كمال عبدالحليم شاعر طليعي من قادة حدتو ودوره في تأسيس المرحلة الثالثة للحركة الشيوعية في مصر


أحمد القصير
الحوار المتمدن - العدد: 4641 - 2014 / 11 / 23 - 01:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كمال عبدالحليم شاعر طليعي من قادة حدتو ودوره في تأسيس المرحلة الثالثة للحركة الشيوعية بمصر
د. أحمد القصير

مكانته في مجال الشعر والنضال السياسي:
كان كمال عبدالحليم من أبرز القادة التاريخيين لمنظمة حدتو في مصر. وهو شاعر طليعي، وصاحب ديوان "إصرار" ونشيد "دع سمائي". يقول كبار النقاد "إن شعره يضع حدا فاصلا بين عصرين". ويتم تدريس هذا الشعر بالجامعات المصرية بهذه الصفة. ولا يقتصر الأمر على ثورية شعر كمال عبدالحليم وإنما يتعلق أيضا بما أحدثه في الشعر العربي المعاصر.. هكذا قال النقاد بدءا من محمد مندور.. وعلى سبيل المثال قال الشاعر محمد الفيتوري في المقدمة التي كتبها لأعمال كمال عبدالحليم الشعرية الكاملة الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2008 ما يلي:
"هو الذي أعطى القصيدة العربية المعاصرة جوهرها الحقيقي"... وهو الذي "وضع بذرة الفكر السياسي الواعي في الشعر المعاصر".
كان خليل هو الاسم الحركي لكمال عبدالحليم.. وفي بداية خمسينات القرن العشرين كان عضوا بالمكتب السياسي لمنظمة "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" وتسمى اختصارا "حدتو". وهي منظمة شيوعية وضعت جدول أعمال الحركة الوطنية في أربعينات القرن العشرين وقامت بتنفيذ الكثير من بنوده. كما شاركت في التحضير لثورة 23 يوليو 1952 وفي تنفيذها.
تولي كمال منذ عام 1950 مسؤولية الدعاية والعمل الجماهيري بالمنظمة. وتفرغ معه في هذا النشاط ستة من أعضاء اللجنة المركزية. وقد ازدهرت في تلك الفترة وتشكلت الثقافة الوطنية.
دوره في قيادة حركة ثقافية فنية:
شارك في قيادة حركة ثقافية بالتخطيط والتنفيذ. وكان معه في قيادة تلك الحركة الفنان التشيكيلي حسن فؤاد والأديب والناشر ابراهيم عبدالحليم وعدد آخر من المبدعين . وازدهرت في تلك الفترة وتشكلت الثقافة الوطنية في مواجهة القصر الملكي والاستعمار. وهي ثقافة أسهمت في تشكيل الوجدان العام. وكان لأعضاء مكتب الأدباء والفنانين التابع لحدتو الدور الرئيسي في إحداث النهضة الثقافية التي شهدتها مصر منذ 1950.
وقد تولى كمال عبدالحليم مسؤولية هذا المكتب الذي ضم كبار المبدعين المصريين في مجالات الشعر والقصة والرواية والسينما الروائية والتسجيلية والفن التشكيلي والصحافة. وكان بين هؤلاء أحمد كامل مرسي، جمال السجيني، جمال كامل، حسن فؤاد، حسن التلمساني، صلاح جاهين، صلاح حافظ، زهدي، عبدالرحمن الخميسي، عبدالرحمن الشرقاوي، عبدالسميع، عبدالغني أبوالعينين، عبدالمنعم القصاص، عبدالمنعم سهودي، عبدالقادر التلمساني، كامل التلمساني، محمد صدقي، محمود توفيق، فؤاد حداد، يوسف إدريس وآخرين. وقد أسهم ما أبدعه هؤلاء في تشكيل ثقافة مصر الوطنية الحديثة وفي تكوين الوعي والوجدان العام.
حول مشاركة كمال عبدالحليم في قيادة الحركة الشيوعية:
انضم كمال عبدالحليم أيضا إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الموحد- حدتو الذي تاسس عام 1955 نتيجة الوحدة بين حدتو ومنظمات صغيرة. كما كان عضوا باللجنة الثلاثية الدائمة بحزب 8 يناير 1958 ممثلا فكريا لتيار حدتو. وكانت تلك اللجنة أعلى هيئة قيادية في ذلك الحزب الذي تأسس نتيجة الوحدة بين حدتو وحزبين آخرين. وكان معه في تلك اللجنة الثلاثية أبوسيف يوسف ممثلا لحزب العمال والفلاحين وفؤاد مرسي ممثلا لحزب الراية. وفي 1958 كتب تقريرا حول الأزمة التي مر بها الحزب وأدت إلى انقسامه. وقد وقع معه التقرير الرفيق شهدي عطية وآخرون.
قال في ذلك التقرير إن حدتو تمثل التيار الثوري في الحركة الشيوعية المصرية. كما شدد على إن قادة حزبي العمال والفلاحون والراية يتبنون سياسة ستؤدي إلى تصفية الحزب تنظيميا وسياسيا. وأوضح أنهم يتأرجحون بين التطرف اليساري واليمينية الذيلية، وأنهم يساومون الحكومة للاشتراك في الحكم.
كان كمال ضمن قيادة "الحزب الشيوعي المصري حدتو" الذي واصل في منتصف 1958 النشاط بهذا الاسم تعبيرا عن استمرار التوجه الفكري النضالي لحدتو. وكان ذلك في أعقاب انهيار وحدة حزب 8 يناير 1958. وفي بداية الستينات انتخبه مؤتمر حدتو ضمن قيادة من من ستة أشخاص فقط. وبعد الإفراج عن الشيوعيين في أوائل 1964 أصبح المسؤول السياسي لحدتو بعد أن انتخبه المؤتمر الذي انعقد في شهر سبتمبر من ذلك العام. وفي 14 مارس 1965 ترأس المؤتمر الذي أعلن إسقاط العضوية. وكان هو الذي كتب تقرير مؤتمر سبتمبر 1964 وتقرير مؤتمر مارس 1965. ودعا التقريران إلى تكوين حزب واحد يضم حدتو وحزب عبدالناصر السري الذي كان يسمى "طليعة الاشتراكيين" طبقا لشروط محددة.
شروط حدتو للوحدة مع تنظيم "طليعة الاشتراكيين":
أوضح التقريران المشار إليهما آنفا أن شروط تكوين ذلك الحزب هي:
أولا- أن يتخلى عبدالناصر نهائيا عن سياسة معاداة الشيوعية.
ثانيا- أن يتبنى عبدالناصر الاشتراكية العلمية بمفهومها الماركسي.
ثالثا- أن يتم إلغاء العزل السياسي المفروض على الشيوعيين.
وقد أدان ذلك المؤتمر الذين يدعون إلى حل الحزب، وأعلن أن الشيوعيين أعضاء حدتو يعتزون بتاريخهم ونضالهم ومعتقداتهم ويشكلون تيارا ثوريا. كما كلف المؤتمر كمال عبدالحليم بأن يكتب تقريرا عن المرحلة المقبلة.. وفي نهاية ذلك المؤتمر أعلن كمال من جانبه بوصفه المسؤول السياسي الذي انتخبه المؤتمر "إنهاء الشكل المستقل للتنظيم". ولكنه شارك في نفس اليوم في تأسيس التيار "الثوري" لمواصلة النشاط الشيوعي مع ثلاثة من زملائه كنت واحدا منهم.
كان إعلان إنهاء الشكل المستقل ثم تأسيس التيار الثوري عبارة عن مخرج من أزمة تاريخية. وكان من جانب آخر بمثابة إقرارا بنهاية المرحلة الثانية للحركة الشيوعية المصرية التي بدأت مع بداية أربعينات القرن العشرين.
