أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العراق: وقائع سنوات الجمر-الحلقة الأولى















المزيد.....



العراق: وقائع سنوات الجمر-الحلقة الأولى


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1798 - 2007 / 1 / 17 - 12:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الاحتلال إلى إعدام صدام حسين
لماذا كل هذا الشقاء والألم والحزن الدائم الذي يلف العراق منذ مئات السنين وتعاقب الطغاة عليه؟ فابتداءاً من الحقبتين الأموية والعباسية ومروراً بالحقبة الاستعمارية وانتهاءاً بالطغاة والمستبدين في العهد الحديث، والعراق يدار ويحكم بالحديد والنار والدم والبطش والتقتيل وسفك الدماء البريئة . واليوم يأتي العراق مرة أخرى ليغدو التحدي الاختباري لحقبة ما بعد الحرب الباردة على حد تعبير منظٌرين من تيار المحافظين الجدد الأمريكيين الأكثر تفاؤلاً وهما وليم كريستول ولورنس كابلان اللذين كانا يعتقدان بسذاجة أن بمقدور العراق أن يثبت للعالم بأن الديمقراطية يمكن أن " تزرع " في بلد عربي وبالقوة إذا احتاج الأمر لذلك. وإنه سوف يلقي بشعاعه الديمقراطي على باقي أنحاء الشرق الأوسط . وأنه ، أي العراق ، يستطيع أن يقدم الدليل على عدم وجود قدرية أو حتمية ثقافية تحول دون بلوغ مثل هذا الأفق . فالمبادئ العالمية للديمقراطية والحرية يمكن أن تنتصر في كل مكان وبالتالي من شأن العراق أن يبدي بجلاء أن الإرادة السياسية والعسكرية بوسعها أن تغير الأمور ومجراها إلى الاتجاه الذي ترتأيه وتجده مناسباً وملائماً. فعلى امتداد هذا البلد الشاسع الذي أوجده الاستعمار البريطاني بشكله السياسي والجغرافي الحديث الحالي كدولة ذات حدود وسيادة في بداية القرن العشرين ، ومن خلاله تسعى النزعة التبشيرية الأمريكية الانجليكانية لجلب " الديمقراطية والحرية " إلى منطقة تفتقد لهذه المبادئ بقسوة والمقصود بها بالطبع منطقة الشرق الأوسط. بيد أن المستقبل الديمقراطي للعراق ما يزال بعيداً جداً، إن لم يكن مستحيلاً في ظل الظروف والتعقيدات التي نشأت في أعقاب إعدام صدام حسين حيث وضع أتباع النظام ألصدامي وحلفاؤه للحكومة العراقية خطاً أحمر لا يجب تجاوزه ويتمثل بإعدام صدام حسين وإلا سينقذون تهديداتهم باستباحة العراق وإشعاله ليحيلوه حطاماً . من هنا نستطيع القول أن الاختبار العراقي اتخذ سريعاً شكل الفشل والهزيمة والانكسار على أرض الواقع وتحولت المواجهة إلى مسألة حياة أوموت.
العراق بلد بالغ التعقيد تجاوز عدد نفوسه الـ 25 مليون نسمة وتزيد مساحته على مساحة دولة عظمى كفرنسا أو أكبر ولاية في أمريكا وهي ولاية كاليفورنيا، ويضم خليطاً من الأقوام والأديان والمذاهب والطوائف والقوميات أو الإثنيات أهمها العرب " بأغلبية شيعية وأقلية سنية" والكورد " بأغلبية سنية وأقلية شيعية" وتركمان وكلدوـ آشوريين وأغلبهم مسيحيين ويزيديين وصابئة ، حيث يقطن الشيعة بكثافة في جنوب ووسط العراق وفي بغداد وضواحيها بينما يتركز أغلب السنة في المناطق الغربية وبغداد وبعض مناطق الوسط كديالى والموصل وصلاح الدين والأنبار بينما يتواجد الكورد في شمال العراق في منطقة كردستان العراق تحديداً. ومن المعروف تاريخياً أن السنة العرب في العراق تسلموا مقاليد السلطة العليا في العراق إبان الاستعمار البريطاني منذ استقلال العراق الشكلي في عشرينيات القرن الماضي بينما تم إقصاء الشيعة لأسباب كثيرة يطول شرحها، أو هم الذين أبعدو أنفسهم عن الشؤون السياسية طيلة عقود طويلة لأسباب وذرائع كثيرة لا يمكن التطرق إليها الآن، بينما عانى الكورد من الويلات وخاضوا التمردات طيلة تلك العقود الطويلة شأنهم شأن الشيعة وشعروا بالمظلومية إلى أن تمتعوا بشبه استقلال غير معترف به في مناطقهم منذ عام 1991 نتيجة لظروف سياسية وعسكرية وتدخلات دولية أتاحت لهم مثل هذه الفرصة الذهبية. هذه هي اللوحة البديهية التي طغت على العراق وبات يعرفها الجميع ممن يهتمون بالشأن السياسي والاستراتيجي الشرق أوسطي.
