يريدون شواطئ إسلامية، هل نتركهم؟


عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن - العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 13:13
المحور: كتابات ساخرة     


نشرت جريدتا الشروق والحياة الجزائريتان مقالتين لصحفِيَيْن إسلاميين. المقالة الأولى نشرت في الشروق تحت عنوان: "غياب شبه تام للمساجد والمصليات يوقع مرتادي البحر في حرج: "العري" يحرم المصطافين من أداء الصلاة بشواطئ وهران".
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/251321.html
ذرف الصحافيان دموع التماسيح على مرتادي الشواطئ الإسلاميين! يا لهم من مساكين! يا له من ظلم غشوم لحق بهم من طرف (الكفار)! ما أشد معاناتهم إذا أرادوا (أداء صلواتهم المفروضة، بسبب الانعدام شبه التام للمساجد أو المصليات بجوار الشواطئ، ما يحتم على البعض الصلاة في الرمال، غير أن هذا الخيار يحتم عليهم خوض مناوشات لأجل إفضاء مكان للصلاة، فضلا عن الملهيات الكثيرة، والعري المستفحل، ما يجعل أغلب مرتادي الشواطئ يؤجلون صلواتهم).
يا لها من دولة كافرة، دولتنا في الجزائر! كيف لم تفكر في بناء مساجد ومصليات بجوار الشواطئ! حتى يضطر المؤمنون الحريصون على أداء صلواتهم في أوقاتهم للصلاة في الرمال! بل ويضطرون إلى "خوض مناوشات لأجل إفضاء مكان للصلاة"، فإذا قاموا للصلاة استحال عليهم ما تقتضيه الصلاة من خشوع وسكينة بسبب "الملهيات الكثيرة، والعري المستفحل"، وعندها يضطرون إلى تأجيل صلواتهم ويا لها من خسارة لا تعوض. أليس نبيهم هو القائل عندما سئل: "أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا".
لكن هل الصلاة على وقتها هي المقصودة عند هؤلاء( الإخوان)؟
حديث الصحيفة عن العري يوهم القارئ غير المطلع أننا أمام شواطئ العري في أوربا. بينما واقع الشواطئ عندنا، بسبب تلويث الجزائر (بالصحوة الإسلامية) غير ذلك. منظر النساء الجزائريات على شواطئ البحر محزن ومضحك في نفس الوقت. قلة قليلة فقط مازالت تتجرأ فتلبس البكيني. أما الباقي فلباسهن شديد التنوع، ولكنه مضحك، ولكنه ضحك كالبكاء. خلال سنوات الإرهاب الإسلامي التي امتدت أكثر من عشر سنوات (ومازالت رغم محدوديتها)، خلت الشواطئ من النساء، إلا قليلا. السيدات اللاتي كن يتجرأن كن يحرصن على الاحتفاظ بكامل ملابسهن. كانت (سباحة النساء) محزنة. تجلس المرأة أولا على الشاطئ بكامل لباسها وتقترب قليلا قليلا حتى تبدأ الأمواج تلامس قدميها، تم تزحف شيئا فشيئا حتى تجلس في الماء وتبقى هكذا معظم الوقت، وتتبع نفس الطريق عند الخروج. قلما تقف المرأة حتى لا تلتصق الملابس بجسدها فتشي بما تحتها، وتحدث الكارثة، فتصبح عارية كاسية.
في السنتين الأخيرتين ظهر لباس إسلامي للسباحة (يستر) كامل الجسم:
http://urlz.fr/2jHu
وهي حيلة (شيطانية) اهتدت إليها النساء، حسب تعبير الإسلاميين. (إن كيدهم لعظيم). المرأة عندنا حولت الحجاب الإسلامي الرجعي إلى وسيلة تقدمية لمواصلة التواجد في الساحة، ساحة التعليم والعمل والحياة بصورة عامة. إنها تنحني مثلما تنحني اليراعة في قصة لافونتان (السنديانة واليراعة)، خلال هبوب العاصفة، لكنها تواصل الحياة، عكس السنديانة.
