أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد صبيح - قتلة الحلم















المزيد.....

قتلة الحلم


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 1916 - 2007 / 5 / 15 - 13:00
المحور: المجتمع المدني
    



مهرجان القتل اليومي في العراق صار أمرا مألوفا للحد الذي تحول فيه ضحاياه إلى أرقام محضة واضمحل كيانهم الإنساني ولم يعد موتهم المجاني يشكل، بفعل السهولة والتكرار، حادثا خارقا كما هو مفترض بالقتل والموت.

لكن حادث قتل الشابة اليافعة (دعاء)، وهو حادث عرفت تفاصيله بشكل واسع، شكل كسرا لهذه الإلفة المتعبة للقتل الجماعي اذ جعلنا، كرذاذ ماء بارد، نفز مذعورين مضطربين نتلفت حولنا بقلق وخوف لنتساءل بمرارة:

أيعقل أن يكون لدينا وحولنا كل هذا الكم من التخلف والقسوة والهمجية؟ وقبل هذا أيعقل أن تكون ضمائرنا متبلدة للحد الذي منع بعضنا من أن يرفع صوته احتجاجا.

ليس ماجعل الجريمة تبعث قدرا كبيرا من الكآبة طبيعتها وملابسات وقوعها فقط وإنما نوع ردود الفعل والتبريرات التي سيقت في شانها مما جعل الجريمة تكتمل ويتعدد فاعلوها.

جريمة قتل الشابة دعاء في بعشيقة في يوم السابع من نيسان( يا للشؤم، ذكرى البعث الفاشي!!) كانت جريمة نوعية لم يتكرر شكل وقوعها من قبل؛ فقد اعتدنا على أن يقتل إرهابي مكبوت ومهووس بأوهام الجنة المستحيلة عدد من الناس لا يعرفهم ويكفرهم بطريقة غامضة؛ أو أن يقتل عشائري متخلف واحدة من ذويه من النساء ثارا لشرفه الذي لا يعرف عن كنهه شيئا ويختزله ببلادة في جسد المرأة. لكن أن يشترك عدد كبير، ربما كل أهالي قرية، في قتل شابة يافعة وبهذه الطريقة الهمجية والسادية وبدواعي لا تنتمي لعصر بشري فهو أمر لا يحتمل ويستدعي الوقوف عنده.

قيل الكثير عن هذه الواقعة – الجريمة وسجلت مواقف جيدة وناضجة كردود فعل على الجريمة. لكن موقف الحكومة في إقليم كردستان لم يكتف بالتواطؤ ( كانت الشرطة، اداة الحكومة في تنفيذ القانون وحمايته، حاضرة) وإنما بلغت حد المشاركة في الجريمة بتسليمها الفتاة، بعدما كانت بحمايتها، إلى أمراء الطائفة وهي تدرك( الحكومة) إن مصيرها سيكون القتل. وفي سياق المناقشات التي دارت ضمن موجة الاحتجاجات على الحادثة من قبل المواطنين برر احد المسؤولين، بعدما خرجت القضية إلى العلن، إن السلطات سلمت الفتاة إلى ذويها لأنها لا تريد الدخول في إشكالات مع أمراء الطائفة الايزيدية التي، كما يبدو، أن حكومة الإقليم ولحسابات حزبية واجتماعية ضيقة، تحابيهم بذات القدر الذي لا تحترمهم به.

لكن ليس في الأمر غرابة فقد تصرف هذا المسؤول بما يتسق تماما وعقلية حكومة الإقليم وهي عقلية شيخ العشيرة الذي يقدم قانون العشيرة وأعرافها على ما يمليه عليه موقعه ودوره الافتراضي كمسؤول في حكومة تدعي وتتنطع ليل نهار بأنها بصدد بناء تجربة ديمقراطية فريدة.

وبالتأكيد إن ركوب مسؤولي الحكومة المتأخر لموجة الاحتجاجات على الجريمة التي انتشرت بين الرأي العام الكردي ماهو إلا تملق للجمهور الغاضب ومداراة للحرج الذي وقعت فيه. بيد أن ذلك لم ينطل على الفئة الواعية من الشعب الكردي التي فضح بعض كتابها ومثقفوها هذه الادعاءات. لكن إلى جانب هذه المواقف المميزة لبعض المثقفين الأكراد هناك للأسف مواقف اتسمت بالحماقة في ابسط توصيف لها. فقد كتب احد الأدعياء( باللغة الكردية) ما افترضه مقالا عبر فيه عن رأي أكاد اجزم أن الكثير من القوميين الهستيريين يشتركون معه به ومفاده إن الجريمة كانت بشعة لكن الابشع هو فعل الفتاة ذاته فكيف، برأيه، تترك دعاء الشباب الكرد( الوسماء) وتحب عربيا( اسودا وقذرا)( كذا) حسب توصيفه.

ردة فعل أخرى لاتقل شذوذا وانحطاطا عن سابقتها تلك التي أعلنتها مجموعة إسلامية متطرفة في بيان لها باللغة الكردية جرمت فيه أبناء الديانة الايزيدية وأعلنت حكمها يهدر دمهم بقطع رؤوسهم جميعا بحجة الحمية على (أختهم) التي اعتنقت الإسلام مع إن أي ساذج سيدرك بدون تعقيدات زائدة إن فتاة حالمة في السابعة عشر من عمرها، تكون غالبا مملوءة بالمشاعر الرومانسية وبحكم السن والتكوين فهي لاتفقه شيئا من الإسلام ولم تعتنقه إلا لأنه طريقا إجباريا لوصالها مع من تحب. لم يدرك أي من هؤلاء الهستيريين إن حجم الحلم الإنساني اكبر بكثير من عقولهم المتحجرة وإن أحلام الصبا مليئة بحب الحياة وليس الأوهام الدينية والقومية المتجهمة والثقيلة.

هل اشترك هؤلاء بالجريمة؟

أقولها بلا تردد. نعم!

ولكن هل تنتهي قائمة المشاركين بصنع الجريمة بهؤلاء فقط؟

بالتأكيد لا فهناك فئة أخرى تتلبس أثواب البراءة لكنها تشارك، بتقديري، بخفية وربما بعدم إدراك، بافتراض حسن النوايا، بالجريمة أو أنها توفر أجواء إنعاشها وديمومتها على اقل تقدير. تلك هي فئة بعض الكتاب والمثقفين العرب الذين ينشطون ضمن إطار المشروع السياسي القومي الكردي بدعاوى نصرة حقوق الشعوب وكرامة الإنسان وقيم الديمقراطية. هؤلاء المدافعون بحماسة ونابية تبلغ العدوانية بعض الأحيان ضد أي رأي يشكك في جدية حكومة الأحزاب القومية الكردية أو ينتقد موقفا لها أو يقول كلمة ورأي في كركوك والمادة 140 المقدسة. هؤلاء صمتوا عن الجريمة بطريقة مخزية حتى إنهم لم يطلقوا نأمتهم الخافتة، حين تنتشر عادة الفضائح التي يزكم عطنها الأنوف، بالمطالبة الخجولة بان( تتفضل حكومة الإقليم الرشيدة والديمقراطية بتقديم تفسير لما وقع) من باب رد العتب لااكثر. صمتوا هذه المرة ولم نسمع أصواتهم الهادرة حينما كانوا يلقون التهم على الآخرين ويجرمونهم إذا ماتجرأوا وقالوا قولا لا يناسب خطاب الكردايتي الهستيري. لم يحتجوا على جريمة قتل صريحة كجريمة قتل اليافعة( دعاء) الذي تتحمل السلطات الحاكمة في الإقليم القدر الأكبر من المسؤولية عن وقوعها لأنها تواطأت مع القتلة أولا ولم تمنع وقوعها ثانيا ولم تحاسب مرتكبيها ثالثا. لم يحتج احد من الذين جعلوا الضمة حرفا نفاقا للحكام الكرد على هذه الجريمة العلنية مع إن احدهم، وهنا المفارقة الدراماتيكية والمخزية في ذات الوقت، احتج بنبرة مرتفعة لجريمة قتل فيها المتطرفون الإسلاميون أربع وعشرين ايزيديا كادحا بجريرة قتل الفتاة( وهو حادث يستحق الإدانة والاحتجاج بطبيعة الحال) من غير أن يجرؤ على ذكر دواعي هذا القتل؛ ربما تجنبا للتورط في قول موقف إدانة أو تبرير يفترضه السياق.

أليس هكذا سلوك هو تواطؤ ودعم للجريمة.

لم اقل هذا الكلام لإدانة هذه الفئة بشخوصهم وإنما للسلوك المرائي والذهنية الانتهازية والانتقائية التي يصيغون فيها مواقفهم وينتجون بها خطابهم. واجزم إن أجواء التطبيل والتملق والصمت الخنوع المراد لها أن تسود بدعم أخلاقي من هؤلاء هي التي ستسد الطريق على أي مسعى لأي تحول ديمقراطي في المجتمع، بل إنها ستفتح الباب واسعا على أنواع من الاستبداد والتسلط لتعاد مرة أخرى دورة إنتاج الظروف الكارثية التي اثمرت نظام البعث الفاشي.

يبقى من الضروري التفكير، كختام مؤقت للموضوع، انه ينبغي على المجتمع( نخبه السياسية والثقافية بشكل أساس) في هكذا مواقف، تشكل حالة انعطاف في مساره، أن يجعل من هذه الحالات مناسبة للتصعيد في مواجهة التخلف والتعنت السلطوي والعشائري وان يقول قولته الفاصلة في الأمر ويضع السلطات، وان تكن كارهة، أمام مسؤولياتها ويفرض عليها لعب الدور الذي تبتغيه مطالب الناس الصامتة والمقموعة وان يعمل بصدق من اجل أن تنتصر روح العصر.

فقد يخفف هذا من عبء إكتئابنا اليومي.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشتاشان مسارقضية
- من قانا الى تل ابيب
- مغامرة ام مقامرة
- مالايمكن تحقيقه
- ذاكرة الانصار الشيوعيين
- حكومة المالكي والتحول في مسار الواقع السياسي
- إختلافاتنا البهية
- بشتاشان ذاكرة التاريخ
- ربطة العنق التي ستخنق العراقيين
- سيف البغي
- صفعة على خد ناعم
- من هو رجل أمريكا القوي في العراق؟
- ماقالته الانتخابات
- معبر الانتخابات الى الهزيمة
- الانتخابات العراقية... منتصرون ومهزومون
- صحوة الدائخ
- المصالحة الوطنية... ماساة ام مهزلة؟
- نظرة في الدعاية الانتخابية
- محنة الناخب العراقي وسؤال الشرعية
- ثوب الديمقراطية الفضفاض


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد صبيح - قتلة الحلم