تمكن حزب البعث بفكره الانقلابي الفاشي الشمولي من الوصول إلى السلطة عبر انقلابين عسكريين مشبوهين، الأول سنة 1963 ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم وبدعم وتأييد أمريكي واضح باعتراف أحد أكبر أقطاب حزب البعث آنذاك وهو علي صالح السعدي الذي صرح قائلاً:" وصلنا إلى السلطة بقطار أمريكي" ، فطغت منذ تلك اللحظة ثقافة العنف والقتل والتعذيب وسفك الدماء وترسيخ الروح الانتقامية على يد ميليشيا الحزب المسماة بالحرس القومي سيء الصيت رداً على تجاوزات وأعمال عنف سابقة اقترفتها ميليشيات شيوعية تحت إسم أنصار السلام سنة 1959 في الموصل. الإنقلاب الثاني حدث سنة 1968 الذي تحكم بقدر العراق ومصيره شعباُ وأرضاً وثروات طيلة أربعة عقود مظلمة لغاية 2003 تاريخ انهيار النظام ألصدامي، وقد تميزت هذه الحقبة السوداء ببطش النظام وقسوته ووحشيته ودمويته وخوضه حروباً عدمية دامية مكلفة استنزفت العراق وأدمته وأفقرته كلياً إلى أن جاء الأمريكيون الغزاة المعروفون بعنفهم وجبروتهم وغطرستهم وطغيانهم بحجج وذرائع واهية وكاذبة ومزيفة بل ومفبركة بغية احتلال العراق وإذلاله وإخراجه من معادلة الشرق الأوسط الإستراتيجية والعسكرية. وسرعان ما اصطدم الأمريكيون بتمرد مسلح اتخذ أشكال وواجهات متنوعة ومسميات متعددة ولافتات مختلفة تحت شعارات كالمقاومة والجهاد، قامت بها عناصر مسلحة من بينهم أنصار النظام ألصدامي السابق " من منتسبي الحرس الجمهوري والحرس الخاص والمخابرات وفدائيي صدام وعناصر عسكرية موالية لصدام داخل الجيش العراقي النظامي وغيرهم بالتحالف مع عناصر إسلاموية راديكالية تكفيرية تتبع تنظيم القاعدة إلى جانب عصابات الجريمة المنظمة وقطاع الطرق واللصوص والمجرمين الذين أطلق صدام حسين سراحهم من السجون قبل سقوطه ليفتكوا بالشعب العراقي ، وكذلك بالتعاون مع كثير من المتطوعين العرب والأجانب الذين تسللوا إلى العراق من دول الجوار والذين حولوا العراق إلى ساحة حرب وتصفية حساباتهم مع الأمريكيين وقد وجد أغلب هؤلاء حاضنة اجتماعية من بين بعض أهل السنة العرب طوعاُ أو قسراً سيما وأن كثير من أهل السنة العرب يخشون أن يتحولوا إلى أقلية مضطهدة على يد أغلبية شيعية يفترضون فيها أنها ذات نزعة انتقامية على حد تفكيرهم. كما اصطدم الأمريكيون كذلك بتمرد مسلح من نوع آخر من داخل الطائفة الشيعية في العراق، واتخذت معارضة الوجود الأمريكي صوراً مختلفة منها سياسي من خلال مقاطعة العملية السياسية في بادئ الأمر " كما كان الحال مع أتباع المدرسة الخالصية في الكاظمية وأتباع الشيخ حسين المؤيد وأتباع السيد الحسني البغدادي وأنصار ومقلدي سماحة الشيخ اليعقوبي وجماعة مقتدى الصدر "، ثم ممارسة المعارضة من داخل العملية السياسية وهذا ينطبق على تيار مقتدى الصدر وحزب الفضيلة ومشرفه الروحي المرجع الشيخ محمد اليعقوبي" ،كما برز بين الحين والأخر تمرداً عسكرياً ضد الاحتلال الأمريكي من خلال المواجهات العسكرية بين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والقوات الأمريكية المحتلة . تجدر الإشارة إلى أن التيار الصدري بكل مكوناته يضم عناصر شيعية راديكالية ترغب في احتكار السلطة وإخراج الأمريكيين من العراق بكل الطرق الممكنة بما فيها اللجوء إلى السلاح لأن القوات المحتلة هي الجهة الوحيدة القادرة على ضربهم والحيلولة دون سيطرتهم على السلطة بالقوة . كما ينبغي علينا أن نتذكر بأن القوات الأمريكية والمار ينز بالذات، تصرفت ، ومنذ البداية، بصلافة وقسوة وبطش لا مثيل له تجاه السكان بسبب عدم تعودهم على هذا النوع من الصراع المسلح وحرب عصابات المدن ، فنكلوا بالسكان المدنيين الأبرياء وأهانوا الرجال أمام نسائهم وأطفالهم وأمهاتهم وفتشوا النساء بطريقة فجة وغير لائقة لا تحترم القيم والتقاليد العراقية المحافظة أثناء قيامهم بعمليات المداهمات والهجمات المباغتة فأجج ذلك شعور الحقد والكراهية تجاههم من جانب أبناء الشعب العراقي " سنة وشيعة على السواء" ولم يفلت الأمريكيون من صورة الأجنبي المحتل الغاشم داخل أرض معادية عازمة على خوض