أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميادة العاني - بين المقصلة والجسد .. قصة قصيرة














المزيد.....

بين المقصلة والجسد .. قصة قصيرة


ميادة العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


بعد اغماضة .. لا اعرف طويلة كانت أم قصيرة , فعامل الوقت في تلك اللحظة لم يكن في الخدمة.
فتحت عيني .. بحثت بتساؤل لا صدى له إلا في دفقات الدم في العروق ولهث أنفاس تتناوب مسرعة .. أقدام تركض , أصوات تعلو .. لا اسمع منها إلا الضجيج .
صور ضبابية تتابع أمامي بالكاد أميز حدود أشخاصها دون أن يتجرا أي منهم بالاقتراب مني .
يتعبني هذا المنظر .. اهرب منه إلى اغماضة أخرى أجد فيها شئ من راحة وكأنني احتمي بها من واقع لا انوي حتى مجرد التفكير به
لا مناص .. فالواقع يقتحم معتزلي ويعيد شريط الذاكرة لساعات مضت , حين كنت أول المهرولين في الركب وصوتي يتعالى فوق الأصوات في ذلك الزحام المكتظ من البشر .. خليط من وجوه ملائكية مستبشرة وأخرى فزعة ووجوه سلبت الدهشة منها مظاهر الحياة.
كان الوقت ليلا وحظر التجوال قد سرى منذ ما يقارب الساعة والنصف .. وحمد رجل شهم استجمع ما فطر عليه من غيرة لينطلق بنا بسيارته غير آبه لما قد يواجهه من مخاطر .
حين وصلنا !! خابت آمالنا إذ لم نجد حميدا آخر يشهر في وجهنا غيرته أو بعضا من إنسانيته .. بل وجدنا من يطلق علينا بلادته مسبوقة بجيوبه العفنة.
لا مفر من المسايرة فما نحن بصدده أهم من (( إضاعة الوقت )) في التفكير بقيم ومبادئ ((بالية )) فلا ننسى إننا في (( مقصلة )).
انتظرنا .. ثم عاودنا الانتظار فنحن لا نملك إلا أن ننتظر , لا احد يلتفت إلينا .
توجهت نحو صاحب الوجه المبتسم واللباس ذو الأجنحة البيضاء المنشغل بالهاتف منذ مدة (( ربما لأمر هام وخطير .. قلت في نفسي )) حين اقتربت منه تناهى إلى سمعي بضع كلمات متقطعة لاكتشف إن ابتسامته ناجمة عن لحظة غزل فرضت نفسها ساعة يعانق الموت بعضا من أجساد سقيمة .
ولان يده مشغولة بسماعة الهاتف والأخرى بتعديل شعيرات تناثرت جراء ضحكة مجلجلة .. فلا مانع من التسويف .. وعلى الجميع أن ينتظر إذ لا ضير من مكالمة تدق مسمارا في المقصلة لتنبت سلالة من ملائكة (( مجرمين )) مجنحين
وصل الصبر إلى أقاصيه وكان لابد من صرخة تسمر الجميع لدويها .. وتوقف السيرك عن عروضه واندفع اللاعبون نحونا بشكل لافت كل يقدم عطائه بسخاء غريب .. حتى تقدم نحونا ذلك الوجه الحاد الشكيمة ليقطع بصوته دابر الأصوات وينهي الأمر بضرورة التوجه إلى مقصلة أخرى وبسرعة فالجهاز الذي تحملنا بسببه عروض السيرك ونحن نغلي على بركان الصبر والأمل ((عاطل )) .
كان علينا التحلي بالحكمة فالليل قد جاوز انتصافه ولا من حميد آخر هنا والوضع يحتم علينا إمساك العصا من المنتصف فسألته باهتمام وسيلة نقل فأجابني بالإيجاب دون أن يتنازل عن شكيمته الحادة .
انطلقنا مسرعين وقلوبنا تخفق بشدة اختلط فيها الخوف والتوتر والبرد.. كنت استشعر حرارة احتكاك العجلات بإسفلت الشارع .
حين وصلنا .. ظل السائق ورفيقه يراقبان حركة يدي .. فدسست في جيبيهما كسرة ضمير وبقايا حياء .
دخلنا إلى قاعة كبيرة مقسمة بستائر تخفي خلفها أجسادا سقيمة فانزوينا خلف احدها , واستقبلنا وجه ملائكي يطير بأجنحته البيضاء يشاطر رحمة الكون في إنسانيته (( شتان بين الخلائق )) .
كل الوجوه السقيمة كانت به مستبشرة إلا وجه أخذته الغيبوبة ليعيش في ملكوت آخر وجسد أتعبه حقن الإبر وخارت قواه من أجهزة وأنابيب تخترق أحشاءه لتهبه لحظة حياة .
جبال أسى ألقت بكاهلها على حطام أرواحنا المترقبة
كنت أكثر الموجودين جرأة وصلابة وربما أكثرهم حاجة للبكاء .
جلست إلى جوار الجسد المنهك والمتورم ارقيه بحذر وامسك بيده .. لم يكن متشبثا بالحياة وكنا أكثر تشبثا بأنفاسه .
الفجر يمد أشرعته على مدياتها والنعاس ينهك أجسادنا والخوف يمنع الأجفان من الاستسلام له . عقارب الساعة تقف خطا عموديا , انه موعد جرعات الأمل , رفعت الستار واتجهت نحو منضدة دائرية كبيرة تتوسط القاعة حيث يجلس الملاك يرقب التأوهات الخافتة
اقتربت منه جفناه كانا قد استسلما للنعاس , آثرت العودة وتقديم الجرعات بنفسي
يدي لم تفارق الجسد المسجى على الفراش الأبيض .
أشرقت الشمس وبدأت أشعتها تخترق المتاح لها من فراغ دونما استئذان .. بدأت الحياة تلقي بظلالها أحسست بالخطوات تتزايد خارج الستار .. تتباعد وتقترب تعلو وتخفت دونما اكتراث للأجساد المنزوية خلف الستائر .
بضع خطوات يشير وقعها إنها لشخصين أو أكثر بدت أكثر اقترابا .. ولا زالت تقترب حتى امتدت يد لإزاحة الستر .. ليطل الوجه الملائكي يصحبه آخر اكبر سنا وأكثر حزما .. اقتربا من الجسد وكان الأكبر سنا أكثر تقدما وبدا بتفحصه وبعد أن رفع سماعته التفت إلى رفيقه أن يدون في قصاصة (( الساعة 8.10صباحا .. ينقل إلى ثلاجة المشفى )) , واستدار نحونا بحنو فيه مسحة حزن وبنبرة أبوية استدرك كلامه بعبارة (( إنا لله وإنا إليه راجعون ))
انسحبت بصمت انزويت إلى بقعة نائية ثم هربت إلى اغماضة أخرى



#ميادة_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضع خطوات نحو .. لوركا
- المراة الاعلامية .. بين المتاح والمفروض
- هذيان بعد منتصف الحلم
- هواجس متأرجحة
- سكرات البكاء
- لدمك يصرخ المدى
- قراءة اولية في .. معطف غوغول
- تم امرأة رد
- طقوس تجر اذيال خيبتها
- اعدام مؤجل لربيع مقيد بالبراءة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميادة العاني - بين المقصلة والجسد .. قصة قصيرة