أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كرم - رمضان وفاتنتي التبغية















المزيد.....

رمضان وفاتنتي التبغية


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1701 - 2006 / 10 / 12 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


أتذكر جيداً معاناتي المتكررة خلال شهر رمضان من كل عام في الكويت ، والتي تتمثل في الأوقات التي أبتعد فيها قسراً عن رفيقة دربي ( سيجارتي ) الحبيبة ، فخلال فترة الصيام تتعطل عندي تقريباً كل أجهزة الاستقبال والإرسال الذهنية ، وتُصاب ماكينة التفكير لديَّ بالعطب ، منتظراً لحظة رفع الحضر عن الطعام والشراب والتدخين ، في بلدٍ لا تملك فيه سوى خيار الامتناع عن كل ذلك تضامناً إجبارياً وأدبياً مع حالة الصيام السائدة في المنزل والعمل والشارع ..

لستُ شغوفاً بالطعام واكتفي بالقليل منه على مائدة الإفطار ولا ألبث أن أنتهي منه سريعاً أتحرّق شوقاً لملامسة شفتيْ معشوقتي الأبدية ، السيجارة الطازجة ..

الإفطارعندي لحظة هامشية ، بينما تبادل الهمس الشفيف مع لفافات التبغ حالة أساسية ، وأستغربُ كثيراً من الكلام الذي يتردد ، من أن شهر رمضان فرصة مناسبة لمن يريد ترك التدخين ..

شخصياً في رمضان أتألم لفراق حبيبتي وأنتظر موعد قدومها لأعانقها بدفءٍ وحميمية ، وشهر رمضان يجعلني أشعر بألم الفراق فأزداد تعلقاً بمحبوبتي الأثيرة ، وأجدني مضطراً لفراقها بضع ساعات لأعود إليها متلهفاً وعاشقاً بطولياً ونرجسياً في بعض الأحيان ..

وأتذكر أنه حينما اشتكيتُ لصديقة رائعة عن عدم قدرتي على الكتابة أثناء فترة الصيام ، على اعتبار أن الكتابة عادةً ما ترافقها زميلاتها الرشيقات الفاتنات ، السيجارة والقهوة والشاي ، فنصحتني أن أكتبَ شيئاً له علاقة بالطعام قبيل وقت الإفطار لعلي ( أبدع ) في هذا المنحى ..

ولا أدري حقيقةً كيف أفسّرُ حالة الخدَر اللذيذ الذي يتسرب برفق إلى أطرافي عندما تهديني معشوقتي ومحظيتي سيجارتي قبلتها الأولى الشهية بعد وجبة الأفطار مباشرة ، وفي مرات عدة أتحسسُ أصابعي من شدة تعلقها المفرط بلفافة التبغ الرشيقة خوفاً من أنها ربما قد فقدت في لحظةٍ من اختلال توازنها جاذبيتها البيلوجية تجاه السيجارة ، فضلاً عن إيماني العميق بمقولة الروائي ( جلبرت ) الذي يجد في السيجارة أصبعه السادس ..

وربما تبدو علاقة التدخين بالكتابة مجرد وهم أو تخيّلا ً ذهنياًً لأني في مراتٍ كثيرة أحرق الكثير من السجائر ولا تتمخض الكتابة عندي عن شيءٍ يذكر ، ولكن في مطلق الأحوال لا يمكن لي أن أتصور أني أستمتع بغواية الكتابة من دون أن أتلاشى غراماً في سديم الدخان ..

وجربتُ أن أكتب شيئاً يتعلق بالطعام قبيل موعد الإفطار بساعةٍ أو ساعتين ، بناءً على نصيحة صديقتي ، على اعتبار أن كل الحواس مستنفرة تلقائياً باتجاه ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات ، ولكني للأسف لم أفلح في ذلك نتيجة عدم قدرتي على تجلّي روح الحس التذوقي في أطعمتنا الخليجية الرمضانية التي تتسم عادةً بالدسومة وتفتقد الإبداع التنوعي وما زالت مختصرة على ( الهريس والقبوط والتشريب ) ، وعلى النقيض من ذلك أتذكر في هذا المجال ما أبدعته الروائية ( إيزابيل الليندي ) في تجربتها المثيرة مع الأطعمة المتنوعة وتجليها الجميل لها وانعكاساتها المؤثرة على الأمزجة كما ذكرت ذلك في روايتها ( أفروديت ) ..

وعودة إلى العشق الأبدي للسيجارة وافتقادي لسحرها ورفقتها الممتعة أثناء فترة الصيام ومدى تأثيرها البالغ على التجاذب الخلاب مع عالم الكتابة ، أوردُ كلاماً جميلاً للناقد السعودي الأستاذ ( محمد العباس ) في معرض حديثه عن التدخين وزمرة المدخنين حيث يقول :

( لنتفلسف بعض الشيء حول السيجارة وسأستعين هنا برتشارد كلاين فمهما تكن علاقتك بالسيجارة ، ومهما يكن رأيك بالتدخين فان رتشارد كلاين سيضعك في عالم واسع من التجليات الثقافية والاجتماعية والسلوكية ، من خلال كتابه المثير " وجاهة السيجارة " ، الذي يستعرض فيه النشوة الممتعة التي يتحصل عليها المدخن حين يملأ رئتيه برائحة التبغ، أو قدرة الفنان على الابداع من خلال علاقته الوثيقة بالسيجارة ، أو احساس المدخن أحيانا بالتحضر والانتماء، وربما الشعور بالعظمة أو البطولة ويستند كلاين في تحليله لسر التدخين الى تعريف الفيلسوف كانت لمعنى السمو أو الوجاهة باعتبارها حالة فردانية لتجاوز عوالم الخوف والألم والقلق والوقوف في وجه الصدمات ، فيصف عالم السيجارة الخطر صحيا ووجدانيا ، كما يؤكد على احتمالية النقيضين في هذا العالم فيشير الى المتعة في مقابل الضرر الصحي ، والنكهة في وجه الموت المحقق ، الا أنه لا يستحضر الروح الوعظية في خطابه مطلقا ، فالسيجارة حسب رؤيته تحمل متناقضات سافرة ، لكنها متجاوزة ، فهي أداة قاتلة لايقاع القلب ، معطلة للحواس ، الا أنها وسيلة للتركيز في العملية الابداعية لدى البعض ، انها محظية جميلة ومتوحشة كما يصفها ، والأهم انها رفيق وفي ، ويستمر في الطرق على زوايا يتقن أهمية حضورها ليجيب عن سر الرغبة في التدخين ، فلماذا يفضل الجندي أو السجين تدخين سيجارة عوضاً عن الدعاء حين يكون في مواجهة دبابة أو على منصة الاعدام ؟ ولماذا هي ضرورة عصرية ؟ ولماذا صارت اسطوانة التوباكو الورقية تلك ، تعويذة الانسان في العصر الحديث ؟ أما الاجابة فهي رحلة طويلة في شتى ضروب الثقافة، والسينما ، والاوبرا ، والشعر ، فنحن ندخن لنتجاوز الخوف والقلق ، وكل شرور العالم التي لا يمكن ان تتجاوز الا بالدخول في طقس رديء ، لذلك نضيف السيء الى ما هو أسوأ في لجة النيكوتين التي تعصمنا من الاستبصار أو الحضور ، اننا بهذه الرفعة الصورية نخفض من مستوى القلق الانساني تجاه كل ما هو منغص ومقلق وليس تجاه شيء محدد نتسيج ضد الخوف والاحباطات واللاتوازن )

والحديث عن الدلالات الثقافية للسيجارة وعلاقتها بالكتابة والإبداع كما تطرق له الأستاذ الناقد ( محمد العباس ) حديث شيّق وممتع وشاسع ، ولكن بعيداً عن هذه الدلالات الثقافية ، كنتُ أجد متعة كبيرة في ترك التدخين لفترة من الوقت وهي ساعات الصيام لأعود إلى سيجارتي الشهية أكثر اشتياقاً وولهاً ، وقد تكون هذه بمثابة توبة مؤقتة عن السيجارة أثناء الصيام ، والعدول عن هذه التوبة بالنسبة لي هو الحقيقة الصائبة ، ربما امتثالاً لقول الشاعر مظفر النواب :

( كلنا قد تابَ يوماً ثم ألفى نفسه قد تاب عما تاب ) ..




#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن تكون نفسك
- الممشى وصناعة الأفكار
- ماذا لو حضر الحب وغابت الكراهية
- المجتمعات وهيمنة الموروث الثقافي
- المنتصرون بثقافة الموت
- الإصلاح والثقافة الصنمية
- لبنان .. حلمنا المضرّج
- الجميلون لا يغيبون
- كيف نفسّر للأطفال بشاعة الحرب
- هل يعشق اللبنانيون الحرب
- الوعد الخادع
- إيطاليا ملَكت العالم
- الصومال في المأزق الديني
- الثقافة صانعة الحياة
- الانتخابات الكويتية : المرأة خذلت المرأة
- الإنسانيون وقيم الفرد
- مجتمعات المعرفيات الفاعلة
- الزرقاويون الحزانى
- ألمانيا 2006 وسحر الحبيبات
- التفكير فعلٌ في الخَلق


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كرم - رمضان وفاتنتي التبغية