أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل خليل - مائة عام من المحبة .. أنموذج لمسرحية الحرب















المزيد.....

مائة عام من المحبة .. أنموذج لمسرحية الحرب


فاضل خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1857 - 2007 / 3 / 17 - 13:08
المحور: الادب والفن
    


أفرزت انهيارات الوضع العربي انفتاحا على الثقافات الجديدة في العالم ، شجع على ذلك نزوع المثقفين إلى الحداثة . ليصبحوا أمام مهمات اكثر فاعلية جعلتهم ينطلقون من الواقع ، وما تطرأ عليه من متغيرات متسارعة على بناه المختلفة . إن المسرح ومنذ ما اعتبره العرب إنجازات محلية فيها تحدى للدول المستعمرة . مثل عملية التأميم في العراق 1972 التي أدخلته في صراعات ربما كان في غنى عنها ، لأنها رغم التغير الذي حصل نتيجتها ، لكنه حرض الدول الكبرى أن تنظر إليه باعتباره تحدي لها . هذا المنجز – المشكلة تناوله الكتاب كمنجز و لم يفكروا بنتائجه القادمة ، فكتبوا المسرحيات التي مجدته من هذه المسرحيات : الينبوع – لنور الدين فارس ، I.P.C لمعاذ يوسف . كما تعامل بقية المؤلفين مع الأحداث الأخرى المهمة التي سادت الوطن العربي مثل : تأميم قناة السويس ، تأميم نفط الجزائر ، حرب حزيران 1976 ، حرب تشرين 1973 ..والعديد من الأحداث وصولا إلى سلسلة الحروب العراقية التي لم تنته بالاحتلال الأمريكي . من تلك المسرحيات التي أفرزتها حروب العراق كانت مسرحية (مائة عام من المحبة) ، لفلاح شاكر . وهي إفراز لحدث دموي هام في حياة العراقيين هي الحرب العراقية – الإيرانية و"الحرب تغير معنى الأشياء ، حتى الحب يتأبط سيفا في زمن الحرب"(1) . وهو ما كان في مائة عام من المحبة ، وما صاحب تلك الحرب من ماس وكبائر لا ترضي أحدا ، لما سببته من آثام ، فكرة المسرحية واحدة منها اعتمد الكاتب في مسرحيته على تقنية كبيرة " تذكرنا بكتاب عبثيين كبار ولعل طريقة صياغته للحكاية وطبيعة مناخا ته وشخصياته تذكرنا بنصوص الكاتب الايرلندي الكبير صاموئيل بيكيت ، وعبثيته المطلقة .. فلدى بيكيت لاشيء ينتهي ولاشيء يبدأ والنهايات تتكرر في البدايات والبدايات تتكرر في النهايات داخل خطاب دائري مأزوم "(2) . فحين تصبح امرأة مسلمة زوجة لرجلين حيين وأما لولدين منهما ، هي من الآثام التي ترفضها الأعراف . إذن هي محاكاة لواقع مأساوي مرير ، لم تعد فيها البلاد بلادا ، صار" الموت فيها عادة يومية فمن لم يمت شهيدا قتله الجوع واليأس وانتظار آمال مبعثرة على أكفان الموتى .. فالبلاد شهيدة والأحياء شهداء ميتتهم مؤجلة والذاكرة مأهولة بأرقام الذين كانوا ومضوا وعناوينهم المبعثرة على حجر المقابر "(3) . المسرحية تقترب في فكرتها ( أرسطياً ) إلى التراجيديات الكبيرة بأبطالها المأساويين الذين يدخلون مآسيهم دون إرادتهم . إنها تحاكي الكلاسيكية بكل قواعدها ، ولأننا في القرن العشرين قرن الحروب العراقية المتواصلة أطلقنا عليها ( كلاسيكية الحرب) لكي نفرقها عما يشبهها من جنس أدبي . إنها " محاكاة لفعل جاد ، تام في ذاته ، لها طول معين ، في لغة ممتعة لأنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني . كل نوع منها يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية ، وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي ، لا في شكل سردي ، وبأحداث تثير الشفقة والخوف ، وبذلك يحدث التطهير"(4) ذلك لأن مسرحية (مائة عام من المحبة) في مواصفاتها التفصيلية التي سنوردها بشكل نقاط تعيد إلى الأذهان مفهوم المسرحية التراجيدية لما تحمله من مكونات المسرحية الكلاسيكية كما حددها أرسطو في :
1) أنها تحاكي الأفعال النبيلة .
2) أن لها طول معين .
3) تؤدى بلغة ذات ألوان من الزينة .
4) تتم المحاكاة فيها بواسطة التمثيل وليس بواسطة الحكاية .
5) تثير في نفوس المتفرجين : الرعب والرأفة .
وبهذا فهي تؤدي إلى التطهير CATHARSIS - أي تطهير النفوس من أدراك أفعالها وانفعالاتها . سنطبق النقاط الخمسة أعلاه والتي حددها أرسطو على ما يميز المسرحية (مائة عام من المحبة) لنرى مدى مطابقتها للقواعد الكلاسيكية تلك :
** القاعدة الأولى / محاكاة الأفعال النبيلة :
ولها ننطلق من التساؤل : أي فعل أكثر قوة ونبلا من خرق القوانين الاجتماعية المألوفة التي لا يحق تجاوزها ألا بأمر الهي ؟ لأن في خرقها ضرب من الجنون وخروج عن طاعة الله (جل جلاله) ، حتى ولو كان ذلك الخروج – دخول المأساة – من دون رغبة أبطالها ودون درايتهم كما في حكاية (خديجة) بطلة المسرحية . هي زوجة للجندي (فيصل) وأم لطفله .يغيب فيصل في الحرب أسيرا أو مفقودا ، ومن ثم يصل إلى عائلته خبر موته (استشهاده) ، لتصبح خديجة من بعده أرملة ويكون ابنها يتيما بعد فقد والده . مع ذلك خديجة لم تيئس ولم تصدق موت فيصل واستمرت على الأمل : بأنه سيعود يوما وظلت تعيش على هذا الأمل اكثر من تسع سنوات . بل واستمرت في حياتها تكافح رغم صعوبة الحياة وشظف العيش بسبب الحرب . لكنها يوما لم تعد قادرة على مواجهة الصعوبات التي تنوعت ولم يكن لها من يساعدها على صعوبة الحياة مع طفل لم يزل صغيرا ، الأمر الذي جعلها وبإلحاح من أهلها والمقربين أن تفكر برجل يعينها ويبعد عنها كلام الناس الذي لا يرحم امرأة فقدت زوجها وفي مجتمع ضيق مثل مجتمعها . نلمس ذلك من حوارها :
خديجة : في هذا الحصار المؤلم القاسي الذي يجعل رجل البيت يعمل
مع أطفاله ألف ساعة في اليوم لكي يتمكنوا من العيش .
( المسرحية ص10)
إذن على خديجة أن تتزوج ، ويجب أن تتزوج باختيار ، لشخص تعرفه أولا ويعرفه الآخرون ، يتميز بطيبته ومحبة زوجها الشهيد أولا ومحبة ابنها ومحبتها ، فلم تجد غير (الآخر) الذي ألح هو على الزواج منها إنقاذا لها ولطفلها من الضياع الذي هما فيه وإكراما لزوجها صديقه الذي كان ولازال يحب ذكراه ، لا من رغبة بأنوثتها أو جمالها . وحين تستعرض الحال التي هي فيه تجد أن لزاما عليها القبول والموافقة . فتوافق رغم أنها لازالت تقرن تلك الموافقة على أنها نوع من الخيانة .
خديجة : كم استجديت يدي لكي تكف عن سواك . لكن شلتني الحرب
وهذا الابن . أبكل هذا تريدني أن أبقى أنتظر زوجا وثيقته
تؤكد موته . آه من ولدي الذي قربني من الخيانة .
هذا الزواج – الخيانة الذي يجعلها تعاتب ابنها بأسف ومرارة بقولها : تزوجت من أجلك . وتعتذر حين تبرر أسباب ذلك الزواج كونهم بناء على حوارها :
خديجة : كلنا شهداء حين نخترع الحليب من لون الكفن . نكتشف
الخبز حين نشوي أصابعنا بالمحبة ( المسرحية ص16 ) .
وفي الحوار بين ولدها واهم أعضاء جسمها يدها التي تعني أداة العمل :
خديجة : من تجرؤ على أن تكون أصابعها خمسة ووليدها يمتص دودة
قبره ( المسرحية ص16 ) .
ولكي تكتمل المأساة تنجب من زوجها (الآخر) طفلا . ليصبح عندها من كل من زوجيها طفلا . وما أن يستقر حالهما حتى يعود فيصل ، زوجها الأول لتنهض المأساة من جديد حين تقف خديجة زوجة لرجلين وأما لأبن كل منهما . وتطبيقا لقواعد المأساة ألأرسطية وحسب استعرا ضنا للأحداث ، نرى بأن الجميع قد دخلوا مأساتهم دون أرادتهم .

