائه الوحشي للشعب، والذين انشقوا من الضباط لم يستطيعوا شق ألوية أو افواج، بل ذهبوا كافراد لينضموا فيما بعد الى تشكيلات الجيش السوري الحر الذي كان للعقيد رياض الاسعد شرف المبادرة الى تأسيسه. والاعقد من كل ذلك هو أن المعارضة السورية السياسية، التي ظهرت كجبهة سياسية مناصرة للثورة بعد ظهور وتعاظم المظاهرات السلمية بفترة غير قليلة، قد نشأت غير موحدة، الامرالذي شكل نقطة ضعفها الكبرى. ورغم ان غالبية الفصائل قد توحدت فيما بعد استجابة لنداءات الدول والمنظمات والاصدقاء في العالم، الا أن شيأ من التشتت والبلبلة ظل قائما للاخير.
أعود الى الجبهة الخارجية التي لعبت الدور الرئيسي في اعاقة انتصار الثورة السورية. ان هذه الجبهة تضم حكومات روسيا والصين وايران والعراق وقوة حزب الله في لبنان. هذه الاطراف، وبينها أثنان من الدول الكبرى، اتحدت عن وعي- من حيث توجهاتها السياسية- وعلى اساس المصالح على الوقوف الى جانب النظام السوري الدكتاتوري الذي جاء الى الحكم منذ عام 1963 والغى منذ ذلك الوقت ليومنا هذا ابسط اشكال الديمقراطية والتعددية السياسية وتشبث بدكتاتورية ثوليسية سافرة وحول البلاد الى سجن كبير لشعبه طوال نصف قرن. وليس خافيا ان روسيا بوجه خاص قدمت ولاتزال تقدم بسخاء شتى اشكال الاسلحة المتطورة من الطائرات والدبابات الى اسلحة المشاة ليستخدمها النظام البعثي في تقتيل شعبه. كما قدمت ايران السلاح والمال وحتى المقاتلين. والاخطر من كل هذا وذاك أن حكومة نتنياهو في اسرائيل، التي التزمت الصمت ظاهريا، عملت باسلوبها الخاص لكي يستمر الصراع المسلح المدمر في جارتها سوريا الى اقصى فترة ممكنة، لكي يقتل السوريون بعضهم البعض ويدمروا بلدهم بأيديهم ويستهلكوا طاقاتهم المادية والبشرية في حرب اهلية تحرق الاخضر واليابس.. وبالتالي لكي يبقى في جارتها سوريا حكم هزيل غير قادر على القيام بابسط مايزعج اسرائيل أو يثير قضية احتلال هضبة الجولان.
ولو اقتصرت المسألة على سياسة اسرائيل لهان الأمر. لكن المصيبة هي ان سياسة اسرائيل، خصوصا فيما يخص العالم العربي، سرعان ماتتحول الى سياسة للادارة الامريكية ايضا. فالرئيس الامريكي أوباما تبنى النقطة الجوهرية في سياسة اسرائيل اذ امتع عن تقديم اهم ما احتاجته الثورة السورية وهو السلاح المتطور لكي يعدل توازن القوى بين الثوار وبين جيش وشبيحة بشار الاسد المتوفر عندهم مختلف انواع الاسلحة الروسية المتطورة. واثرت سياسة اسرائيل هذه المدعومة بمسايرة أمريكالها على سائر البلدان الاوروبية، سيما الرئيسية منها كبريطانيا وألمانيا و فرنسا، التي ظلت هي الاخرى ممتنعة عمليا عن تزويد الثوار بالسلاح متذرعة بانها تخشى من وقوع هذه الاسلحة بايدي المتطرفين العرب ويستخدموها لاحقا ضد اسرائيل! و هكذا وجد شيء مشترك بين السياستين الروسية والامريكية، وهو الامتناع عن تزويد الثوار بالاسلحة، دون أن يكترث الروس قط الى دعوات هؤلاء بالامتناع عن تقديم الاسلحة الى حكومة دمشق.
لقد تمادى حكام موسكو في ممارسة سياستها القذرة بتقديم العون العسكري والدبلوماسي الى الانظمة الدكتاتورية التي استخدمت تلك الاسلحة ضد شعوبها كنظام صدام حسين والقذافي سابقا ونظام بشار الاسد اليوم، ولا يخجل وزير خارجيتهم لافروف في ان يجعل من نفسه بوقا للدعاية ويتصرف ممثلهم في UN كمحام للتصويت في خدمة ذلك النظام، بما في ذلك استخدام حق الفيتو ضد أي ادانة- تماما كما يفعل ممثل امريكا في صالح اسرائيل.
ان فقدان ثقة اعداء الثورة السورية بقدرة النظام على استعادة المبادرة العسكرية حملهم على اقحام مسلحي حزب الله الطائفي- اللبناني في الاقتتال علنا وفعل حسن نصرالله ما أمر به البعض بزعم أنه يحمي ظهر المقاومة. وتصرف هذا الحزب كما لوكان دولة مستقلة وليس مجرد حزب سياسي داخل دولة مستقلة. ويتراءى لي أن حماقة نصرالله هذه لن تحمي ظهر المقاومة، بل تخدم اسرائيل و تصبح معول هدم للحزب وتشكيلاته المسلحة التي تراهن على حصان خاسر وتعجز عن تغيير موازين القوى المتصارعة. ومن المؤكد ان حكام امريكا وأوروبا لن يقفوا مكتوفي الأيدي ازاء طيش حسن نصرالله.
