أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ناظم الديراوي - - فذلكة في تاريخ الإستعراب الجامعي ببطرسبورغ















المزيد.....


- فذلكة في تاريخ الإستعراب الجامعي ببطرسبورغ


ناظم الديراوي
(Nazim Al-Deirawy)


الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 11:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الحلقة الأولى
يرى مؤرخو علم الاستشراق الروسي أن الاستعراب الأكاديمي في روسيا القيصرية لم يتكون في مدرسة مستقلة إلا في منتصف القرن التاسع عشر،بعد تشكيل كليات ومعاهد لتعليم العلوم الشرقية في مُدن سانت-بطرسبورغ وموسكو وقازان،ومع نهاية القرن ومطلع القرن العشرين أنجب الإستعراب الروسي كوكبة من العلماء والمدرسين،الذين شغلوا مكاناً مرموقاً بين مستعربي أوروبا.وبفضل هؤلاء العلماء،الذين وضعوا اللبنات الأولى في صرح الاستعراب،نهضت مدرسة الاستعراب الروسية وصارت تضاهي مثيلاتها في بلدان أوروبا. إلى هؤلاء العلماء المستعربين ينتسب العلامة بولديريف(1780-1842)،والأكاديمي كريستيان فرين(1782-1851)مدير المتحف الآسيوي،والأديب والعلامة يوليان سينكوفسكي(1800-1858)رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة بطرسبورغ،والعلامة ميرزا محمد علي كاظم بيك(1802-1870)أول عميد لكلية اللغات الشرقية،والأستاذ فولكوف(ت:1846)مدرس مادة اللغة العربية وآدابها في جامعة بطرسبورغ،والأستاذ موخلينسكي(1808-1877) والأُستاذ فلاديمير غيرغاس(1835-1887)والأكاديمي فيكتور روزين(1849-1908)والمؤرخ فاسيلي بارتولد(1869-1930)صاحب مؤلفات قيمة في تاريخ العرب والإسلام في القرون الوسطى والصلات التاريخية بين دولة الخلافة العربية - الإسلامية وروسيا القديمة ومؤسس مجلة(العالم الإسلامي).
وكرس المستشرق والكاتب الأوكراني أغافانغل كريمسكي(1871-1942)،الضليع في الدراسات السلافيانبة وعلوم الشرق وتاريخ الأديان وعلم اللغات،حياته للعمل في مجال التدريس والبحث العلمي منذ بداية القرن العشرين،وتابع عمله بنجاح في العصر السوفيتي في جامعة كييف وساهم بشكل كبير في تطوير علم الاستعراب الروسي والسوفيتي مُخلفا ًبحوثاً قيمة في تأريخ العرب والإسلام والأدب العربي القديم والحديث ومنها"تاريخ العرب والأدب العربي"(1911-1912).
وأسدى المستشرق إغناطيوس كراتشكوفسكي(1883-1951)،مؤسس مدرسة الاستعراب السوفيتي،قسطاً عظيماً في الاستعراب العالمي بما ترك من أبحاث ودراسات علمية رائدة في مجال الأدب العربي القديم والحديث وتحقيق وترجمة المخطوطات العربية والإسلامية وتدريس علوم اللغة العربية وآدابها والقرآن الكريم وترجمة معانيه إلى اللغة الروسية،وإشرافه على تنظيم وإدارة عشرات المؤتمرات والجمعيات والحلقات والدوريات العلمية الروسية والدولية.والجدير بالذكر أن الأكاديمي كراتشكوفسكي كان عضو شرف في المجامع العلمية في سوريا وإيران وبريطانيا وغيرها.هذا وترك العلامة كراتشكوفسكي تراثا غنيا ضم(450) دراسةً ومقالاً في مختلف حقول علم الاستشراق.وإليه يعود الفضل في تعريف روسيا والغرب بالأدب العربي الحديث..ولاحقاً واصل المستعربون السوفييت رسالة الرواد الأوائل بنجاح شامل.
