مغامرة ام مقامرة

خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 1618 - 2006 / 7 / 21 - 10:08
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

ينبغي أن يكون للمرء قدرة كبيرة على اجتراع الفكاهة السوداء لكي يستوعب النكتة التي أطلقها اجتماع الثمانية الكبار في بترسبورغ الروسية في ندائه الختامي والذي دعا فيه حزب الله أن يوقف هجماته على إسرائيل!!

نعم ليس هناك أي لبس فقد قالوها وبالحرف:

على حزب الله أن يوقف هجماته على إسرائيل!

وقائع الاعتداء الإسرائيلي الهمجي على لبنان يوميا تبطل منطقيا بالتأكيد هذا الادعاء السمج والفهم المشوه والتحريفي للواقع ولكن هذه الوقائع ذاتها ـ الهجوم الإسرائيلي وبيان الثمانية الكبار ـ تؤكد بما لالبس فيه إن عالمنا هذا لايسكنه العقل وليس للمنطق فيه مكان وعليه لايمكن الحديث فيه عن العدل والمساواة والحقوق والحريات وغيرها من مفردات الاسطوانة التي تلهج بها الدول الأوربية الكبرى. ولا داعي بطبيعة الحال الحديث هنا عن أمريكا سيدة الغطرسة والعربدة والاستهتار العالمي ودورها التكميلي والتحريضي في تحطيم لبنان ونزع الاستقرار عن المنطقة.

هؤلاء على أية حال أوربيون وهم في مسار التاريخ الحديث خصوم تقليديون لمجتمعاتنا العربية وشعوب العالم الثالث ولا لوم كبير يقع عليهم إن هم انحازوا بطريقة وقحة لجانب العدو الإسرائيلي لكن مابال ( الأشقاء) العرب؟ لماذا وقفوا بطريقة مفضوحة مبررين العدوان وموفرين له الأعذار والغطاء؟

لعملية حزب الله الجريئة ضد جنود العدو الإسرائيلي انتقادات ومآخذ عديدة بعضها يختلف مع التوقيت وبعضها يؤاخذ الحزب على مايعتبره تأدية مهمة لإيران أو سورية وهؤلاء بعمومهم تجمعهم مع حزب الله والمقاومة اللبنانية أرضية وطنية مشتركة. لكن البعض الآخر تبنى في نقده أو بالأحرى هجومه على عملية حزب الله أجندة ومبررات ومنطق العدو الإسرائيلي نفسه ومنحه بهذا التبني التسويغ المعنوي الكافي ليتمادى في استهتاره وغطرسته. من هؤلاء المنتقدين الداعمين لموقف العدو الأنظمة العربية ( الحكيمة والعاقلة)، التي جمعت بين العجز وانعدام الرغبة في اتخاذ موقف عملي، كالنظام السعودي المتحجر والنظام المصري وبقية المابونين.

الأنظمة هذه، وبالذات النظام السعودي، لايحركها في موقفها بلوم حزب الله لتجرئه على إسرائيل الحكمة والتعقل كما تدعي وإنما أجندة وأولويات أخرى أساسها وضع إيران الإقليمي وتحسسهم منه واعتباره أكثر خطرا عليها من إسرائيل. كما لايخفى هنا البعد الطائفي الذي يغلف هذه المواقف، فلهذه الأنظمة قلق معلن من مد شيعي في المنطقة وجد تعبيرا له في الخوف من المثلث الشيعي الذي قاوموه بزجهم لطاقاتهم (المباركة) في العراق لتدميره وتخريبه وإشعال حرب أهلية فيه.