المقاومة. ولكي يحارب الأمريكيون التمردات المسلحة وتفكيك الخلايا " الإرهابية" باتوا بحاجة إلى المعلومات الاستخباراتية لكي يحصلوا على المعلومات ومن ثم لجئوا إلى ممارسة التعذيب وسوء المعاملة والاعتقالات العشوائية وممارسة سياسة القسوة والتهديد المنتظم ضد السجناء والمعتقلين حتى لو كانوا أبرياء ولم يعيروا أية أهمية لاتفاقيات جنيف وانتهكوا مبادئ حقوق الإنسان وأبرز مثال ساطع على سلوكهم الهمجي المشين ما حصل في السجون العراقية وتفجر فضيحة سجن أبو غريب وغيره من المعتقلات وهي لا تختلف عن الممارسات الوحشية التي كان يمارسها أذناب وجلاوزة صدام حسين ، في حين أن الأمريكيين يدعون أنهم جاءوا لتخليص الشعب العراقي من استبداد النظام ألصدامي كما يزعمون، مما زاد من قذارة وتلوث صورة الاحتلال الأمريكي عراقياً وعربياً ودولياً. وهكذا أصبحنا بعيدين جداً من حلم بول وولفوفيتز، لو كان فعلاً صادقاً بتصوراته ، بجعل العراق واحة للديمقراطية والحرية وأول بلد عربي تطبق فيه مثل هذه المبادئ النبيلة .
فما الذي حدث كي ينقلب اتجاه أيديولوجية المحافظين الجدد الأمريكيين بشأن سياستهم تجاه العراق وكيف كان وقع وثقل الواقع العراقي على التخطيط الاستراتيجي الأمريكي ولماذا كل هذه الإخفاقات في سير عملية تدخل يفترض فيها أن تكون مدروسة بدقة متناهية ومبررة وناجمة عن منطق أو نابعة من عقيدة الحرب الإستباقية ضد الإرهاب العالمي. فبلد تحت جزم العسكر وقوات الاحتلال لا يمكن أن يستقبل ويرحب بحفاوة بمحتليه واعتبارهم محررين ومساعدتهم على وضع العراق على سكة البناء وإعادة الإعمار ونسيان الجرائم والتدمير المجاني الذي شنته الآلة العسكرية المحتلة ضد البنى التحتية سواء في حرب 1991 أو في حرب 2003. هناك إجابات كثيرة على التساؤلات الآنفة الذكر وجزء منها يتعلق بالجانب العراقي الذي سنتحدث عنه لاحقاً فيما الجزء الثالث و المرتبط بالتناقضات والصراعات الداخلية للحكومة الأمريكية وكيفية تعاملها مح الحليف العراقي.
من بديهيات القول أن هذه الحرب كانت خياراً مسبقاً ومقصوداً من قبل الإدارة الأمريكية الحالية وكانت قد اتخذت قرارها منذ العام 2000، أي قبل أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وإصرارها على شن حملتها العسكرية على الإرهاب الدولي . فالعراق لم يكن يهدد الولايات المتحدة الأمريكية ولا يؤثر على مصالحها الحيوية في العالم ولا يهدد حلفاؤها الأوروبيين أو الإسرائيليين . ولم نجد حكومة أوروبية واحدة ، عدا حكومة طوني بلير ، تقول أنها تخشى من ترسانة أسلحة التدمير الشامل التي كان الغرب يعتقد أو بالأخرى يدعي أنها بحوزة صدام حسين . ولم يوجد ضابط كبير واحد في قيادة الأركان الإسرائيلية يعتقد بصدق وجدية أن الدولة العبرية مهددة من قبل صدام حسين. بل ولا يوجد بلد عربي واحد يتخيل أن نظام بغداد ما يزال يشكل خطراً عليه. وبالتالي فإن حكومة بوش لم تشن الحرب مضطرة أو مجبرة لضرورات واعتبارات أمنية، بل إنها اختارت فتح دائرة الصراع المسلح بفعل جملة من الأسباب المعقدة، الخفية والمعلنة، لم تحظ بموافقة أو إجماع الإدارة الأمريكية الحاكمة. فلم تثبت صحة وجود تهديد كامن يستدعي استئصاله . ولم تفلح مشاهد استعراض القوة وعرض العضلات الأمريكية في إخافة وترهيب العالم العربي وأخيراً كانت نية الإدارة الأمريكية تقديم العبرة لكل الحكام العرب من خلال مثال إطاحة أسوء وأعتى طغاة العصر الحديث الذي ناكف الولايات المتحدة لسنوات طويلة إلى جانب محاولة زرع بذور حركة الإصلاحات في العراق بغية توفير التربة الصالحة لتحقيق تغيير وتحول جذري في مجمل الشرق الأوسط عبر أسلوب الأنموذج المثالي الواجب تقليده أو إتباعه . بيد أن الإدارة الأمريكية لم تقدم أي شيء من هذه الأهداف بالطريقة الصحيحة والصريحة للناخب الأمريكي وللرأي العام الأمريكي . ولأن الحكومة الأمريكية أرادت ورغبت بهذه الحرب بأي ثمن كان ، لجأ القادة الأمريكيون إلى أسلوب الترغيب و " بيع" صفقة الحرب وتقديم مبررات وذرائع متناقضة خادعة أو مزيفة أو كاذبة أو مفبركة . فمرة يشدد الرئيس الأمريكي