عندما يجادل الدعاة في وجود الله 1


عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن - العدد: 4969 - 2015 / 10 / 28 - 02:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عندما يجادل الدعاة في وجود الله 1
قديما قال أبو العلاء المعري (973-1057):
قالَ المُنَجِّمُ والطّبيبُ كِلاهما: لا تُحشَرُ الأجسادُ؛ قلتُ: إليكما
إن صَحّ قولُكما، فلستُ بخاسرٍ، أو صَحّ قولي، فالخَسارُ عليكما
وبعده بقرون وضع الفيلسوف واللاهوتي الفرنسي باسكال (1623-1662) رهانه الشهير الشبيه برهان المعري، رهان باسكال يمكن تلخيصه هكذا:
أولا: عندما نراهن على وجود الله:
ففي حاله ما إذا تبين أنه موجود فنحن نذهب إلى الجنة ونربح الرهان معا. في حالة عدم وجوده فنحن نعود إلى الفناء ولا نخسر سوى رهاننا.
ثانيا: عندما نراهن على عدم وجود الله:
ثم يتبين في النهاية أنه موجود، فسوف نخلد في النار ونخسر رهاننا إلى الأبد. أما في حالة ما إذا تبين أنه غير موجود فعلا فنحن نعود إلى الفناء بعد أن نموت ولو أننا نربح الرهان.
والنتيجة، كما يراها المعري وباسكال هي أنه من مصلحتنا أن نؤمن بوجود الله ولو لم نكن متأكدين منه، لأن خسارتنا في حالة وجوده لا يمكن مقارنتها مطلقا بخسارتنا في حالة عدم وجوده. وهو موقف انتهازي نراه، في الحقيقة، يسود الكثير من تصرفات البشر الدينية والسياسية والاجتماعية، ويتسبب دائما في تحويل حياتنا إلى جحيم.
لكن هل إن كل عناصر هذا الرهان صحيحة؟ هل صحيح أننا لا نخسر سوى رهاننا لو آمنا بالله ثم تبين لنا في النهاية أنه غير موجود؟
في الحقيقة، لو كان الأمر هكذا ببساطة لما أثارت مسألة وجود الله ما أثارته من صراعات فكرية ولما تسببت فيه من مآس عانى منها البشر، ولا يزالون. لو أن الإيمان بالله كما تصوره بعض الإلهيين مثلما ينسب لأينشتاين مثلا، هو إيمان لا ضير فيه مادام هؤلاء الإلهيون غير مقتنعين أن هذا الله لا يمكن أن يكون وراء هذه الأديان الكثيرة المتناقضة المتناحرة المتقاتلة المشحونة بمعارف و(علوم) خرافية، لا يمكن، حسب رأيهم، أن يكون الله الذي خلق هذا الكون العظيم المبهر من مجراته العظيمة إلى غاية أصغر أعجوبة من أعاجيب الحياة (الدِ نْ إِ)، هو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب بما تعج به من خرافات وحماقات ولا معقولات لم تساهم مثقال ذرة في علم الناس رخائهم وسعادتهم بل ساهمت في شقائهم ومحنهم واستفحال الجهل فيهم.
بل الراجح أن أبا العلاء المعري نفسه لم يكن يؤمن بأن الأديان من الله.
أما اليقين فـلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا
***
اثنان أهل الأرض : ذو عقـل بلا ديــن وآخر ديِّن لا عقل لهْ
***
فلا تحسَبْ مقالَ الرسلِ حقاً ولكن قولُ زورٍ سطّروه
وكان الناس في يُمْنٍ رغيدٍ فجاءوا باالمحال فكَدَّروه
***
دينٌ وكفرٌ وأنباءٌ تُقَصُّ وفرقانٌ وتوراةٌ وإنجيلُ
في كل جيل أباطيلُ ، يُدانُ بها فهل تَفَرَّدَ يوما بالهدى جيلُ ؟
***
في اللاذقية ضجةٌ ما بين أحمدَ والمسيحْ
هذا بناقوس يدق وذا بمئـذنة يصيحْ
كلٌّ يعظّم ديـنَه يا ليت شعري ما الصحيحْ ؟
هكذا كانت اللاذقية عندما كانت الأديان سيدة الموقف، فماذا لو قارناها مع مدينة حديثة مثل لندن أو باريس أو نيويورك أو سيدني حيث تسود العلمانية وكيف تتعايش فيها مئات الأجناس والأديان واللغات والمذاهب والأفكار جنبا إلى جنب في سلام ووئام مذهل؟ أما ما حققه البشر عندما تحرروا من هيمنة الأديان ومن رجالها في مدة قصيرة نسبيا مقارنة بتاريخ البشر الديني الطويل المشحون بكل المآسي والآلام فحدث ولا حرج. فنحن مثلا لا نجد في كل ما تحقق للإنسان في مسكنه ومأكله ومشربه وراحته وصحته وحله وترحاله، لا نجد أن الله كما تجلى لنا من خلال رسله وكتبه، قد ساعد البشر في أدنى اكتشاف ساهم في سعادتهم، بل العكس هو الصحيح، فلقد عمل رجال الدين دائما مهتدين بكتبهم (الربانية)، على عرقلة كل إبداع واكتشاف بحجة أنه يتعارض مع حكمة الله وما ارتضاه لعباده مثلما يتعارض مع (المعارف) التي حوتها كتبه (السماوية) حول الحياة والكون والطبيعة. بل برروا دائما أبشع الجرائم باسم الدفاع عن حكمة إلهية غامضة ليس من حقنا معرفتها ولا التساؤل حول كنهها مهما تسببت لنا من أضرار.
نحن إذن، ولو نسبيا، لن نخسر لو آمنا بإله المعري وباسكال وحتى أينشتاين (إن صح طبعا ما نسب إليه) لأنه إله خلق الكون وتركه لشأنه، والإنسان جزء منه، لكنه أبدع ما بلغته الطبيعة في تطورها بما في ذلك عقله، أما الله فلم يطلب منا شيئا، ولا كلفنا بشيء ولا هو يرعانا ولا نحن مَدِينُون له بشيء، لأن كل ما حققناه إنما تم بفضل تطورنا في شتى المجالات.
من جهة أخرى، وهي الأهم في نظري، فإن مشكلتنا هي مع الله كما تجلى من خلال أديان الشرق الأوسط، الله الذي أنزل الكتب وأرسل الرسل. إيماننا به لا يكتمل إلا بإيماننا بشرائعه وتعاليمه التي لا بد للمؤمن أن يلم بها كسبيل وحيد لاكتمال دينه ثم عليه أن يتقيد بها ولا يحيد إذا حرص على دخول الجنة. إيماننا يبقى ناقصا ما لم نتقيّد بما حفلت به كتبه من شرائع زعمت لنفسها الإحاطة بكل شيء (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وحالت دون خروج الناس من قصورهم الأبدي. إيمان الناس به يعني مواصلة التناحر من أجله إلى الأبد بسبب تعدد الأديان والمذاهب والملل والنحل وادعاء معتنقيها، كل في زاويته، أنهم الوحيدون المخولون بتمثيله والدفاع عنه والإشراف على تطبيق شرائعه على الآخرين ولو رغم أنفهم. وهذا ما حدث ومازال على الأقل بالنسبة للمسلمين الذين مازالوا ملتزمين بدينهم ولا يكتفون بمعاداة الآخرين غير المسلمين باعتبارهم كفارا، بل إن العداء بين بعضهم البعض لا يقل ضراوة وشراسة باعتبار أن كل فرقة من فرقهم تَعُدُّ نفسها الفرقة الناجية. وحبذا لو اكتفت الفرقة الناجية بهذا، ذلك أنها ترى من حقها، وواجبها كفرقة ناجية أي مصطفاة، أن تباشر جهادا لا يتوقف ضد الفرق الضالة باعتبار أن إيمانها الصحيح لا يكتمل إلا بالجهاد نصرةً لله وتمكيناً لدينه في الأرض.
رجال الدين، إذن، لا يُرْجَى صلاحُهم، كما يتمنَّى البعض، فلا يستقيم الظل والعود أعوج. عندهم ألف حيلة وحيلة للالتفات على كل نصر يحققه (أعداؤهم) في ميادين العلم والحياة. وجودهم، نفوذهم، هيمنتهم، لا تتحقق إلا بوجود الله كما يتصورونه. الدفاع عنه مسألة حياة أو موت. وعندما أصبحت أديانهم غير قادرة على إسعافهم في تخدير الناس وإخراس الأذكياء واحتكار الحقيقة ومصادرها واستعداء الحكام ضد المعترضين، بفضل انفتاح عالم الإعلام والمعرفة، راحوا يغرفون من بحار العلوم الحديثة، التي عارضوها قرونا من الزمان بشراسة، كل ما يساعدهم على تشويه المعارف الحديثة وتدعيم إيمان المؤمنين الذين يستهلكون أقوالهم وينساقون وراءهم ويصنعون منهم ما هم عليه من جاه ونفوذ.
محاربة رجال الدين ومن ورائهم الأنظمة السياسية المستبدة لحرية الفكر والاعتقاد والعلمانية لا علاقة لها بالدفاع عن وجود الله إذن، لا علاقة لها بوجود الله في حد ذاته، فهو إذا كان موجودا فعلا فإن كفر الكافرين لن يؤثر في هذا الوجود، أما إذا لم يكن موجودا فإن الإيمان به مهما كثر المؤمنون لن يكون إلا مجرد وهم.
الصراع كله يدور حول منافع أرضية يحرص المؤمنون بالأديان على الحفاظ عليها لأنهم حصّلوها بغير حق، إلا الحق الذي استمدوه من نصوص أديانهم: حق الحاكم على المحكوم خاصة بالنسبة لأنظمة الحكم التي تستمد شرعيتها من الدين، حق الرجل على المرأة، حق رجل الدين في التحكم في المؤمنين وتمثيلهم أمام الحكام، حق هذا المذهب السائد على المذاهب الأخرى الأقلوية، وحقوق أخرى كثيرة مرتبطة بالذكورة والأنوثة والميراث والقوامة في البيت... وفي منافع أخرى لا يمكن الحفاظ عليها إلا ضمن مناخات الجمود والتقليد والتخلف.
هذا ما حفّزني على الاهتمام بالدعاة وهم يجادلون في وجود الله، ليس لأن هناك خطرا حقيقيا قد يلحق به، بل لأن هناك فعلا خطرا حقيقيا سيلحق بهم وبأيديولوجياتهم المتخلفة عندما تنتشر العلوم الحديثة بين الناس، لهذا يشنون حربا استباقية لعلهم يعطلون عجلة التطور.
أبدأ مع الداعية فاضل سليمان
http://urlz.fr/2zco
وهو يجادل في وجود الله اعتمادا على أرقى الاكتشافات العلمية الحديثة.
https://www.youtube.com/watch?v=bFhw6PktJJI
يتبع