كامل التلمساني وكتابه سفير أمريكا بالألوان الطبيعية


أحمد القصير
الحوار المتمدن - العدد: 4619 - 2014 / 10 / 30 - 08:51
المحور: الادب والفن     

المخرج والفنان التشكيلي كامل التلمساني وكتابه "سفير أمريكا بالألوان الطبيعية"
مقتطفات من كتاب حدتو ذاكرة وطن تأليف: د.أحمدالقصير

رواد الأفلام الروائية:
من الأمور التي تثير الانتباه اهتمام دار الفكر بالسينما والثقافة السينمائية. وقد حشدت في هذا المجال مجموعة كبيرة من أهم الشخصيات السينمائية في مصر. ونشرت عدة كتب من تأليف وترجمة تلك الشخصيات. وسوف نوضح ذلك بدرجة من التفصيل. ففي مجال نشر الثقافة السينمائية ضمت جبهة السينمائيين التي حشدتها دار الفكر أكثر من مجموعة. وتكونت المجموعة الأولى من ثلاثة مخرجين كبار من رواد الواقعية في مجال السينما كانت لهم علاقة بحدتو سواء بالعضوية أو بالانضمام إلى مكتب الأدباء والفنانين التابع لها. وهؤلاء الثلاثة هم أحمد بدرخان وأحمد كامل مرسي وكامل التلمساني. وكان هؤلاء المخرجون هم الذين شكلوا مع كمال سليم مخرج فيلم العزيمة عام 1939 توجهات الأعمال السينمائية في ستوديو مصر في أربعينات القرن العشرين.

لجنة نشر الثقافة السينمائية:
كما ضمت جبهة السينمائيين التي تجمعت حول دار الفكر مجموعة بازرة أخرى كان لها تأثيرها على كل من الفيلم الروائي المصري والفيلم التسجيلي. ونعني بذلك المجموعة التي شكلت "لجنة نشر الثقافة السينمائية" التي قامت دار الفكر بنشرأعمالها. وقد تكونت تلك اللجنة من صلاح أبوسيف، حسن التلمساني، سعد نديم، صلاح التهامي، وعبدالقادر التلمساني وآخرين. وكان هؤلاء من كوادر حدتو أو بمكتب الأدباء والفنانين التابع لها. وأصبحت أعمالهم السينمائية علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية.
لم تستطع دار الفكر استكمال خطتها الطموحة في مجال نشر الثقافة السينمائية. فقد قطعت عليها الحكومة المصرية الطريق بصدور قرار جمهوري بإغلاقها في أول يناير 1959. وأدى هذا الإغلاق إلى توقف عدة مشروعات من بينها مشروع كتابة "تاريخ السينما المصرية" الذي أعلنت عنه دار الفكر في عام 1956. وكانت اللجنة التي تم تشكيلها لإنجاز هذا العمل تضم المخرجين الكبار أحمد بدرخان، أحمد كامل مرسي، صلاح أبوسيف، كامل التلمساني وعبدالقادر التلمساني.

سفير أمريكا بالألوان الطبيعية:
تميز المخرج والفنان التشكيلي كامل التلمساني بما قام بتأليفه من أعمال في مجال الثقافة السينمائية، وذلك علاوة على إسهامه المميز مع مخرجين آخرين في إرساء دعائم السينما الواقعية. وقد نشرت له "دار الفكر" كتابين. الأول عبارة عن تحليل فني وسياسي لدور الفيلم الأمريكي في الترويج لأمريكا واستخدامه كسلاح فكري يسبق الغزو والسيطرة المباشرة. وكان عنوان هذا الكتاب "سفير أمريكا بالألوان الطبيعية". وقام الفنان حسن فؤاد بتصميم غلاف الكتاب بينما كانت الرسوم الداخلية بريشة الفنان جورج. أما الكتاب الثاني لكامل التلمساني فكان عن شارلي شابلن وعنوانه "عزيزي شارلي". وقام كامل التلمساني بتأليف هذا الكتاب تحية لشارلي شابلن الذي دعا إلى تأييد الشعب المصري في مقاومته للعدوان الثلاثي على مصر. وصدر الكتاب الأول للتلمساني عام 1957 والثاني في 1958. وقد أعادت مكتبة الاسكندرية أخيرا طباعة الكتاب الثاني، أي "عزيزي شارلي". غير أن كتاب "سفير أمريكا بالألوان الطبيعية هو الآخر في حاجة إلى إعادة طبع. فهو يكتسب أهمية غير عادية في وقتنا الراهن. وهو يقع في 146 صفحة من القطع المتوسط. وكانت دار الفكر قد نشرت كتابا أخر في إطار الثقافة السينمائية. وهو كتاب "حورية المصرية - قصة سينمائية" من تأليف عبد القادرالتلمساني. وتضمن الكتاب مقدمة مسهبة بقلم المخرج أحمد كامل مرسي. كما جاءت الرسوم الداخلية بريشة الفنان حسن فؤاد الذي قام بتصميم الغلاف أيضا. وكان هذا الكتاب هو أول عمل تنشره دار الفكر في مجال الثقافة السينمائية. وقد صدر في ديسمبر 1955 حسبما تشير تأشيرة الرقيب وتوقيعه على إحدى نسخ الكتاب بالموافقة على النشر. كما نشرت الدار كتابا آخر عن شارلي شابلن. وهو من تأليف الناقد الفرنسي الشهير جورج سادول وترجمة المخرج عبدالقادر التلمساني. وعلاوة على ذلك نشرت دار الفكر كتبا مترجمة أخرى عن فن السينما مثل كتاب "الفن السينمائي" تأليف بودفكين مخرج فيلم الأم. وهو من ترجمة صلاح التهامي الذي أصبح لاحقا من طليعة المخرجين التسجيليين، وكتاب "السينما والشعب" تأليف جورج سادول وترجمة عبدالقادر التلمساني المخرج التسجيلي الرائد أيضا. كما نشرت دار الفكر سيناريو فيلم "الأم" المأخوذ عن قصة مكسيم جوركي. كما كانت الخطة التي أعلنت عنها دار الفكر في كتبها عامي 1955 و 1956 تتضمن ترجمة كتب أخرى من بينها كتاب "الفيلم في معركة الفكر" تأليف جون هوارد لوسن. وتم الإعلان بأن المترجم هو سعد نديم الذي أصبح فيما بعد رائد المخرجين التسجيليين. لكن صدر قرار جمهوري في يناير 1959 بإغلاق الدار قبل نشر هذا الكتاب الذي تم نشره في 1968 عن طريق هيئة الكتاب تحت عنوان "الفيلم في معركة الأفكار". وكانت الترجمة لأسعد نديم شقيق سعد نديم.
أصدرت "دار الفكر" هذه الأعمال الرائدة خلال سنوات معدودة من خمسينات القرن العشرين. ومما يثير الانتباه أن الشخصيات التي قامت بتأليف تلك الكتب عن الفنون السينمائية أو ترجمتها أو شاركت في لجنة نشر الثقافة السينمائية قد وضعت بصماتها في تاريخ السينما المصرية سواء فيما يتعلق بالأفلام الروائية أو الأفلام التسجيلية. وغني عن القول بأن السينمائيين الأعضاء في حدتو أو في مكتب الأدباء والفنانين التابع لها والذين شكلوا جبهة سينمائية من خلال "دار الفكر" قد أخرجوا عددا ليس قليلا من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية سواء في مجال الأفلام الروائية أو التسجيلية. ففي مجال الأفلام الروائية نجد أن أحمد كامل مرسي هو مخرج فيلم "النائب العام" عام 1941 الذي يعتبر من بين أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. كما يدخل أحمد بدرخان بفيلمه "دنانير" عام 1940 وكامل التلمساني بفيلمه "السوق السوداء" الذي أخرجه عام 1945 ضمن أصحاب أهم مائة فيلم مصري. أما صلاح أبوسيف فقد أخرج عشرة أفلام من بين أهم مائة فيلم مصري في تاريخ السينما المصرية من بينها فيلم "بداية ونهاية" عام 1960، و"شباب امرأة" عام 1965، و"القاهرة 30" في 1966، و"الزوجة الثانية" عام 1967.