على ضرورة مهمة تدعي استئصال الخطر الكامن أو في طريق التشكل أو الوشيك المتمثل بأسلحة التدمير الشامل الموجودة بين يدي صدام حسين والتي لابد من تدميرها ومن هنا نشأ الدفاع عن مفهوم الحرب السريعة والقصيرة الأمد كما روٌج لها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق الذي وعد بإعادة الشباب المجندين وبسرعة إلى الوطن. وتارة يلح الرئيس الأمريكي على موضوعة الحرب المستندة إلى نشر القيم والمباديء الأمريكية كما سوٌقت لها كونداليزا رايس والتي أقرٌت باستعداد بلدها لتكريس جيل كامل لخدمة الديمقراطية في الشرق الأوسط، مع عرض بعض المقارنات التاريخية . ولكن كيف نصدق تلك الإدعاءات ومن هو الصادق من هؤلاء المسؤولين ؟ ومرة أخرى يطلب البيت الأبيض من الكونغرس تخصيص عشرات المليارات من الدولارات لتمويل المجهود الحربي بينما يدعي مهندس الحرب بول وولفوفيتز ، الرجل الثاني في البنتاغون، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي ، بأن الحملة العسكرية على العراق لن تكلف الخزانة الأمريكية شيئاً ولن تنفق دولاراً واحداً على برنامج إعادة البناء والإعمار في العراق بعد الحرب لأن النفط العراقي سيكون كفيل بذلك وكان تاريخ هذا التصريح هو 27/3/2003 وقال بالحرف الواحد:" هناك أموال طائلة لدفع تكاليف كل ذلك الجهد بفضل البترول فلا حاجة لأخذ أموال دافعي الضرائب الأمريكيين فنحن نتعامل مع بلد يمكنه بإمكاناته الذاتية تمويل إعادة البناء وبسرعة". وإمعاناً في الخداع سوٌقت أوساط المحافظين الجدد، المتواجدون خارج الحكومة، فكرة خيالية موجودة فقط في رؤوسهم مفادها أن العراق سليم والرأس فيه فقط هو المتعفن أما باقي الجسد فسوي وصالح وبالتالي يغدو الأمر الأساس هو تصفية صدام حسين والحلقة الضيقة المحيطة به من قيادات حزب البعث المنحل والموالين لصدام حسين وحده ، ومن هنا فإن تغيير النظام في العراق سيكون بأبخس ثمن وبدون عناء أو مخاطرة سيما وأنهم سبق أن أعدوا معارضة مفصلة على القياس بقيادة أحمد الجلبي ومؤتمره الوطني العراقي التي كان من شأنها أنت تحل مكان النظام المخلوع بعد الحرب لتسيير دفة البلاد سياسياً. لذلك ترى بوش يوجه إنذاراً لصدام حسين وعائلته لترك العراق خلال 48 ساعة قبل شن الحرب وينشر قائمة بـ 55 شخصاً مطلوبين وهم أركان النظام والحلقة الحاكمة فعلياً في العراق. وهكذا تجاهل أو تناسى الأمريكيون تعقيد الهوية الوطنية العراقية لصالح وهم وسراب يعشش في رؤوسهم وأقنعوا أنفسهم بأن هذا البلد هو الأرض التي يحلمون بها لإجراء تجربة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط على حد تعبير نويت غانغريش ، وهو يميني محافظ ورئيس سابق للمجموعة الجمهورية في مجلس النواب حيث قال بلهجة الواثق من نفسه :" إن العراق، ومن زوايا ووجهات نظر مختلفة، هو البلد الأكثر علمانية في العالم العربي. وهو البلد الأكثر تقبلاً وتأهيلاً لزرع وتكريس الديمقراطية على تربته وبسرعة فائقة" وكان قد تفوه بمثل هذه الحماقة أمام ندوة نظمها مركز أبحاث أمريكي " أمريكان أنتربرايز أنستيتوت " في 2 أكتوبر 2001 في واشنطن
American Entreprise Institue
وفي السياق ذاته، وبنفس الجدية والثقة بالنفس أو الاعتداد بالرأي صرح نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لمجلة نيوزويك في 6 أكتوبر 2003 :" إن قواتنا ستلاقي ترحيباً منقطع النظير باعتبارها قوات تحرير وستجد على الأرض طبقة وسطى قادرة ومهيأة ومستعدة لإدارة البلاد وسد الفراغ في السلطة الذي سينجم من جراء سقوط نظام صدام حسين". كما أكد مسؤول أمريكي آخر رفيع المستوى آثر عدم ذكر اسمه :" إن لدى العراق أفضل قطاع للخدمات العامة والبنى التحتية المتطورة في العالم العربي. وبعد إطاحة صدام حسين ستقوم تلك الهيئات والبنيات والمؤسسات بعملها على أكمل وجه وبهدوء وطمأنينة وسيتكفل جهاز الشرطة بفرض الأمن والذي يعتبر الأكثر إعداداً وكفاءة " . هذه هي القناعة الراسخة في نفوس وأذهان من شنوا الحرب على العراق وفي رؤوسهم صورة وردية ومثالية خادعة عن بلد على حافة الإفلاس والانهيار .