بعد مرور العاصفة بدأ التحايل على الحجاب. أين نحن اليوم من تلك الخيمة البائسة التي فرضوها عليها والتي وضعوا لها شروطا يكون الإخلال بها من أكبر الكبائر:
أن يكون الحجاب ساترا لجميع البدن
أن يكون ثخينا لا يَشِفّ عما تحته
أن يكون فضفاضا غير ضيّق
أن لا يكون مزينا يستدعي أنظار الرجال
أن لا يكون مُطَيَّباً
أن لا يكون لباس شهرة
أن لا يُشبه لباس الرجال
أن لا يشبه لباس الكافرات
أن لا يكون فيه تصاليب ولا تصاوير لذوات الأرواح.
وهي مواصفات وضعها بشر غير أسوياء لو عُرضوا على فرويد لنصح بحبسهم في مصحات متخصصة في الأمراض النفسية والعقلية.
صارت النساء تختار لأحجبتهن أجود وأزهى الأقمشة. هذا هو الحال بالنسبة للاتي مازلن (متحجبات) إسلاميا. (طبعا يجب أن نستثني منهن السلفيات اللاتي يحرصن على التزام الشروط السابقة، بل يزدن عليها مثل تغطية كامل الوجه بقماش أسود شفاف فيرين الدنيا سوداء، ومثل لبس القفازات والجوارب ولو في عز الصيف، وضرورة اصطحاب محرم ولو كان طفلا صغيرا. عدا ذلك فلم يبق من الحجاب إلا خمار الرأس، أما باقي الجسم فتحرص النساء على ارتداء أنواع مختلفة من (الأحجبة) المثيرة. سروال جينز، فستان مفصل تفصيلا ضيقا يشي بما تحته، ألوان زاهية، خصلات شعر متدلية بشتى الألوان، مساحيق، ... وكل ما يدل على أن نداء الحياة أقوى من نداء الموت الذي لا يتوقف رجال الدين عن النباح به صباح مساء.
الكلام عن العري يوهم القارئ أننا في شواطئ وبحيرات العراة في أوربا حيث يعوم الناس، رجالا ونساء، عراة تماما كما ولدتهم أمهاتهم. بينما المقصود هنا هو البيكيني. الإسلاميون مهووسون بالعري. بل هم ينعتون النساء غير المحجبات إسلاميا بالكاسيات العاريات.
ثم نقرأ لهذا المريض الذي يسمى صحافيا: "وعليه، تلتمس الفئة المعنية من السلطات المعنية، تشييد مصليات في الوقت الحالي، لغرض أداء الصلوات براحة، تفاديا لأي مغريات".
هو مريض بالتأكيد، وإلا كيف يعتبر امرأة بالبيكيني من المغريات التي تلهيه عن صلاته فيعجز عن التركيز ولا يعرف ما يقول فيخسر رضا ربه. هذا الصحافي يتأسف لأن السلطات لم تبن له مصليات على الشاطئ، ويتأسف لأنها "حرصت على توفير الحراسة والأمن ومحاربة ظاهرة تأجير الشواطئ وحظائر السيارات، متناسية أهم شيء ألا وهو توفير مكان لائق للعبادة".
للعلم فقط، فقد بنت الدولة الجزائر منذ الاستقلال 18000 مسجدا، ووفرت مصليات في كل مرفق عام: في المؤسسات التعليمية والاقتصادية والإدارية، في المرافق العمومية الأخرى.. .
الصحافي يكذب عندما يقول هذا. فـ "ظاهرة تأجير الشواطئ وحظائر السيارات" متواصلة منذ سنين، حيث يحتل بعض الأوباش الشواطئ ويقيمون فوقها خيامهم المعدة للكراء كما يحتلون الأماكن الخاصة بركن السيارات ويفرضون إتاوات على الناس بغير حق. السلطات تعلم بذلك لكنها لم تحرك ساكنا مادام الناس راضين إلا هذه السنة في بعض المدن الساحلية بعد أن بلغ شرهم حدا لا يطاق. ظاهرة الاستيلاء على الأماكن العامة تعتبر من فضائح الجزائر. بدأت بترخيص البلديات للبعض من معطوبي ومجاهدي حرب التحرير وأبناء الشهداء عدة أمتار يبنون فوقها كشكا يرتزقون منه ومع الوقت نرى الكشك يتمدد ويتسع على حساب ما جاوره، كلما أمكن ذلك، حتى تتضاعف مساحته عشر مرات على حساب الأماكن العامة: ساحات، حدائق، شوارع... في السنين الأخيرة تخصصت مجموعات من شباب المدن، بحجة أنهم عاطلون وما هم بعاطلين، في هذا النوع من حراسة الناس رغم أنفهم، فاحتلوا الساحات العامة والشوارع حاملين الهراوات، مُنَصِّبين أنفسهم حراسا على السيارات من اللصوص (وهم اللصوص). أصحاب السيارات يفضلون أهون الشرين: إما الدفع أو تتعرض السيارات للسرقة أو الإتلاف. لكن الدفع هو الشر الأكبر لو يعلمون. التنازلات شر مستطير. فما أن يتنازل المرء مرة واحدة حتى تتهاطل التنازلات من كل حدب وصوب، فمن يهن يسهل الهوان عليه.