رواد إخراج الفيلم التسجيلي:
في مجال الأفلام التسجيلية كانت الريادة لثلاثة مخرجين هم سعد نديم، صلاح التهامي، وعبدالقادر التلمساني. وكان هؤلاء الرواد مع صلاح أبوسيف من مؤسسي لجنة نشر الثقافة السينمائية التي قامت دار الفكر بنشر أعمالها حسبما أشرنا من قبل. وقد تولى سعد نديم ثم صلاح التهامي رئاسة المركزالقومي للأفلام التسجيلية. وهو المركز الذي أسسته وزارة الثقافة عام 1967 وكان يرأسه في البداية الفنان حسن فؤاد وهو من كوادر حدتو. وقد وهب سعد نديم حياته للفيلم التسجيلي. وأخرج حوالي 80 فيلما. أولها فيلم "الخيول العربية". ومن أفلامه "عدوان على العالم العربي"، "الفن المصري العاصر"، "حكاية من النوبة" و "راغب عياد". كما أخرج عدة أفلام عن الأثار الفرعونية. أما أعمال صلاح التهامي الرائد الثاني فقد شملت أفلاما عن سوريا وأخرى عن مصر. ومن بين أفلامه عن مصر فيلم "بنت النيل"، "مذكرات مهندس"، "تحية لمقاتل" و"كهرباء السد". وقد سجل عبدالقادر التلمساني، وهو أحد كوادر حدتو في المجال السينمائي، تطور السينما التسجيلية في مصر في كتابه "السينما التسجيلية في مصر في 75 عاما". وصدرهذا الكتاب عام 1999. ويعتبر عبدالقادر التلمساني الرائد الثالث في مجال إخراج الأفلام التسجيلية. وقد احتفت به مكتبة الاسكندرية أخيرا كأحد رواد هذا الفن. ومن بين أفلامه "رحلة في كتاب وصف مصر"، "المصحف الشريف"، "قاهرة المماليك"، "زخارف قبطية"، "مصر عتيقة"، "دار الفن في القرية" و"فنون الخط العربي". وتجدر الإشارة إلى أن أدباء وفنانين كبارا شاركوا عبدالقادر التلمساني في إعداد بعض أفلامه وتنفيذها. وعلى سبيل المثال فقد قام عبدالقادر التلمساني بكتابة سيناريو فيلم "دار الفن في القرية" وتولى إخراجه بينما كتب صلاح حافظ التعليق وقام بالإلقاء. كما قام حسن التلمسانى بتصويره ووضع سليمان جميل موسيقاه التصويرية. أما سيناريو فيلم "فنون الخط العربي" فقد وضعه الفنان حسن سليمان بينما قام بالتعليق والإلقاء صلاح حافظ، كما وضع سليمان جميل موسيقاه التصويرية. كان لكل تلك الشخصيات السينمائية المتميزة فنيا وفكريا التى أشرنا إليها في هذا الفصل صلة بمنظمة حدتو سواء عن طريق العضوية المباشرة أوعن طريق الارتباط بمكتب الأدباء والفنانين التابع لها. وكانوا يحلمون وينشطون من أجل تغيير الواقع. لقد نشطوا وعملوا في عدة مجالات ترتبط بالسينما ونشر الفكر التقدمي. وعلى سبيل المثال كان عبدالقادر التلمساني يدير شركة "أفلام النور" عام 1957 بينما كان المستشار الثقافي للشركة هو كمال عبد الحليم عضو المكتب السياسي لحدتو والذي كان مسؤولا عن العمل الجماهيري وعن مكتب الأدباء والفنانين بالمنظمة. كما ينبغي التنويه بأن ارتباط السينمائيين بمكتب الأدباء والفنانين التابع لحدتو لم يقتصر على المجموعات التي أشرنا إليها آنفا. وعلى سبيل المثال ارتبط أيضا بهذا المكتب الممثل حسن فايق والممثلة لولا صدقي وتحية كاريوكا. إننا لن نذهب بعيدا إذا قلنا إننا في أشد الحاجة اليوم للأفكار التي حملتها وبشرت بها أعمال السينمائيين التي نشرتها دار الفكر في مواجهة الهيمنة الأمريكية على مصائر شعوبنا العربية. ويكفي أن نشيرهنا إلى بعض أفكار كامل التلمساني التي وضعها في كتاب "سفير أمريكا بالألوان الطبيعية". وهى أفكار ذات دلالة تاريخية وفنية وسياسية.

غزو فكري يسبق الغزو المسلح:
يقول كامل التلمساني في كتابه إن "الفيلم هو أهم ما سخره العقل الأمريكي للدعاية والإعلان. إنه يطوف القارات ويجوب البلدان مخاطبا بلغته المسلية المبهرة عقول الناس وقلوبهم" (ص 18). فإن "أفــلام هوليوود ليست للتسلية. إنها نشرات سياسية، ودعاية مستورة، وإعـلان مقنع لتوجيهـات أمريكا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية" (ص 8). كما أن "معظم أفلام هوليوود تتناول المواضيع كأنها أحلام يقظة"(ص 69). وتجعل "الفرار من الواقع هو الحل" بدلا من مواجهته (ص 68). ويشير كامل التلمساني في كتابه إلى أن شرقنا العربي يحارب الاستعمار لكنه "ما زال ينظر لأفلام هوليود التي تغرق أسواقنا وقلوبنا نظرة محايدة مسالمة ساذجة" (ص 11). كما أن "مصر التي تعيش أيامها المليئة بالحياة المتدفقة في تأميم القناة، وفي صد الغزاة في بورسعيد، وفي موقفها المشرف من المشاريع الأمريكية .. ومن القواعد المسلحة.. ومن الأحلاف الأجنبية.. مصرنا هذه ما زالت تنظر لأفلام هوليود نفس النظرة المحايدة المسالمة الساذجة" (ص 11).
وتلعب الأفلام الأمريكية دورا في خلق نزعة التبعية حسبما يؤكد مؤلف الكتاب. فهى تخلق "في نفسك مركب العظمة بالنسبة لبلادها، ومركب النقص بالنسبة لبلدك.. وبذلك تزيد من استسلامك المطلق لوجهات نظرها نحو الأشياء والمشكلات، وتجعل منك لا مجرد متفرج يتردد على أفلامها ويدفع ثمن تذكرته فقط.. بل مواطنا تابعا لها في بلدك.. طابورا خامسا لأمريكا يسير على أرض الوطن.. وهذه هى المأساة" (ص 37). كما يقول الكتاب إن الفيلم الأمريكي "يغرس في أعماقنا الرضوخ للاستعمار دون أن ندري.. ودون أن يقول هذا صراحة.. وهذه هى الطامة الكبرى" (ص 41). وعلاوة على ذلك فإن كامل التلمساني تنبأ في كتابه هذا الذي ألفه عام 1957 بتطورات الأحداث ودور الفيلم في هذا المجال. فهو يرى أن أمريكا تعمل بكل قوتها لوراثة تركة الاستعمار الأوروبي قائلا بالحرف الواحد في صفحة 35 من كتابه: "وهى تسخر أفلام هوليوود الآن لتغزو بها العالم غزوا فكريا منظما مقدمة للغزو الحربي المسلح".
ما أحوجنا الآن إلى إعادة نشر هذه الأفكار في مواجهة سياسات الاستسلام ونزعة التبعية الرائجة الآن في مصر والعالم العربي. وما أحوجنا إلى إحياء تلك الثقافة التي تمثل ذاكرة وطن.
د.أحمدالقصير