المنتقدون الآخرون والذين أذهلوا الجميع بمواقفهم هم من يسمون أنفسهم باللبراليين العرب الذين اخذوا يدبجون مقالاتهم في ذم حزب الله وكل فكرة المقاومة دون ذكر يستحق لعدوان إسرائيل وهمجيتها المفضوحة ملقين وراء ظهورهم خمسة عقود من الصراع والتعدي الاسرائيلي. واخذ بعضهم، على سبيل المثال، يصف، في سرده لتاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي، عدوان إسرائيل في عام 1982 على لبنان بان إسرائيل قد نفد صبرها آنذاك بعدما تمادى الفلسطينيون في تهديد حدودها الشمالية فاجتاحت لبنان. وكأن الفلسطينيين، في هذا الخطاب، هواة عنف وتخريب ولم تشردهم إسرائيل من أرضهم وتخرب حياتهم.

وفي حمى هستيريا الغضب على عملية حزب الله نكتشف فجأة أن اللبراللين العرب يؤمنون بنظرية المؤامرة التي صدعوا رؤوس العالم بنقدهم لها بل مهاجمتهم إياها في مواجهتهم المسعورة مع القوميين والإسلاميين( وهؤلاء بالمناسبة يشكلون مع اللبراليين وجهين لعملة واحدة) فتصير هناك مؤامرة سورية إيرانية بتوظيف حزب الله لإثارة الحرب في المنطقة من اجل أجندة سورية إيرانية( ليس مصادفة إن أعداء اللبراليين العرب هم أنفسهم أعداء أمريكا وإسرائيل) بينما لايجوز الحديث عن أي مخطط لأمريكا وإسرائيل في المنطقة وعادوا بنا كما يعودون دائما إلى أطروحة أن المفاوضات السلمية هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق وبهذا يحاولون الإيحاء لنا وكأن إسرائيل هي حمل وديع يسعى لاهثا للتفاوض فيما العرب هم الذين يرفضون مصرين على العنف، ولا يفوتهم بطبيعة الحال أن يذكرونا هنا بمثالهم التاريخي الملهم ( السادات) ومصر وكيف أنهما استردا مافقداه من ارض بالمفاوضات، متغافلين أو جاهلين ربما أن إسرائيل ماكانت لتجلس مع مصر للتفاوض وإعادة أرضها لها لولا الاختلال أو إعادة التوازن في ميزان القوى الذي أحدثته حرب أكتوبر عام 1973 الذي اسقط غطرسة إسرائيل وجعل قوتها العسكرية المؤسطرة عرضة للهز المستمر، هذا النصر العسكري الذي فرط به السادات بحماقة وبلا ثمن حيث كان يمكن استثماره بطريقة اكبر. كذلك هم يتغافلون أو يجهلون ربما أن كل العمل المقاوم سواء كان في لبنان أو فلسطين هو من اجل تغيير موازين القوى على الأرض لجعل العمل السياسي التفاوضي أكثر راحة واقرب لنيل الحقوق.

كل عاقل يدرك أن إسرائيل هي التي كرست العنف في المنطقة وإنها لم تدع لخصومها أي سبيل سوى العنف وسيلة لمواجهة غطرستها. وأي محاولة لتصوير الواقع وكان العرب ـ ضحايا عدوانية إسرائيل والغرب ـ هم من يمارس العنف هي محاولة لوضع العربة أمام الحصان وقلب لمفاهيم العدل والعقل، وهي محاولة شبيهة بالأفكار التي حاولت أن تبرر ذات زمن لصدام حسين بطشه بشعبه وبقواه السياسية بحجة أنهم من بادروا إلى رفع السلاح في وجهه بينما هم كانوا يردون بالطريقة الوحيدة التي تركها النظام ألبعثي أمامهم.

العملية التي نفذها حزب الله لاتشكل خرقا كبيرا للموقف. فإسرائيل كانت قد خرقت الحدود ( الخط الأزرق) أكثر من مرة واخرها قبل شهر تقريبا وقتلت هناك عناصر لحزب الله فلماذا لايعتبر ذاك خرق وتحدي في منطق من يحاجج بالقانون الدولي والحقوق؟

هناك سؤال يحمل مرارة كبيرة يطرحه المنتقدون لحزب الله وهو:

هل يستحق السبب الذي قام من اجله الحزب بعمليته العسكرية هذا الثمن الباهظ والمكلف؟ بالتأكيد الإجابة ستكون لا، بل ولا كبيرة، ولكن يمكننا نقل حراجة السؤال ذاته رفعا للعتب إلى حكومة العدو الإسرائيلي نفسها ونقول:
هل يستحق هذان الجنديان أن يموت من اجلهما أكثر من 36 إسرائيليا ( لحد الآن) وكل هذا التخريب والقتل للمدنيين اللبنانيين( غالبيتهم أطفال)؟ أما كان يجدر بحكومة العدو الإسرائيلي لو كانت متعقلة وساعية للسلام أن تجلس للتفاوض وتبادل أسراها بأسرى هي اعتدت عليهم أصلا واختطفتهم من بلدانهم؟

هذا السؤال المر( على حزب الله أن يجعله محرجا ومكلفا للإسرائيليين) هو الذي سيحدد ملامح نهاية هذه الأزمة. فإسرائيل لايحتمل وضعها أي هزيمة، وآي خروج أو وقف لإطلاق النار بغير هذين الجنديين وبغير الشروط الإسرائيلية الأخرى سيعتبر بمثابة هزيمة لإسرائيل ولهذا فان إسرائيل تسعى، مع حصار الوقت الذي يضيق عليها، بالتصعيد لأقصى الحدود لأجل أن لاتدخل في مأزق البحث عن مخارج لا(تشرف) آلتها العسكرية. وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله فلو انه انتهى الموقف به إلى قبول الشروط الإسرائيلية وسلم سلاحه( الذي سيعني حرب أهلية جديدة ) فانه سينتهي كحزب وتنتهي معه فكرة المقاومة بشكلها الحالي وبقواها الحالية لهذا يمكن تسمية العملية التي أقدم عليها حزب الله والرد الإسرائيلي المستهتر بالمقامرة التي وضع فيها الطرفان كل رهاناتهم وربما أوراقهم. وسيكون الموقف أكثر حساسية من جانب حزب الله الذي وضع كل ماعنده في هذه المغامرة/ المقامرة، فهو إما أن يخسر كل شيء وإما أن يضاعف ربحه ورصيده ويصبح عندها للموقف في المنطقة صورة أخرى ومآلات أخرى ولهذا الأمر حديث آخر.

العدوان الإسرائيلي على لبنان كشف الغطاء عن سواتر كثيرة للخلافات العربية المزمنة فعاد العرب رغم اتفاقهم على الاستسلام والهوان إلى الانقسام التقليدي وأخذت السعودية تهاجم سورية وسورية ترد بالإدانة والاستهجان، لكن أي كان الوضع ومآل الأحداث فان هذا العدوان قد أعاد ترتيب بعض الاصطفافات الأيدلوجية والسياسية في المنطقة. فبالقدر الذي ستعيد فيه إسرائيل، حسب ادعاءاتها الوقحة، لبنان إلى الوراء ثلاثين عاما فسيعود عندها بهذه العودة ذات التوزيع والعادات السياسية لذاك الزمن أيضا، وعندها سيكتشف الإسرائيليون ومن يقف ورائهم إن من حيدتهم بعض التطورات في المنطقة وجعلتهم يقتنعون بإمكانية التعايش مع إسرائيل وبإمكانية القبول بالدور الغربي والأمريكي في المنطقة سيغيرون قناعاتهم باتجاهات أكثر راديكالية وستدخل المنطقة، ذات الأفق الاستراتيجي عالميا، بدورة جديدة من الفكر والممارسات الراديكالية المؤذية للغرب ولإسرائيل، وحينها سوف لن يجد هؤلاء المتحولون غضاضة في أي عمل انتحاري( إرهابي!!) في أمريكا أو أي بلد غربي وسيفرحون كثيرا وبعلنية حين تفجر القنابل البشرية في المدن الإسرائيلية.


20-7-2006

#خالد_صبيح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات