أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي















المزيد.....

البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


"أربع وعشرون ساعة من حياة امرأة" لستيفان زفايغ في ترجمة جديدة
صدرت عن دار "مسكيلياني" للنشر بتونس نوفيلا "أربع وعشرون ساعة من حياة امرأة" للروائي النمساوي ستيفان زفايغ، ترجمة الأسعد بن حسين، مراجعة وتحرير أحمد شاكر بن ضيّة. وهذه ليست نوفيلاه الوحيدة فلقد سبق له أن كتب عدة نوفيلات نذكر منها "لاعب الشطرنج"، "فوضى المشاعر"، "اللعبة الملكية"، وغيرها من النوفيلات التي ظلت عالقة في أذهان القرّاء في مختلف أرجاء العالم. وبما أنّ زفايغ (1881-1942) كاتب متعدد المواهب، فهو قاص، وروائي، وكاتب مسرحي، فقد أصدر العديد من الكتب الأدبية لكننا معنيّون في هذا المقال بالحديث عن نوفيلا "24 ساعة من حياة امرأة" بترجمتها الجديدة، فلقد سبق للأستاذة فاطمة نظامي أن ترجمتها إلى العربية، كما ترجمتها دار "الهلال" المصرية من دون الإشارة إلى اسم المترجم.
على الرغم من تعدد الشخصيات والأحداث والأمكنة إلاّ أن السيدة البريطانية (C) هي الشخصية الرئيسة Protagonist التي ستتبنى عملية السرد، وسوف تأخذ حصة أكبر من الراوي نفسه، ولولاها لما عرفنا قصة الشاب البولوني المُولع بالقِمار والذي يخسر كل ما يملك حتى يضطر لبيع صليبه بعد أن باع حقيبته وثيابه ومطريته.
وبغية الإمساك بالثيمة الرئيسة لهذه النوفيلا لابد من الإشارة إلى أنّ الراوي الذي كان يدافع عن السيدة هنرييت التي هربت مع شاب فرنسي،إرستقراطي، وسيم تاركة زوجها وابنتيها اليافعتين في الريفيرا الفرنسية هو الذي هو الذي أمدَّ النوفيلا بالفكرة المُهيمنة التي صاغها بشكلٍ دقيق حينما قال:"إن 24 ساعة قادرة على تغيّير حياة امرأة كليًّا"(ص 104). ثم تنبجس منها عشر ثيمات فرعية في الأقل تتمثل بـ "الوحدة، والمشاعر المشوّشة، والخطيئة، وخلوّ الحياة من الهدف، والشغف بالقمار، ومراقبة الأكفّ، والخيبة، واليأس، والانتحار، والذكريات الشخصية".
لا شك في أن هروب السيدة هنرييت مع الشاب الفرنسي ينطوي على انتقاد للطبقة الأرستقراطية الفرنسية لكننا في الوقت ذاته يجب أن نركِّز على الجانب النفسي لكل شخصية على انفراد. فالمعروف عن زفايغ ولعه بالجانب النفسي الذي استلهمه من سيجموند فرويد، ودراسته للمشاعر والأحاسيس البشرية التي يمكن أن تتبدل في أي لحظة وتحوّل حياة صاحبها إلى جحيم لا يُطاق.
يبدو أن صوت المؤلف يختفي وراء قناع الراوي الذي كان يدافع بشدة عن هذه اللحظة الإنسانية التي غيّرت قناعة هنرييت وجعلتها تتخلى عن كل شيء باستثناء قلبها الذي استيقظ فجأة وتناغم مع قلب هذا القادم الجديد. ولعل هذه القصة الفضائحية هي التي دفعت السيدة (سي)، المرأة الإنكَليزية المميزة التي تنتمي هي الأخرى إلى الطبقة الإرستقراطية الثرية في إنكَلترا، لأن تبوح للراوي بقصتها التي حدثت في 24 ساعة زمنية لا غير. وبما أنها أنكَليكانية، وليست كاثوليكية، فإنها لا تستطيع أن تتخلص من خطيئتها بالاعتراف، فلا غرابة إن ظلت تنوء بهذا الحِمل الثقيل لمدة خمس وعشرين سنة إلى أن توصلت بأن البوح بهذه القصة هو الطريقة الوحيدة للتنفيس، والتخلص، ولو بشكلٍ جزئي، من عقدة الشعور بالذنب أو الخطيئة التي انزلقت إليها من دون تخطيط مسبق.
تُقدِّم السيدة (سي) نفسها، فنعرف أنها تنحدر من أسرة أسكتلندية ثرية. تزوجت في الثامنة عشرة من شاب ينتمي إلى عائلة مرموقة، خدم في الجيش البريطاني لمدة عشر سنوات، ورُزق منها بطفلين، وحينما بلغت الأربعين عامًا توفي متأثرًا بمرض في الكبد لتجد نفسها ضحية للوحدة، كما شعرت بأن حياتها قد باتت خالية من أي هدف. وبعد مرور سنتين على ترمّلها ذهبت إلى مونتي كارلو وارتادت كازينو القمار الذي اعتادت أن تذهب إليه مع زوجها لتبدأ هناك الساعات الأربع والعشرين التي أرّقت حياتها على مدى ربع قرن.
