أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية وآفاقها بعد أحداث نيويورك















المزيد.....


الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية وآفاقها بعد أحداث نيويورك


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 588 - 2003 / 9 / 11 - 03:21
المحور: القضية الفلسطينية
    


برنـامج دراسـات التنميـة

محاضـرات في التنمية والمقاومة
2002

 
المحور الأول : الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية و المتغيرات المطلوبة.

لقد بات واضحا أن الانتفاضة الحالية –بعد عام على تفجرها- عمقت طبيعة الصراع و التناقض التناحري مع العدو، بمثل ما راكمت أحقاداً غير مسبوقة منذ عام النكبة الأولى 1948 في أوساط شعبنا ضد العدو الإسرائيلي، فبالرغم من مشاعر الإحباط السائدة عشية الانتفاضة، تزايدت درجات التصميم على المواجهة ضد العدو، وارتفعت وتائر التناقض الرئيسي التناحري معه، و تعقدت بالتالي إمكانية تفعيل العملية السلمية وفق معطيات أوسلو وما تلاها من اتفاقات وشروط مذلة ، وقد تجلى هذا الصمود والتصميم سواء عبر هذا الاستعداد الكفاحي العالي، أو عبر العمل النضالي الميداني المشترك بين جميع القوى و الفصائل ضد الاحتلال ومستوطناته في كل المواقع .

و لكن الإشكالية الأولى التي ما زالت ماثلة هي أننا فشلنا في التوصل إلى برنامج مشترك و أهداف محددة للانتفاضة، و السلطة تتحمل مسؤولية أولى في هذا الجانب ، و لذلك سادت العفوية و عدم الانضباط في أوساط الجماهير ، في مقابل مركزية السلطة ودورها، و بالتالي ظل مسار الانتفاضة متعرجاً بين عفوية الجماهير و ضوابط السلطة من جهة و دور الفصائل و القوى من جهة أخرى .

الإشكالية الثانية غياب الاستراتيجية الواضحة المحددة الأهداف ، وذلك بالرغم من أن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المليء بمحطات الفشل يوضح بصورة لا لبس فيها ، أنه لا يمكن خوض النضال الوطني مع العدو الإسرائيلي من أجل تحقيق أهدافنا في الحرية و الاستقلال و حق العودة ، (و هو نضال لن يتوقف في المستقبل القريب) بدون أن نمتلك استراتيجية محددة تأخذ بعين الاعتبار الأهداف المشتركة ومساحات التقاطع بين القوى وتبتعد عن الهيمنة والتفرد الشمولي الذي يتجاهل ويقفز عن دور هذا الفصيل أو الحزب أو ذاك لان هذه الظاهرة من التفرد وتجاهل إشراك القوى الأخرى ، هي أحد أهم أسباب الفشل في صياغة استراتيجية مشتركة رغم الحديث المتكرر والشكلي عن الوحدة الوطنية وضروراتها ، وهي أيضا ظاهرة تعبر عن المظهر الشكلي الباهت للديمقراطية عندنا ، والشواهد على ذلك كثيرة ، آخرها ملاحقة جميل مجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وعضو المجلس المركزي للمنظمة ، واعتقال د.رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ، وغيابهما من المشاركة معنا في هذه الندوة التي خَصصت في برنامجها مداخلة لكل منهما ، وبالطبع فإن غيابهما يشكل أحد مظاهر محاولات التجاهل والقفز والتفرد في ظروف تفرض علينا ممارسة نقيض هذه المفاهيم والسلوكيات الضارة…  على أي حال أعود الى موضوع المحور الأول لأقول أن قطاعات واسعة من جماهيرنا –العفوية و المنظمة – لا تعرف ماهية و طبيعة أهداف الانتفاضة ، هل هي من أجل الاستقلال و الدولة و حق العودة ، و رفض الشروط الإسرائيلية أو شروط الاستسلام أم هي أداة أو جسر لعملية تفاوض جديدة بلا طائل؟ ، أو في أحسن الأحوال –كما يبدو- قد تؤدي بنا الى دولة مسخ في غزة وجزء من الضفة وفي إطار الحكم الذاتي أيضا .

هذه الانتفاضة أو المواجهة التي بدأت تتخذ طابعا عسكريا طاغيا على العمل الجماهيري ، و هذا الزخم الهائل من التضحيات و الصمود في ظل تواصل و تراكم الأحقاد آن له أن يستند إلى استراتيجية واضحة للجميع عبر دور محدد ومشارك لكل القوى ، تقوم على  رؤية منظمة ببرنامج سياسي وطني ومجتمعي في آن واحد ، إذ لا بديل عن ذلك سوى المزيد من الانهيار، إذ لا يعقل أن يستمر تطور و تراكم هذا التنافر و الخلاف الداخلي بين استراتيجيات متعددة ومتباعدة بين جميع القوى والفصائل وعدم توحدها فيما تتقاطع أو تتفق عليه على قاعدة التناقض الأساسي التناحري الراهن مع هذا العدو ، بحيث يصبح الهدف السياسي الفلسطيني في طرد الاحتلال و إزالة الاستيطان و التحرر و الاستقلال و حق العودة ، هدفاً سياسياً للانتفاضة يتم تعبئة جماهيرنا تحت مظلته عبر قيادة جماعية مشتركة ، وبحيث يصبح الالتزام برفض التوقيع على أي حل دون هذه الحقوق مسألة مركزية في هذه الاستراتيجية … وبحيث يصبح الالتزام بعملية إعادة البناء الداخلي الديمقراطي الممأسس ، قضية مركزية في موازاة النضال بكل أشكاله المسلحة والجماهيرية- ضد الاحتلال .

هذه هي ملامح الرؤية أو ركائز الاستراتيجية المطلوبة في اللحظة الراهنة ، فبدون هذه الركائز و هذه الاستراتيجية الوطنية القائمة على المشاركة السياسية الجماعية بصورة ديمقراطية  ، لا أعتقد أننا سنستطيع حسم هذه المعركة –غير المتوازنة –مع هذا العدو الفاشي العنصري ، وهي معركة تحتاج الى الكثير من عوامل ومقومات الصمود والمقاومة ، بما يفرض اجتثاث عناصر ورموز الخلل والفساد والهبوط والتراجع الاقتصادي والاجتماعي من ناحية ، ووقف مظاهر الاستبداد والقمع وتغييب سيادة القانون من ناحية ثانية .

و في هذا السياق فإن عملية إعادة البناء الذاتي الفلسطيني ، على الصعيد السياسي الوطني التحرري ، و على الصعيد الداخلي، وحدها الكفيلة بتحقيق عوامل النصر في هذا المسار النضالي الطويل.

صحيح أن المتغيرات الدولية –بعد 11/9- بدأت تأخذ بالاعتبار ، ووفق المصالح الإمبريالية والصهيونية ، حل المسألة الفلسطينية (كواحدة من أسباب التفجر على الصعيد العربي و الإقليمي و الدولي ) ، وهي خطوة لا أعتقد بصدقها أو جديتها، إذ أنها ليست سوى ملامسة شكلية للمسألة الفلسطينية في خدمة مخطط العولمة الأمريكية المتوحشة ، الساعية الى إحكام سيطرتها العسكرية والأمنية على مقدرات العالم تأمينا لسيطرتها الاقتصادية والاستراتيجية .

ولذلك فإن العمل على بلورة وتوفير استراتيجيتنا الوطنية –ضمن الحد الأدنى – وحده الذي يُؤمِّن لنا القدرة على التعامل مع المتغيرات الدولية بصورة مؤثرة وإيجابية على قاعدة حقوقنا الوطنية التي أقرتها الأمم المتحدة ، وهنا تكمن أهمية الإسراع في بلورة هذه الاستراتيجية لتأمين عوامل الصمود التي يجب أن تستند الى رفض منطق العودة إلى التفاوض دون الاتفاق بين جميع القوى على وضوح الهدف أولا ، ووضوح الآليات والوسائل ووضوح الأدوار ثانيا ، وتحقيقا لهذه الغاية لا بد من تفعيل عوامل الوحدة الجدلية و العضوية بين الانتفاضة و برنامجها و استراتيجيتها الواضحة من جهة ، كإطار تتقاطع فيه جميع القوى بهذا القدر أو ذاك،  يقوم على قاعدة ثوابتنا و أهدافنا الوطنية و ليس على قاعدة القبول ب"عملية السلام" وفقا للشروط الإسرائيلية / الأمريكية و العربية الرسمية، فلقد أصبح من الواضح والمؤكد أن التسوية غير العادلة لن تؤدي بنا إلا نحو المزيد من الصراع ، الذي قد يتخذ طابعاً داخلياً غير ديمقراطي لا ولن يستفيد منه سوى العدو الصهيوني  .

مستقبلنا إذن يكمن في رفض التسويات الضارة بمصالح شعبنا ، مستقبلنا مرهون باستمرار الصمود و النضال المدرك و الواعي لكل المتغيرات الإقليمية و الدولية ، فالصراع –بدون أوهام- ما زال في بدايته، في منطقتنا العربية بالذات ، وهو يتخذ بعدا وجوديا مع العدو الصهيوني بمثل ما يتخذ بعدا اقتصاديا وسياسيا ضد المصالح الإمبريالية المعولمة الراهنة ، وبالتالي ليس أمامنا سوى أن نكون في الموقع النقيض للإمبريالية والصهيونية معا ، الموقع المستند الى تطلعات شعوبنا وشوقها نحو التحرر والديمقراطية والعدالة والوحدة .

أما بالنسبة لنا كفلسطينيين في هذه الخارطة العالمية والإقليمية المضطربة في هذا الكوكب ، فلا بد من المصارحة والاستناد على القواعد المنطقية والمفاهيم الواضحة المباشرة التي تقول بكل تبسيط بأن القيادة الجيدة هي التي تجنب شعبها الكوارث … لكن ما يجري عندنا قد يدفع بنا نحو الكوارث … و ما يجري الآن دليل على هذه النتائج المرة .. نحن نكاد نتجه إلى حالة كارثية… فما هو المخرج ؟ …ان الجواب الذي يطرحه الجميع –كل القوى السياسية ما عدا السلطة حتى اللحظة- يتحدد في الإسراع بتشكيل قيادة طوارئ جماعية لضبط الأوضاع الداخلية ، ووضع السياسات المطلوبة في المرحلة الراهنة … و الاتفاق على أهداف محددة للمرحلة القادمة .. و هنا لا بد من أن أتناول موضوع الوحدة الوطنية التي نتحدث كثيراً عنها ، هذا الشعار ليس شعاراً مصطنعاً يبتكره هذا السياسي أو ذاك ، بل إن الوحدة الوطنية هي القواسم المشتركة التي تعبر عن مواقف و رؤى الشرائح و الفئات الاجتماعية المتباينة عند هذا الفصيل أو الحزب أو ذاك ، وهو أمر يجب أن يؤخذ بالاعتبار عند الحديث عن الوحدة الوطنية كمطلب ضروري وهام في ظروفنا الحالية . ومن ناحية ثانية ضبط الأوضاع الداخلية وتنظيمها وحسن إدارتها يحتاج إلى أداة تنفيذية تحظى بالاحترام و القبول ، ولكن الإشكالية الكبرى أن الأداة التنفيذية الراهنة غير واضحة في برنامجها وأداءها ، و فاقدة للحد الأدنى من الاحترام و المصداقية و بالتالي فليس من المبالغة القول أن وضع السلطة الراهن و أجهزتها و تفريعاتها غير قادرة على القيام بدور الأداة التنفيذية المطلوبة .. بعد أن فقدت مصداقيتها أو كادت . معنى ذلك – فيما لو استمر هذا الحال- أن لا مخرج أمامنا سوى المزيد من الخراب و الانهيارات و الكوارث السياسية و المجتمعية … وهذا يعني مزيدا من تغييب شعار الوحدة الوطنية .

لقد أصبحت حالتنا تشبه حالة القطيع عبر ما يسود اليوم من مظاهر الامتثال و الطاعة العمياء بالمعنى الاكراهي، وفي هذه الحالة فان القاعدة التي ستنتج عن هذا الوضع ستكون اقرب الى التمرد و ليس التوافق أو الامتثال الواعي للنظام العام الذي يوفر إمـكانية التعددية والنقد ومقاومة وتصحيح الأخطاء وسؤالي في هذه النـدوة ... هل الطريق إلى الكارثة أصبح أمراً محققاً ؟، خاصة و أن هناك أوضاعا حينما تتعرض للخراب أو التلف، يصعب إصلاحها .. و الجواب لا حتى اللحظة رغم كل ما سبق من تراكمات … فإنني لازلت واثقاً من ضرورة وإمكانية التوصل الى وثيقة استراتيجية تعبر عن الحد الأدنى المطلوب ان نتوافق عليه ونلتزم به ونتواصل به مع شعبنا في مواجهة العدو الصهيوني ، وفي مواجهة الوضع الداخلي المتردي شبـه المنهار، لكي نعيد ترتيبه ومأسسته وفق قواعد المشاركة والديمقراطية .

بالطبع .. نحن ندرك مسؤولية السلطة في إعاقة التوصل الى هذه الاستراتيجية … والتجارب والأمثلة كثيرة .. ولكن هذه الخطوة تظل دوما هي أحد مسؤوليات بل وأولويات قوى المعارضة التي يجب ان تشكل قوةً منظمة طليعية بإطارها الجماهيري الواسع لكي تمارس الضغط السياسـي الديمقراطي على السلط1ة لتحقيق هذا الحد الأدنى وخاصة الحفاظ على م.ت.ف كهويـة وإطار فلسطيني جامع في الشتات الفلسطيني بصورة أساسية في هذه المرحلة ... ان المطالبة بهذا التوجه وتفعيل العمل المنظم والعمل الجماهيري مسألة ملحة للوصول إلى وثيقة الحد الأدنى ، خاصة وان النظام العربي الراهن -في معظمه- يرغب في الخلاص من الفلسطينيين و مشروعهم الوطني، و لذلك فإن هذا النظام يسعى –و لا يمانع – أن نقوم بعملية استسلام للشروط الإسرائيلية الأمريكية .

المخرج … أن يتوقف مسار القطيعة بين السلطة و القوى المعارضة على قاعدة أن الظروف الراهنة تخلق أرضية تقاطع مشترك ضـد الاحتلال … المخاوف أن تصبح السلطة في واد … و الحركة الوطنية والجماهير الشعبية في واد آخر و هذا أمر لا يحتمل .

المحور الثاني : العلاقات الدولية الراهنة و آفاقها .

كلنا نعرف – بهذا القدر أو ذاك- مدى وطبيعة المتغيرات الدولية في ظل نظام العولمة الأحادي الأمريكي الراهن، اختصرها فيما يلي عبر خمسة بنود أساسية ، آخذين في الاعتبار ظاهرة تحول هذه العولمة نحو المزيد من التوحش بعد أحداث 11/9 في نيويورك وواشنطن ، مما سيجعل الهوة اكثر اتساعا وعمقا وتناقضا بين بلدان الجنوب في هذا الكوكب ( 85%) من سكان العالم في مقابل 15% في بلدان الغرب الرأسمالي ، بحيث ستصبح شروط العولمة اكثر قسوة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أية مواربة أو اعتبار لأية قضية عادلة للشعوب الفقيرة التي لا تملك اليوم أي خيار سوى خيار المواجهة أو الاستسلام والموت .
 
ان أهم المتغيرات في العلاقات الدولية المعولمة تتلخص في :

1. تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشر و غير المباشر للولايات المتحدة .
2. تحولت أقاليم عديدة في هذا الكوكب إلى مسارح استراتيجية مضطربة ، بدأت أو أنها في انتظار دورها على البرنامج، و هي مسارح لأزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات و في جميع القارات (خاصة في الجنوب) ، وبالنسبة لأفغانستان فهي ليست في تقديري سوى مسرح يشكل مدخلا نحو مسارح أخرى قادمة في تلك المنطقة (الصين والهند وروسيا والدول المحيطة بأفغانستان بالإضافة الى منطقة بحر قزوين وما يحتويه من احتياطات نفطية هائلة)
3. تطور دور منظمة حلف شمال الأطلنطي ، بحيث أصبحت أكثر فاعلية من منظمة الأمم المتحدة التي يبدو أنها في طريقها نحو الاضمحلال باعتبارها من مخلفات الحرب العالمية الثانية ويالطا والحرب الباردة .
4. فقدت كافة المنظمات الإقليمية ، بوصلتها و دورها ، نورد على سبيل المثال .. دول عدم الانحياز ، منظمة الدول الإفريقية ، الجامعة العربية ، منظمة الدول الإسلامية و غيرها ، مع نشوء تكتلات إقليمية أخرى في سياق العولمة ، النافتا و الآسيان ، و شنغهاي ..الخ .
5. يبدو-وهذا هو الأهم بالنسبة لنا- أنه تم إسقاط المنطقة العربية و دورها ككتلة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، و تجريدها من أي دور سوى الخضوع السياسي و تكريس التبعية للمخططات و السياسات الأمريكية و توجهاتها في المنطقة العربية ، و أهمها :

 استمرار عملية التسوية و التطبيع بين إسرائيل و الدول العربية وفق الشروط الإسرائيلية الأمريكية الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بعد ثوابته و أركانه و مقوماته التاريخية و الشرعية .
 استمرار الهيمنة و السيطرة المباشرة على الخليج و الجزيرة العربية ، كمنطقة نفوذ أمريكية بصورة شاملة و كلية،  إلى جانب استمرار الحصار على العراق بهدف إخضاعه أو تعريضه للتفتت ، وكذلك الأمر في الجزائر والسودان وغيرها
 الوقوف في وجه أي إمكانية لأي شكل من التحالفات أو التكتلات العربية ، الاقتصادية والسياسية ، إذا حملت في طياتها حدا أدنى من التعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكي
 فرض السياسات الاقتصادية وفق مقتضيات الخصخصة وأيديولوجية الليبرالية الجديدة وفق شروط منظمة  التجارة الدولية والصندوق والبنك الدوليين
 دعم التحالف الإسرائيلي – التركي كركيزة إمبريالية صغرى متقدمة في المنطقة العربية والإقليمية .

ورغم كل ما تقدم، فإن القرن الواحد والعشرين لن يكون " قرنا رأسماليا صافيا أو أحاديا أمريكيا " خاصة إذا تأملنا ما يحدث اليوم في أوروبا والصين واليابان وروسيا ، وتطلعات هذه الدول خلال السنوات القادمة بما يشير إلى أن سيطرة العولمة هي سيطرة غير مستقرة وسيطرة اكراهية ، وبما يؤكد إن الحديث عن "نهاية التاريخ" ليس سوى وهما وتضليلا يحاول أصحابه فرضه على شعوب العالم الفقيرة بالذات .

المسألة الثانية التي لا يجب نسيانها في غمرة هذه المتغيرات ( مع أهمية التفكير في القوى التي نظمت أحداث 11/9) ونتائجها ودلالاتها بالنسبة لما صدر عن الولايات المتحدة حول قيام الدولة الفلسطينية ... هنا أود الإشارة الى بعض المعطيات :

1. إننا كعرب ، وفلسطينيين بالذات ، لدينا تراث من الوعود التي قطعها الغرب الاستعماري ، ثم الولايات المتحدة فيما بعد ، على نفسه دون أي التزام بها ، انه تراث إخلاف الوعود للعالم العربي ، وهو تراث لا يمكن سلخه عن التاريخ الماضي الذي اقترفت فيه أمريكا وإسرائيل جرائم عديدة في حق الشعوب المقهورة ، وفي المقدمة منها شعوبنا.

2. من ناحية أخرى : وعد بوش بأنه سيعتبر الدولة الفلسطينية جزءا من الرؤية السياسية الأمريكية ، جاء تحت ضغط الحاجة الأمريكية الملحة –والطارئة- لاكتساب تأييد أو على الأقل تحييد المشاعر العربية تجاه الحملة الدولية ضد ما يسمى بالإرهاب .

3. الأهم من كل ذلك هو تحليلنا وتقييمنا للبنية الأمريكية الإمبريالية الراهنة ، والتناقض الحاد مع مصالح شعوبنا العربية وتطلعاتها انسجاما مع موقف الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه إسرائيل كركيزة إمبريالية ودولة وظيفية في منطقتنا .

4. بالطبع-ورغم كل ذلك- لا أنكر إمكانيات التوافق العربي الرسمي مع الولايات المتحدة ، وهو أمر طبيعي في ظل ترسيخ تبعية النظام العربي للغرب ورغبته –أي النظام العربي- في الخلاص من المسألة الفلسطينية ومؤثراتها عليه .

5. وبالتالي فإننا (كفلسطينيين وكذلك شعوبنا العربية) ندفع الثمن –لهذه اللعبة الدولية الجديدة وهي لعبة تقوم على ثلاث ركائز : الإرهاب-الحرب-صراع الثقافات القائم في مناخ الكراهية بين ثقافة الغرب الرأسمالي المعبرة عن مصالحه الاقتصادية ، وثقافة بلدان الأطراف المتخلفة والتابعة ، وهو مناخ موجود بالمعنى الموضوعي ولكنه تفجر واتسع مع أحداث 11/9 ... وبالتالي فان ما أود ان اصل إليه هو ان ثقافة الكراهية هي أحد مكونات الثقافة الرأسمالية في علاقتها بالشعوب الفقيرة والمضطهدة ، وهذه الثقافة هي التي تنتج وتغذي –بصورة أساسية- ظاهرة الإرهاب بكل مستوياتها وأشكالها ، فالتاريخ الرأسمالي هو ببساطة تاريخ مليء بأمثلة التآمر والإرهاب ضد الشعوب ، واليوم في ظل عولمة الرأسمالية ، وفي ظل توحشها وانفلاتها بعد أحداث 11/9 اصبح الإرهاب الرأسمالي المعولم هو العنوان الأول للإرهاب العالمي بعد ان فقد إمكانية التعامل مع رموز التخلف الاجتماعي والديني التي ساهم في توليدها في مرحلة سابقة .

6. والمطلوب إذاً، في مواجهة ثقافة الكراهية ، أو ثقافة الإرهاب ، ان نقوم بتنمية وتطوير وتصعيد ثقافة المقاومة –في بلادنا- المستندة إلى الأيديولوجيا النقيضة لأيديولوجيا الرأسمالية ، فالصراع في هذا العالم سيظل صراعا أيديولوجيا ، على قاعدة المصالح المادية المشتركة للشعوب الفقيرة ضد المصالح المادية للغرب الرأسمالي ، وفي هذا السياق فان الحديث عن ثقافة المقاومة في بلادنا هو حديث عن إطار نظري ناظم لعملية النضال المشروع من اجل تحقيق أهدافنا وحقوقنا العادلة ، وهو إطار يتضمن بصورة موحدة ومترابطة ، الهدفين السياسي التحرري والمطلبي المجتمعي معا ، إلى جانب العنف النضالي ضد الاحتلال ، وهما بعدين لابد من تلازمهما معا ، لكي لا تصبح ثقافة المقاومة إطارا أحادى البعد ، لان فقدان التلازم بين الهدفين (الوطني والديمقراطي) قد يدفع بثقافة المقاومة نحو الخضوع لمعطيات وشروط العدو الإسرائيلي/الأمريكي ، كمدخل يوفر الفرص أو يفتح الطريق نحو استكمال تكريس السيطرة الأمريكية / الصهيونية على منطقتنا العربيـة عبر النافذة الفلسطينية .
 



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الفلسطيني في انتفاضة الأقصى
- العولمـة وطبيعة الأزمات السياسيـة/الاقتصاديـة/الاجتماعيـة في ...
- أزمة حركة التحرر القومي العربي الراهنة وآفاق المستقبل
- المرأة الفلسطينية ودورها في التاريخ الحديث والمعاصر
- ورقة مقدمة للحوار حول : مشروع منتدى الفكر الديمقراطي الإشترا ...
- العولمة وطبيعة الأزمات السياسية الاقتصادية الاجتماعية في الو ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية وآفاقها بعد أحداث نيويورك