هناك من يقاومون ولكنهم يقاومون فرادى، وهي مقاومة غير مضمونة العواقب. الناس عندنا مازالوا يجهلون مدى قوتهم لو تحركوا جماعيا. لو عرفوا مزية النضال العصري، لو عرف معنى المجتمع المدني. بعض التجارب حققت نجاحات محترمة حين انتظم الناس في جمعيات في الأحياء أو جمعيات متخصصة، لكن عدم ثقة الناس بأنفسهم جعلهم لا يواظبون ولا يلتفون حول هذه المبادرات، وأنى لهم أن يفعلوا هذا بينما تعمل (الثقافة الدينية السائدة) على تحريف الوعي مثل هذا الصحافي الذي يعتبر اهتمام السلطات بتوفير أمكان للصلاة في شاطئ البحر أهم شيء.
السلطات سوف تستجيب لهم وتقيم مصليات ولو عبر إقامة خيام، كما جاء في المقالة.
المعلقون على هذه المقالة منقسمون هم أيضا. لكن بعض التعليقات واعدة وبعضها تنذر بالسوء من قبيل: "لا تتركوا الفرصة للعريانين من التغلب على الحشمانين. اذهبوا إلى البحر وغيروا المنكر بالمعروف حتى يصبح العريان يبحث عن المسجد بإذن الله".
المقالة الثانية نشرت في جريدة "الحياة".
http://www.elhayat.net/article31791.html
تحت عنوان: (مشاهد غير أخلاقية أمام مرآى الجميع في شواطئ "السوسيال": عائلات محافظة ترفع طلبها ببناء مركبات سياحية خاصة).
كلا العنوانين ينطبق عليه المثل: "ضربني وبكى وسبقني وشكا". كذلك فإن اسمي الجريدتين لا علاقة له البتة بما تنشران. فلا شروق ولا حياة فيما يكتب فيهما، مجرد نعيق غربان (حاشا الغربان).
هؤلاء المرضى، كان عليهم أن يلزموا بيوتهم لو كانت الحشمة أو أداء الصلاة في وقتها هو مطلبهم. لكنهم مجاهدون في سبيل الله يبحثون عن استفزاز الناس وهو دخلاء على الشواطئ التي هي بدعة في حياتهم ومعتقدهم كما كانوا يقولون للناس سابقا. لكنه العهر الديني الذي يدفعهم إلى التراجع وإعادة التخندق وتبني أفعال كانوا يكفرونها حتى يواصلوا التواجد مع الناس واستغفالهم مرة أخرى. قبل عدة سنوات فقط كانوا يتهموننا نحن الذين نصطحب نساءنا وبناتنا إلى الشواطئ والمسارح والمنتزهات بناقصي رجولة، بل بالدياثة. وها هم اليوم يلتحقون بنا ولكن لكي يؤسلموها فيعكروا علينا صفو آخر الأماكن المريحة بعد أن لوثوا شوارعنا وأحياءنا بلحاهم وجلابيبهم وأصوات مكبرات الصوت الصادرة عن مساجدهم.
