أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - سَفِيرُ جَهَنَّمْ!















المزيد.....



سَفِيرُ جَهَنَّمْ!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1869 - 2007 / 3 / 29 - 11:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 20-26 مارس 2007

حول لويس أراغون قالت إلسا تريوليه: "عندما أتحدَّث عنه فإنما أتحدَّث عن الشعراء وليس عن ضحايا الخيالات ، عن الشعر وليس عن الشئ الذي يلمع دون أن يكون ذهباً"! ولم أجد أبلغ من هذا القول في التعبير عن الاستقبال الحاشد لمحجوب شريف الذي عاد إلى الوطن ، معافى بحمد الله ، عشيَّة يوم الشعر العالمي .. ويا لها من مصادفة!
لمحجوب عادات مختلفة في النظم حدَّ الفرادة. فهو لا يجلس ، قط ، إلى منضدة لكتابة قصيدته ، إلا بعد أن تكون قد علِقت معالِقها واستدارت خلقاً سوياً. أما مراحل تكوُّنِها الأولى فغالباً ما تتخلق لديه ماشياً على قدميه ، حتى لقد لقبه الصديق الحميم عبد الله علي ابراهيم بـ (الأمِّي) تحبُّباً! تجده كثيرَ المشي بقدر غزارة إنتاجه .. في حوش البيت ، في باحة السجن ، أو حتى داخل زنزانة مغلقة ، مثلما في أزقة أم درمان المتعرِّجة ، وساحاتها المحتشدة بالعنفوان ، وبالأخص سوقها الكبير الضاج بالحيويَّة. ولعلَّ هذا ما يفسِّر اكتظاظ قصائده بمختلف الحالات والحكايات والصراعات الانسانيَّة.
تكمن ، خلف ذلك ، عجيبة أخرى من عاداته في التأليف ، فهو لا يتحرَّى الهدوء ، ولا ينتظر هبوط وحي أو الهام ، بل يأخذ الشعر غِلابا ، فيذهب بنفسه ، راجلاً ، إلى حيث وحيه في ضجيج الحياة ، وإلهامه في حركة الناس اليوميَّة .. في عبارة يلتقطها من فم حمَّال بسيط ، أو زوبعة تثور تحت أقدام مشاجرة مدرسيَّة ، أو كلمة تقذف بها أمٌّ تتضجَّر من غلاء المعيشة ، أو تقطيبة ترتسم ، أول النهار ، على جبين أب مفصول للصالح العام ، أو حكمة ترسلها عجوز تتعجَّب من تغيُّر الدنيا والأحوال ، أو ترنيمة يمطها بائع متجوِّل ينادي على بضاعة كاسدة ، أو معنى خبيئ يطلُّ ، فجأة ، من عيني صبيَّة كابية الجمال قد لا تثير الاهتمام في محطة بص ، أو ترميز طبقيٍّ يجاهر بفحشه وسط ثرثرات فعلة يترصَّدون الرزق بناصية بنك يتجهَّمهم من أوَّل الصباح! وإذ يفعل ذلك ، لا ينقل هذه التعبيرات ، بحرفيَّتها ، إلى بنية قصيدته ، وإنما يُعمِل فيها من طاقته الهائلة على مكابدة جدل اللغة ، والمزج السلس بين العاميَّة والفصحى ، واللعب البارع على جرس الحروف ورنين الألفاظ ، وتقطيع الجملة الشعريَّة الواحدة إلى مجموعة جُمَل قصار ، والاشتغال على القوافي الداخليَّة المتتابعة والمتغيِّرة ، مع الإمساك الجيِّد ، في كل الأحوال ، بخيط القافية الأصليَّة الأساسي ، والكثير الكثير ، إلى ذلك ، مِمَّا في مُخلاته من أدوات سحر القول الشعري وحِيَلِه المُبهرة.
وثمَّة عجيبة ثالثة تتصل بعيار الشعر عنده ، حيث يستمد إيقاعاته وأوزانه ، مباشرة ، من عمق إصغائه الوَلِه الكلِف الشغوف لصميم هذه الحركة الموَّارة في عرصات المدينة ، وهي ، بطبيعتها ، حركة ذات أوزان صريحة ، وإيقاعات فاقعة. ولحرصه على ألا يُفلِت منها شيئاً ، ولو للحظة ، فإنه يلتمُّ عليها ، بكل جوارحه ، مراجعة وتنقيحاً وجَلوَاً ، طوال الوقت الذي تأخذه صناعة القصيدة. لذلك ، ليس نادراً ما يلحظ جلساؤه من أهله أو أصدقائه المقرَّبين أو رفاق سجنه ، أنه يكثر ، في مثل تلك الأيام ، من الاستغراق اللاإراديِّ في طقس تمتمات مُبهمة ، كمن يتلو أوراداً يحرِّك بها شفتيه دون صوت ، ويضبط إيقاعها ووزنها الخفيَّين بتلعيب يديه وقدميه ورأسه ، بل وعينيه أحياناً ، ثمَّ ما يلبث أن يعود ، حين ينتبه ، بغتة ، إلى مراقبتهم له ، كاتمين ضحكاً معابثاً ، لينفجر ، هو ذاته ، في طقس قهقهات طفوليَّة مجلجلة!
