أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال الشريف - التوحش !! قصة قصيرة















المزيد.....

التوحش !! قصة قصيرة


طلال الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


أثناء زيارتنا لأحد المعارف، الذي عاد من أميركا في زيارة مؤقتة للأهل، بعد غياب دام أكثر من ست سنوات، وبينما، كنا نحتسي الشاي، فإذا بصوت طلقات نارية كثيفة في محيط البيت، فتدافع الحضور إلي الخارج لاستطلاع الأمر، وللوهلة الأولي، تصورت أن هناك اجتياحاً إسرائيليا، لأن البيت كان علي أطراف البلدة، وهمست لصاحبي، الذي أصر علي هذه الزيارة، وقلت له لقد تورطنا هذه المرة، نحن الذين نسكن وسط مدينة غزة، ولم نر اجتياحاً من قبل، كتلك، التي كانت تحدث علي الأطراف.

وما إن نظرنا من خلف الباب الخارجي لرؤية ما حدث، فإذا بمجموعة من المسلحين، وهم في حالة عصبية جداً، مستحكمين بمواقع استنفارية في الشارع ويطلقون النار، وبالقرب منهم سيارتين جاهزتين للانطلاق، وقد خلا الشارع من كل مخلوق.

وبعد أن هدأ وطيس المعركة، وانجلي غبارها، استطعنا الخروج إلي الشارع، وكان قد انسحب المسلحون، فتبين أن شقيق الرجل الذي نزوره، وهو يسكن بالقرب من البيت الذي تواجدنا به، هو المستهدف، وقد أطلق المسلحون النار للتغطية علي عملية ضرب مبرحة تعرض لها من قبل المهاجمين، وليس بدافع القتل.

وفهمنا بعد ذلك أن هذا الشقيق يعمل سائق كارة بحمار، ويعمل بسوق الخضار، وقد حدثت بينه وبين أحد الباعة إشكالية أثناء مرور الحمار بالقرب من بسطة هذا الرجل، وقد انتهز الحمار الفرصة ليشفي جوعه، فأكل بشراهة كمية من الكوسا والذرة من بسطة البائع، واشتبك سائق الكارة مع البائع وابنه بعد أن شتموه شر شتيمة ، ويبدو أنه لكمهم، فأطاح بوالدهم أرضا.

ولأن الناس في بلادنا، أصبحوا،جميعاً منتمون إلي الجيوش الجرارة الكثيرة المنتشرة في قطاع غزة، مما زاد من حالة الاستنفار والاستقواء التي تطورت بفعل الاغلاقات، والفقر، والحصار، ولزيادة الهم، والاستنفار، فإن الواحد منا إن لم يستنفر في اليوم الواحد مرة من الجيش الإسرائيلي، فمؤكداً، سيستنفر مرات، بفعل العائلة، والشلة، والفصيل، والجيران، التي أصبحت العلاقات بينهم، هي علاقات مسلحة، وعلاقات القوة، وليست علاقات جيرة كالسابق، مستعرضين عناصر قوتهم علي بعضهم البعض عمال علي بطال، وكأنه كتب علينا التخلص من كل الصفات الإنسانية إلا من هذه الصفة البغيضة من نصرة الأخ والصديق دون تدبر الأمر ( سلاحك واجري وين في طخ, طخ ) لأي سبب كان .

إلي هنا، لم أستغرب من شيء، فهذا حالنا منذ مدة ، فقد غابت السلطة، وغاب القانون، وانفلت عقال الفوضى، والقسوة، والتوحش، وأصبحت الحالة عامة والإصابة طامة، إلا ما رحم ربي، من عائلة صغيرة أو مجموعة ضعيفة لا تتغطرس بالقوة والعدد، أو من لم ينتم إلي أحد الجيوش وهم قلة رغم أن استطلاعات الرأي تصورهم بأنهم أغلبية.
وأقول جيوشاً وليست عصابات، ليس مواربة، أو مقتضيات السياسة، أو التلميح أو التجمل، ولكن حقيقة الأمر تستدعي تلك التسمية، حيث أن هذه المجموعات حتى العائلية منها، والحاراتية، تمتلك من البنادق والقنابل والصواريخ، والعربات ما لا تمتلكه السويد، أو النرويج، ولها قيادات ميدانية ومنظرين، وقادة صف أول، وصف ثاني، ولولا أن الطائرات لها حجم كبير، لا يمكن تهريبها، لكانت، شلة أو عائلة معينة تمتلكها. ولكن الشيء المحير، والذي لا نعرفه هو من أين يأتي المال لشعب فقير مثل شعبنا. سيارات ضخمة وثمينة ووسائل قتال واتصال ومصاريف جارية ولوازم كبيرة.

كل ذلك، لم يفاجئني حقيقة، فنحن نعيش المأساة، ولا نحس بغرابتها ، لكن، ما صعقني، أننا ذهبنا ضحي اليوم التالي لنكمل حديثنا مع أستاذ العلوم( .....)، القادم من بلاد الحضارة ، أميركا، لنطمئن عليهم بعد نيران الليلة السابقة، أو لعلنا، أيضاً، نستمع من البروفيسور إلي أشياء، أو حكايات من بلاد الحضارة، قد تخفف عنا، وطأة الحالة الغزاوية المتوحشة.