وكان من أبرز العوامل التي أفضت إلى نهاية تلك المرحلة أن كتلة من الشيوعيين هجروا الحركة الشيوعية وانضموا إلى تنظيم "طليعة الاشتراكيين" الذي أسسه جمال عبدالناصر سرا ودعا الشيوعيين للانضمام إليه. وكان من بين هؤلاء محمود أمين العالم وزكي مراد وفؤاد مرسي على سبيل المثال وليس الحصر. وينبغي التنويه هنا أن جميع قادة حزب العمال والفلاحين وحزب الراية الذين اتهمهم كمال عبدالحليم بالتأرجح بين اليسارية المتطرفة واليمينية الذيلية قد هجروا العمل الشيوعي في عام 1964 دون استثناء. وقد انضم بعضهم لحزب عبدالناصر. ويشير هذا الأمر إلى أن كمال عبدالحليم كان صاحب بصيرة في تقييمه وانتقاده لهؤلاء.
موقف جمال عبدالناصر من شروط حدتو:
تمثل موقف عبدالناصر من شروط حدتو فيما يلي:
أولا- تجاهل عبدالناصر الشرط الأول والثاني لحدتو.
ثانيا: طلب عبدالناصر أن ينضم الشيوعيون بشكل فردي إلى تنظيمه "طليعة الاشتراكيين". وهو ما رفضته حدتو وتمسكت بشروطها. لكن عدد من أعضائها تركها وانضم بشكل فردي إلى تنظيم عبدالناصر.
ثالثا - استجاب عبدالناصر للشرط الثالث الذي وضعته حدتو. وهو الخاص بإلغاء العزل السياسي المفروض على الشيوعيين. فقد أصدر قرارا جمهوريا بإلغاء كافة الأحكام التي صدرت ضد الشيوعيين وكل ما ترتب على تلك الأحكام من آثار. وبذلك سقط العزل السياسي. كما سقطت المراقبة التي كانت تقضي بأن يلتزم كل الذين تمت محاكمتهم وصدرت ضدهم أحكام بالسجن بأن يلتزموا بالبقاء يوميا في مسكنهم وعدم مغادرته خلال فترة الليل، أي طوال الفترة التي تبدأ من غروب الشمس حتى شروقها في اليوم التالي. كما كان من المفترض أن تستمر هذه المراقبة يوميا لعدد من السنوات يماثل عدد السنوات التي قضاها الشخص مسجونا، أي أن المراقبة تستمر خمس سنوات إذا كانت العقوبة التي صدرت ضده بالسجن مدتها خمس سنوات. وقد استفدت شخصيا من هذا القرار.
بداية المرحلة الثالثة للحركة الشيوعية المصرية:
لم ينقطع النضال الشيوعي لحظة واحدة.. ففي نفس يوم 14 مارس 1965 اجتمع كمال عبدالحليم وطاهر البدري ومحمد عباس فهمي وأحمد القصير، أي كاتب هذا المقال وشكلوا "التيار الثوري" وواصلوا النشاط الشيوعي. وكان ذلك بداية المرحلة الثالثة الحركة الشيوعية المصرية. وكانت المرحلة الأولى قد بدأت في العشرينات والثانية في الأربعينات من القرن العشرين. وتعرض كمال عبدالحليم هو وزملاؤه للاضطهاد والاعتقال بدءا من عام 1966 حتى عام 1971 ثم في السنوات اللاحقة 1973، 1975، 1977، 1980، 1981 و 1987. تحمل "التيار الثوري" عبء النضال الشيوعي. وكان فارس النضال الشيوعي خلال النصف الثاني من الستينات إلى أن عاد إلى النشاط في بداية السبعينات عدد من الذين هجروه ومعهم أبناء أجيال جديدة. وقد ازداد عدد العائدين بعد وفاة عبدالناصر. وكانت نسبة من الذين هجروا الحركة الشيوعية وانضموا إلى تنظيمه الطليعي أخذوا بعد عام 1967 يراجعون موقفهم، وفي نهاية الستينات عادوا للمشاركة في تنظيمات المرحلة الثالثة للحركة الشيوعية المصرية.
وقد تناولت هذا الأمر عند حديثي عن عملية تأسيس "التيار الثوري" وما قام به من نشاط في كتابي "حدتو ذاكرة وطن" الصادر في 2009.
القاهرة، نوفمبر 2014 د.أحمد القصير