حذار من ثقافة الفوضى الخلاقة الجديدة


بدر الدين شنن
الحوار المتمدن - العدد: 5593 - 2017 / 7 / 27 - 15:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في -أوائل القرن الحالي ، انطلقت بالتوازي ، والتكامل ، مع الفوضى الخلاقة الأميركية .. السياسية .. انطلقت الفوضى الثقافية أيضاً .
وكما كان للفوضى السياسية مؤسساتها .. وأهمها ، الحزبية ، والأمنية ، والعسكرية ، لتنفيذ غاياتها التدميرية .. في إعادة رسم خرائط العالم ، ما يوفر لسادة الاحتكارات الكبرى ، سيما البترولية والطاقة عموماً ، واحتكارات قطاع صناعة الأسلحة ، وتأخذ طابع الدول الإمبريالية ، لتوفر عوامل استقرار عبودي عالمي ، لا فكاك منه للناس الأدنى المهمشين ، اقتصادياً واجتماعياً ، وسياسياً ..
كان هناك أيضاً ، للفوضى الثقافية مؤسساتها ، وبخاصة في مجال ، الإعلام بأنواعه ، والجمعيات المدنية المدعومة .. لتنفيذ غايات تدميرية شاملة ، في كل المجالات التعبيرية ، لرسم خرائط للوعي والعقل مغايرة لما هو موروث وقائم ، غير عابئة بتعارضها مع مبادئ العلوم ، والمنطق ، ومفاهيم القيم الثابتة ، في السياسة ، والأخلاق ، والعلوم الإنسانية ، لتسوغ الفوضى التدميرية ، وتوفر إعادة بناء مجتمعات مغايرة فكرياً ، ووعياً ، للمجتمعات القائمة ، بحيث تتقاطع مع غايات وآليات " الفوضى الخلاقة " العملية " التدميرية المباشرة . بما يؤدي إلى تكريس أفكار .. نهاية التاريخ .. وأبدية الرأسمالية .
وكانت فصائل الإرهاب التكفيري المتوحشة والمتخلفة حضارياً وقيمياً .. هي ذروة نتاج " الفوضى الخلاقة " بشقيها " العملي والثقافي .
لقد فتحت الليبرالية الجديدة ، التي كلفت بالنشاط في بلادنا .. النار على النتاج العقلي التاريخي القائم . السياسي والأخلاقي ، وعلى النظريات والقيم ، المعادية بجوهرها ، للرجعية والإمبريالية ، وبشكل خاص على الآديولوجيات المساعدة على بناء الإنسان الحضاري ، وتحسين بنية المجتمعات في الحياة عامة ، وإبان تعرض البلاد للغزو والعدوان خاصة . وركزت على الفرد المجرد من أي التزام أو ارتباط ، باسم الحرية المطلقة ، ليسهل خداعه وشراؤه .

وقد تقاطعت الليبرالية الجديدة في هجومها السياسي والثقافي مع أنظمة الاستبداد ، في نفس الغايات السياسية والفكرية التدميرية ، ما أدى إلى الخواء السياسي والفكري ، الذي دفع كثير من المثقفين والسياسيين إلى النزوح إلى الإعلام المفخخ ، الخاضع للفكر الليبرالي المريب ، الغني بقدراته وتأثيره ، حيث صارت هيئات تحرير التلفزيونات ، والصحف الكبرى ، المملوكة من أمراء النفط ، وأمراء الإعلام ، هي مصادر ومرجعيات الوعي .. وخاصة السياسي .. وهي التي تقوم على تشغيله حسب رغباتها .المنحرفة . .
وقد انكشف هذا بوضوح ، في أهم مرحلة من مراحل " الفوضى الخلاقة " ، التي تجلت في بلادنا اعتباراً من ( 2011 ) عبر ما سمي " الربيع العربي " ، الذي ركز على ما تدعو إليه ، وتطبقه " الفوضى الخلاقة " في بلادنا .. وسماها .. ثورة .. وكان أبرز تجليات هذه الثورة ، هي إملاءات رؤساء في دول غربية ، وعربية ، مثل أوباما ، وساركوزي ، وهولاند بعده ، وكاميرون ، وأردوغان ، وسعود الفيصل ، وحمد آل ثاني .. على الرؤساء العرب المطلوب استبدالهم بالتنحي . وتمثل دون شك ، هذه الإملاءات ، المتزامنة مع هجوم الإرهاب الدولي ، ذروة " الفوضى الخلاقة " ، ومولودها المشوه ، المسمى .. ثورة .. بدعم واحتضان رجعي عربي وإمبريالي غربي مكشوف ومباشر .

