أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - هل قاد اخفاق العَلْمانية إلى الارهاب؟















المزيد.....

هل قاد اخفاق العَلْمانية إلى الارهاب؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الارهاب مرض من الأمراض، يصيب الأمة في طور من أطوارها. وهو كذلك كأي مرض يصيب الإنسان في طور من أطواره أيضاً. وكما أنه لا يوجد لمعظم الأمراض الصحية والنفسية والعصبية سبب واحد، وإنما هناك عدة أسباب لمثل هذه الأمراض، فكذلك الحال بالنسبة لمرض الارهاب. ففي مرحلة من المراحل، يمكن للارهاب أن ينتج عن هشاشة الثقافة، ويمكن أن يكون نتيجة لظروف اقتصادية، واجتماعية معينة. وهذا المقال سوف يكون في معظمه عن أن ارتفاع وتيرة الارهاب في العالم العربي هذه الأيام، يمكن أن تكون نتيجة حتمية لاخفاق تحقق العلمانية في هذا العالم.


العقل والحياة السياسية


في العالم العربي مثلاً، لا يوجد توافق بنيوي تام وكامل – كما تم في الغرب - بين تطور العقل العربي من جانب، وبين تطور الحياة السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى تطور الفكر النظري السياسي من جانب آخر. فميلاد المفاهيم السياسية العربية الحديثة لم يكن نتيجة لتحول واضح وملموس في الوجود والواقع السياسي العربي، حيث ان ظهور هذه المفاهيم لم يكن بمثابة إعلان القطيعة مع "عصر الانحطاط"، وإعلان الدخول في "العالم الجديد"، ولكن هذه المفاهيم جاءت نتيجة لتلاقح جزئي على مستوى النخبة الفكرية الأكاديمية، وليس على مستوى النخبة السياسية الحاكمة. وقد نشأ عن هذا أزمة ديمقراطية، بدأت من مسألة الشراكة الممكنة بين الحاكم والمحكوم في تقرير السياسة. وبدأت من فكر العامة ولم تنته في فكر الخاصة. ففي فكر العامة تغيب السياسة كمحظور، ويُحكى عنها كمُحرَّم مقبول شعبياً، كقولهم "السياسة كناسة"، و "السياسة وجع راس"، و "من دخل السياسة غرق في النجاسة".. الخ.

مشكلتنا التخلف لا الفقر


في ظل موجة العقلانية، التي بدأت تجتاح العالم العربي في نهاية التسعينات، ونحن نودع القرن العشرين الذي انفجرت في نهايته ثورة المعلومات، وشهدت فيه البشرية ثورة التكنولوجيا، بدأ بعض المفكرين العرب يضعون أصابعهم على مواطن الداء الحقيقي الذي يُعيق تحقيق الوحدة العربية، وهو داء التخلف وليس الفقر.

فبعضنا أغنياء متخلفون، ومعظمنا فقراء متخلفون. إذن: فكلنا متخلفون، وليس كلنا فقراء. والفقر لا يعني دائماً التخلف، كما أن الغنى لا يعني دائماً التقدم. فبلد كالهند مثلاً تُعدُّ من الفقراء المتقدمين علمياً، وكذلك الصين. فهناك وحدة مع الفقر، ولكن لا وحدة مع التخلف. وما اتحدت أمريكا مثلاً، إلا بالنور الذي جاء به الأوروبيون من أوروبا، ذات التنوير والإصلاح الديني، والثورة الصناعية، والثورة العلمية، والاكتشافات المذهلة في القرن الثامن عشر، والقرن التاسع عشر. وما الوحدة التي حققتها أوروبا في نهاية هذا القرن إلا نتيجة لهذا كله، ونتيجـة لعصر ثورة التكنولوجيا والمعلومات، ولم تأتِ من فراغ.

أما نحن، فلا زلنا "مجتمعات متخلفة، وشعوبنا مُذلَّة مستعبدة، تحكمها أنظمة استبدادية فردية شمولية، وقوانا وحركاتنا السياسية متخلفة وقاصرة.