وكان للعلماء والمدرسين العرب في معاهد الاستشراق والجامعات الروسية شأناً كبيراً في إعداد أجيال المستعربين الروس في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين:كالعلامة المصري الشيخ محمد عياد الطنطاوي(1810-1861)أستاذ مادة اللغة العربية وتاريخ العرب في جامعة بطرسبورغ.والدمشقي مرقص(1846-1911)،والأُستاذ قلزي (1819-1912)،والأُستاذ فضل الله صروف(1826-1903)،والأُستاذ عطايا(1852-1924)والعلامة الفلسطيني بندلي الجوزي(1871-1942)أستاذ مادة اللغة العربية في جامعتي قازان و باكو وصاحب عشرات الدراسات التاريخية والأبحاث العلمية في مجال الآداب العربية,والبروفسورة الفلسطينية كلثوم عودة فاسيليفا(1892-1965)أستاذة مادة اللغة العربية في جامعة لينينغراد والأكاديمية الدبلوماسية في موسكو ومؤلفة كتب تعليم اللغة العربية وتاريخ الأدب العربي,وغيرهم الكثير.
كرسي اللغة العربية
في روسيا القيصرية جرى تدريس اللغات الشرقية وآدابها استناداً إلى لائحة النظام الداخلي العام للجامعات الروسية التي أقرت في الخامس من تشرين الثاني عام(1804).وبعد إعادة بناء الجهاز الإداري والأكاديمي في جامعة موسكو وتأسيس جامعتي قازان و خاركوف،تم استحداث كراسي اللغات الشرقية في أقسام علوم اللغات.وآنذاك كان يقصد باللغات الشرقية،في روسيا كما هو في أوروبا،لغات الإنجيل ولغات الشرق الإسلامي.ويذكر أن أول مدرسة روسية لإعداد المعلمين تأسست في عهد القيصر ألكسندر الأول في مدينة بطرسبورغ عام(1803)،وفي السنة التالية رقية إلى معهد التربية ثم تحول في(23/12/1816)إلى معهد التربية المركزي وفي الثامن من شباط عام (1819) رُقي المعهد إلى جامعة بطرسبورغ بمفهومها الحديث والتي تواصل رسالتها التربوية والتعليمية كواحدة من أهم الجامعات الروسية والعالمية.
في هذا المعهد أنشأ كرسيان للغات الشرقية هما:كرسي اللغة العربية وكرسي اللغة الفارسية.وللشروع في تدريس هاتين المادتين دعت وزارة المعارف الروسية المستشرقين الفرنسيين ديمانش(ت:1839) وشارموا(1793-1868) وفي نهاية آذار(1818)بدءا التدريس.وكلاهما كان يحمل لقب بروفيسور على الرغم من أنهما لم ينشرا أي دراسة تستحق الذكر…!ولغرض مساعدة المستشرقين الفرنسيين في توجيه الدروس العملية لطلاب اللغتين العربية والفارسية عين الأستاذ ميرزا توتشيباتشيف مدرساً،وكان الأستاذ ميرزا ذا معارف علمية عالية.
ويُعد عام(1818)في تاريخ الاستشراق الروسي عاماً هاماً،إذ بدأ في نهاية آذار تدريس اللغتين العربية والفارسية في معهد التربية المركزي،وفي الحادي عشر من تشرين الثاني قررت إدارة أكاديمية العلوم الروسية)إنشاء قسم خاص بالأوسمة والمسكوكات والمخطوطات والكتب الشرقية)وعينت المستشرق كريستيان فرين(روسي النشأة ألماني الأصل)خازناً لهذا القسم الجديد.وهكذا جرى في عام(1818) تأسيس مركزين أكاديميين في مدينة بطرسبورغ قاما بدور كبير في تطوير علم الاستشراق الروسي:المركز الأول في معهد التربية المركزي،والذي شكل نواة كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ (تأسست عام:1855)،والمركز الثاني المتحف الآسيوي التابع لأكاديمية العلوم الروسية(تأسس عام1818)،أول مؤسسة أكاديمية للبحوث والدراسات الشرقية في روسيا..وبعد مضي عامين على إعادة تأسيس جامعة بطرسبورغ وتحديداً في عام(1819)أنشأت ثلاثة أقسام جديدة في كلية التاريخ والآداب هي:1- قسم التاريخ،2- قسم الآداب،3- قسم العلوم الشرقية.وفي القسم الثالث درس الأستاذ الفرنسي ديمانش مادة اللغة العربية،ودرس الأستاذ الفرنسي شارموا مادة اللغة الفارسية.وأدار الدروس التطبيقية في هاتين المادتين المدرس ميرزا توتشيباتشيف.وإثر استقالة كل من الأستاذين ديمانش وشارموا من جامعة بطرسبورغ عام(1821)كلف المدرس توتشيباتشيف بمهمة تدريس مادتي اللغة العربية واللغة الفارسية،بعد أن رقي إلى درجة أستاذ مساعد،وحينذاك ترأس كرسي علوم اللغة العربية وآدابها في جامعة بطرسبورغ..وفي عام(1822)دعت جامعة بطرسبورغ المستشرق الشاب يوليان سينكوفسكي(1800-1858)للتدريس في الجامعة،وبدأ في(18/آب/1822)تدريس مادتي اللغة العربية واللغة التركية على الرغم من أن تدريس مادة اللغة التركية أدخل،رسمياً،في الجامعات الروسية عام(1835).وتميزت محاضرات البروفيسور سينكوفسكي بالمعارف العلمية الغنية والمعلومات الواسعة الضرورية.واجتهد في إطلاع طلابه على مصادر المعرفة الحية،هذا ما يؤكده طلابه ورواد مجالسه العلمية والأدبية ومنهم العالمين غريغوريف وسافيليف.وبعد فترة وجيزة من عمله في تدريس اللغات الشرقية بدأت اهتمامات العلامة يوليان سينكوفسكي بعلوم الاستشراق تتراجع مسجلة ميلاً واضحاً نحو النشاطات الأدبية والثقافية،الأمر الذي دفعه عام(1834)إلى إصدار مجلة(مكتبة المطالعة)وتدريجياً تفرغ للعمل في المجلة وانقطع عن التدريس وآنذاك فقدت الجامعة أستاذاً قديراً وكسبت المحافل الأدبية الروسية أديباً وناقداً فذاً…وفي عام(1827)كلف المستعرب فولكوف(تخرج في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سانت – بطرسبورغ عام 1823، وعمل مساعدا للبروفيسور يوليان سينكوفسكي منذ عام 1824 العلامة،لاحقاً،في المتحف الآسيوي بتدريس مادة اللغة العربية وآدابها لطلاب السنة الأولى في الجامعة.
مراكز الاستشراق
جدير بالذكر أن وزارة الخارجية الروسية أنشأت يوم 29 أيار عام(1883)،قسماً لتعليم اللغات الشرقية في الدائرة الآسيوية التابعة للوزارة.وجرى في هذا القسم تدريس اللغات:العربية والفارسية والتركية.وهكذا ومع نهاية عشرينات القرن التاسع عشر أصبح عدد مراكز الاستشراق في مدينة بطرسبورغ وحدها أربعة وهي: 1-قسم علوم اللغات الشرقية في جامعة سانت– بطرسبورغ.2- المتحف الآسيوي التابع لأكاديمية العلوم الروسية. 3- قسم تعليم اللغات الشرقية التابع للدائرة الآسيوية في وزارة الخارجية الروسية. 4- قسم المخطوطات الشرقية في المكتبة الإمبراطورية الروسية.
وعاماً بعد عام ساهمت هذه المؤسسات في إرساء تقاليد دراسة علوم لغات وتاريخ وأديان وثقافة شعوب الشرق وخلقت ظروفاً مؤاتية لنمو و تطورٍ عاصفٍ في حقول علم الاستشراق في بطرسبورغ و روسيا عموماً.الأمر الذي حث العلماء-المستعربين:فرين و شارموا و سينكوفسكي على توزيع مذكرة مشتركة في عام(1829)طالبوا فيها الجهات المعنية افتتاح صفوف دراسية خاصة بعلوم اللغات الشرقية وآدابها.وفي وقت لاحق فرضت اللائحة الجديدة لميثاق الجامعات الروسية- أقرت عام(1835)- على أقسام التاريخ والآداب وكليات الفلسفة في الجامعات والمعاهد إدخال تدريس اللغات الشرقية في مناهجها الدراسية وخصوصا العربية والتركية والفارسية والتترية والمنغولية.وعلى الرغم من أن اللائحة المذكورة نصت على تدريس اللغة المنغولية إلا أن تدريس هذه المادة لم يتم إلا بعد عشرين عاماً..ومن الملائم أن نذكر أنه حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر كانت اللغات الشرقية تدرس في الجامعات والمعاهد الروسية التالية:جامعة بطرسبورغ،جامعة قازان،معهد لازاريف للغات الشرقية في موسكو(تأسس عام 1815)،المعهد الشرقي في أوديسا..