** القاعدة الثانية / أن لها طولا معين : والمعنى المتعارف عليه كلاسيكيا هو: ان المسرحية تبدأ لتنتهي في يوم واحد . كما بالماسي الإغريقية ، وهو ما ينطبق على مسرحية (مائة عام من المحبة) . كلا الحدثين عصي الحلول ، وبالمقارنة ما هو حل من قتل أباه وتزوج من أمه فعلا دون إرادته – كما في مسرحية (أوديب) – ؟ أو ، أو مع من أصبحت زوجا لرجلين فعلا دون إرادتها – كما في مسرحية (مائة عام من المحبة) - ؟ ، وتبدأ مع وصول فيصل من الأسر ، لتنتهي في يوم واحد . حين يرفض البطل تأجيل إيجاد الحل إلى الصباح :
الآخر : ألا نترك الأمر للصباح ؟
فيصل : وهل ثمة صباح ؟ كلا لابد من حسمه الليلة . فأما ..أو…
(المسرحية ص 23) .
إن الثلاثة " أبطال تراجيديين لا يمكن للمتفرج أن ينتصر لا حد على حساب الآخر لأنهم ثلاثتهم أبطال ومظلومين وشرفاء بل أن المتفرج يجد نفسه يتمنى عدم وقوع الصدام بين ثلاثتهم وألا ينتصر في الأخير أحد منهم على الآخر "(20) .
** القاعدة الثالثة/ تؤدى بلغة ذات ألوان من الزينة : اتسمت لغة المسرحية ( مائة عام من المحبة ) بالشعرية العالية ، حتى أنها اتهمت بأن حتى الطفل من أبطالها كانت لغته شعرا . ولم يكن ذلك عيبا فيها إذا ما كان الهم كبيرا وشاملا . أن المأساة تخلق الشعراء والكلام عندما يكون كبيرا إنما يحدد حجم المأساة ، وهل ثمة اكبر من حجم الحروب في حياة العراقيين .
** القاعدة الرابعة / تتم المحاكاة فيها بواسطة التمثيل وليس بواسطة الحكاية : وهكذا كانت المسرحية ، لأنها تبدأ من حيث بدأت المأساة . والمأساة هي حين تقف خديجة أمام زوجين ، والثلاثة في محنة : محنة الخرق للمثل الدينية ، للقانون ، للمجتمع ، لكل الأعراف . لتجري المحاكاة أمام الجمهور ، فوق الخشبة .
** القاعدة الخامسة / تثير في النفوس الرعب ، والرأفة . اللذان يقودان إلى التطهير . إذ لافعل بحجم هذه الجريمة ، إنها واحدة من الكبائر، دخلوها دون درايتهم ، فكيف لا يتفاعل معها الآخرون . إيجابا أو سلبا ، لطالما أثارت الخوف والرعب في نفوسهم . معها من المؤكد أن التطهير فاعل فعله فيهم .


الهوامش
* مسرحية (مائة عام من المحبة) للكاتب العراقي فلاح شاكر ، وإخراج د. فاضل خليل [الباحث] ، عرضت في بغداد ، عمان ، الأردن ، تونس حيث شاركت بمهرجان أيام قرطاج المسرحية 1995م وفازت بثلاث جوائز : جائزة الصحافة الثقافية لأفضل عرض مسرحي ، كما فازت بجائزة المهرجان لأفضل نص مسرحي ، وجائزة أفضل تمثيل نسوي للفنانة شذى سالم .
1. جمال شتيوي : مسرحية "مائة عام .. لم تقتله الحرب قتله الحب" أخذته جريدة (الثورة) العراقية عن جريدة الرأي الأردنية ، العدد 8808 ، بغداد الأحد 3 / 9 / 1995م .
2. ل . العربي السنوسي : زمن الموت ، زمن العزلة ، جريدة الصباح التونسية ، السنة السادسة ، العدد 2056 ، الخميس 26 / أكتوبر / 1995م . 3.محسن الزغلاني : مسرحية " مائة عام من المحبة " من العراق لعبة الحب .. والموت ، جريدة الصباح التونسية ، السنة (44) العدد (15144) الأربعاء 25 / 10 / 1995 .
4.أرسطو : فن الشعر ، إصدار مركز الشارقة للإبداع الفني ، تقديم : د. إبراهيم حمادة ، دولة الإمارات العربية المتحدة 2000م .



#فاضل_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمة مسرح .. الكارثة
- سامي عبد الحميد
- النشأة والتطور في المسرح العربي
- يوسف العاني - كا تبا ، وممثلا ، ودراما تورجيا
- سعد الله ونوس -الملك هو الملك - أنموذجا
- جعفر السعدي .. أب المسرح العراقي
- فرقة المسرح الفني الحديث
- أسباب غياب الخصوصية في المسرح العربي
- المسرح الشعبي العربي
- الهيمنة والحداثة - ومشكلة غياب الهوية العربية في المسرح
- إشكالية محنة الوحدانية في المونودراما
- تاريخ فن الدمى في العراق
- تأريخ المسرح العربي


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل خليل - مائة عام من المحبة .. أنموذج لمسرحية الحرب