انغلاق المفكرين الإسلاميين

إن عدم تحقيق العَلْمانية العربية، في فترة النصف الثاني من القرن العشرين، وسقوط عصر النهضة في التيه الفكري، كان سببه أن المفكرين الإسلاميين الذين كانوا يتجادلون مع المفكرين العَلْمانيين، لم يكونوا على مستوى وعي وثقافة المفكرين العَلْمانيين، الذين درس معظمهم في جامعات غربية، ومكث بعضهم في الغرب يتعلم ويدرّس في جامعات الغرب، مما أمكنهم من الاطلاع أكثر فاكثر على فكر العَلْمانية الغربية، وأمكنهم من أن يتزودوا بزاد حديث ومتتابع من الثقافة الفكرية الغربية، الخاصة بمسألة العَلْمانية. في حين أن كثيراً من المفكرين الإسلاميين انغلقوا على أنفسهم، وحصروا جدلهم، طوال نصف قرن، في زاوية مقولة أن الإسلام دين ودولة، والتي أطلقها حسن البنا في النصف الأول من هذا القرن. وهذه حقيقة وليست تهمة للمفكرين الإسلاميين بحيث أن الشيخ راشد الغنوشي يثبتها، ويدلل على انغلاق الباحثين الإسلاميين على أنفسهم وتراثهم بقوله: " إنه لمحزن جداً، أن لا نعثر من بين قائمة طويلة لمراجع كتاب، أو بحث إسلامي، على مرجع واحد، من غير المدرسة التي ينتمي إليها الباحث. أما مكتبات الحزبيين الإسلاميين، فنادراً ما تتوفر فيها مصادر من خارج الحزب، أو المذهب". (مقاربات في العَلْمانية والمجتمع المدني، ص190). فكان الحوار بين المثقفين العلمانيين والمثقفين الدينيين، وكأنه حوار طرشان. لا فريق يفهم ما يقوله الفريق الآخر.

الفهم الخاطيء

يقول الباحث اللبناني عادل ضاهر، عن طريقة فهم رجال الدين للعلمانية، بأنه فهم خاطيء " تُمليه اعتبارات أيديولوجية، أكثر مما تُمليه الرغبة في الوصول إلى فضِّ المكنون الجوهري لمفهوم العَلْمانية. والدافع الأساسي لهؤلاء المفكرين، هو الحفاظ على مقولة إن الإسلام دين ودولة، بحكم طبيعته. ولذلك كان ضرورياً لهم أن يفترضوا أمرين:

الأول، هو أن العَلْمانية في جوهرها رفض للدولة الدينية، في الغرب المسيحي.

والثاني، هو أن الإسلام، بما هو دين ودولة، لا يحمل في طياته مفهوم الدولة الدينية، ولا أي مكوِّن من مكوِّناتها، بل العكس تماماً هو الصحيح" (الأُسس الفلسفية للعَلْمانية، ص42،43).

والعَلْمانية ليست كلها فصل الدين عن الدولة، كما يفهمها كثير من الإسلاميين، بقدر ما هي إبعاد رجال الدين عن السياسة، وذلك من خلال نظام سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي متكامل. وحوار الطرشان هذا بين المفكرين الإسلاميين وبين المفكرين العَلْمانيين، كانت من أسبابه أن الحركات الإسلامية، تعتبر نفسها هي الإسلام، وأن هزيمتها الفكرية والسياسية، هي هزيمة للفكر الإسلامي وللدولة الإسلامية. وأن من يكره هذه الحركات فإنما يكره الإسلام ذاته، كما يقول راشد الغنوشي (مقاربات في العَلْمانية والمجتمع المدني، ص196)، وهو ما أدى بالتالي إلى تسفيهٍ لبعضهم بعضاً، وقطيعةٍ، وتوقفٍ، وطريقٍ مسدود إلى حد ما.

أسباب فشل العلمانية

إن من أسباب عدم تقدم العَلْمانية في العالم العربي، فهم اليمين الإسلامي لها فهماً خاطئاً، وتشويه هذا الفهم، وتعميم هذا التشويه بين صفوف المسلمين لكي يقاوموا العَلْمانية، ويبقى صدر المجلس السياسي محفوظاً لرجال المؤسسة الدينية. فهـم يقولون إن العَلْمانية Secularism معناها العربي والغربي "لاديني" كما قال أنور الجندي في كتابه (سقوط العلمانية، ص7). في حين أن معناها الحرفي "الزمني"، حتى أن بعض المفكرين المعاصرين، ومنهم فؤاد زكريا، ترجموها بـ "الزمانية". وبعض رجال الدين يريدون من وراء هذا الفهم الخاطيء والمقصود للعلمانية، تأليب الشارع الإسلامي والعربي على العَلْمانية، التي إن طُبِّقت تماماً في العالم العربي، سلبت رجال المؤسسة الدينية كثيراً من امتيازاتهم الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمالية.

كذلك فإن من أسباب فشل تحقيق العَلْمانية في مجتمع كالمجتمع العربي الآن، تأتّى من اغلاق أبواب الاجتهاد، حيث قال الإسلاميون "إن ما أغلقه السلف لا يفتحه الخلف". وأن القرآن موجود وهو يحتوي على كل ما نريد ونبغى، ولا داعٍ لاستيراد أفكار غربية ليست من ثوبنا، وليست من عاداتنا وتقاليدنا. وسوف يستغرق تحقيق العَلْمانية زمناً طويلاً في مجتمع كالمجتمع العربي، يخيم عليه طقس أيديولوجي غائم، وتسيطر عليه الجماعات الإسلامية السياسية التي تستعمل الدين كمتراس تحتمي وراءه اتقاءً من كل ما يوجه إليها من نقد ومقاومة.

هل كل هذا يبرر الارهاب؟


لا يبدو فشل تحقيق العلمانية في العالم العربي حتى الآن مبرراً لرفع وتيرة الارهاب، في العالم العربي، على هذا النحو. ولكن لو قرأنا بعمق، في خطابات الجماعات الإسلاموية عموماً، لرأينا أن هذا العداء المُستحكم للحداثة وللغرب بشكل عام، ناجم عن هذا الغرب وهذه الحداثة، تريد بناء دولة عربية جديدة، لا يكون لرجال الدين دور سياسي فيها، مما يعني عزل هذه الجماعات، وليس الإسلام، عن الحكم. وبالتالي، فإن هذه الجماعات "تجاهد" الآن ليس من أجل الإسلام، ولكن من أجل عدم عزلها عن الحياة السياسية. وهو ما يبرر – ربما- ارتفاع وتيرة الارهاب، أو "الجهاد" كما هو في القاموس السياسي لهؤلاء.

السلام عليكم.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القُبلة الأمريكية الأخيرة للعراق
- الارهاب وجناية المثقفين
- مسمار جُحا
- الفاشية الفلسطينية البازغة
- دور الفقهاء في ذمِّ النساء
- فتح ملفات الفساد الأردني: لماذا الآن؟
- لماذا أصبحت بعض الشعوب ككلب ديستوفيسكي؟
- من وصايا الماوردي للسلطان العربي
- الأردنيون وذهبُ رغَد
- لماذا يرفض الفقهاء الرقص مع النساء؟
- عمرو موسى والطبّ العربي بالزعفران
- واشتروها بثمن بخس.. دراهم معدودة!
- شعب عظيم حقاً.. دقوا على الخشب
- أين الدواء في روشتة بيكر- هاملتون؟
- ثقافة الارهاب: هل هي من الإسلام أم من المتأسلمين؟
- غداً ... الأقليات فوق سطح صفيح ملتهب!
- البليهي مُفكرٌ عاشَ في الألفية الرابعة!
- الليبراليون ليسوا حجارة معبد، ولكنهم سنابل قمح!
- جدل الاصلاح واقامة المجتمع المدني السعودي
- من أين جاءت ثقافة الارهاب ؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - هل قاد اخفاق العَلْمانية إلى الارهاب؟