كِلا تجويد صراحة الوزن وفقوع الايقاع ، المستلهمين من صراحة وفقوع أوزان وإيقاعات الشارع العام ، فضلاً ، بالطبع ، عن فرادة الاقتدار على التعبير ، في بساطة معقدة وسهولة ممتنعة ، عن أشرف المضامين الضاربة في عمق الهمِّ الانسانيِّ اليومي ، هو ما يُكسِب قصيدة محجوب خاصِّيَّتها المنبريَّة ، وقابليَّتها للأداء الجماعيِّ ، وقدرتها ، ليس على تحريك المشاعر ، فحسب ، بل والأجساد ذاتها! وما أيسر أن تلحظ ذلك إن أنت أوليت انتباهك لاستجابات الجمهور لأدائه على المنصَّة ، بحركة قدميه ويديه التي لا تكاد تهدأ ، دَعْ انفعالات دواخله التى تستعصي على اللجم ، فتنعكس ، بتلقائيَّة وطلاقة ، على نبرات صوته وتوترات وجهه وشفتيه! وأذكر ، استطراداً ، عندما احتفل اتحاد الكتاب في داره بالمقرن ، ذات أمسية ، بتوقيع (اتفاق الميرغني ـ قرنق) عام 1988م ، كيف أحاطت بمحجوب مجموعات شتى من بنات وأبناء (الهامش) ، بلكناتهم وأزيائهم وحُليِّهم المائزة ، يصدحون معه بأهزوجته (ميري كلمينا) ، وهم يشيعون ، برقصاتهم الشعبيَّة النشطة حول نافورة الدار ، جوَّاً من المرح الصخاب ، في ذات اللحظة التي وصل فيها الميرغني على رأس وفده إلى الاحتفال ، فوقف يتلقى تلك التحيَّة غير المسبوقة في مشهد مهيب ، تمايحت معه هامات الشجر ، واهتزت له أركان المبنى ، وسرت (عدواه) إلى الجماهير المحتشدة ، فانطلقت تشارك ، على سجيَّتها ، في الأداء الشعريِّ ، والرقص على الإيقاع الداوي ، بينما الدموع تسحُّ من عيون لطالما سهَّدها التوق (للسلام) .. دون أن ينتبه أحد إلى أن الأهزوجة نفسها لم تكن ملحَّنة!
الحديث عن جماليات القصيدة عند محجوب ، وعناصر شعريَّتها ، ذو شجون ، لولا أن المساحة تضيق. لكن يعزُّ علينا ، ونحن نخصُّه بهذه التحيَّة في يوم الشعر العالمي ، أن نضع النقطة في نهاية السطر دون أن نشرك القرَّاء في متعة الاستماع إلى أحد آخر نصوصه ، وقد وقع له ، ولا بُدَّ ، من خبرةٍ غاية في الإيلام:
"أدِّيني شهادة فقدانْ وجدانْ وضميرْ اتوفى/ لو إني كتبتَ قصيدة تطقطِقْ اصابعْ حاكِمْ زلفى/ بيناتنا رفعنا ستارَ الكُلفةْ/ وأكلنا سوياً قوتَ الشعبْ/ مِنُّو الظلماتْ فيهن نِتخفى/ مِنِّي الكلماتْ تبقى مَحَفة/ حَمَلتو عليها يلوِّح .. يلوِّح بالمنديلْ/ ولساني بساط احمرْ ممدودْ/ يتمشى عليهو لِحَدَّت ما يدخل بُستانَ النومْ/ تبَّاً للكلمة بتتسكَّعْ .. تركَعْ/ تدفعْ أكترْ .. تمدَحْ أكترْ/ تلبَسْ أقصَرْ/ وسط الهالاتْ تعبُرْ صالاتَ الجنرالاتْ وكِبارَ القومْ/ أدِّيني شهادة فقدانْ وجدانْ وضميرْ اتوفى/ في ذاك اليومْ"!!!

* * *
لأول مرَّة ، أقرَّ د. مصطفى عثمان اسماعيل ، مستشار رئيس الجمهوريَّة ، اليومَ ، دون أدنى مواربة ، بأن الحكومة ليست لديها أيَّة استراتيجيَّة لمعالجة أزمة دارفور التي تعتبر المهدِّد الأول للسلام في البلاد! وأردف أنه ، وعلى ضرورة وضع هذه الاستراتيجيَّة ، إلا "أن إحساسنا بالزمن وأهميَّته ضعيف ، ونحتاج لجدول زمنيٍّ محدَّد .. لحل هذه الأزمة"! وزاد: "كلما بادرنا جعلنا الآخرين خلفنا" (الأيام ؛ 21/3/07)!
