أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تقنية - البوتو - في مسرحية - الراقص - لحازم كمال الدين: تثوير الطاقة الروحية، وإستنطاق شيفرات الجسد















المزيد.....

تقنية - البوتو - في مسرحية - الراقص - لحازم كمال الدين: تثوير الطاقة الروحية، وإستنطاق شيفرات الجسد


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1778 - 2006 / 12 / 28 - 11:41
المحور: الادب والفن
    


يؤكد الخبراء والمتخصصون في قراءة لغة الجسد أن الكلام لا يشكّل سوى 7% من القدرة على التعبير لدى الكائن البشري، أما بقية الرسائل، والشيفرات، والإيماءات، وردود الأفعال على اللغة المنطوقة لأي كائن بشري فأننا " نبعثها لا شعورياً عبر حركة الجسد، ونبرة الصوت، وتعابير الوجه التي تشكل نسبة 93% من القدرة الكلية للتعبير"، وهي من دون شك نسبة كبيرة جداً، ويمكن للإنسان أن يتصل بنظيره البشري من خلال هذه اللغة التعبيرية، والإيمائية، غير الملفوظة. ويذهب الخبراء بلغة الجسد الى أبعد من ذلك حينما يتخذون من امكانية الطفل في التواصل مع محيطه الخارجي من خلال هذه اللغة الإيمائية قبل أن يتعلّم النطق، ويبدأ بالكلام القائم على فهم معنى المفردة ودلالتها. وربما تكون الأجزاء الظاهرة من جسم الإنسان كالوجه بكل تفاصيله المتعددة واليدين هما الأكثر استعمالاً في هذه اللغة الجسدية التي تختزل جزءاً كبيراً من القدرات التعبيرية التي تكشف عن أعماق الكائن البشري، وتفصح عن أفكاره، وآرائه، ورغباته، ومشاعره الداخلية العميقة المخبأة. إن هيأة الإنسان من سمتِ رأسه حتى أخمص قدميه هي خزّان ثر لهذه اللغة التعبيرية التي تبعث الرسائل اللغوية وتستلم ردود الأفعال في الوقت ذاته.
إن الحديث عن مسرح الجسد والحركة يقودنا الى تنويه المخرج الى أن الفنانة البلجيكية تانيا پوپه هي التي ساعدت الفنانين العراقيين الثلاثة على الإنتقال بشخصياتهم الجسدية " من التشخيص الى التجريد، ومن الخيال الى الفعل، ومن الفعل الى الحركة " وجدير ذكره أن مسرح الجسد أو الأداء الحركي لهذا الجسد هو أسلوب انقطع اليه المخرج حازم كمال الدين منذ سنوات طويلة. وإذا كانت الفنانة ميا خرايب التي تعنى كثيراً بمحتوى النص، وبنائه الدراماتورغي قد أكدت هذا المنحى في سياق العرض، فإن الفنان كارل ريدرز هو الذي أسس في بلجيكا ما يمكن تسميته بـ " البوتو الكلامي " مستفيداً من تجربة الفنان الياباني أجي كاتا الذي أسس أسلوب البوتو الذي يعتمد على حركات الجسد، وإيماءاته، كما يستنطق البعد الروحي الكامن في أعماق الكائن البشري الفعال الذي لا يقف مكتوف اليدين أمام حدث ما، بل يرد عليه بطريقة ايمائية، حركية، نابعة من روح الإنسان، ومتفجِّرة عن عالمه الداخلي الغامض. أن الحديث عن أسلوب البوتو يفضي بنا الى العلاقة الجوهرية بين النص الذي كتبه الشاعر صلاح حسن بعنوان " الراقص أو مدينة اللا سلام " وبين العرض المسرحي الذي قدّمته " جماعة زهرة الصبّار المسرحية " في العاشر من ديسمبر الجاري في مبنى الجامعة الحرة بمدينة لاهاي الهولندية. فهناك بعض من المتلقين الذين أتيحت لهم فرصة قراءة النص الأصلي ومشاهدة العرض في آن معاً إلا أنهم لم يروا صلة ما بين الاثنين، أو بكلمات أُخَر، فقد وجدوا أن المخرج قد ابتعد كثيراً عن روح النص وثيمته الأصلية، غير أن المدقق لطبيعة النص المكتوب بصيغة بصرية ناجحة قريبة من اللغة الجسدية والأداء الحركي اللذين أشرنا اليهما آنفاً. كما انطوى النص نفسه على تأويلات محددة ومقبولة " لشخصنة " الجسد، والتفريق بينه وبين " الدماغ " مثلاً، فإذا كان الدماغ ينسى فإن الجسد هنا " يتذكر " أيضاً، أي يقف بموازاة العقل، ويبزه في كثير من المواقف والحالات. أن العمل مع الجسد، كما يشير المؤلف، هو " عمل عضلي وحسّي وميتافيزيقي لا يُشرح بالكلمات " وهذا يعني أن الجسد له خصوصية خاصة، وهو يشكل لوحدة حياة قائمة بذاتها، ومتفردة بسلوكها، ومتميزة بردود أفعالها، وهو ليس تابعاً للعقل وإنما يقف بموازاته، ويتجاوزه في المواقف الصعبة العصية. وهذه الخلاصة هي ما يبحث عنها المخرج حازم كمال الدين، بل أن هذه الأطاريح تشكِّل المداميك الاساسية لتجربة حازم المسرحية الذي يعتبر ردود فعل الأجساد " الذكية الفاعلة والمنفعلة " هي ردود فعل مرئية للكلام الصادر من جهة المُرسِل، وتكون هذه الردود في الأعم الأغلب ردود رشيقة معبرة خالية من الزوائد أو الترهل الحركي الذي يشير اليه المؤلف في متن النص. إذاً، يمكن القول أن هناك علاقة قوية بين متن النص وشكل العرض المسرحي الذي قدمه ثلاثة مسرحيون عراقيون شباب وهم أزل يحيى إدريس، باسم الطيب، ومخلد راسم الجميلي، إضافة الى السنوغراف علي كاظم. وقد جسدوا هذه العلاقة الحميمة التي أخذت شكلين: الأول تجريدي، قائم على " البوتو الكلامي " الذي يعتمد على الإيماءة وحركة الجسد، والثاني تشخيصي قائم على الأداء التقليدي البسيط الذي يخاطب حاسة السمع ولا يعير شأواً لحاسة البصر، وهذا التقسيم المتنافر هو الذي أفقد العرض جزءاً مهماً من هيبته البصرية، ومضمونه التجريدي الذي يخاطب الروح، ويراقب توترات الجسد وانفعالاته، بينما كان الخطاب الثاني الذي أُختتمت به المسرحية خطاباً سمعياً يحاور الأذن، ويمجد فكرة الإصغاء، الأمر الذي أفقدنا متعة مواصلة " الكونسبت البصري " الذي يراهن عليه حازم كمال الدين دائماً، ولا أدري لماذا ضحى به في هذه المسرحية على وجه التحديد.
لم يستثمر حازم كمال الدين متن القصة المسرحية برمتها، فقد أهمل الكثير من التفاصيل التي تتعلق بشخصية " الراقص " التي يتكئ عليها النص في مجمله. فبعد التغيير الدرامي الذي شهده العراق عام 2003، وغابت فيه دكتاتورية الفرد الواحد، والحزب الواحد، ظهرت دكتاتورية الطائفة الواحدة التي تريد أن تفرض نمطاً من الحياة الثيوقراطية في العراق التي تكاد تحرّم كل شيء تقريباً، ولعل الرقص هو أول المحرّمات خصوصاً إذا كانت المرأة غير محتشمة في ملبسها، أو كانت ترقص أمام أناس غرباء. فالرقص من وجهة نظر رجال الدين " مكروه لأنه يُسقِط المروءة " فكيف إذا كانت المرأة شبه عارية، أو الرجل مجرداً من بعض ملابسه؟ ولهذا فقد أجمع الفقهاء على ردّ شهادة الراقص لأنهم يعتبرونه مجرّداً من مروءته! ونتيجة لملاحقة الفنان، ومطاردة المثقف في كل مكان في العراق الجديد، فقد هرب الراقص من " مدينة اللا سلام " قاصداً السليمانية، حيث مكث هناك لمدة شهرين مع صديقه كاميران، ثم قفل راجعاً لأنه لم يجد عملاً، إضافة الى صعوبة تواصله مع الأكراد الذين لا يجيد لغتهم. وحينما عاد تلقفته الأجهزة الأمنية، وعذبته، ثم هرّبه أحد الجلادين لأنه كان صديقاً لإبنه، حيث منحه جواز سفر، وبعض النقود، وإتجه به صوب الحدود السورية، فكان الجلاد سبباً لتدميره وانقاده معاً. يتساءل الراقص باسم عن السبب الذي يدعوه لأن يرقص في بلدٍ يسمّي الرقص دعارة، ويعتبر الإصغاء الى الموسيقى حرام لأنه يُلهي عن ذكر الله، أو يُسقِط السامع في الترف؟ أما أزل فيتحدث عن سلسة الممنوعات والمحرمات التي طالت كل شيء، إذ تقتلك المليشيات إذا أطلتَ شعرك، أو شربت كأساً من البيرة، أو ذهبت الى الجامع، أو تناولت المُرطبات، أو شربت ماءً بارداً، أو ارتديت ملابس الحرس الوطني، أو لبست ثوباً أو شروالاً، وإذا لم تلبس شيئاً قتلك البرد القارس! وحينما وجد الحياة مستحيلة رسم دراجة هوائية على الجدار، وحاول أن يمتطيها ويطير. أما مخلد فقد طلرح جملة من المتناقضات التي تعكس الوضع الجديد الذي يقول أن الجميع يعيشون في سجن كبير، وأن التعذيب هو فن مثل الفنون التشكيلية، أو المعمارية، ويعتقد أنه يجب أن يعطي الراقص دور الملك أو دور المنظّف ثم ينتهي الحوار بجملة من الإعتقادات والتصورات الفنتازية حيث يتحول العرض الى ما يشبه ساحة المعركة. فالكوريوغراف من دون رأس، والراقص يبحث عن جسد، ليقول في النهاية إن هذا هو الرقص في العراق الجديد! إثنان يمارسان لعبة التعذيب والثالث يتلذذ، لذلك فقد استحق الممثلون ثلاث جوائز، الأولى أسندت للخراب، والثانية للشخصيات المبهمة، والثالثة للمتاهة الذهنية.
لقد نجح المخرج كمال الدين في استنطاق الروح، واستثمار توترات الجسد وانفعالاته عبر تقنية " البوتو " هذا الفن الذي يمكن أن نجد له صدى لدى غروتوفسكي الذي كان يعوّل كثيراً على الطاقة الروحية الكامنة في أعماق الكائن البشري إذا ما عرف المخرج الطريق الى ملامستها وتفجيرها، وقد لامس حازم كمال الدين هذه الطاقة وفجرها على مدار العرض المسرحي متحدياً بذلك اللغة المنطوقة، لكنه أخفق قليلاً حينما عاد الى التشخيص، ومخاطبة المتلقي بوصفه سامعاً، وليس رائياً متمترساً وراء الخطاب البصري، ومستمتعاً به.
وجدير ذكره أن كارل ريدرز وميا خرايب وتانيا بوبه قد أشرفوا على تدريب الممثلين القادمين من مدينة اللا سلام.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مونودراما - أمراء الجحيم - إدانة مباشرة لثقافة التطرّف والظل ...
- في المعرض الشخصي الجديد للفنان آراس كريم: كائنات متوحِّدة تس ...
- كاظم صالح في شريطه الجديد - سفر التحولات-: محاولة لتدوين الس ...
- ظلال الصمت - لعبد الله المحيسن وإشكالية الريادة الزمنية: هيم ...
- الخبز الحافي- لرشيد بن حاج: قوة الخرق والإنتهاك للأعراف الإج ...
- الشاعر العراقي كريم ناصر ل - الحوار المتمدن -: الشعر يستدعي ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: يجب أن أخرج بقارئي من المألوف المع ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أدلِّل النص و- أدلَِعه - مثلما أدل ...
- صباح الفل - لشريف البنداري: الإمساك بالمفارقة الفنية عبر رصد ...
- المخرج التونسي الياس بكار ل :- الحوار المتمدن-: أشعر بأنني ل ...
- الواقعية الجديدة في - العودة الى بلد العجائب - لميسون الباجج ...
- الفنانة فريدة تُكرَّم بدرع المُلتقى الدولي الأول للتعبيرات ا ...
- المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين
- في باكورة أفلامها الوثائقية - أيام بغدادية -: المخرجة هبة با ...
- عادت - العذراء - و - الصرخة - المسروقة الى جدار متحف مونش
- كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب ...
- درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي س ...
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تقنية - البوتو - في مسرحية - الراقص - لحازم كمال الدين: تثوير الطاقة الروحية، وإستنطاق شيفرات الجسد