الصحافي الذي كتب هذه المقالة السخيفة وصف عائلات الإسلاميين بـ "العائلات المحترمة" وطالب (بتخصيص شواطئ محترمة خاصة بالنساء، هروبا من فوضى الاختلاط). وهو ما يعني أن العائلات الأخرى غير محترمة. وهذا ذكرني بآية فرض الحجاب في عصر نبي الإسلام، حينها صُنِّفت النساء إلى محترمات وغير محترمات. فرض محمد الحجاب على المحترمات حتى "يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْن" (قرآن)، أما الأخريات من نساء (الكفار) والنساء اللاتي سباهن المسلمون فممنوع عليهن التحجب، ولا بأس بانتهاك أعراضهن بل لا بأس بإكراههن على البغاء لأن الله من بعد إكراههن غفور رحيم (قرآن).
الحجاب سواء تعلق الأمر باللباس أم بحجب النساء في شواطئ خاصة هو إذن طريقة مخاتلة لعسكرة الأتباع، لسان حالهم يقول: هنا دولة الإسلام وهناك دولة الكفر. فإذا استجابت الدولة لهم فمعنى هذا أنها تشجع هذا الفرز الشاذ بين ناس محترمين من حقهم الظفر بشواطئ خاصة بهم تمنع أجهزة الأمن أو شرطتهم الإسلامية غيرهم من ارتيادها سواء أتعلقَ الأمر بأسر عادية أم بأوباش، حتى يخضعوا لشروطهم الإسلامية. هؤلاء جميعا في نظر الصحافيين الإسلاميين غير محترمين ولا يرون أنهم كصحافيين معنيون بمصيرهم. لا بأس أن تعاني عائلات (الكفار) من الفوضى والاعتداءات لأن النساء هناك غير جديرات بالاحترام، عريهم هو السبب، تشبههن بالكفار هو السبب. وحبذا لو توقفوا عند هذا الحد. هم لا يهنأ لهم بال حتى يفرضوا نمط حياتهم البائسة على كل الدنيا.
يتحدث هذا (الصحافي) الكذاب وكأن الشواطئ كانت إسلامية ثم (باتت تعرف العديد من المواقف المخدشة للحياء، على غرار اللباس الفاضح من قبل المصطافين، مما بات يجبر هؤلاء العائلات على البحث عن شواطئ لا تزال تفرض على مصطافيها اللباس المحتشم من أجل الدخول إليها).
هكذا اعتبر الوضع السوي بين البشر فوضى والوضع الشاذ المريض سوي يستحق الاحترام. بعد هذا يأتي إلينا بعض الكتاب ويصفوننا بالإقصائيين والاستئصاليين، وينسون أن المواطنة، بما تعنيه من تعايش سلمي بين الجميع مهما اختلفوا، بدعة عندهم. ألم يقولوا بأن المسلم في ماليزيا أقرب إليهم من غير المسلم أو المسلم المختلف الذي يسكن على بعد عدة خطوات منهم؟
الناس عندهم إما إخوة أو أعداء، ولو كانوا جيرانا أو مواطنين يتقاسمون معهم نفس الوطن، نفس الهموم، نفس المشاكل، ولا بأس من الكذب لخداعهم، الحرب في شريعتهم خدعة.
عرفناهم سابقا. هؤلاء ليسوا مجرد مؤمنين أبرياء همهم الوحيد أن يقولوا ربنا الله كما كان يقول كبيرهم الأول في مكة اللبرالية. عرفناهم سابقا كيف بدأوا أسلمة المجتمع عبر طريقتهم الثعبانية في التمسكن، وعندما تقووا وتمكنوا راحوا يزيدون في جرعات التطرف، حتى قالوا إن هذه البلاد لا تتسع إلا لنا نحن الإخوان المسلمين ومن لا يعجبه الحال فليلتحق بفرنسا. تماما مثلما صارت جزيرة العرب لا تتسع لدينين، حسب قول سلفهم.
لهذا فإن التصدي لهم واجب. واجب لا علاقة له بالحق في ممارسة الحريات الدينية. قد يقول قائل: لا بأس، فلنتركهم يقيمون شواطئهم الخاصة بهم ويسبحون فيها على الطريقة الإسلامية ويصلون الصلاة في أوقاتها حتى الثمالة، لكن التاريخ علمنا أن هذه مجرد مرحلة تليها مراحل الإرهاب والغزو والاستيلاء والاستعمار.
فهل نحن شعوب هي من الغباء بحيث يظل التاريخ يعيد نفسه إلى الأبد؟