وطيِّب .. لمن ، تراه ، يقرع د. مصطفى الأجراس؟! أليست هذه هي ذات التنبيهات التي جأرت بالشكوى من إهمالها حلوق الحادبين على الوطن حتى بحت ، بينما إعلام السلطة الرسمىُّ ما ينفكُّ يصمهم ، صباح مساء ، بالعمالة ، والارتزاق ، والخيانة العظمى؟! أم أن د. مصطفى قرَّر ، فجأة ، أن يغرِّد خارج السرب؟! أم أن هذا محض (بالون اختبار) تطلقه الحكومة تهيئ به مناخاً ملائماً لاستقبال (تغيير ما) يُخشى أن يُحدِث صدمة (للبعض) مِمَّا لا (تؤمَن) عواقبه؟! أم أن د. مصطفى يتهيَّأ ، بهذه اللغة الجديدة ، للعب دور جديد؟! أم .. ما هي الحكاية بالضبط؟!

الخميس:
فاجأني ، نهار اليوم ، رسولُ صديقي الياس فتح الرحمن ، الشاعر الجميل ، والمصمِّم البارع ، يحمل إليَّ نسخة أخرجتها المطبعة ، ساخنة ، للتوِّ ، من الكتاب الأمنية!
فضضت المظروف وعانقته ، لا أجمل ولا أكثر أناقة ، بغلافه الأزرق الغامق ، وصورة حبيبنا الراحل تتوسَّطه ، والخطوط البيض تشهق ، في الأعلى وفي الأسفل ، بحروفها البارزة ، وتشكيلها الزاهي بلونيه الأحمر والبرتقالي: (أعمال علي المك)!
مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي هو الذي جعل الطبعة الأولى من هذا السِّفر ممكنة ، في 460 صفحة من القطع الطوليِّ الكبير ، على ورق (الليدجر) الأغبش ، وتحت الاشراف العام لسادن الثقافة الصالح .. محمود صالح ، وقد تولى الياس تصميم غلاف الطبعة وتقديمها ، وأنجز الحروفيُّ محمود إبراهيم خطوط الأماميَّة ، والحروفيُّ تاج السر حسن خطوطه الخلفيَّة ، وبالنتيجة ، ها هو الحُلم يرفل في أبهى حلة ، وأكمل صورة ، شاملاً لجُلِّ مجموعات الراحل القصصيَّة: (القمر جالس في فناء داره) ، و(الصعود إلى أسفل المدينة) ، بمقدِّمة طبعة روز اليوسف القديمة ذاتها ، و(حُمَّى الدريس) ، وكذا عمله الشعري: (مدينة من تراب) الذي أهداه إلى بابلو نيرودا ، فضلاً عن إحدى أرقِّ إخوانيَّاته: (عبد العزيز أبو داود).
لم يشمل الكتاب أنطولوجيات المرحوم الشهيرة: (نماذج من الأدب الزنجي) الصادر عن قسم التأليف والنشر بجامعة الخرطوم عام 1970م ، و(مختارات من الأدب السوداني) الذي صدرت طبعته الأولى عن دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1975م ، وطبعته الثانية المزيدة عن نفس الدار عام 1980م. فعلى الرغم من كون الأنطولوجيات ضرباً من الإبداع في حقل لا يستطيع ولوجه إلا الراسخون في النقد والتذوُّق ، لكنها قد تثير مشكلة حقوق المبدعين الأصليين copyright ، مِمَّن وثق المرحوم لإبداعهم وفق ذائقته الخاصَّة. ولذات السبب ، لم تشمل (الأعمال) تحقيقيه لديواني خليل فرح وود الرضي ، ولا الترجمة التي أنجزها ، مع صديق عمره المرحوم صلاح أحمد ابراهيم ، عن باتريك قان رنزبيرج بعنوان (الأرض الآثمة) ، سيَّما والمشكلة ، من باب أولى ، قد تكون مركَّبة في الحالة الأخيرة. كما لم تشمل (الأعمال) أيضاً ، ولذات السبب ، مجموعة (البرجوازيَّة الصغيرة) التي صدرت طبعتها الوحيدة ، في ما نعلم ، عن دار العروبة بالقاهرة ، كونها ، هي الأخرى ، تأليفاً مشتركاً مع صلاح ، فضلاً عن أنه ، وباعتبار القيمة التاريخيَّة للمجموعة في سياق أىِّ درس لتطوُّر القصة القصيرة في السودان ، لا يليق فصل قصص عليٍّ وحدها لتضمينها الكتاب الحالي. كذلك لم تشمل (الأعمال) مجموعة (في قرية) التي صدرت طبعتها الوحيدة ، أيضاً ، عن دار مكتبة الحياة ببيروت ، كوننا لم نعثر ولا على نسخة واحدة منها.
يلزمني ، هنا ، ولا بُدَّ ، ثناء مستحق. فقد كنت متيقناً تماماً من استنارة أصدقائنا في إدارة مركز عبد الكريم ميرغني ، عندما أجريت ، نيابة عن أسرة المرحوم واتحاد الكتاب ، أول اتصال معهم ، بشأن نشر هذه الأعمال ، ممثلين في شخصَي الصديقين الودودين محمود صالح وكمال عبد الكريم. ومع ذلك فإن سرعة الاستجابة للفكرة ، وأريحيَّة العطاء للأسرة ، كانت ، دون مبالغة ، شيئاً يجلُّ على الوصف ، بل تقف الكلمات عاجزة عن الاحاطة به. و .. أمسك عند هذا الحدِّ ، لعلمي بأن الاسترسال في مقام هذا الثناء قد يزعج هؤلاء الأماجد ، فالشكر أجزله للأستاذين الموقرين ، ولأهل المركز أجمعين ، باسم السيِّدة حياة الدليل ، وباسم محمد وكارمن وكلارا وبهاء ، وباسم الاتحاد.