وما إن جلسنا مع البروفيسور ،حتى وجدناه غير الأمس تماما، فقد كان يحمل علي خصره مسدساً، ويضع إلي جانبه كلاشنيكوف، وشباب العائلة ملتفين حوله، ومستنفرين، بكل أسلحة الدمار الشامل،فقلت له ماذا جري لك؟ وما هذه الأسلحة التي تحملها؟ وتوقعت أن يقول لي، بأن أقاربه قد خافوا عليه لاعتبارات الثقافة، والعلم، والمقام المحترم، فحملوه هذه الأسلحة غصباً عنه للدفاع عن النفس عند الضرورة، ففاجأني بمصيبة أكبر من الأولي، بأن الأستاذ الجامعي الذي يحمل شهادة الدكتوراه، المتعلم كثيراً، والمثقف كثيراً، والذي يدرس لطلابه آخر تعريف للتعلم، بأنه تغيير للسلوك، بأنه هو الذي قرر، وخطط، ووضع الأهداف، ومول الأقارب لقتل المهاجمين، مهما كانت النتائج.
فقلت، أن الرجل قد يكون عمل هذه الألبندة لامتصاص النقمة من أقاربه، ثم يبدأ بتفكيك الموقف، فأخذته جانباً، وقلت له يا أستاذ هذا أسلوب غير حضاري، وغير طبيعي، ويجب عليك، أن تكون أعقل من الآخرين، الذين حكمت عليهم ظروفهم بالعصبية، والتهور، فما كان منه إلا أن تركني جانباً وأعطي الأوامر بالتحرك إلي منازل العائلة الأخرى، والتفت إلي ثانية، وقال كان معهم طبيب يطلق النار وما في حد أحسن من حد، فصرخت به قائلاً إذا كان طبيباً أخطأ التقدير ،فلا يجوز أن تفعل مثله، ولم يستجب، وركبوا سياراتهم، وهو في مقدمتهم، وانطلقوا للقتال.

عند ذلك، غادرت أنا وصديقي إلي بيوتنا، وفي الطريق أخذ صديقي يضرب كفاً بكف، ويقول ماذا جري؟ لسنا وحدنا كمجتمع فلسطيني تنتابه الحالة المتوحشة، فهذا ابن أمريكا، الذي تعلم الحضارة الغربية، ويحمل شهادة الدكتوراه، وفي العائلة الأخرى طبيباً تعلم في روسيا يهاجم بيت عربنجي ويطلق النار ويضرب مع الضاربين.
فقلت نعم هذه كارثة، أن يصبح البروفيسور والطبيب كليهما رئيس عصابة وذهبوا ليقتلون من أجل حمار .!!!!
أين العلم؟ الذي يقول عنه الدكتور جابر عصفور في كتابه" حلم الدولة المدنية"، "بأنه يخلق في الإنسان قلباً نقياً، وروحاً مستقيمة، ويجعله ظافراً بكل الصفات الصافية، وفاخراً عن كل ما يشين الجوهر الإنساني ، ولا يترك سبيلاً إلي التفكير في الأمور الدنية، والآمال المنحرفة وهو الأمر الذي تشتق منه كل أفعال الشر، وعليه تبني كل دعائم التوحش".
وأخذت أتساءل بصوت عال مع صديقي ، كم هي السنوات التي يقضيها الإنسان من عمرِِه حتى يصبح طبيباً، أو بروفسورا، وكم من جهد يبذل، وكم من تكاليف تدفع طوال مدة تعليمهم، من المدرسة، وحتى، الجامعة ناهيك عن الغربة المرة ، فيرد علي صديقي ما بين عشرين وخمس وعشرين سنة قضاها هؤلاء، لينتهي بهم المآل إلي رئاسة عصابة للقتل من أجل الحمار.

أين هي الطريق يا شعبنا ؟ العقل أقوي من كل الأسلحة. عودوا إلي رشدكم والعود أحمد.



#طلال_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أباتشي اتنين وزنانتين !!!!
- سنذهب الي بحرنا كل يوم يا جاك !!!!
- ياشيخه هقوشتيني !!!!
- رنا يا حلوة الحلوات!!!!
- إن الحرب تشتعل !!!
- لا تبك يا طيب !!
- أبد أبد !!!
- مريدون ... للنذل والحرامي والديوث !!!
- المنجليط .. والمنجلوط !!
- اخلاص حتي اللحظات الأخيرة !!
- اصابات متكررة .. بنيران صديقة !!!
- قدر !!
- من تخرج السين .. ثيين
- هل كان فوز حماس ... خير لابد منه ؟!!
- احرث وادرس كله لبطرس!!!
- نداء ... للتراث !!!
- سويلم والتمارييز
- لأحبائنا ...هذا النداء !
- موال ...حليمة وقدري !!!
- ِِِِِِعندما اكتشفت البروفسورة( .... ) أن المتر يساوي ثمانين ...


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال الشريف - التوحش !! قصة قصيرة