إزاء هذا الواقع المر في العراق الذي أخفاه القادة الأمريكيون عن مواطنيهم، هناك عدة إحتمالات وفرضيات للإجابة: الإحتمال الأول هو أن المحافظون الجدد كذبوا عمداً لكي يضمنوا " حربهم" التي قدموها وكأنها " نزهة ريفية" على حد تعبير كينيث آدلمان ، أحد أعضاء لجنة الدفاع الاستشارية التي نصبها المحافظون بالقرب من دونالد رامسفيلد . من هنا كان يتوجب عليهم كسب تأييد الرأي العام الأمريكي لأنه لو مرٌ ربيع عام 2003 ولم تقع الحرب فسوف يفوت الأوان لأنهم سيقتربون من موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2004 وهو أمر سيء بالنسبة لرئيس يستعد ليخوض حرباً وخوض حملة انتخابية في آن واحد. وكان هذا دافعاً لكي يستميت الخبراء والمستشارون وأصحاب القرار بغية " بيع وتسويق الحرب ومابعد الحرب. وهنا تأتي الفرضية الثانية أو الاحتمال الثاني وهو تخيٌل دعاة الحرب واقعاً عراقياً يتطابق مع أوهامهم التبشيرية أو الإنقاذية فقط. وفي كلتا الحالتين خدع المحافظون الجدد البلد والشعب الأمريكي سواء أكان ذلك عن إرادة وتصميم مسبق أم لا.
كتب أحد مسؤولي حكومة بيل كلينتون السابقة وهو جيمس روبان:" حتى وإن كان الأمر يبدو من السذاجة بمكان، فإن المسؤولين في حكومة جورج دبليو بوش ، وفي مرحلة الإعداد للحرب ، أكدوا بأننا سوف يتم استقبالنا كمحررين في بغداد وأغلب محافظات العراق الأخرى وأن الجيش والشرطة العراقيين سيوفران ويضمنان الأمن والاستقرار في البلاد وإن إعادة بناء البلد والدولة ستكون بتمويل ذاتي من عائدات النفط العراقي وأن حكومة عراقية بديلة ستأخذ مكانها بسرعة هناك مما سيتيح لأمريكا إمكانية سحب قواتها بسرعة تاركة وراءها نظاماً ديمقراطياً". أما فرانسيس فوكوياما، المفكر والمحلل الأمريكي المعروف، وصاحب كتاب " نهاية التاريخ" الشهير، وهو قريب من المحافظين الجدد ومعارض لبعض أطروحاتهم خاصة تلك المتعلقة بالحرب فقد قدم تفسيره الشخصي قائلاً:" إن المحافظين الجدد يقدرون جازمين بأن نهاية الحرب الباردة واندحار الاتحاد السوفيتي جعلهم محقين في حكمهم وأنهم على صواب في رصدهم للواقع الجيوستراتيجي الدولي، ومع ذلك كانوا مندهشين ومذهولين بأن الحرب الباردة وضعت أوزارها بأعجوبة بلا كوارث أو مجابهات نووية، وتحقق انتصار سهل وبدون مأساة كبيرة من خلال تحلل وتفكك العدو, ولم ينتظر أحد أو يتوقع حدوث ذلك بهذه الطريقة السلمية . وبلا شك فإن وولفوفيتز استوعب هذه الحالة وعكسها على الحالة العراقية وأعتقد بأن تحول العراق نحو الديمقراطية لن يكون أكثر صعوبة . من هنا نفهم قصور وعدم استعداد وغضب الجنود الأمريكيين لمواجهة انفجار العنف الهائل في العراق غداة انهيار نظام صدام حسين . والحال إن التحذيرات والنصائح لم تنقطع ولم تكن غائبة بل متوفرة ، ولكن بالرغم من ذلك واصلت الإدارة الأمريكية عملها ضد دوائر وزارة الخارجية الأمريكية التي كانت مصدر تلك النصائح وحذروا من حماقات السياسة العسكرية المغامرة في العراق. إلا أن دوائر المخابرات والاستخبارات المدنية " أي وكالة المخابرات المركزية سي آي أ " ، والعسكرية في البنتاغون ، وكذلك في أعلى هرم السلطة ، سياسياً وأيديولوجياً، حاولوا " تقنيع" أو " تضليل" الواقع العراقي وإخفاء حقيقته. وبناءاً على ذلك فإن المفارقة الأولى حصلت عندما كلف الرئيس بوش وزارة الدفاع " البنتاغون" بإدارة ملف ما بعد الحرب في العراق وتكليفها بإدارة المهام الأولى لمرحلة إعادة بناء الدولة في حين كان العراق بحاجة إلى إعادة بناء الأمة والوطن ، بالرغم من إلحاح دونالد رامسفيلد بأن هذه المهمة ليست شأناً أو قضية تعطى للعسكريين فهذا ليس اختصاصهم إلا أن هؤلاء العسكريين تقبلوها على مضض تحت إمرة زعيم هو رامسفيلد لا يوجد في رأسه سوى هم واحد وفكرة واحدة تدور في رأسه كهاجس يقض مضجعه ألا وهي عودة قواته بأسرع وقت ممكن إلى الوطن بأقل الخسائر الممكنة. فلماذا هذا الخيار؟ لأن جورج بوش اعتقد أن وزير خارجيته السابق كولن باول ودوائره ومؤسساته لينةأو رخوة واستسلامية وغير أهل للثقة لكونها ترددت في بادئ الأمر ووقفت صراحة ضد الحرب خارج الإطار الشرعي الدولي حتى لو كان موقفها الرافض قد تم بصور غير علنية.
المشكلة هي أن القوات الأمريكية وجدت عراقاً آخر يختلف عما هو عليه في أذهان القادة الأمريكيين من المتحمسين لشن الحرب . فلم يعد العراق كما كان عليه حاله في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، أي أحد البلدان الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط. لكنهم عندما غزا الأمريكيون العراق سنة 2003 وجدوا وطناً منهكاً مترنحاً يكاد يلفظ أنفساه الأخيرة مثخناً بالجراح ومستنزفاً وفقيراً مثقلاً بالديون وشبه متوقف في حركته ودورته الاقتصادية والإنتاجية من جراء سنوات الحروب العبثية الطويلة والكثيرة. بلد مصاب بالإعياء، مصدوماُ ومشلولاً بفعل طغيان واستبداد صدام حسين وعصابته ومعاناة سنوات الحصار والمقاطعة والعقوبات الدولية الظالمة التي خضع لها منذ العام 1991 والتي أجهزت عليه ودمرته بلداً وشعباً ، دولة ووطناً، لكنها لم تمس النظام بل زادته قوة وجبروتاً. أصبح العراق في مطلع القرن الواحد والعشرين من أفقر دول العالم الثالث ويفتقد لكل شيء، هجرته النخب والكوادر المتعلمة والمثقفة والمؤهلة فلم يعد لديه شيء يذكر ناهيك عن أسلحة تدمير شامل. فلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا وقود ولا نقل ولا صحة ولا خدمات عامة وبلا شرطة كفوءة ونزيهة ولا جيش وطني مجهز ومدرب وأصبح بلداً ينخره الفساد حتى النخاع.
المفارقة الثانية أن دونالد رامسفيلد شاء أن يثبت لقادة أركانه بأن الحروب العصرية الحديثة تدار وتشن بأقل عدد من القوات ، والحال أن التجارب السابقة، لاسيما في البوسنة والكوسوفو، أثبتت أن إعاد بناء دولة يحتاج على الأرض ،وفوراً بعد انتهاء الحرب ووقف المعارك، إلى أكبر عدد من الرجال والقوات والإمكانات . وقد نصح الجنرالات المخضرمين والمتمرسين وزير دفاعهم رامسفيلد بأن غزو العراق يحتاج إلى بضعة مئات الالاف من الجنود أضعاف ماهو موجود على الأرض حالياً إذ أن السيطرة على بلد مترامي الأطراف وإدارته مباشرة بأسلوب الاحتلال يتطلب أعداداً هائلة من الرجال والقوات والمعدات والإمكانات المادية والمالية والخبرات العملية .بيد أن وزير الدفاع الأمريكي السابق أراد تقليل وخفض عدد القوات فوراً بعد الانتصار العسكري السريع وإطاحة نظام صدام في الوقت الذي كان يجب أن يحدث فيه العكس تماماً أي أن تحدث زيادة مهمة في العدة والعتاد والرجال والمعدات والأموال.وكان رئيس أركان القوات البرية الجنرال إريك شينسكي ، الذي سبق أن أشرف على قوات الأطلسي في البلقان ، قد قدم العملية الحسابية التالية: " في البوسنة ذات الخمسة ملايين نسمة نشر الحلف الأطلسي قوة دولية لحفظ السلام قوامها 200000 جندي في حين في العراق ذو الخمسة وعشرون مليون نسمة متوزعين على بلد شاسع ومترامي الأطراف لم يتجاوز عدد قوات الإئتلاف الدولي 140000 مجند بينما يحتاج الموقف إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد ". وهذا ما أثار حفيظة وامتعاض وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد فقام على الفور بإقالة الجنرال شينسكي قبل الأوان أي إحالته على التقاعد المبكر.