وبعد ، فلنأمل أن تفتح تجربة إصدار هذا الكتاب ، الذي سيتاح للجمهور خلال الأسابيع القادمة ، الشهيَّة لمعالجة مشكلات إصدار أعمال الراحل الأخرى ، علاوة على تجميع كتاباته الأسبوعيَّة في الصحف ، كمقالاته (من أركان الدنيا) ، حتى تتوفر مكتبته الكاملة ، فإن مِن القراء ، الشباب بالذات ، مَن لم يسمع سوى باسمه ، بعد أن نفدت الطبعات القديمة كلها ، واصفرَّت ، وجفت ، وتمزقت أغلفة وصفحات ما تبقى منها!

* * *
حتى الآن ، لم يول المنافحون عن (قدرة) الدولة على ملاحقة المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة في دارفور ، إنتباهاً كافياً لمشكلة (الحصانات). (فنظام روما) يقوم ، فى أحد أهم وجوهه ، على التعاون الدولى للحدِّ من استخدام هذه (الحصانات) كآليات (للافلات) من العقاب ، في حين أن أوامر تأسيس محاكم دارفور الثلاث جاءت غفلاً من أيَّة معالجة لهذه (الحصانات) التى تحول دون إخضاع (الأشخاص ذوى السلطة) لأحكام العدالة ، مثلما يخلو القانون الاجرائى نفسه من مثل هذه المعالجة.
جهاز الأمن الوطنى والمخابرات ، مثلاً ، ما زال يتمتع ، على نحو مخصوص ، بوضعيَّة مميَّزة لجهة سلطاته وحصانات أعضائه بموجب (قانون الأمن الوطنى لسنة 1999م) ، رغم أن المادة/151/3 من (دستور السودان الانتقالى لسنة 2005م) صيَّرت هذا القانون غير دستورىٍّ بنصِّها على تركيز مهام الجهاز فى "جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنيَّة" ، فحسب. ولعلَّ ذلك هو ، بالضبط ، محور مطالبة لويز آربور ، المفوَّضة السامية لحقوق الانسان ، في مؤتمرها الصحفى بتاريخ 5/5/2006م ، بإعادة ترتيب الجهاز وإصلاحه بصورة عاجلة ، كونه لا يتفق ، بوضعيَّته الراهنة ، مع المعايير الدوليَّة ، وبالأخص ما يتصل منها بموضوعة الحصانات (صحف ووكالات ، 5 و6/5/2006م).
وقبل ذلك كان تقرير لجنة التحقيق الدوليَّة قد أبرز جملة مآخذ على القوانين السودانيَّة التي تقعد بقدرات الأجهزة العدليَّة. فقانون الإجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م يمنع مقاضاة الأشخاص ذوى السلطة بشكل فعال. والمادة/33 من قانون الأمن الوطنى تمنح حصانات واسعة لأعضاء الجهاز ، فلا يُلزمون بإعطاء معلومات عن أنشطته ، ولا يمكن ، بدون موافقة المدير ، مقاضاتهم بأيِّ أفعال تتصل بعملهم. وحتى عندما تتمُّ الموافقة ، فإن العضو المتهم يُقدَّم إلى محكمة .. (سريَّة!) ، بالمخالفة لمنظومة المعايير الدوليَّة للمحاكمة العادلة ، كالمادة/41/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة التي تقضي بأن الجلسة (العامَّة) هى (المعيار) الأساسي للمحاكمة (العادلة). ومن ثمَّ أوصت اللجنة بإلغاء هذا القانون ، نظراً لما يرتبه من تفشٍّ لحالات (الإفلات) من العقاب ، ولكن .. لا حياة لمن تنادي!
ومن قبيل المفارقة أن المُشرِّع أدخل ، قبل شهرين من تأسيس محكمة الفاشر ، وسبعة أشهر من تشكيل محكمتي نيالا والجنينة ، تعديلين جوهريين بموجب أمرين جمهوريَّين مؤقتين: أحدهما على قانون الاجراءات الجنائيَّة ، والآخر على قانون قوات الشعب المسلحة ، (لتحصين) أعضاء الشرطة والجيش من المسئوليَّة الجنائيَّة حتى عن أفعال (القتل العمد) ضد المدنيين العُزل ، فلا يقتضى الأمر سوى (التعويض) أو (الديَّة) ، وحتى هذه تتكفل بها الدولة ، حسب المادة/73/3 في القانون الأول ، والمادة/79/أ/3 في القانون الثانى! ولا يغيِّر سقوط هذين التعديلين في مرحلة المجلس الوطني من حقيقة أنهما يعبِّران عن اتجاه عام لدى السلطة في هذا الشأن!
ما زلت مصِرَّاً على رأيى باستحالة الحديث عن (القدرة) على محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دارفور ، قبل إجراء إصلاحات قانونيَّة شاملة تسقط ترسانة (الحصانات) التي (تغلُّ) يد القضاء عنهم!

* * *

غير دقيق تماماً تقرير قناة الجزيرة ، هذا المساء ، حول الصدام المسلح ، نهار اليوم ، في قلب أم درمان ، بين منسوبي قوات مني أركو ، وبين قوات الجيش والشرطة ، وقد وقع بسبب حادثة مرور عاديَّة ، وسقط ، جرَّاءه ، قتلى وجرحى من الطرفين.
عدم الدقة جاء ، بالتحديد ، في قول القناة إن هذا الصدام غير مسبوق إلا بالأحداث الدمويَّة التي أعقبت وفاة د. جون قرنق عام 2005م. والصحيح هو أن هذا الصدام يكاد يكون نسخة طبق الأصل من صدام آخر وقع خريف العام الماضي ، حين أدت حادثة مرور عاديَّة ، أيضاً ، إلى نشوب معركة ضارية في قلب أم درمان نفسها ، بين قوَّة من الجيش والشرطة وبين قوات مني أركو ذاتها!
ضرورة التصحيح تنبع من أهميَّة رصد هذا التسلسل في مسار الأحداث ، بما يمكِّن من استقراء مآلاتها الحتميَّة إذا ما قدِّر لأزمة دارفور أن تبقى بلا علاج ، وواصل طرفا (نيفاشا) التوكؤ على عجزهما ، واستمرَّ الحال الوطنيُّ على ما هو عليه من احتقان ، بينما الحكومة سادرة في غِيِّ لعبة (الورقات الثلاث) ، فى كل المستويات ، وعلى جميع الأصعدة!

* * *

خريف العام 1977م. كنا مجموعة معتقلين سياسيين بمستشفى سجن كوبر. فجأة ظهر بيننا ، ذات صباح ، نزيل لم يتعرَّف عليه أيٌّ منا ، رغم أننا كنا من شتى الأجيال ، والاتجاهات ، والانتماءات الحزبيَّة ، فتواصينا ، كالعادة ، بالحذر!
منظره العام ، وتصرفاته ذاتها ، خلال الأيام التالية ، فاقمت من شكوكنا حوله: رثاثة هيئته ، العزلة التي أدخل نفسه فيها منذ أوَّل قدومه ، هالة الغموض الكثيفة التي ضربها على حركاته وسكناته ، نظاراته السميكة يجبُر كسر أحد ذراعيها بسلكٍ نحاسي ، بيجامتِه الواحدة ، الممزقة ، حائلة اللون ، بيِّنة القذر ، والتي لا تكاد خطوطها تستبين ، يقضي سحابة نهاره يعالج ما نَسَلَ فيها بالشوك ينتزعه من بعض الشجيرات في فناء المستشفى ، حذاؤه الجلديُّ ألأغبر ، المشقق ، يظلُّ ينتعله من دغش الصبح حتى يأوي إلى فراشه آخر الليل ، ثمَّ تلك الطبقة القشريِّة تكسو جلده ، كما سمكة عجوز ، فما يكاد يكفُّ عن حَكِّها بأظافره الطويلة المحشوَّة بالقشف. ومع ذلك ، إن دققت النظر في ملامحه الخمسينيَّة ، وجرَّدته ، في عينيك ، من ذلك (التزيُّد) الذي وقع لنا ، من شدَّة توجسنا ، كمحض مغالاة في (التخفي) تفتقر إلى الذكاء ، فسوف تتبدَّى لك ، على الفور ، ملامح شاحبة السُّمرة لغردونيٍّ نبيلٍ من جيل الحركة الوطنيَّة والاستقلال والسودنة!
مع كرِّ مسبحة الأيام ، وعلى حين راح اهتمام المعتقلين به يذوي ، رويداً رويداً ، ويضمحل ، ربما لكون الذي فيهم يكفيهم ، فإن انشغالي بأمره أخذ يزداد ، لسبب ما ، بنفس المتوالية ، مع أنني لم أكن أفضل حالاً من الآخرين! كان ثمَّة رنينٌ خافت ، يأتيني من غور أغوار دواخلي ، بأنني أعرفه! لكن .. كيف ، وأين ، ومتى؟! لا أعرف! هكذا وجدتني أتتبع خطواته في غدوِّه ورواحه ، وأرصد عاداته ، في الأكل ، وفي الشرب ، وفي المشي وحيداً يترنِّح ، كما شبح ، تحت الظلال المسائيَّة لحوائط السجن الصخريَّة ، يلتقط ، خفية ، أعقاب السجائر التي يرمي بها المعتقلون ، ليعيد إشعالها بولاعة كان يحتفظ بها دائماً في جيب البيجامة ، حتى إذا تصادف واقتربت منه ، رحت أمعِن التحديق في الأخاديد التي حفرها الزمن ، ولا بُدَّ ، على جبينه وصفحتي وجهه ، مؤمِّلاً ، عبثاً ، أن أنتزع ، من وسط رماد تلك الملامح الكالحة ، شخصاً ما ، عرفته يوماً ما ، في مكان ما ، وفي زمان ما!
سلاسة الانقياد خلف الانشغال بمشكلة واحدة ، كلَّ الوقت ، قد تذهب العقل .. فما بالك بأن يحدث هذا في السجن بالذات! لذا ، ولمَّا تطاول الزمن بلا جدوى ، وراح التفكير في أمر الرجل يجرفني بلا طائل ، قرَّرت أن أجعل القصَّة الطويلة قصيرة ، بالمخالفة لما كنا ائتمرنا عليه ، فحزمت أمري ، ذات ظهيرة ، عندما أبصرته يجلس ، كعادته ، وحيداً ، على أريكة خرصانيَّة تحت ظلِّ شجيرة بالفناء ، واندفعت أقطع المسافة إليه بخطوات مسرعة ، وأرمي بنفسي إلى جواره بقوَّة ، كما لو كنت أخشى أن أرجع عمَّا اعتزمت:
ـ "كيف الحال"؟!
ـ "هاي"!
فاجأتني اللفظة الأجنبيَّة ، قذفها بتلقائيَّة ، وبصوت عميق مثقف ، لكن بلكنة ليس فيها شئ من ألسنة السودانيين على تنوِّعها! تمالكت نفسي سريعاً بعد أن أدرت في ذهني (رُبَّماتٍ) كثر أتعلل بهن ، ثم واصلت ، متجاهلاً الرَّد:
ـ "ما تعارفنا يا أخي .. تجلس دائماً وحدك"!
تنهَّد خفيفاً ، وندَّ عنه طيف ابتسامة عابرة ، ثمَّ أجاب ، بوقار ، وبانجليزيَّة مُبينة ، وبلكنة أثيوبيَّة واضحة هذه المرَّة:
ـ "توقعت أن يبادر أهل البلد بالترحيب ، لكنكم لم تفعلوا .. فما تراني أفعل"؟!
إبتسمت كمَن يعتذر ، ومددت يدي أصافحه:
ـ "كمال".
ـ "تِرِّيكَن".
للوهلة الأولى لم أستوعب ، تماماً ، ما قال. أخذ الأمر منِّي ثانيتين ، ثلاثاً ، حتى إذا ما ملأ الإسم المرعب صماخ أذنَيَّ بدويِّهِ الهائل ، وجدتني أتزحزح ، دون إرادتي ، مبتعداً عنه قليلاً ، وأنا أردِّد:
ـ "تِرِّيكَن .. تِرِّيكَن .. "تِرِّ .."!
ظن أنني أتساءل ، فقاطعني مؤكداً:
ـ "نعم .. نعم .. تِرِّيكَن ، لا تبدو صغير السِّن إلى هذا الحدِّ ، فلا بُد أنك تعرفني ، على نحو أو آخر ، أو ، على الأقل ، سمعت باسمي يتردَّد في خرطوم أواخر السِّتينات .. نعم .. تِرِّيكَن ، الملحق العسكري الأثيوبى في السودان قبل انقلاب مايو"!
قفزت كالملدوغ:
ـ "إذن هو أنت! وأنا أقول أين يا ربِّي رأيت هذه الوجه من قبل ، لكن .. ما جاء بك إلى هذا المكان؟! وما الذي بهدلك بهذه الصورة"؟!
لم يُجب ، بل مضى ينظر إليَّ ، برهة ، بطيف ابتسامة مطفأة ، وبعينين كلبيَّتين ، من خلف نظارات مكسورة الذراع ، دون أن ينبس ببنت شفة! لكنه بدا محقاً في استغرابه عندما اعتقد أنني لم أعرفه حتى بعد أن نطق باسمه ، إذ مَن ذا الذي في مثل سِنِّي ، أوان ذاك ، ويشتغل بالعمل العام إلى درجة دخول السجن ، ولا يعرف تِرِّيكَن ، أو .. (سفير جهنم) كما كان يطلق عليه صديقنا الراحل محمود محمد مدني؟!
......................
......................
تنقلت ، كالنحلة الشغوف ، خلال العامين (1967 ـ 1968م) بين بعض المؤسَّسات الصحفيَّة ، لأستقرَّ ، قبيل سفري للدراسة ، بجريدة (الضياء) التي كانت تصدر بدلاً عن (الميدان) بعد حظرها فى عقابيل حلِّ الحزب الشيوعي ، وكان يرأس تحريرها المرحوم عمر مصطفى المكي ، ويشرف عليها سياسياً المرحوم حسن الطاهر زروق. تلك هي الفترة التي ابتدأت فيها صداقة العمر مع المرحوم محمود ومع صدِّيق محيسي ، فضلاً عن صداقات كثر في وسط ذلك الزمان الصحفي. ولم تكن لأيٍّ من ثلاثتنا ، في الواقع ، معرفة شخصيَّة ، أو حتى مجرَّد سبب لمثل هذه المعرفة ، بتِرِّيكَن ، أيامها ، وإن كنت رأيته ، من بعيد لبعيد ، في مناسبة واحدة سأسوق خبرها بعد قليل! لكن الأهمَّ من ذلك أن ذكر اسمه وحده كان كافياً لجعل الفرائص ترتعد ، ولإثارة أقصى درجات الرُّعب في نفوس الناس ، وبالأخص معارضي نظام الامبراطور هيلاسلاسي ، ومنسوبي جبهة التحرير الإريتريَّة ، وقتها ، الذين كانت تنتشر الحكايات ، بين الحين والآخر ، عن اكتشاف جثث بعضهم ، بعد تصفيتهم ، مدفونة على عجل في الفضاء الكائن بين بُري ومطار الخرطوم ، مكانَ حيِّ الصفا وامتداد ناصر حالياً! وعلى حين كانت أصابع الاتهام كلها تشير إلي (سفير جهنم) ، كانت الألسن تضجُّ بالشكوى من استخذاء السلطات إزاء جرائمه البشعة التي أزكمت رائحتها الأنوف ، حتى لقد تحدَّثت المجالس عن مقابر خاصة به ، ولقبه الكثيرون بـ (الحاكم العام)!
كان نصيب الصحفيين السودانيين من ذلك الارهاب وافراً! ولعل الكثيرين ما زالوا يتحسرون على مصير صحفيٍّ نابه تناقل الوسط ، حينها ، قصة الابتزاز الوضيع الذي سلطه عليه تِرِّيكَن ، بسبب إصداره كتاباً مؤازراً للثورة الاريتريَّة ، فأجبر على (تبني) كتاب مضاد لم يؤلفه ، وإنما (وافق) ، تحت الضغط النفسيِّ ، على صدوره باسمه! وهي قصة مؤلمة أشبه ما تكون بقصص (المافيا) في أعتى عصورها الأمريكيَّة ـ الصِقليَّة ، بل أكثر قسوة وحقارة ووضاعة! وأذكر أن سيد احمد خليفة ، بحكم علاقة باسلة ربطته ، وقتها ، بدوائر الثورة الاريتريَّة ، وتحت تأثره البالغ بقصة ذلك الصحفيِّ الضحيَّة ، أقدم على نشر كتاب جسور آخر يمجِّد تلك الثورة ، متحدَّياً تِرِّيكَن وعصابته الذين كانوا ينشطون وراء ستار (الملحقيَّة العسكريَّة الأثيوبيَّة) ، حتى خشي الناس على مصيره! وليت الأستاذ سيد احمد يروي ، لفائدة الأجيال الجديدة ، تلك القصة كاملة ، فمعلوماتي عنها مبتسرة للأسف!
الواقعة الوحيدة التي كنا ، صِدِّيق محيسي وشخصي ، ضمن شهودها المباشرين ، بالمصادفة البحتة ، حدثت يوم دعانا ، ذات خميس من أوائل عام 1968م ، زميل صحفيٌّ من الدرجة العاشرة لتناول طعام العشاء بمنزله بأم درمان ، بمناسبة (سماية) أحد أطفاله. وفي طريقنا لتلبية الدعوة لم نكن نمني النفس بأكثر من سهرة في غاية التواضع ، لعلمنا بحقيقة إمكانيات مضيفنا! غير أننا ، ما أن اقتربنا من (بيت السماية) ، حتى لاحظنا زحاماً لم نكن نتوقعه ، وأرتالاً من السيارات الفارهة حاملة لوحات المرور الدبلوماسيَّة! ثمَّ كانت المفاجأة الأكبر بالداخل ، حيث الزينات المبهظة والثريَّات الضخام قد أحالت ليل بيت أخينا نهاراً ، وأعداد مهولة من المدعوِّين ، أكثرهم صحفيُّون ، يتحلقون حول طاولات نضِّدت بأناقة ، وفرشت بالأغطية الفخمة ، ورُصَّت عليها صِحاف الضيافة وآنيتها بسخاء باذخ! جلسنا ، باستحياء ، إلى أقرب طاولة ، وما لبث مضيفنا أن خفَّ إلى حيث طاولتنا يرحب بنا ببشاشة ، ويأمر لنا بالمزيد من الضيافة ، ونحن بين الدهشة والحيرة والشكر الجزيل لا نكاد نصدِّق ما نرى!
لحظات ، وبدأت ترتفع أنغام آلات موسيقيَّة يضبطها عازفوها تمهيداً لبدء الحفل. إلتفتنا ، لاإرادياً ، إلى حيث اعتلت الفرقة منصَّتها في واجهة الفيراندا المطلة على الحوش ، فأبصرنا ثلة من الفتيان الاثيوبيين بأقمصتهم وآلاتهم القوميَّة المميَّزة! لكن ، قبل أن نعِي الحاصل ، فرقع صوت امرأة كبيرة السِّن من داخل الفيراندا:
ـ "الرسول يا بنات امِّي جيبوا المرارة لي .. تِرِّيكَن"!
قفَّ شعر الرءوس ، وسرت الرعدة في الطاولات. إلتفتنا ، لاإرادياً أيضاً ، إلى حيث فرقع الصوت ، فإذا بـ (سفير جهنم) ذاته ، بلحمه وشحمه ، وقد أحاط به أهل البيت كأنه كبير الأسرة ، يضاحك الكبار ، ويداعب الأطفال ، وأمامه طاولة خاصَّة قد مُدَّت ، وصحاف منتقاة قد رًصَّت ، وبدا جلياً تماماً أنه .. ضيف الشرف السَّخِي!