ومن الغرابة بمكان ، أنه بعد سلسلة من الطروحات الإرهابية الدولية ، التي تجاوزت طروحات البدايات للأحداث ، من أهداف ومفاهيم مغرية ، بما هو مشين وسيء ومتخلف . وبعد انحسار الحاضنة الشعبية بعد سنوات من المعاناة لصالح الحكم ، مازال البعض مصراً على التمسك بارتباطه بجذور المرجعيات الإمبريالية والرجعية ، وبالعلاقات المأجورة الوثيقة ، بأميركا ، وحلف الناتو ، وحكام الكيانات العربية في الخليج .

وإزاء ما تقدم آنفاً .. بات ينبغي التوضيح ، أن ما تقصده ، ليس هو الهجوم على ما سمي .. بالثورة .. فهذه حسب المفهوم العلمي .. والشعبي .. والتاريخي القيمي ، قد قضت نحبها من الطلقات الأولى حين المخاض ، على أيدي القابلة ، التي مثلها ، سعود الفيصل ، وحمد آل ثاني ، وأردوغان ، ونتنياهو ، وأوباما ، وساركوزي ، وأتباعهم ، وعملاؤهم .
وإنما القصد هو التحذير ، من أن ثقافة مرتبطة بفوضى سياسية جديدة ، يجري طرحها ، وتداولها ، من قبل " ترامب " وطاقمه الحاكم ، وفلول " الفوضى الخلاقة " الآفلة ، لغسل أيدي الجناة من دماء الضحايا ، والتبرؤ من جرائم التدمير الهمجي ، والتشريد والتهجير في " الفوضى الخلاقة " الأولى . وتبرئة محمل ما حدث من كوارث حتى الآن ، من توصيفه " بالمؤامرة . متجاوزين بوقاحة ، الإجابة على سؤال ، من أين جاءتهم كل هذه الأموال ، والأسلحة الحديثة كماً ونوعاً ، وكل الإرهابيين المتوحشين المرتزقة ، وعلى أي من المبادئ الوطنية يقوم تحالفهم ، مع الأتراك ، ولأميركان ، والإسرائيليين ـ ومشايخ الخليج ، والتحالف الدولي الأميركي .

إنه ليس إلاّ التحضير ، لتمرير " مؤامرة جديدة ، لمواصلة الحرب ، بمسوغات جديدة وصولاً إلى تسمية جديدة ، للفوضى الخلاقة ، حسب منهجية " ترامب " المتقلب المراوغ وطاقمه .، الذين سيتجاوزون ، ببعض البهلوانيات السياسية ، الفوضى الخلاقة في العهود السابقة ، إلى " الفوضى الذرائعية " المباشرة . كما حدث في خان شيخون ، والهجوم الذرائعي الكاذب على مطار الشعيرات ، دون تحقيق أو اعتذار لاحق . وكانوا يحضرون خان شيخون آخر وهجوم ذراعي كاذب آخر ، لولا صلاية محور المقاومة .
ومن أشكل التقلب والمراوغة في منهجية " ترامب " أنه في الوقت الذي أعلن فيه ، أنه أوقف أنشطة المخابرات الأميركية بدعم المعارضة السورية ، يقوم بإرسال المزيد والمزيد من القوات الأميركية المسلحة إلى سوريا لدعم المعارضة

بيد أن المشكلة في ظل النظام الرأسمالي وسيطرته على العالم ، ليست هي تسمية المعارك ، والحروب ، وسيناريوهات تنفيذها ، طالما قطاع صناعة الأسلحة ، وآليات الحروب ، والقتل ، والتدمير ، بمختلف أنواعها مستمر إنتاجها وأرباحها . تؤازرها مؤسسات التسويق المرخصة ، لتسويق منتجاتها ، من خلال إثارة الفتن والحروب ، وفبركة الذرائع ، هي ناشطة . ومرحب بها في كل أنحاء العالم ، فإن " الفوضى الخلاقة " مستمرة بأسماء لا تحصى .

ما مفاده ، أنه ينبغي مواجهة كل ذلك ، بقوى سياسية وثقافية وطنية موحدة .. تستند إلى خلفيات مبدئية ، تحرص على وحدة الوطن أرضاً وشعباً ، وتعزز فيها الأبعاد الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والإنسانية . . لقد برهنت سوريا على الدوام في مختلف الشدائد والمحن .. أنها قادرة بجيشها ومثقفيها الشرفاء وسياسييها الوطنيين .. قادرة على أن تدحر خصومها .. وتنتصر .