إن خطأ رامسفيلد في حساباته وتقديراته وعناده وغطرسته قد كلف الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً وكلًف العراقيين أكثر من الضحايا والدماء البريئة والانهيار الأمني والاقتصادي وجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً لحماقاته وعناده وعجرفته. فكل الخبراء أشاروا وحذروا من أنه غداة الانتصار العسكري المؤكد فإن أحد أهم العناصر الحاسمة والمؤثرة في مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على ضمان الأمن والنظام إلا أنه، ولعدم توفر العدد الكافي واللازم من القوات لم تنجح الولايات المتحدة في هذه المهمة. كان الإنتصارالأمريكي ولامبالاة القوات المحتلة قد أعطى إشارة لعدد من الرعاع لكي يقوموا بنهب وسرقة ممتلكات الدولة وحرق مؤسساتها مما عرف في العراق بعمليات " الحواسم" . وإزاء هذا الحدث المأساوي علٌق رامسفيلد قائلاً:" مع حرية بلا قيود ، الناس الأحرار كانوا أحراراً حتى في ارتكاب الأخطاء وارتكاب الجرائم وهم أحرار في أن يعيشوا حياتهم كما يحلو لهم وكما يريدون ويمكنهم تحقيق أشياء رائعة بدون خوف من سلطة وهذا ما سيحصل في العراق بعد الحرب".وكان أن احترقت بغداد ومدن عراقية أخرى منذ اليوم الأول للغزو واختفاء السلطة القمعية السابقة فمشاهد النهب والسرقة كانت متوقعة كما قالت ساندرا ميتشيل مسؤولة إحدى المنظمات الإنسانية غير الحكومية " فأي شخص شهد سقوط نظام ووصول قوة أجنبية لفترة مؤقتة يعرف أن عمليات السلب والنهب هي جزء من المشهد الطبيعي المصاحب لغياب سلطة القانون " ولم تشهد الأسابيع القليلة التي أعقبت انهيار النظام الصدامي أي تحسن في الوضع الأمني بل على العكس تفشى العنف وإنعدام الأمن وانتشار الجريمة والتصفيات الجسدية والاغتيالات وعمليات الخطف والسرقة والاغتصاب وشحة أو عدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود وفقدان المواد الأولوية، فسادت الفوضى . فأين الطبقة الوسطى التي تحدث عنها ديك تشيني ؟ وأين الإدارة النموذجية التي أشار إليها نويت غانغريش؟ وأين هي المعارضة السياسية الناضجة والنزيهة والكفوءة التي تحظى برضا الشعب وتمتلك قواعد جماهيرية ، لاسيما تلك التي تعمل في صفوف المؤتمر الوطني الذي يقوده أحمد الجلبي والتي يفترض فيها أن تكون مستعدة لتأمين حسن سير شؤون الدولة وتأمين البديل السياسي بعد قطع الرأس المتعفنة للسلطة السابقة والقبض على حفنة البعثيين المستأثرين بها ؟ يمكننا القول أن المحافظين الجدد تخيلوا عراقاً غير موجود ، ولكن بعد فوات الأوان . فالأمم المتحدة هُمٌشت وقتل ممثلها في العراق البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو في انفجار هائل وغادر. الأمريكيون يريدون عمل كل شيء والسيطرة على كل شيء لكن فعالية وقابلية وقدرة الآلة الحربية الأمريكية التي أطاحت صدام حسين في ثلاثة أسابيع كانت قاصرة وعاجزة حيث بان للعيان عدم كفاءة قوات الاحتلال في إدارة مرحلة مابعد الحرب و التي خسرت رصيدها بسرعة في الشارع العراقي المعادي أساساً لصدام حسين في غالبيته العظمى . ثم تراكمت الهفوات والأخطاء والتجاوزات بل والجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية الغازية. حلٌ بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي على العراق محل الجنرال المتقاعد جي غارنر الذي كان يرغب بتشكيل حكومة عراقية ائتلافية مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة لكنه لم ينجح في إقناع القوى السياسية العراقية المتواجدة على الساحة بالتوافق والتوحد في برنامج إنقاذ وطني مشترك. وتسلم بريمر مهامه كحاكم مدني للعراق ممثلاً للإدارة الأمريكية في 6 أيار 2003 وحكم العراق بذهنية دكتاتورية انفرادية وبأسلوب فرض الأمر الواقع على جميع القوى السياسية التي وافقت الدخول في اللعبة السياسية التي أعدها لهم.
وفي نهاية شهر أيار ، أي بعد أقل من شهر على تسلمه مهامه القيادية في العراق، أعلن قراره الكارثي المشئوم بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية كما حل وزارات كاملة وسرٌح موظفيها كالدفاع والداخلية والإعلام ، بالرغم من أن أغلبية الجيش العراقي لم تحارب القوات الأمريكية في حملتها العسكرية ولم يكن الجيش النظامي موالياً لصدام حسين إذ أن هذا الأخير كان يشك فيها ويخشى من تمرده وانقلابه عليه لمجرد أن تتاح له الفرصة وكان يخاف ويحذر من هذه المؤسسة العسكرية ولم يتوقف عن تسديد ضربات شديدة ومؤلمة لها وتطهيرها على نحو منتظم من العناصر التي يشك في ولاؤها . وهكذا أرسل بريمر أكثر من نصف مليون مجند من مختلف المراتب إلى بيوتهم بين ليلة وضحاها وبدون أية تعويضات ولا رواتب حيث اختفى العساكر ومعهم سلاحهم وخبرتهم العملية في القتال فالتحق جزء كبير منهم بالجماعات المستاءة والمتمردة الذين أعلنوا المواجهة المسلحة ضد القوات الأمريكية والقوى السياسية المتعاونة معها. كما تعرض آلاف الموظفين في وزارات الإعلام والتربية والتعليم لنفس المصير الذي أصاب العسكريين سيما المدرسين والمعلمين والصحافيين والأساتذة الجامعيين لا لشيء إلا لأنهم أعضاء في حزب البعث المنحل طوعاً أو قسراً وأغلبهم ليسوا بالضرورة مؤمنين بفكر البعث وأيديولوجيته أو موالين لصدام حسين بلا قيد أو شرط حيث أن نسبة كبيرة منهم إما انتهازيين أو مضطرين للدخول إلى الحزب بغية الحفاظ على وظائفهم وأعمالهم ومناصبهم وامتيازاتهم الوظيفية، وكان معظم هؤلاء فقدوا مواقعهم بموجب قانون إجتثاث البعث . وقد علٌق وزير الثقافة اللبناني الأسبق ومساعد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الراحل دي ميللو وهو الدكتور غسان سلامة، على تداعيات تطبيق قانون اجتثاث البعث قائلاً:" شبٌهت الولايات المتحدة الأمريكية العراق سياسياً بألمانيا النازية سنة 1945، وكان صدام حسين بنظرهم هو هتلر وحزب البعث الحاكم هو الحزب النازي إلا أن هذه المقارنة لم تكن دقيقة من الناحية العملية لذلك قادتهم إلى أخطاء فادحة نتج عنها قانون اجتثاث البعث الشبيه بقانون إجتثاث النازية الذي سمح بطرد البعثيين من وظائفهم ومناصبهم الحكومية . كما تم طرد 832 أستاذ جامعي بهذه الذريعة والذين لا يحتفظون ببطاقة الحزب إلا لكي يمارسوا مهنتهم في التدريس. ومثلهم 14 ألف مدير مدرسة ثانوية وابتدائية تركوا مواقعهم في لحظة بدء العام الدراسي وحلٌ مكانهم آخرون يفتقدون للخبرة والكفاءة . حتى أن بعض المواطنين في العراق استنجد مطالباً بتوفير طبيب أسنان جيد ولو كان بعثياً". ونفس التشخيص توصل إليه مبعوث الأمم المتحدة الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي وصل إلى العراق والتقى بكافة مكونات الطيف العراقي للمساعدة في تشكيل حكومة وطنية مؤقتة. وسرعان ما احتل رجال الدين محل الكوادر العلمانية المنتمية للطبقة الوسطى التي هاجر أغلب أفرادها للعمل خارج العراق مما أوجد نزيفاً في العقول والأدمغة المؤهلة الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إلى التراجع عن تطبيق قرار اجتثاث البعث ولكن بعد فوات الأوان.
يتبع



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: وقائع سنوات الجمرالحلقة الثالثة
- العراق: عام المخاطر والحلول؟
- العراق : نحو الردب؟
- إدارة بوش بين مأزق الهزيمة ووهم الانتصار في العراق
- دين السياسة وسياسة الدين في العراق الحلقة الثالثة
- نظرية الفراغ الأمريكية في القيادة والزعامة الزائفة
- الحلقة الثانية- دين السياسة وسياسة الدين في العراق
- دين السياسة وسياسة الدين في العراق
- العراق: تحديات المرحلة المقبلةتوافق وتسويات أم تدمير ذاتس؟
- إيران بين الحل الدبلوماسي واحتمالات المواجهة العسكرية
- قوة الردع الأمريكية بين الترهيب والاستهانة
- العراق بين نار الدكتاتورية وجحيم الفوضى
- الزعامة الأمريكية للعالم نعمة أم نقمة؟
- سيناريوهات الحروب القادمة على ضوء الحرب على لبنان.. الصراعات ...
- هل هي حقاً مبادرة الفرصة الأخيرة؟
- دردمات سعد سلمان تشريح لمأساة وطن إسمه العراق
- العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟
- أمريكا وإيران : الشرارة التي قد لاتنطفيء
- العراق: هل سيكون كعب آشيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ...
- أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أ ...


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العراق: وقائع سنوات الجمر-الحلقة الأولى