العلاقات السعودية الأميركية.. الى اين؟


فهمي الكتوت
الحوار المتمدن - العدد: 5171 - 2016 / 5 / 23 - 00:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قوبلت الخدمات الجليلة التي قدمتها السعودية للولايات المتحدة، بطعنات من الخلف، فقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقاتها مع السعودية نحو التأزم، بعد إصدار الكونغرس الأمريكي تشريعا باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" بموافقة جماعية من أعضاء المجلس، يَسمح للنّاجين من أحداث 11 سبتمبر وذوي الضحايا بإقامة دعاوي قضائية ضد الحكومة السعودية للمطالبة بتعويضات. جاءت الخطوة التصعيدية من قبل الجمهوريين والديمقراطيين، بعد الحملة التي قادها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد السعودية والدول الخليجيّة، متهمها بنشر الإرهاب. لم يكتف عند هذا الحد، فقد حذّر دول الخليج، من الخطر الحقيقي الذي يهددهم، "سخط الشباب الغاضبين والعاطلين عن العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي للظلم الذي يعانون منه، وليس من هجوم إيراني".
يتضح مما تقدم أنّ الخلاف ليس شخصيًا بين أوباما والسعودية، الذي يتقمّص شخصية المدافع عن حقوق الإنسان، فالجمهوريين والديمقراطيين مجمعين على نفس الموقف، والمرشحين للرئاسية الأمريكية "هيلاري كلينتون ودونالد ترامب" أعلنوا تأييدهم للقانون.
لكن السؤال ماذا وراء هذه الخطوة، وما هي تداعياتها؟
قصة الإرهاب ذريعة ليس إلا، نحن نتحدث عن دولتين حليفتين تربطهما علاقات استراتيجية تاريخية، يتحملان مسؤولية مشتركة لما تعاني منه شعوبنا العربية من كوارث، وإن تاريخ أمريكا ملطخ بالدماء وهي منغمسة بالإرهاب من رأسها إلى أخمص قدميها، وهي التي أقامت التحالف مع الإرهابيين في أفغانستان، وما زالت تستخدم الحركات الظلامية الإرهابية لتمرير سياساتها، بتدمير سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الأقطار العربية. وحين تتجاوز هذه الحركات حدودها. تضطر واشنطن لتوجيه ضربات تكتيكية محدودة. وإذا كانت هناك شبهات حول أحداث 11 سبتمبر 2001 فإنّ المنشقين عن "سي أي ايه" كشفوا تورط الدوائر الأمنية الأمريكية في هذه الجريمة النكراء، سبق وتناولت هذا الموضوع في هذه الزاوية تحت عنوان "ماذا وراء التقرير السري".
أمّا إذا كان الأمر يتعلق بانتهاء دور حليف فعلى الدولة السعودية أن تدرك أنّ مصالح الاحتكارات الرأسمالية فوق كل اعتبار، وأن الإمبريالية اعتادت على ممارسة هذا النهج مع حلفائها للنأي بنفسها عن تبعات سياساته. والأمثلة عديدة على ذلك ليس في الوطن العربي فحسب بل وفي العالم أجمع.
من غير المنتظر أن يصدر رد فعل سعودي يتناسب مع حجم الإجراء الأمريكي. فقد تراجع الجبير عن تصريحاته السابقة عندما قال في مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي جون كيري في فيينا "ما قصدناه أنّ صدور هذا القانون سيقوض ثقة المستثمرين في السوق الأمريكية، فالأمر لا يخص السعودية وحدها"، نافيا أن يكون قد هدد ببيع هذه السندات. في حين كشفت وزارة الخزانة الأمريكية للمرة الأولى عن حجم الاستثمارات الخليجية في سندات الخزانة الأمريكية، والتي بلغت قيمتها 116.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي. وليس أكثر من 750 مليار دولار وفق ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز.
أمّا تداعيات هذه السياسات فهي خطيرة على مستقبل دولة عربية شقيقة، والتي تتجاوز حدود التعويضات في حال صدور القانون، وحتى في حال إيقافه، فهو يعكس النوايا الأمريكية تجاه السعودية، ويبقى السيف مُسلطا للابتزاز السياسي والمالي، وأنّ أوباما لا يرغب ولا يستطيع حماية السعودية بتهديده في استعمال حق النقض الفيتو ضد القانون، فهو يرغب بإنهاء ما تبقى من دورته دون حدوث هزّات كبيرة، مع حرصه على الظهور بأنّه ضد الحروب وضد الحركات الإرهابية، في حين اقترن اسمه بأقذر الحروب في التاريخ الحديث، والتي عرفت في الحروب بالوكالة، باستخدام الحركات الإرهابية وتوجيهها وتسليحها وتمويلها سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر لتدمير الأقطار العربية، وحصد نتائج عجزت عنها الإدارات السابقة وبدون كلف مالية أو بشرية.
لم يعد خافيًا على أحد أنّ الولايات المتحدة تسعى الى إعادة تقسيم المنطقة العربية. وكثرة التصريحات والخرائط التي تتحدث عن الدويلات العربية، بما في ذلك فك وتركيب عدد من الأقطار، واللافت أنّ السعودية وغيرها من الدول الخليجية ما زالت تسخر قدراتها المالية والاقتصادية والعسكرية للمشروع الأمريكي، الذي يسعى لتقويضها، إن الرد الوحيد على الموقف الأمريكي إنهاء الحروب العربية -العربية وحل الخلافات بالطرق السلمية قبل فوات الأوان، وقبل مواجهة نفس المصير الذي تواجهه سوريا والعراق وليبيا.
فقد أعلن صراحة على لسان كبار المسؤولين الأمريكيين عن مشاريع لتقسيم سوريا والعراق، وما الدمار الشامل الذي لحق في الدولتين، إلا بهدف تفتيت النسيج الاجتماعي وتحويلها إلى دول فاشلة، يسهل تقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية، والتخلّص من الرابطة القومية باعتبارها الهوية الموحدة لنحو 360 مليون عربي يتمتعون بثقافة ولغة مشتركة ووحدة جغرافية، تتميز بربط القارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا) وتمتلك من الثروات ما يؤهلها لإقامة تجمع اقتصادي - سياسي يضاهي الاقتصادات العالمية.