أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال نعيسة - مآتم أم أعياد؟














المزيد.....

مآتم أم أعياد؟


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 12:04
المحور: الادب والفن
    


مرّت الأعياد كئيبة حزينة ورتيبة، كالمعتاد، ولم تعد تبعث في النفس سوى الأحزان، والأشجان، والذكريات المريرة السوداء، والفرجة على عالم يسير نحو الهاوية بتصميم وعناد. لا شيء سوى أخبار الشؤم، والنحس، والموت، وكأنه قد زادت محرمات الفقهاء لتشمل الفرح وأياً كان مصدره ليشمل كل الطوائف والشعوب والأعراق. وأن هناك فتوى مقدسة بمنع الأفراح يحرص الجميع على الالتزام بها حتى لو كانوا أشد كفراً ونفاقاً من الأعراب. ويبدو أن هناك من هو مصمم دوماً على إفساد كل المناسبات السعيدة وتكدير صفو الحياة على الناس ولا بأس إن تبادل الضحايا والجلادون الأدوار؟ فجلاد اليوم هو ضحية الأمس، وضحية اليوم هو جلاّد الأمس، وهكذا دواليك في متوالية لا تخطئ البتة في أدائها النمطي الرتيب. ومن سنتضامن معه اليوم سنشرّع سيوفنا في وجهه يوم غد، وسنعلن فزعتنا المضرية على أصنام اليوم، وكل اللاتات والعزات التي نركع لها صباح مساء، لننحرها بتشف عار في الأضاحي والأعياد، ونتنكر، من ثم، لكل تلك الصلوات والعبادات، ونغسل أيدينا بلؤم بدوي فاضح من نجس الدماء الزرقاء. والأنكى من ذلك كله، أن لا أحد يتعلم، ولا أحد يريد أن يتعلم البتة، وكل في جهل، وغي يسبحون.

أحسن أمنية كانت ترجى للعائلة في سالف العصر والأوان، هي أن يشبّ أطفالها، ويتعلموا ويفرحوا بمستقبلهم وحياتهم. وكانت إحدى التهاني التقليدية التي تقدم للعائلة التي لديها أطفال هي التمني للصغار بالفرحة ورؤيتهم وهم شباب. تلك الفرحة التي صارت كائناً خرافياً كالغول والعنقاء، ولم تعد تتم أبداً، وصارت حلماً من الأحلام. واليوم، حتى لو قدّر الله لهؤلاء الأطفال أن يكبروا، في محيطنا الآسن بالمفخخات والمتفجرات ونوازع الثأر والحقد والانتقام، وإذا لم تمزق أجسادهم الأحزمة الناسفة ووابل الرصاص، فهم لن يصبحوا، وفي أحسن الأحوال، سوى إرهابيين، أو تكفيريين، ومعتقلين سياسيين، ومتسولين لتأشيرات الخروج من جحيم الأوطان على أبواب سفارات الأغراب الذين صاروا مصدر الفرح والوحيد والخلاص ليمارسوا بعد ذاك جحيم الغربة ومرارة الذكرى ويبكون نوستالجياً وحنيناً طفولياً على أوطان القهر والذبح الحلال، وهم تائهون سكارى يفترشون أعشاش الحب السوقي بين أفخاذ المومسات. وإذا تخطاهم مسلسل الرعب واللامعقول ذاك، فهم ليسوا سوى متسكعين، وكومبارس مهمل تافه في الشوارع المظلمة، والزواريب المعتمة الضيقة يبحثون عن عمل ووظيفة، وبيت يؤويهم من حر الصيف، وقر الشتاء.

أين هو فرح الطفولة الغامر العتيق ذاك الذي كان يلف الحياة؟ وأين هي طلة "العيد السعيد" وتبادل التهاني والأمنيات والزيارات والقبلات الحميمة؟ أين ذهبت تلك الوجوه الطافحة بالسرور والبهجة والحياة؟ وأين كل تلك الابتسامات العريضة التي كنت تراها على وجوه الناس؟ بل ماذا حلّ بالأماني العظيمة والمستقبل المشرق الزاهي الذي عاشت عليه الملايين المخدوعة من البشر سنوات وسنوات؟ ومن هو السبب في كل هذا الذي نراه؟ لم لا نرى سوى العيون الزائغة والساهمة والوجوه الحزينة التي يلفها البؤس واستجداء لحظة الخلاص؟ أين كان يختبئ كل هذا الحقد والحزن والسوداوية والنفوس الخبيثة وأين ترعرع أولئك الحثالات والرعاع؟ ومن أين طلع لنا كل هؤلاء الحمقى والمجانين والأشرار؟ إن أعظم أمنية ترجوها اليوم لعائلات تائهة في بحور الفقر والخوف والحرمان هي ألا يكبر أطفالها أبداً لكي لا تنفجر أدمغتهم وتتمزق شرايينهم وتتوقف قلوبهم فجأة وهم يتابعون هذا السيرك العربي الكبير المليء بالساحقات الماحقات القاتلات. كما صار أطفال اليوم، عملياً، هم أولئك الجثث المتفحمة من "كومبارس" الموتى، والأشلاء المتطايرة، التي لا يعبأ بها أحد. وصارت الطفولة ليست مؤشرات على الازدهار والتنمية، بل مجرد مشاريع مستقبلية للموت، وأرقام كئيبة في إحصائيات القتلى والمفقودين والمنحورين والأموات. لا بل ربما صارت أمنية "العقم" لكل العائلات هي أفضل التمنيات كي ينقرض هذا الجنس البشري الذي لا يعيش، ولا ينمو إلا على الحقد، والكراهية، والدماء. فهل هناك ما يفرح في ظل هذا الغدر، والتشفي، وثقافة الثأر والانتقام؟ وأية أعياد وحروب القبائل العربية-العربية، وغزواتها، مؤجلة بانتظار شرارة الاشتعال الكامنة في نفوس مفعمة بالضغينة والغل والأحقاد ؟

فهل أتى، فعلاً، زمن صار المرء يتمنى فيه أن يبقى صغيراً وألا يكبر، وأن يتوقف الزمن عند اللحظة، فهي وعلى عبثيتها، وتراجيديتها أفضل مما هو قادم بكثير، فالمستقبل غامض ومجهول ومرعب، ومهما كان الحاضر المر فهو أفضل من الغد القادم. بل ربما صارت الأمنية الكبرى ألا يكبر المرء أبداً، وألا تكون قد ولدته أمه بالأساسً؟ وهل صارت تهاني "العيد السعيد" ضرباً من المستحيل والمعجزات، وتعني شيئاً من التهكم، والسخرية، والاستفزاز في عالم لا ينتج سوى الحزن، ولا يجلب سوى أخبار التخريب والدمار؟ ما الذي جرى لعالمنا فعلاً، وهل هي حقاً مآتم أم أعياد؟



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَنْقُ رَئيس ٍعَرَبِيٍّ !!!
- خبر عاجل: وزارة الصحة السورية تعترض على محاكمة جنبلاط!!!
- اللّهم شماتة: انهيار المحاكم الإسلامية
- حكومة الظلّ الوهابية المصرية
- هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
- الكاميرا الخفية
- أهلاً بكم في تلفزيون الحوار المتمدن
- انطلاقة لعصر إعلامي جديد
- الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
- سيدي الوزير: لا تعتذر !!!
- كيف فضحتهم إيران الصفوية؟
- انتفاضة محاكم التفتيش السلفية
- الهَيْلَمة السياسية
- نساء مصر، و-كامب- الشيخ محمد بن عبد الوهاب!!!
- هولندا والمسلمون: نهاية حقبة
- الفياغرا في زمن البداوة
- هل يعود السفير الأمريكي إلى دمشق؟
- الأمّة الافتراضية
- إيلاف وليبرالية الأعراب
- محاكمة صدام: فشل سياسة الجواكر البوشية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال نعيسة - مآتم أم أعياد؟