وفيما يخص جامعة بطرسبورغ واستناداً إلى ميثاق الجامعات الروسية المُقر عام(1835)،أنشئ قسم العلوم الشرقية في كلية الفلسفة وضم ستة كراسي هي:1-كرسي اللغة العربية وآدابها.وترأس هذا الكرسي حتى عام(1847)البروفيسور يوليان سينكوفسكي،وعاونه في تدريس مادة اللغة العربية وآدابها المستعربين:فولكوف(توفي عام 1846)وموخلينسكي(1808-1877)وكاظم بيك(أول عميد لكلية اللغات الشرقية).وبعد اعتزال البروفيسور يوليان سينكوفسكي التدريس دعي العلامة المصري الشيخ محمد عياد الطنطاوي للإشراف على تدريس مادة اللغة العربية وآدابها،وقبل ذاك ومنذ عام(1840)كان الشيخ الطنطاوي يشغل منصب أستاذ في قسم اللغات الشرقية التابع للدائرة الآسيوية بوزارة الخارجية الروسية.2- كرسي اللغة الفارسية وآدابها.3- كرسي اللغة التركية وآدابها.أدرج تدريسها في لائحة النظام الداخلي للجامعات الروسية عام(1835).5-كرسي اللغة الجورجية وآدابها.بدأ تدريس هذه اللغة عام(1841).6-كرسي اللغة الأرمنية وآدابها.شرع في تدريس هذه اللغة عام(1845) وتشير المصادر إلى أن لائحة النظام الداخلي للجامعات الروسية عام(1835)لم تتضمن تدريس اللغتين الجورجية والأرمنية.
الحلقة الثانية
كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ
تشير المصادر الروسية إلى أن أقسام اللغات الشرقية وآدابها في الجامعات الروسية واجهت في أربعينات القرن التاسع عشر أزمة حادة كادت أن تلحق ضرراً فادحاً بالاستشراق الجامعي بسبب عدم وضوح رسالة وغاية الاستشراق الروسي والاتجاهات التي ينبغي أن يعمل وفقها.هذا الأمر أشار إليه بوضوح تام مسؤول دائرة التعليم في مدينة بطرسبورغ عام(1848)قائلاً:لم تبلغ برامج تدريس اللغات الشرقية وآدابها غايتها.بمعنى،لم يجر دراسة لغات وآداب وتاريخ الشرق وفق منهج منفصل وشامل،وإنما اقتصر الأمر،بالنسبة للدارسين،على هدف الحصول على مقعد دراسي في الجامعة أو على لقب مرشح في العلوم..وكانت غالبية الطلبة الذين انتسبوا إلى أقسام علوم اللغات الشرقية لم يملكوا معارف مسبقة عن الشرق وعلومه،وحتى بعد تخرجهم في الجامعة لم يشتغلوا في علوم الاستشراق…!