ما حدث ، بعد ذلك ، كان عبارة عن (كوميديا سوداء) ، إذ ألفينا نفسينا ، صِدِّيق وشخصِي ، ودون سابق اتفاق ، نتدافع ، بصمت ، مع آخرين كثيرين ، عند الباب الخارجي! وفي الشارع استغرقتنا موجة من الضحك الهستيريِّ عندما رأينا أن بعض الأصدقاء ما كادوا (يتخارجون) حتى أطلقوا سيقانهم للريح! ولم نكف عن الضحك إلا صباح اليوم التالي ، حين فوجئنا بالخط الرئيس لجريدة (الضياء) ، كما القنبلة: "الملحق العسكري الأثيوبي يقيم حفل علاقات عامة للصحفيين لتجنيد عملاء جُدُد" .. أو نحو ذلك! طالعنا الخبر ، وهمس لي صِدِّيق الذي ساءته كثيراً تلك الصياغة ، بأنها تمسُّ صحفيين شرفاء كلُّ ذنبهم أنهم لبوا دعوة عشاء عاديَّة دون أن يعلموا أنها كانت مصيدة! فنقلت ذلك الرأي إلى المرحوم العم حسن الطاهر زروق ، ورويت له تفاصيل ما حدث. وكان مِمَّا قال (أبو علي) في ذلك:
ـ "أيوه يا بني .. كلام صِدِّيق صح ، وأكيد راح نطيِّب الخواطر ، بس كمان أخوانا دول لازم يتفهَّموا إنِّ مَكانش ممكن نِهدر القيمة التحذيريَّة الأساسيَّة في الصياغة"!
وحول صحن الفول راح يضحك على فزع الكثيرين حين علموا بعلاقة تِرِّيكَن بالأمر. وفي اليوم التالي نشر تنويهاً مهذباً في ذات المعنى الذي ذهب إليه ، فطابت خواطر كثر.
......................
......................
إنتبهت ، فجأة ، إلى أنني سرحت مع الذاكرة بعيداً عن ذلك (الرِّمَّة) المكوَّم إلى جواري على الأريكة الخرصانيَّّة في باحة مستشفى السجن ، والذي كان يوماً (سفير جهنم) ينشر الذعر في الخرطوم! عدت أسأله ، وأنا أتفحص هيئته الرثة وعينيه الكلبيَّتين تتصيَّدان أعقاب السجاير الشحيحة حولنا ، عن سبب تلك (البهدلة) وعن سِرِّ وجوده في ذلك المكان. فأوضح لي أنه هرب من أديس بعد إطاحة العسكر بالامبراطور ، وأنه قضى فترة في بريطانيا ، ثمَّ قرَّر المجئ لطلب اللجوء في السودان الذي (يحبُّه كثيراً!) كما قال ، لكنهم اعتقلوه وجاءوا به إلى هنا!
نهضت ، وقد تبدَّد شغفي بقصَّته ، لسبب ما! لكنني ، وبعد أن خطوت بضع خطوات باتجاه العنبر ، تذكرت ، فجأة ، أن معي ثلاث سيجارات ، فرميت له بواحدة قفز يلتقطها في الهواء ، ككلب صيد مدرَّب ، ثمَّ .. مضيت مبتعداً!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برُوفيسورَاتُ تُوتِي!
- العَقْرَبَةُ!
- لَكَ أَنْ تَرمِيَ النَّرْد!
- شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!
- قصَّةُ بَقرَتَيْن!
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - الأخيرة
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (6) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (5) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - 4
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ الاعتِ ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ -3
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ ..بَينَ خَريفٍ وخريفْ: مائ ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى (الأخيرة) - ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى(2) الدِّيمُ ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى - 1
- دَارْفُورْ: شَيْلُوكُ يَطلُبُ رَطْلَ اللَّحْمِ يَا أَنْطونْي ...
- عَضُّ الأصَابع فِى أبُوجَا!
- بَا .. بَارْيَا!
- إسْتِثناءٌ مِصْرىٌّ وَضِئٌ مِن قاعِدةٍ عَرَبيَّة مُعْتِمَة!
- خُوْصُ النَّخْلِ لا يُوقِدُ نَاراً!


المزيد.....




- خلال مقابلة مع شبكة CNN.. بايدن يكشف سبب اتخاذ قرار تعليق إر ...
- -سي إن إن-: بايدن يعترف بأن قنابل أمريكية الصنع قتلت مدنيين ...
- ماذا يرى الإنسان خلال الأسابيع الأخيرة قبل الموت؟
- الفيضانات تستمر في حصد الأرواح في كينيا
- سيناتورة أمريكية تطرح إقالة مايك جونسون من منصبه بسبب الخيان ...
- ماتفيينكو تدعو لمنع المحاولات لتزوير التاريخ
- -سفينة الخير- التركية القطرية تنطلق نحو غزة (صورة + فيديو)
- أصوات الجمهوريين تنقذ جونسون من تصويت لإقالته من رئاسة مجلس ...
- فرنسا والنازية.. انتصار بدماء الأفارقة
- مسؤولون إسرائيليون يعربون عن خشيتهم من تبعات تعليق شحنة الأس ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - سَفِيرُ جَهَنَّمْ!