إذا كان رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي قادرا على دعم النظام السوري بالسماح نبقل الاسلحة والمؤن الايرانية عبر العراق الى سوريا، والامريكيون كانوا يتفرجون وينصتون، قبل مشاركة حزب الله في القتال، فان من المرجح الأيبقى الموقف الامريكي على نفس المنوال بعد الآن والايظل المالكي حرا في دعم نظام بشار الاسد، وان حكام اسرائيل لن يصفقوا لما من شأنه تقوية المواقع العسكرية لحزب الله و لمحور طهران- دمشق لبنان.
هناك مسألة اخرى شكلت نقطة ضعف مهمة للثورة السورية طيلة الفترة المنصرمة كما اسبقت، واعني مسألة الخلافات والانقسامات داخل المعارضة السورية السياسية والعسكرية. صحيح أن الجبهة الدولية المعادية، التي ضمت روسا وايران، كانت العائق الرئيسي امام انتصار الثورة، الا أن الانقسامات الداخلية ظلت هي الاخرى نقطة ضعف بارزة قللت من معنويات الثوار وحماسهم ومن ثقة اصدقاء سوريا بقدرة الثوار على الحسم العسكري. وكان تشكيل الائتلاف الوطني السوري خطوة هامة في توحيد قوى المعارضة. الا أن قدرا من الجيوب والانقسامات ظل موجودا حتى بعد تشكيل الائتلاف.
ومن نقاط الضعف البارزة هو موقف معظم زعماء المعارضة من قضية الشعب الكردي في سوريا، موقف رفض الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة لاكراد سوريا. فالموقف القومي اليابس لدى زعماء المعارضة ازاء هذه القضية اليوم انما هو امتداد بمعنى معين لسياسة النظام البعثي العربي ولموقف الزعماء الشيوعيين القوميين في سوريا من امثال الراحل خالد بكداش و يوسف فيصل و من على هذه الشاكلة. ان موقف أي تنظيم أو تجمع من قضية الحقوق القومية والادارية والثقافية العادلة المعترف بها في ميثاق UN هو موقف من قضية الديمقراطية والتعددية السياسية. فالذين يرفضون الاعتراف بهذه الحقوق اليوم لايركن اليهم في اقرار الحقوق الديمقراطية للشعب العربي السوري ايضا في المستقبل.
وقد اشار رئيس المجلس الوطني السابق برهان غليون، ايام استقالته من الرئاسة، الى ان الاسلاميين يلعبون دورا رئيسيا في اثارة الخلافات داخل صفوف المعارضة. وقد دافع الاخوان المسلمون والسلفيون سابقا عن جبهة النصرة المتطرفة، التي كشفت بنفسها عن انتسابها الى القاعدة. واذا عجز الاسلاميون عن التسلط داخل قوى المعارضة اليوم فان من المتوقع ان يهيؤوا انفسهم لخوض هذا الصراع مستقبلا، بعد سقوط الاسد. وقد تشهد الساحة السورية صراعا مريرا بين الجبهتين العلمانية والاسلامية- وهذه ظاهرة طبيعية شريطة ألا يتحول الى صراع دموي مسلح.
ومن الواضح ان الدول العربية لم تكن موحدة الموقف من الثورة السورية. واذا كانت الدول الخليجية قد اتخذت موقف الدعم ازاء الثورة السورية فان امارة قطر ركزت التأييد والدعم الفعلي لجماعات الاخوان المسلمين وسعت الى تغليبهم وايصالهم الى كرسي الحكم والى تثبيت حكم الاخوان في مصر، الأمر الذي أوجد مشاكل للثوار في شتى البلدان العربية. وسلكت حكومة لبنان سياسة ((النأي بالنفس)) أي أتخاذ موقف محايد. لكنها لم تستطع وضع مثل هذه السياسة موضع التطبيق، بل نقل حزب الله المشكلة الى لبنان ايضا وبشكل مكشوف. في حين وقفت حكومة المالكي في العراق موقف العداء المكشوف للثورة وتقديم العون للنظام مسايرة لايران وللادارة الامريكية. ولم يتعد موقف حكومة الاخوان في مصر الاقوال غير المقرونة بالافعال. وعجزت الجامعة العربية، بسبب الخلافات بين دولها، عن عمل الكثير في تأييد الثورة.
وأياكانت الصعوبات والعراقيل اليوم فان الثورة ستفلح، بهذا الشكل أو ذلك، في اسقاط النظام البعثي الدكتاتوري واقامة النظام الديمقراطي التعددي. قدتعجز الثورة عن الحسم العسكري المباشر ولكن النظام غير قادر على البقاء أياكان سبيل الاسقاط. فالسقوط محتم مهما كانت التضحيات. وما أتمناه هو ان يقبض على بشار الاسد ويقدم الى محاكمة عادلة لكي يلقى عقابه العادل.