وفي عام(1848)أعلن مسؤول دائرة التعليم،أيضاً،في مذكرة وزعها في بطرسبورغ؛ بأنه لا جدوى من بقاء أقسام علوم اللغات الشرقية على ما هي عليه،لهذا يقتضي الواجب إما النهوض بها وتطويرها أو إغلاقها.واقترح حصر تدريس علوم اللغات الشرقية في جامعة قازان.وفي هذه المذكرة عدد مسؤول دائرة التعليم نواقص الاستشراق الجامعي وطرح الحلول التي رآها مناسبة وأصر على أن يقتصر تدريس علوم اللغات الشرقية على جامعة قازان.هذه المقترحات لم تحظ بموافقة وزير المعارف الذي أصدر تعليمات تقضي بالمحافظة على كراسي اللغات الشرقية في جامعة سانت - بطرسبورغ والجامعات الروسية،معللاً ذلك بحاجة الحكومة وأجهزتها إلى مترجمين ومبعوثين إلى أقاليم ما وراء القوقاز لجمع الضرائب والمحاصيل.وللنهوض بمؤسسات الاستشراق الروسي ظهر في تشرين الثاني عام (1851) – بعد أن سجل الاستشراق في جامعة قازان تراجعاً ملموسا– مشروع جديد يدعو إلى توحيد كراسي علوم اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ وجامعة قازان والمعهد الشرقي في أوديسا وقسم تعليم اللغات الشرقية التابع للدائرة الآسيوية بوزارة الخارجية الروسية،في مؤسسة تعليمية،اقترح المشروع تسميتها(المعهد الآسيوي في بطرسبورغ)غير أن هذا المشروع واجه معارضة قوية من المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الروسية،الأمر الذي دفع السلطات المعنية إلى إبداله بفكرة استحداث كلية للغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ.وفعلاً و في الثاني والعشرين من تشرين الأول عام(1854)أصدرت الحكومة الروسية مرسوماً قضى بتحويل قسم اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ إلى كلية للغات الشرقية.وكان هدف المرسوم:دراسة اللغات الشرقية وفق منهج سليم..وحصر تدريسها في جامعة بطرسبورغ التي وضعت الحكومةالروسية تحت تصرفها مصادر مالية و كفاءات بشرية كبيرة للنهوض بهذا الحقل الهام والواسع من حقول العلم والمعرفة.
في الواقع لم يجر اختيار جامعة بطرسبورغ لتكون مركزاً لدراسة علوم اللغات الشرقية مصادفة،بل جاء لأسباب عديدة نذكر منها:1- توافر الأساتذة والمدرسين والباحثين في علوم اللغات الشرقية.2- وفرة المصادر العلمية والدينية والثقافية والمناهج التعليمية في مكتبات ومتاحف ومعاهد مدينة سانت - بطرسبورغ.3-سهولة الاتصال بين وزارة المعارف الروسية وأجهزتها الإدارية والتربوية في بطرسبورغ.
وفور تأسيس كلية اللغات الشرقية في جامعة سانت- بطرسبورغ انضمت إليها أقسام علوم اللغات التالية:1- اللغة العربية. 2- اللغة الفارسية. 3 - اللغة التركية -التترية. 4- اللغة المنغولية-الكلميكية. 5 - اللغة الصينية. 6- اللغة العبرية. 7- اللغة الجورجية. 8 - اللغة الأرمنية. 9 - اللغة المنشورية..وبعد إعادة تشكيل مؤسسة الاستشراق في جامعة سانت – بطرسبورغ تم جمع هذه الكراسي التسعة في خمسة أقسام تشكلت منها كلية اللغات الشرقية وهي:1- قسم اللغات العربية والفارسية والتركية والتترية. 2- قسم اللغات المنغولية – الكلميكية – التترية. 3-قسم اللغتين الصينية– المنشورية. 4- قسم اللغتين العبرية– العربية. 5 - قسم اللغتين الأرمنية– الجورجية.
ومن الأهمية الإشارة هنا إلى البند الرابع من مرسوم الحكومة الروسية الصادر في تشرين أول عام(1854)الذي نص على إلغاء تدريس علوم اللغات الشرقية في جامعة قازان والمعهد الشرقي في أوديسا،محافظاً،في الوقت ذاته،على تدريس مادة اللغة التترية في جامعة قازان.وبعد أقل من عام على صدور مرسوم الحكومة الروسية،أعلاه،تم افتتاح كلية اللغات الشرقية في جامعة سانت– بطرسبورغ في السابع والعشرين من شهر آب عام (1855).وفي غضون ذلك تم تعين العلامة كاظم بيك(بطريارك الاستشراق الروسي) عميداً للكلية وشغل هذا المنصب حتى عام(1858)..وفي حفل افتتاح الكلية عام(1855)حدد البروفيسور كاظم بيك رسالة الكلية على النحو التالي:رسالة كليتنا ذات طبيعة تطبيقية صرفة مرتبطة بالحياة اليومية وهي:إعداد كوادر شابة للعمل في دوائر وزارة الخارجية الروسية المعتمدة في بلدان الشرق,وأساتذة ومدرسين في لغات وتاريخ الشرق.
رسالة الكلية
ساهم إنشاء كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ وانضمام الأقسام الشرقية في جامعة قازان ومعهد أوديسا إليها وتوظيف الخبرات والمعارف العلمية الرفيعة عند أساتذة ومدرسي الكلية في الارتقاء بتدريس لغات وآداب وتاريخ وجغرافيا وثقافة شعوب الشرق وزيادة حيوية وفاعلية علم الاستشراق الروسي،الذي كان له،دون منازع،الأثر العظيم في تطوير الاستشراق الجامعي والبحثي،ووضعه على أعقاب مرحلة جديدة خلقت ظروفاً مواتية لنمو عاصفٍ في مجال ترجمة المؤلفات العربية الكلاسيكية وتحقيق المخطوطات العربية والإسلامية والتوسع في دراسة الموروث الحضاري العربي والإسلامي وتعاظم الاهتمام في تدريس اللغات الشرقية وآدابها وتاريخ وثقافة شعوب الشرق في الجامعات والمعاهد الروسية،وإيفاد البعثات العلمية والدبلوماسية والإرساليات الدينية إلى بلدان الشرق ومراكز الاستشراق في دول أوروبا الغربية.
وفور إنشاء كلية اللغات الشرقية تشكلت الهيئة التدريسية من خيرة المستشرقين الروس والأجانب الذين درسوا علوم اللغات الشرقية وتاريخ وجغرافيا وأديان بلدان الشرق ومنهم:كاظم بيك درس علوم اللغة الفارسية وآدابها والشيخ محمد عياد الطنطاوي ونافروفسكي درسا علوم اللغة العربية وآدابها وتاريخ العرب والإسلام وموخلينسكي درس علوم اللغة التركية وآدابها وتاريخ وجغرافيا السلطنة العثمانية وبوبوف(كان وقتذاك رئيس جامعة سانت-بطرسبورغ)درس علوم اللغة المنغولية وآدابها وتاريخ المغول منذ عهد جنكيز خان حتى منتصف القرن التاسع عشر وبيريزين درس تاريخ الأتراك وغولستونسكي درس علوم اللغة الكلميكية وآدابها وفاسيليف درس علوم اللغتين الصينية والمنشورية وآدابهما وخفولسون درس علوم اللغة العبرية وآدابها وبيروف درس علوم اللغة الأرمنية وآدابها وتشوبينوف درس علوم اللغةالجورجية وآدابها وبوداغوف درس علوم اللغة الأذرية وآدابها وكوسسوفيتش درس تاريخ الأدب السنسكريتي (نعت يطلق على لغة البراهمة المقدسة(السنسكريتية)وعلى الكتب الصادرة فيها.وهي إحدى اللغات الهندو- أوروبية،كتبت فيها معظم كتب الهند الدينية والأدبية).
إضافة إلى هذه المواد تضمن برنامج كلية اللغات الشرقية الدراسي مواد إضافية إلزامية تدرس في عموم الجامعة منها:مادة الدين لطلبة السنة الأولى،اللغة الروسية لطلبة السنة الأولى والثانية،تاريخ روسيا،تاريخ التشريعات الروسية،اللغة الفرنسية. وفي عام(1858)استحدث قسم سادس هو قسم اللغتين السنسكريتية - الفارسية،درسا هاتين اللغتين دورن وكوسسوفيتش.وتجدر الإشارة إلى أن اللائحة الجديدة للنظام الداخلي للجامعة،أُقرت في عام(1863)،تضمنت تدريس هاتين اللغتين.
وبعد إجراء إصلاحات على مؤسسة الاستشراق الروسية نهاية الستينات جرى تدريس علوم الشرق انسجاماً مع روح مشروع المستشرق كييرا عام(1733) ومشروع سيرغي أوفاروف (1786-1855)رئيس أكاديمية العلوم الروسية اللذين طالبا بإنشاء أكاديمية للعلوم الشرقية،ومشروع المستشرقين فرين -شارموا – سينكوفسكي عام(1829)الذي تضمن استحداث فصل دراسي خاص بعلوم اللغات الشرقية.عن هذه الإصلاحات كتب عميد كلية اللغات الشرقية البروفيسور غريغوريف يقول:إن الإصلاحات التي شملت الاستشراق الجامعي في روسيا لا مثيل لها في الجامعات الأوربية… وهذا ما كان يجب أن يكون.
إهتمام أكبر بالموروث العربي و الإسلامي
وهكذا وبفضل تشكل مدرسة الاستشراق الروسية ازداد الاهتمام بالحضارة العربية والإسلامية ازدياداً مطرداً.ويرى الباحثون الروس أن المضمون الأساسي للأدب العربي يتحدد في تجسيده أصالة الحياة الاجتماعية والروحية للشعب العربي ومصيره التاريخي.لذا فليس من قبيل الصدفة أن تتجلى من قرن لآخر وبقدر متزايد دوماً المزايا الفنية الرفيعة للأثر الشعبي العربي(ألف ليلة وليلة)الذي صدرت له أول ترجمة من الفرنسية إلى الروسية عام(1796) وأعرب الكاتب الروسي نيكولاي تشيرنيشيفسكي(1828-1889) في كتابه»قصة القصص« عن إعجابه الشديد بهذا الأثر وقال أنه صادف في الأدب العالمي نتاجات أردأ منها(الحكايات)،ولكنه لم يصادف ما هو أفضل منها مطلقاً.
وشهد النصف الأول من القرن التاسع عشر حركة ترجمة نشطة لعدد كبير من المؤلفات العربية الأدبية والتاريخية والدينية.ففي عام (1833)صدرت ترجمة سيرة»عنترة« للكاتب يوليان سينكوفسكي،الذي كان ينشر باسم مستعار هو»البارون برامبيوس«.واعتباراً من عام(1840)أخذت المجلة الأدبية(سيفيرنايا بتشيلا) - نحلة الشمال - التي أصدرها الكاتب سينكوفسكي،تعرف قراءها بانتظام على أفضل نتاجات الأدب العربي.وفي عام(1863)ترجمت معلقة امرئ القيس إلى اللغة الروسية وقد تأثر بها لاحقا الأديب الروسي المعروف إيفان بونين،الذي نظم قصيدة بعنوان»امرؤ القيس« ولهُ قصائد من وحي الآثار العربية والإسلامية منها:(مُحمد في المنفى) و(علامات هادية) و(زينب).وفي عام(1889)صدرت ترجمة(كليلة و دمنة).
ويمكن اعتبار النصف الأول من القرن التاسع عشر,في تاريخ العلم الروسي,عصر تشكل الاستعراب الرسمي في روسيا والانفتاح على النتاجات الفكرية العربية والإسلامية وازدياد اهتمام المستعربين الروس بالمرحلة الكلاسيكية للغة العربية وآدابها وتاريخ المجتمع العربي.وشهدت هذه المرحلة نشاطاً ملحوظاً تميزت بجمع المخطوطات والكتب العربية النادرة من مصادر مختلفة.وقامت القنصليات والإرساليات الروسية في الشرق الأدنى بدور كبير في اقتناء الآثار العربية والإسلامية المدونة من بلدان الشرق الإسلامي والتي تشكل اليوم ثروة غنية في روسيا..وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر زاد الاهتمام في روسيا بلغة وتاريخ وثقافة العرب،الأمر الذي انعكس على صفحات الصحف والمجلات والدوريات الروسية،إذ نشرت مقالات وتحقيقات عن مصر والعراق وسوريا وفلسطين وبلدان المغرب العربي.



#ناظم_الديراوي (هاشتاغ)       Nazim_Al-Deirawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلات حضارية؛الرحالة العرب وبلاد الروس-الحلقة الثانية
- صلات حضارية؛الرحالة العرب وبلاد الروس
- العصامية كلثوم عودة؛الغربة واليتم والعلم
- التصوف السياسي وغراء الاحتلال
- صلات حضارية؛رحلات روسية إلى الأراضي المقدسة
- العقيدة الآمريكية؛إرهاب واستبداد
- رايس بلاء العراقيين..!
- الاحتلال فرَّخ الإرهاب والانعزال


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ناظم الديراوي - - فذلكة في تاريخ الإستعراب الجامعي ببطرسبورغ