كان زوجها مولعًا بمراقبة الأكفّ، فالمقامرون يتحكّمون بوجوههم فلا تظهر عليها الانفعالات لكنهم ينسون أكفّهم التي تعبِّر عن نفسها بغريزتها البدائية وتفضح كل ما تضمره الوجوه الصمّاء. تنتبه السيدة (سي) إلى شاب جذاب يبدو مهووسًا بالمقامرة إلى درجة الشغف لكنه، لسوء الحظ، يخسر كل شيء، وينهض مترنّحًا وكأنه ذاهب إلى حتفه بقدميه. أشرنا سلفًا إلى أن زفايغ يغوص في أعماق شخصياته فقد صوّر لنا الشاب الأرستقراطي المقامر وهو في طريقه إلى النهاية المُرتَقبة، كما صوّر في الوقت ذاته السيدة الإنكَليزية التي حدست بأن هذا الشاب مُقدِم على الانتحار لا مُحالة، وأن ثمة شيء ما قد سلبها إرادتها ودفعها للحاق بهذا الرجل الغريب. " لم أكن أنا من أصدر القرار، بل كائن في داخلي أملى عليّ الأمر"(ص46). وعلى الرغم من نواياها الطيبة التي تقتصر على إنقاذه من الموت فقط ولم تتعداها إلى إقامة علاقة عاطفية معه إلاّ أنها وجدت نفسها إلى جوار رجل غريب ينام معها نصف عارٍ في الفراش الواسع في النزل الذي استأجرته ودفعت ثمنه. إن فوضى المشاعر هي ثيمة أخرى تتردد كثيرًا في كتابات زفايغ فمع أن السيدة (سي) قد صُدمت حينما وجدت نفسها في هذا الموقف المُحرِج إلاّ أن مشاعرها الداخلية اختلطت ورأت فيه وجهًا طفوليًا يشعّ بالنقاء والصفاء. ثم تصطحبه إلى الكنيسة ليقطع عهدًا على نفسه بألاّ يُشارك في أي لعبة قمار مهما كان نوعها وألاّيعرض سمعته وشرفه لهذا البلاء ثم تودِّعه في محطة القطار مساء كي يغادر إلى دياره بجنوة. لا تخلو نوفيلات زفايغ من عنصري المفاجأة والإدهاش فهما جزء أساسي من أسلوبه السردي. فحينما تعود السيدة (سي) وتختلط عليها من المشاعر من جديد تشعر بالخيبة وتتمنى لو أن هذا الشاب قد تشبّث بها أو حاول البقاء إلى جانبها في الأقل. ألا يعني هذا الإحساس بأنها كانت تحبه، وأنها كانت مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجله تمامًا كما فعلت السيدة هنرييت حينما تركت زوجها وفلذتي كبدها "آنيت" و "بلانش" لأنها استمعت إلى نداء القلب وشطحات الخيال؟ وتأكيد لما نذهب إليه نقتبس هذه التساؤلات الآتية التي كانت تدور في ذهنها حيث تقول:"لو تشبث بي ذلك الرجل حينها، لو طلب مني اللحاق به، لذهبت إلى أقاصي العالم . . . لو حاول أن يحضنني لكنت في تلك اللحظة ضائعة ومرتبطة به إلى الأبد"(ص87). بعد انقاذه من الموت، وقَسمهِ في الكنيسة، وتوديعة في محطة القطار الذاهب إلى جنوة تفاجأ به وهو يلعب في صالة القمار، وحينما تحاول سحبه يرمي بوجهها النقود التي أخذها قبل قليل بإيصال ويطلب منها المغادرة لأنها تجلب له النحس. ثم تغادر إلى باريس، ومنها إلى لندن لتستقر في منزل ابنها حيث تستحم هناك لتطهر جسدها من رائحة ذلك الرجل المشين الذي سنكتشف لاحقًا أنه مات منتحرًا في مونتي كارلو من دون أن تأسف عليه هذه المرة، فلم يعد هناك أي شاهد ضدها سوى ذكرياتها الخاصة التي تعتبرها بئرًا من المشاعر المختلطة والأحاسيس المتناقضة التي تجمع بين الحُب والكراهية، والجرأة في تنفيذ نداءات الجسد أو الإحجام عنها. فعندما يصل المرء إلى عتبة الشيخوخة يتوقف عنده هاجس الخوف من الماضي، وهذا ما شعرت به المرأة الإنكَليزية بعد البوح بحكايتها المُؤرِقة وكأنها تخلصت من عبء ثقيل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة والحياة: سيرة جريئة كتبها علي الشوك قبل ضمور الذاكرة
- محمد شكري جميل . . عرّاب السينما العراقية بلا مُنازع
- حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك
- رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
- اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
- الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
- تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
- أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر ...
- ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain ...
- السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
- انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
- -بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو ...
- سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
- شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
- إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
- فيلم الكَنّاوي: ساجر النار: أصداء التاريخ وسؤال الحرية المطل ...
- تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو
- قُصاصة ورق . . نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية


المزيد.....




- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي