أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي الصوراني - التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل















المزيد.....


التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 590 - 2003 / 9 / 13 - 03:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


محاضـرات في التنمية والمقاومة
2002


تشرين ثاني 2001 
عنوان اليوم جاء من وحي الانتفاضة … من وحي هذا الصراع المتفجر مع العدو الصهيوني .. وهو صراع لم يتوقف ولن يتوقف بأشكاله المختلفة لا في الحاضر ولا في المستقبل القريب ، إذ أن سمة هذه الانتفاضة الراهنة أنها تحمل في طياتها إرثا هائلا من روح المقاومة تنتشر في صفوف شعبنا الفلسطيني وفي أوساط فقراءه بصورة جلية … هذا الإرث أو المخزون النضالي اختلطت فيه عوامل التناقض التناحري الصدامي مع العدو ، مع عوامل وطموحات التغيير الديمقراطي للواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الفلسطيني الذي تعرض لتشوهات اقتصادية وسياسية واجتماعية ساهمت في إعاقة حركته نحو الترابط المنشود لأهدافنا الوطنية والديمقراطية والتنموية طوال السبع السنوات الماضية .

لقد شقت هذه الانتفاضة طريقا عميقا لا رجعة عنه ، نحو استرداد الأرض ونحو إزالة المستوطنات وحق العودة ونحو الاستقلال وقيام دولتنا الوطنية المستقلة .

ويأتي عنوان ندوتنا اليوم "التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل" انسجاما خلاقا مع ذلك الطريق الذي حفره شهدائنا وجرحانا وكل مناضلينا … طريق التحرر والاستقلال والدولة ، آخذين بعين الاعتبار ضرورة الجمع التكاملي بين التنمية والمقاومة على قاعدة الصمود الداخلي من جهة ، وإعادة صياغة العملية التفاوضية وفق أسس جديدة من جهة أخرى ، بحيث تصبح التنمية – عبر المشاركة الشعبية – شكلا ورافدا من روافد المقاومة  جنبا إلى جنب مع عملية التغيير الديمقراطي المنشود لبناء المجتمع الديمقراطي الفلسطيني الذي يضع نهاية لكافة أشكال الخلل والتشوه والتسيب والفساد في إطار نظام سياسي ديمقراطي تحكمه قواعد التوحد الداخلي الذي لا يلغي عوامل التعدد والاختلاف الديمقراطي .

وعلى قاعدة هذا التعدد الديمقراطي أبدأ مداخلتي عن تجربة التنمية خلال السبع سنوات العجاف الأخيرة ، بالإشارة –وبصورة موضوعية خالصة- إلى أن حصاد هذه السبع سنوات أكد على مصداقية المعارضة الفلسطينية التي رفضت أوسلو وما بعده من اتفاقات، كما رفضت برتوكول باريس ، وهي بالمقابل مصداقية نظرية افتقرت إلى القدرات المادية التنظيمية والجماهيرية في الواقع الفلسطيني حتى اللحظة .

الوضع الاقتصادي الفلسطيني :

سأتناول في البداية الحديث المباشر عن الوضع الاقتصادي ، بما يعنيه من دلالات سياسية واجتماعية ، فكما نعرف جميعا ، فإن اقتصادنا الفلسطيني يفقد بازدياد إمكانية تلبية حاجة الناس من فرص العمل والدخل ، فهو اقتصاد ضعيف وهش ، تزايدت عوامل ضعفه بسبب هذه العلاقة التبعية الواسعة للاقتصاد الإسرائيلي إلى جانب العوامل الداخلية السالبة التي عززت مظاهر الضعف وعمقت روابط التبعية .

وفي محاولة لاستقراء الواقع الفلسطيني خلال السبع سنوات الماضية نلاحظ عدد من المؤشرات :

1. تراجع مستوى المعيشة إلى أكثر من الضعف قياسا بعام 1993، بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وثبات الأجور والتوزيع غير العادل للثروة والدخل .

2.  انخفض الدخل الحقيقي للفرد إلى أكثر من 25% عما كـان عليه عام 1993 حيث وصل إلى حوالي 2000$ هبط في قطـاع غزة إلى 1205$ عام 95 ، و 1232$ عام 96 ، 1262$ عام 97 ، 1315$ لعام 98 ، وكذلك الأمـر في الضفة الفلسطينية ، فقد هبط دخل الفرد السنوي من أكثر من 2000$ عام 93 إلى 1625$ عام 95 ، و 1691$ عـام 96 ، و 1588$ عام 97 ، و 1678$ عام 98 .آخذين بعين الاعتبار أن كل ألف دولار في الضفة و القطاع تعادل من حيث القوة الشرائية 500 دولار في الأردن ، 450 دولار في سوريا ، 700 دولار في مصر .

ويعود السبب المباشر في انخفاض الدخل الحقيقي للفـرد قياسا بعـام 93، إلى انخفاض الناتج القومي الإجمالي الذي بلغ عام 1992 ( 5004 مـليـون دولار) ، هبـط في أعــوام 93/94/95/96/97 إلى 3892/3997/4204/4082/4409  مليـون دولار على التـوالي ، ولم يتجاوز (5474 مليون $) في عام 98/99 رغم ارتفـاع عدد السكان من 2.200 مليـون عام 93/94 إلى 3.300 مليون تقريبا في نهاية عام 2000 ، وهذا يعني أن القوى العاملة الفلسطينية ارتفعت من 420 ألف عامل عام 94 إلى 660 ألف عام 2000 ، مع استمرار تزايد محدودية سوق العمل الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة ، وهو سوق يصب فيه سنويا ما يزيد عن 25 ألف طالب عمل .

وفي ظل هذه الأوضاع ، ارتفعت نسبة الفقراء إلى إجمالي السكان من 20.1% عام 97 إلى أكثر من 25% عام 99 يستهلكون فقط 9% من السلع والخدمات (وفي قطاع غزة 37.3% تحت خط الفقر ) ، أي أن هؤلاء الذين يعيشون دون خط الفقر لا يستطيعون تأمين 1200 شيكل للأسرة المكونة من ستة أفراد .

وفي هذا السياق لا بد لي من التأكيد على أن انتشار ظاهرة الفقر في مجتمعنا لم تكن بسبب السياسات العدوانية الإسرائيلية فحسب ، ولكنها أيضا نتيجة للسياسات الداخلية وتعمق الفساد وكافة مظاهر الخلل الأخرى ، بحيث أن الفقر اليوم لا يقتصر على المعيشة فقط بل أصبح فقرا في المشاركة وفقرا في النظام وسيادة القانون وفقرا في القيم والعلاقات الاجتماعية ، خاصـة مع تزايد استشراء  مظاهر البذخ والإنفاق الجاري الذي يصل إلى 60 ألف دولار يوميا ، إلى جانب الاستيراد المفتوح بلا أية قيود أو ضوابط من السوق الإسرائيلي والذي زاد عن 2 مليار دولار عام 99 أكثر من نصفه كماليات لا معنى لها سوى التعبير الصارخ عن الفجوة في توزيع الدخل والثروات .

إلى جانب ذلك فقد تضررت القطاعات الإنتاجية ، وبشكل خاص الزراعة ، فقط سبق لهذا القطاع أن حقق عام 1988، 1572 مليون دولار في إجمالي الناتج المحلي البالغ 3896 مليون دولار (بنسبة 40%) أما في عام 1995 فقد تدهور القطاع الزراعي إلى 799 مليون دولار (21% من الناتج الإجمالي )، وفي عام 1999 تدهور بصوـرة كبيرة لتصل نسبته إلى الناتج العام حوالي 7% فقط .

 أما بالنسبة للإنفاق الحكومي الذي نعرف أنه ينقسم إلى جزأين : الإنفـاق الاستهلاكي العام ، والإنفاق الاستثماري العام، فقد نما الإنفـاق الاستهلاكي العام خلال الأعوام 94-98 بمقدار يزيد عن 130% . بينما لم يتجاوز الإنفاق الاستثماري 56% فقط .

من ناحية ثانية بلغ حجم الاستثمار الكلي قبل عام 1993 أكثر من ألف مليـون دولار (حسب دراسات عن الجامعات الفلسطينية) انخفض عام 96 إلى 496 مليون دولار، وبالنسبة للاستثمار في قطاع غزة والضفة فقد كانت النتائج على الوجه التالي :
-   بلغ إجمالي قيمة المشاريع المسجلة في قطاع غزة 254 مليون دولار خلال أربع سنوات 95/96/97/98 لم ينفذ منها على أرض الواقع سوى ما قيمته 196 مليون دولار خلال الأربع سنوات المذكورة توزعت كما يلي :
• قطاع الصناعة 70.5 مليون دولار.
• قطاع الإنشاءات 76 مليون دولار.
• قطاع الخدمات 45.8 مليون دولار.
• قطاع الزراعة 4.1 مليون دولار .
-   أما المشاريع الاستثمارية المسجلة في الضفة فقد بلغت قيمتها الإجمالية المسجلة للثلاث سنوات 96-98 (487 مليون دولار) لم ينفذ منها سوى مبلغ 364.4 مليون دولار:
• قطاع الصناعة على 150 مليون دولار.
• قطاعي الخدمات والإنشاءات 214 مليون دولار.
• قطاع الزراعة لا شيء .

وهنا أتساءل فقط : أين هو "صندوق الاستثمار الفلسطيني" الذي تأسس في شباط 2000 .. وما هو دوره ؟ أين هو دور المجلس الأعلى للتنمية الذي تم إقراره في يناير هذا العام ؟!

في تناولنا لموضوع التنمية خلال السبع سنوات الأخيرة ، نتفق جميعا على أن الاقتصاد الفلسطيني ما زال يعاني من حالة الانكشاف المستمر ، بمعنى أن قدرة السلطة على التحكم في المقدرات الاقتصادية محدودة جدا ، -وفق المحددات والاتفاقات والظروف الراهنة- خاصة وأن هذا الانكشاف مرهون استمراره باستمرار السياسات الإسرائيلية عموما وقيود برتوكول باريس الذي يبقي الاقتصاد الفلسطيني ضمن إطار الغلاف الجمركي الإسرائيلي ، أي ضمن إطار السياسة التجارية والمواصفات الإسرائيلية .

و للأسف فإن سقف هذا الاتفاق لا يغطي احتياجاتنا حتى ضمن المرحلة الانتقالية … فما بالنا بالمرحلة النهائية ، الاستقلال والدولة .

حتى بالنسبة لمعدلات النمو الكمي في الاقتصاد الفلسطيني ، فإن هذه المعدلات تظل ضعيفة بالقياس إلى النسبة العالية في معدل النمو السكاني التي تصل إلى 4.5 % في حين أن معدل النمو الاقتصادي لعام 99 بلغ 4,7% فقط ، نحن نحتاج على الأقل إلى نسبة نمو اقتصادي في حدود 6.5 %  وهذا يستدعي تأمين استثمارات بحوالي 1600 مليون دولار سنويا .

إن الحديث عن فوائد أو عوائد هذا النمو الاقتصادي الكمي يتناقض بصورة مباشرة وواضحة مع المؤشرات الاجتماعية الصارخة في الوضع الراهن 99/2000 ، أورد -في هذه الندوة- بعضا من تلك المؤشرات :-

1. نسبة الأسر المرتبطة بشبكة مجاري 38 % فقط .
2. نسبة الأسر المرتبطة بشبكات مياه 85 %
3. استمرار محدودية عدد الأطباء بالنسبة لإجمالي عدد السكان ، حوالي 115 طبيب لكل مائة ألف مواطن ( ربع مثيله في إسرائيل 459 طبيب لكل مائة ألف ، و في مصر 202 طبيب لكل مائة ألف )
4. الأسّرة في المستشفيات 1,1 سرير لكل ألف مواطن .
5. في التعليم : هناك عدد من المؤشرات التي تدل على التراجع نذكر منها :
- زيادة معدل عدد الطلبة لكل مدرس
- ارتفاع نسب التسرب في المرحلة الثانوية ، خاصة الإناث !
- استمرار تفاقم الأزمة المالية للجامعات الفلسطينية ، فقد بلغ العجز المالي نحو 18 مليون دولار عام 98، مع استمرار الافتقار لخطة شاملة لمؤسسـات التعليم العالي التي يعاني بعضها من الفساد و التلوث الإداري .

أما سؤال الندوة عن الأسس التي قام عليها التفكير التنموي ، فلا أبالغ لو قلت – و من منطلق الحرص على تطوير عملية البناء الوطني و المجتمعي في آن واحد و ليس النقد فقط – نحن نفتقد للمقومات الأساسية للتنمية عموما ، و للتنمية البشرية الاجتماعية بشكل خاص سواء من حيث القدرات البشرية لتحسين المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الصحي و التعليمي من جهة ، أو النشاط في القضايا الديمقراطية و الحريات السياسية و النظام العام و سيادة القانون من جهة أخرى .

المسألة الثانية : هناك غياب لمفهوم الدافعية لدى المواطن الذي لا يشعر – بعد سبع سنوات – انه يساهم في عملية البناء من اجل مستقبل أبناءه في سياق مستقبل الوطن و المجتمع .

المسألة الثالثة : التحديات التنموية ما زالت كما هي :
تحـدي الاستخدام أو التشغيل ، تحدي الأمن الغذائي، تحـدي الموارد المحدودة و المياه ، وفي هذا السياق، فإنني لا اعرف حتى اللحظة جهة قامت بدراسة مواردنا ووضع خطة مناسبة لها، و قبل كل شيء تحدي السيطرة العدوانية الإسرائيلية في السياسة و الاقتصاد، إذ أننا رغم هذا الحصار، لم نفكر جديا و عمليا بإيجاد السبل لتشغيل عمالنا في سوق العمل العربي، خصوصـا و أن سوقنا – سوق العمل الفلسطيني – سوق محدود و غير قادر على خلق فرص عمل جديدة، حيث لم يستطع أن يوفر اكثـر من 37 % ( قطاع خاص و عام ) من إجمالي فرص العمل الجديدة خلال النصف الأول من عام 1999 ، فيما وفر سوق العمـل الإسرائيلي و المستعمرات الاستيطانية 63 % من فرص العمل الجديدة .. إلى متى نفسح المجال لتراكم عوامل السلب ؟!

المسألة الرابعة : إن أوضاعنا الراهنة – بكل آلامها و آمالها – تقتضي منا التوقف عن تبرير بعض جوانب أو نتائج الفشل أو الخلل أو التسيب إلى ممارسات العدو الصهيوني وحده ، ونترك جانبا ممارساتنا وأسبابنا الداخلية … وهنا لا بد لنا من أن نتوقف معًا أمام عدد من التساؤلات .

- ما عـلاقة هذا العدو في أن لا تكون لدينا خطة تنموية عبر المشاركة الشعبية و التعددية الاقتصادية و السياسية و الفكرية ؟
- ما علاقة العدو بغياب التخطيط التنموي الفعال الذي يستشعر نتائجه الإيجابية كل الشرائح الاجتماعية و في كافة القطاعات الإنتاجية : الزراعة و الصناعة و الخدمات وغيرها ؟
- ما علاقة العدو في هذا التسيب و الانفلات في الاستهلاك الباذخ للواردات الكمالية ، و في الإنفاق الحكومي الباذخ أيضا ؟
- ما علاقة العدو في عدم وجود خطوط ناقلة للمياه ( خطوط وطنية فلسطينية ) بدلا من مكوروت ، و في عدم إقامة شبكات الكهرباء و شركات توليد الكهرباء الفلسطينية في الضفة و القطاع ( شركة توليد الكهرباء في غزة تغطي 1/3 حاجة القطاع عند تشغيلها) ؟
- ما علاقة العدو في هذه الفجوة الكبيرة بين الأثرياء القلة ( الجدد و القدامى ) و بين الأغلبية الساحقة من شعبنا و تزايد فقرها ؟
- ما علاقة العدو في تغييب آليات الفعل و الممارسة الديمقراطية و تزايد المحسوبيات و بروز أصحاب الثقة على حساب أصحاب الخبرة و الكفاءة … لا شيء يمنع من البدء الفوري للانتخابات في كافة الأطر و المؤسسات و النوادي و المجالس القروية و البلدية و البرلمان و المجلس الوطني ؟! ففي هذه الخطوة وحدها تتجسد أحد المظاهر الأولى للديمقراطية والمشاركة الشعبية، بما يجعل من شعار الترابط والتواصل بين التنمية والمقاومة أمرا ممكنا أو هدفا رئيسا في برنامج التحرر الوطني الديمقراطي الفلسطيني لا يقتصر على هذه اللحظة فقط، بل يمتد بآلياته في الحاضر والمستقبل .

إذ أن الهجمة العدوانية الإسرائيلية الراهنة هي استمرار لطبيعة ودور هذه الدولة العدوانية ، وإن مواجهة هذه العدوانيـة تفرض علينا – فيما يخص الترابط بين التنمية والمقاومة على قاعدة التكامل، أن نقر ونلتزم بأن : هدف التنمية زيادة دخل الفرد وإيجاد فرص العمل وزيادة الدخل القومي وإشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، وذلك عبر الاستخدام الأمثل للمـوارد والإنتاج والإيرادات والاستثمار والرقابة المستندة إلى قاعدة أن الشعب – خاصة الجماهير الفقيرة- هو عماد التنمية وغايتها في آن واحد .

كذلك لا بد من الوعي العملي بمفهوم التنمية باعتبارها مشروعا حضاريا مجتمعيا ووطنيا في آن واحد، يجب أن يصيب مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في مجتمعنا …

ولكي يتحقق ذلك، يجب أن يكون التوجه الأساسي لهذه التنمية نحو الداخل وفي خدمة احتياجات الناس ليس فقط بإشباع حاجاتهم الأساسية من الغذاء والمسكن والصحة والتعليم والثقافة ، وإنما من أجل مشاركتهم السياسية في هذه العملية … فالتنمية ليست قضية اقتصادية وحسب، وإنما هي عملية مركبة متعددة الجوانب والأبعاد، تحتل الجوانب السياسية والاجتماعية فيها مكانة هامة .

وفي هذا السياق : لا بد من التأكيد على الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية ، وأقصد بذلك الشفافية والمسائلة في نظام سياسي يقوم على التعدد والديمقراطية ويلتزم بمكافحة كل مظاهر الفساد والخلل التي أصبحت حديث الناس همسا وعلانية .

إن استراتيجية التنمية المطلوبة – أو التصورات الأولية حسب ورقة الندوة – في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة، يجب أن تستهدف أولا وفي موازاة عملية التغيير، إزالة التشوهات التي تراكمت في السبع سنوات الماضية كشرط أول يمهد الطريق نحو تفعيل وارتباط التنمية بالمقاومة ، وأورد هنا بعضاً من عناصر هذه الاستراتيجية :

أولا    :   أن تتوفر لدينا رؤية وطنية متكاملة لنظام سياسي ديمقراطي يستند في حاضره الراهن إلى مفهوم المجتمع المدني وسيادة القانون كمدخل نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وليس مدخلاً نحو العلاقات الرأسمالية المشوهة وأدواتها البيروقراطية والطفيلية في بلادنا ، فالمجتمع المدني الذي أدعو له ، هو مجتمع المشاركة الشعبية الموجه وفق رؤية فكرية سياسية واضحة المعالم تتبنى قيم العقل والعمل والحداثة والعدالة الاجتماعية، في سياق النظام السياسي الوطني الديمقراطي بارتباطه الوثيق بالحامل القومي العربي من حوله اقتصاديا وسياسيا بعيدا عن قيود اتفاقات أوسلو وبرتوكول باريس، باعتبار ذلك الحامل القومي هو قاعدتنا الراسخة في الصراع المستمر مع الحركة الصهيونية .

ثـانياً :   الالتزام بمبدأ المشاركة الشعبية عبر المؤسسات الوطنية ، والكف عن ممارسة الصيغ الاقتصادية التي لا ينتج عنها سوى تعميق الدور السلبي للتحالف الكومبرادوري – البيروقراطي من جهة ، بما يدفع نحو تشكيل مناخ توليد القوى الطفيلية التي يتنامى دورها في تخريب مشروعنا الوطني لحساب الدمج الاقتصادي مع إسرائيل من جهة أخرى.

ثالثـا :     الترابط بين مفهوم التحرر الوطني والمجتمع الديمقراطي مع مفهوم التنمية والنظام الاقتصادي بما يعزز الدافعية وإنتاجية العمل، ويضيق الفجوة في توزيع الدخل والثروة ويوفر السبل لمواجهة تحديات التشغيل والموارد والمياه والأمن الغذائي … الخ .

رابعـا :   التخطيط التأشيري والمركزي –بصورة نسبية- للقطاع الخاص ودوره ، ومطالبة هذا القطاع بالمساهمة الطوعية التي ليس لها غاية ربحية ، في مجالات البحث العلمي والثقافة الوطنية والرياضة والفنون وإبلاء القطاع العام دوره الإيجابي بما يعني التوجه الجاد نحو حصر الموارد حصرا شاملا ماديا وبشريا ، ليساهم في عملية النمو والتنمية، ويسعى إلى إنشاء المؤسسات التعاونية في القرى والمخيمات والأحياء الفقيرة في المدن .

خامسا :   تطبيق مبدأ التنمية المعتمدة على الذات –قطريا وقوميا- الذي يولد القدرة على التمرد على حالة التبعية والخلاص من الخضوع والسعي لتجدد المجتمع عبر التعبئة الوطنية الشاملة  والعمل المنظم ، والتكافل الاجتماعي – في الأحوال الطارئة والعادية – الموجه نحو رعاية اسر الشهداء والجرحى والعمال وكافة الشرائح الفقيرة والمتضررة في مجتمعنا .

هذه الاستراتيجية لا يمكن تحقيقها بدون الفعل الجماهيري الواعي لمصالحه بصورة واضحة ، وهذا بدوره مرهون بدور القوى الوطنية عموما ، و المعارضة الوطنية الديمقراطية بصورة خاصة ، التي آن لها أن تقوم بدورها كشريك حقيقي فعال وضاغط في القضايا المجتمعية إلى جانب دورها في القضايا الوطنية .. لقد آن للمعارضة أن تبادر إلى تشكيل لجانها المنظمة الداخلية المتخصصة في كل جوانب مجتمعنا الفلسطيني عبر حكومة ظل تتابع وتراقب وتضغط … آن لهذه المعارضة أن تولى الأهمية لصياغة وإصدار برنامجها الاقتصادي الاجتماعي التنموي وترتقي به إلى مستوى برنامجها السياسي وتعميمه في أوساط جماهيرنا الفقيرة التي ستجد فيه شعارها التوحيدي الناظم في هذه المرحلة ، كما ستجد فيه مخرجها نحو التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية …

 



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية ...
- المجتمع الفلسطيني في انتفاضة الأقصى
- العولمـة وطبيعة الأزمات السياسيـة/الاقتصاديـة/الاجتماعيـة في ...
- أزمة حركة التحرر القومي العربي الراهنة وآفاق المستقبل
- المرأة الفلسطينية ودورها في التاريخ الحديث والمعاصر
- ورقة مقدمة للحوار حول : مشروع منتدى الفكر الديمقراطي الإشترا ...
- العولمة وطبيعة الأزمات السياسية الاقتصادية الاجتماعية في الو ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي الصوراني - التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل