ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق - الحلقة الاولى -
                        
                        
                            
                            
                                
                                
                        
                        
                            
                                
                                
                                
                                    بهاءالدين نوري
                                
                                
                                
                                
                                
                                
                                
                                    الحوار المتمدن
                                    -
                                    العدد: 5312 - 2016 / 10 / 12 - 23:50
                                
                                
                                المحور:
                                    مواضيع وابحاث سياسية
                                
                               
                                
                                    
                                    
                        
                        
                              
                            
                            
                              
                        
                        
                        
                            
                                ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق 
    وهل من علاج ام انه الانهيار الابدي  ؟
       - الحلقة الاولى -
سألني البعض عن اسباب الانحسار و الضعف الشديد في الحركة الشيوعية في العراق ، بضمنه اقليم كردستان ، وعموم الحركة  اليسارية خلال  السنين الاخيرة ، بعد ان كانت قوية و قادرة على اخراج المظاهرات المليونية .  في أواسط القرن الماضي ، في حين لم يحصل الشيوعيون على الاصوات الكافية للحصول على كرسي واحد في آخر انتخابات برلمانية ؟ وهل من طريق لأنعاش اليسار السياسي ام انه الصعف الابدي ولاسبيل الى العلاج  ؟
     ترددت بعض الوقت في الاجابة كي لا ازعج البعض . لكني قررت في النهابة أن اجيب  آخذا بنظر الاعتبار ان الموضوع مهم و يشغل بال الكثيرين و ناقشه الكثيرون في العراق و في شتى البلدان .
             *                       *                       *
    ان ظاهرة الضعف و الانحسار ليست مقتصرة على العراق ، بل تكاد تكون ظاهرة عالمية . و لهذا السبب قررت أن أجيب في شقين ، أولهما يتعلق بضعف اليسار السياسي عالميا ، و الثاني يخص العراق بوجه خاص .
   اعتقد ان ضعف و انحسار قوي اليسار السياسي عالميا ظاهرة مرتبطة عضويا بالأخطاء والمشاكل التي حدثت في الاتحاد السوفيتي ، خصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين . و لتوضيح  ما اقوله أعود الى الاحداث البارزة التي شهدها تأريخ الدولة السوفيتية في سني عمرها الاربع و السبعين ، و اقسم هذه الفترة الى مرحلتين مختلفتين عن بعضهما نوعيا :
      1- المرحلة  الاولى بدأت بانتصار ثورة اكتوبر 1917 ، و كانت بوجه عام مرحلة الانتصارات التاريخية المتلاحقة ، و خروج الوليد الجديد -  الدولة السوفيتية ، بزعامة الحزب الشيوعي البولشفي من المآزق .  و السمة المميزة للصراع بين النظامين الرأسمالي و الاشتراكي  في هذه المرحلة هي أن الاعتماد في حسم الصراع كان على العنف و البندقية . فالمنتصر هو من كان قادرا على احراز النصر في ساحة القتال  . هنا أعود قليلا الى الوراء .
   كان لنين مصيبا في استنتاجه بأن في الامكان انتصار الثورة الاشتراكية حتى في بلد واحد ، في اعقاب الظروف التي أفرزتها احداث الحرب الكونية الاولى . وانتهى أوان النظرية السابقة القائلة بوجوب الانتظار حتى تنضج الثورة الاشتراكية و تقوم في ان واحد في العالم أو في مجموعة من البلدان المتطورة ، لكي لاتملك البرجوازية العالمية القدرة على قمعها في مهدها . وقد تجسدت مساعي البرجوازية العالمية  في ارسال قوات عسكرية ل( 14 ) دولة لدعم ثورة الردة واسقاط السلطة السوفيتية . لكن السوفييت وجدوا حليفا قويا في حركة العمال العالمية ، بالأخص الاوروبية ، للتصدي لهجوم الاعداء ودحرها .
   واكدت الوقائع صواب طروحات لنين في مقالاته المعروفة ب (( موضوعات نيسان 917 )) حيث أوضح ان الاحداث تتطور لصالح البلاشفة في القيام بثورة اشتراكية . وقد انتصرت الثورة وفق مخطط لنين و استولى البلاشفة على مقاليد الحكم خلال وقت  قياسي . وشاهد لنين ، قبل وفاته في 1924 ، الحاق الهزيمة بقوى الردة المدعومة من جيوش 14 دوله امبريالية . و اتاح ذلك الفرصة للنظام السوفيتي كي ينصرف الى بناء نفسه . و هب الكادحون للعمل بتفان وعبر طريق غير مطروق ، و طوال 16 سنة متواصلة ، لبناء المقومات التحتية للاشتراكية . و قد بدأوا العمل في بلاد متخلفة اصلا و دمرته الحروب :  و حقق بناة النظام الجديد نجاحات باهرة و انجبوا جيلا من الابطال الموهوبين امثال ستاخانوف و بافل كورچاكين . وكانت هذه النجاحات تقترن بارتفاع مستوى  المعيشة والحصول على مكاسب جديدة للكادحين ، مما كان يزيد من تعلقهم بالنظام الجديد . 
   وفي الحرب الكونية الثانية عندما هاجمت جيوش المانيا الهتلريةالاتحاد السوفيتي في حزيران 1941 ، كانالنظام الاشتراكي قد حقق من التقدم الصناعي ما مكنه من الصمود ثم التحول الى الهجوم ودك صرح النظام الفاشي في برلين في ايار 1945 ، وفي فترة قياسية قصيرة بعد الحرب ، وبفضل حماس الشغيلة في العمل ، افلحت الدولة السوفيتية في اعادة البناء و الوصول الى مستوى ما قيل الحرب .
    وهكذا فأن المرحلة الاولى من تأريخ النظام السوفيتي كانت مرحلة الحروب والدفاع وسط صعوبات بالغة ومرورا بانتصارات متلاحقة للشغيلة . هكذا سارت الامور على المسرح الدولي حتى  أواسط القرن العشرين ، ولم تعد الظروف مؤاتية لقادة الدول الاستعمارية كي يفكروا في اثارة حرب جديدة ساخنة بهدف اسقاط الخصم السوفيتي . 
    بدأت الحرب بين الدول الاستعمارية نفسها في 1939 ،وامكن للاتحاد السوفيتي ان يبقى بمنأى منها اذ عقد معاهدة  عدم اعتداء مع المانيا . وفي حزيران 1941 ، وبعد تسلطه على كل اوروبا البرجوازية ، عدا بريطانيا ،خرق هيتلر معاهدته مع موسكو وشن هجوما دون اعلان الحرب و احتل مساحة واسعة و هامة من الاراضي السوفيتية . ومنذ ذلك اليوم غدت الجبهة الرئيسة في الحرب هي الجبهة السوفيتية - الالمانية . وتعلم الجميع درسا جديدا من الاحداث حيث اتحدت  الدولة السوفيتية مع دولتين بورجوازيتين ( بريطانيا و امريكا ) ضد ثلاث دول برجوازية هي المانيا و إيطاليا و اليابان  . وفي آيار 1945 استول الجيش السوفيتي على برلين و انتهت الحرب الكونية  الثانية .
    مع انتهاء الحرب حل الوقت لينال الاتحاد السوفيتي استحقاقاته المشروعة عما قدمه من التضحيات ( عشرين مليونا من الضحايا البشرية + دمار هائل و شامل الحقت بالدولة السوفيتية ) فتحول الى احدى القوتين العظميين على المسرح الدولي ، ندا للند ازاء اقوى الدول البرجوازية – الولايات المتحدة الامريكية ، وكان الجميع يحسبون لها الحساب على هذا الاساس . ويتذكر الجميع الانذار الذي وجهه خروشوف الى بريطانيا و فرنسا و اسرائيل اثناء العدوان الثلاثي ، الإنكليزي – الفرنسي – الاسرائيلي ، على مصر اثر تأميم قناة السويس عام 1956 فارغمهم على ايقاف العدوان فورا و انسحبت اسرائيل مذعورة من قناة السويس ومن الضفة الغربية الى داخل اراضيها .
     دخلت الدولة السوفيتية في 941 الحرب وحيدة كدولة اشتراكية  و خرجت منها في 1945 ، و معها ثماني دول اوروبية جديدة تحكمها احزابها الشيوعية – وهي كل من المانيا الشرقية وجيكو سلوفاكيا وهنكاريا وبلغاريا والبانيا و رومانيا و يوغسلافيا و بولونيا.
    والى جانب هذه الانتصارات الكبرى للاتحاد السوفيتي من جهة اخرى تصاعد النضال الوطني التحرري ضد الامبريالية بالسبل السلميلة الجماهرية ، واحيانا عبر العنف والكفاح المسلح الذي انهك الاستعمار البريطاني والفرنسي وغيرهما وارغم المستعمرين على التنازل ، و وضع الدول الرسمالية الكبرى في موقف حرج . في 1949 انتصرت الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ، وانتقل بذلك اكبر بلد بعدد سكانه في العالم الى صف مناوئي الرأسمالية . وفي 1958 انتصرت الثورة الوطنية الكوبية بقيادة فيدل كاسترو ، ولم يلبث أن أعلن عن تبني كاسترو للفكر الماركسي والاندماج مع الحزب الشيوعي الكوبي . فتحولت كوبا في امريكا اللاتينية الى معسكر مناوئي الرأسمالية . وفي الحرب بين الكوريتين الشمالية – الشيوعية – والجنوبية ، التي لا اعرف ملابسات اندلاعها في 1950 ، تدخلت الجيوش الامريكية و احتلت معظم الاراضي الشمالية حتى نهر يلو قرب الحدود الصينية . وتدخلت الصين الشعبية فهاجمت قوة من المتطوعين الصينيين على الامريكيين وهزمتهم شر هزيمة و الحقت بهم خسائر فادحة . و توقف المهاجمون في خط الحدود و انهوا بذلك الحرب منذ 1953 . 
    و رغم ان فرنسا ظلت محتلة من الهتلريين بين 1939 - 1944 ، فان المستعمر الفرنسي اعاد احتلال فيتنام ولاؤس و كمبوديا فور انتهاء الحرب . ووجه الفيتناميون بنادقهم ، التي كانوا  قد حملوها قبلئذ ضد المحتل الياباني ، نحو الاستعمار الفرنسي ، و استمر القتال حتى سنة 1954 ، حيث استولى الثوار على معسكر قلعة ( ديان بيان فو ) و ارغموا فرنسا على الاستسلام وبالتالي الاعتراف بجمهورية شمال الفيتنام الديمقراطية ، مع بقاء دولة جنوب فيتنام . لكن هذا الحل لم يرق للاستعمار الامريكي الذي خرج من الحرب زعيمة للدول الراسمالية كلها  ، فنقل قواته العسكرية الى الجنوب و حل محل الفرنسيين في مقاتلة ثوار فيتنام بقيادة الزعيم الشيوعي هوشي منه . واستمر القتال لسنوات حتى حمل الامريكيون راية الاستسلام و سحبوا جيشهم  ال(600) الف من فيتنام. 
    وهكذا فأن الدول الراسمالية كانت هي الخاسرة خلال سني مابعد الحرب العالمية الثانية في   الحروب الموضعية بينها وبين الشيوعيين في الصين ( 949) وفي كوريا ( 50 – 953 ) و في فيتنام ( 975 ) . والى حين هذا الانتصار التأريخي الكبير في فيتنام كانت الدولة السوفيتية ذات هيبة واسعة وعظيمة على صعيد العالم وكان نفوذ الاشتراكية واسعا كبير التأثير . ولم يكن من قبيل الصدف ان انقلب حكام اليمن الجنوبي على أيديولوجيتهم القومية و تبنوا من تلقاء انفسهم الايديولوجية الشيوعية و انضموا طوعا الى جبهة مناوئي الراسمال العالمي . وتحت نفس التأثير هجرت منظمات و تيارات سياسية مواقعها في الفكر القومي لتلتحق بالركب الماركسي في فلسطين و في بلدان اخرى عربية و غير عربية .   
    واقترن تنامي الفكر الماركسي و تزايد أنصار الاشتراكية في العالم بتعاظم حركة التحرر الوطني و هزائم النظام الكولونيالي في شتى القارات و تكاثر عدد الدول الجديدة على انقاض الانظمة الكولونيالية حتى قارب عدد الدول المنتسبة الى UN خمسة اضعاف عددها ايام عصبة الألم . بين الحربين العالميتين.
*        *           *