أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - لقد أخطأ الشيخ نهرو طنطاوي






لقد أخطأ الشيخ نهرو طنطاوي


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 14:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بدءاً أود أن أشكر الشيخ د. نهرو طنطاوي على قراءتة مقالي الموسوم "القرآنيون ومحاولة تجميل صورة القرآن" المنشور بموقع (الحوار المتمدن) فالشيوخ مثل الشيخ إسماعيل الغمراوي عادةً لا يقرؤون ما أكتب، كما قال الشيخ الغمراوي في أحد ردوده على مقال سابق كنت قد نشرته في موقع "كتابات". أما الشيخ طنطاوي فقد أطال وكرر ما لا يستوجب التكرار في رده عليّ، وبدأ الرد بجملة لا يتفق عليها كل الناس، فقد قال: (بداية أنا لست قرآني أنا مسلم كما سماني القرآن وكما سمى الله كل أتباع الإسلام لقوله تعالى: (هو سماكم المسلمين من قبل)) انتهى. وكما يعلم الشيخ الدكتور طنطاوي فإن كلمة "مسلمين" في صيغتها القرآنية لا تعني المسلمين بالمعنى الذي قصده الشيخ، فالقرآن يقول عن الحوارييين أنهم مسلمون: ( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ) ( آل عمران 52). و أنبياء اليهود كذلك مسلمون: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ) (المائدة، 44)). فكون الشيخ مسلم لا يعني أنه ليس قرآنياً أو شيعياً أو بهائيا أو حتى يهودياً. ثم قال الشيخ: (أما عن الدكتور أحمد صبحي منصور وأتباعه وأن البعض يسميهم بالقرآنيين ، فأنا لا أعلم عنهم شيئا سوى ما يعلمه عنهم معظم الناس ، وكانت المرة الأولى التي أقرأ فيها اسم الدكتور أحمد صبحي منصور في أواسط التسعينات وبالتحديد في عام 96 أو 97 في مقال له بمجلة روزاليوسف المصرية ، وكنت وقتها لا أعرف من هو الدكتور أحمد صبحي منصور حتى أخبرني بعض الصحافيين في مصر أنه دكتور أزهري وتم فصله من جامعة الأزهر بسبب آراءه وأنه ينكر السنة ، هذا كل ما كنت أعرفه عن الدكتور منصور ، ولم أكن قد سمعت من قبل عن القرآنيين حتى أخبرني بقصتهم صحافي بمجلة روزاليوسف ) انتهى. ويبدو أن الشيخ لا يطلع على أي شيء غير الكتب الدينية، رغم أنه تربطه صلات مع الصحفيين الذين أخبروه عن د. أحمد صبحي منصور وعن القرآنيين، لكنه لا يقرأ الصحف إذ لا بد لأي شخص مطلع ومن جامعة الأزهر أن يعرف شخصاً مثل د. أحمد صبحي منصور الذي كان أستاذاً بالأزهر وفُصل عن عمله وسُجن من أجل آرائه، ونقلت الصحف مقالاته وخبر سجنه، خاصةً أن الشيخ طنطاوي كان في التسعينات أما طالباً أو مدرساً بالأزهر الذي فُصل منه د. منصور. فحتى من باب حب الاستطلاع كان يجب عليه أن يعرف أن أستاذاً بالأزهر قد فُصل عن عمله وسجن، ما دام هو في الأزهر. أما عدم معرفته بالقرآنيين فعذر أقبح من الذنب إذ أن القرأنيين لم يظهروا في الماضي القريب وإنما ظلوا معروفين منذ مئات السنين.

وبعد أن تهجم الشيخ على قراءتي للتاريخ وزعم ظناً أنني أقرأ لاصطاد الأخطاء، قال: (فكان من التلفيق المثير للضحك والسخرية أن يجعل الأستاذ كامل النجار الدعوة إلى اعتماد القرآن الكريم كمصدر وحيد للتشريع الديني في الإسلام هي نفس دعوة الخوارج وأنهم هم أول من نادى بها وأول من دعا إليها) انتهى. ثم شرع في تفنيد هذا القول، فقال: (أما قوله إن دعوة الدكتور أحمد صبحي منصور ودعوة نهرو طنطاوي أو ما يسميه دعوة (القرآنيين) هي دعوة قديمة منذ مئات السنين قد بدأها الخوارج , فهذا الادعاء الباطل ومغرض لا يخرج السيد كامل النجار منه عن حالة من اثنين.
الحالة الأولى:
تعمد مقصود من السيد كامل النجار لتشويهنا عن قصد منه وترصد , فمالنا ومال الخوارج فإن ما بين دعوتنا ودعوة الخوارج كما بين السماء والأرض وهذا لا يخفى على من له أدنى فهم واطلاع على مذهب الخوارج وعلى ما نقوله ونؤمن به ونعتقده ,إلا إذا كان الأستاذ كامل النجار يتبنى نفس فكر ومنهج الشيخ عبد المحسن العبيكان حين اتهمني في جريدة الشرق الأوسط بهذه التهمة الشنيعة , والغريب في الأمر وما يثير الدهشة حقا أن الأستاذ كامل النجار هو الوحيد من بين الكتاب الذي انبرى للرد على العبيكان حين اتهمني بهذه التهمة والذي قال إن قولي من جنس قول الخوارج الذين أمر النبي بقتلهم فقد جاء رد السيد كامل النجار تحت عنوان "لقد أخطاء العبيكان" ونشره على موقع الحوار المتمدن) انتهى.

ولا أدري لماذا انفعل الشيخ نهرو وادعى أني أردت تشويه دعوته. فأنا لم أقل إنه من الخوارج إنما قلت إن أول من نادى بالاعتماد في التشريع على القرآن فقط كانوا الخوارج والمعتزلة. وهذا لا يعني أن القرآنيين والمعتزلة والخوارج كلهم ينتمون إلى نفس المذهب. فمثلاً لو قلت إن أول من نادى بالاشتراكية وشيوع الماء والنار والمرعى كان الإسلام، لا يعني هذا أني قصدت أن أقول إن الشيوعية التي نادت بالاشتراكية فيما بعد قد اعتنقت مذهب الإسلام. فأرجو أن يكون تأويل الشيخ لما يقرأ تأويلاً منطقياً وعلى ظاهر الكلام. وردي على الشيخ العبيكان لم يكن دفاعاً عن الشيخ طنطاوي بقدر ما كان إظهاراً للحقائق. فالشيخ العبيكان قال إن السنة جزء لا يتجزأ من التشريع الإسلامي، وإن القرآنيين من الخوارج وأن النبي دعا إلى قتلهم. فأردت أن أبين خطأه فيما ذهب إليه. وهذا لا يمنع أن أقول إن أول من قال بالاعتماد على القرآن فقط هم الخوارج. والفرق بين الموقفين واضح.

والمثل العربي القديم يقول (غلب الطبع التطبع) وهاهو الشيخ نهرو يبرهن على صدق هذا المثل ويكشف أن محاولته في بداية المقال أن يلتزم الحوار المتمدن، كانت تطبعاً وليس طبعاً، فهو يقول: (يبدو أن السيد النجار يقرأ تاريخ الإسلام بالمقلوب أو أنه قد بلغ رتبة الاجتهاد إياها والتي قد بلغها بن باز وبن لادن وبن تيمية بحيث له أن يفتي بما شاء وكيف شاء , وبحيث يحق له أيضا أن يقوم بعملية تلفيق كبرى على شاكلة فقهاء الإسلام البارعين في هذا المضمار عن طريق القص واللصق والنسخ والتبرير والتلفيق والتفصيل والاختراع.
وأنصح السيد كامل النجار بأن يقوم بقراءة التاريخ الإسلامي مرة أخرى ويقرأ عن الخوارج بالأخص حتى يفهم مذهبهم حق الفهم وبالتالي يستطيع أن يقيس من هو على مذهبهم ومن ليس على مذهبهم. أما إن كان الأستاذ كامل النجار يقرأ التاريخ ولا يفهمه فانصحه أن يتتلمذ من جديد على يد أحد المتخصصين والباحثين التاريخيين حتى يعي ما يقول ولا يقوم بإلقاء التهم جزافا وباطلا ويضع نفسه في مكانة لا يحسد عليها أو يضع نفسه في موقف "بايخ" ومحرج. وليسمح لي السيد النجار أن أسرد له بعض الفقرات عن مذهب الخوارج من نفس الكتب والمصادر الإسلامية التي يستشهد بها دائما وفي نفس الوقت لا يعترف بمصداقيتها) انتهى. ويبدو أن الشيخ طنطاوي مثله مثل بقية شيوخ الإسلام لا يعرفون الرد على أي مقال أو سؤال مباشر إلا باتهام الكاتب أو السائل بالجهل الفاضح. ولكن الواقع هو أن الشيخ طنطاوي هو الذي يقرأ ولا يفهم. فأنا لم أقل إن مذهب القرآنيين هو مذهب الخوارج. وعلى العموم لا يسعني إلا أن أشكره على نصائحه لي باتخاذ أستاذ يشرح لي التاريخ الإسلامي الذي عجزت عن فهمه. وكم تمنيت لو أني ما زلت في القاهرة حتى أتخذ الشيخ أستاذاً لي.

وربما لم يفهم الشيخ ردي على الشيخ العبيكان الذي قلت فيه إن السنة لا يمكن الاعتماد عليها لأن أغلبها منتحل وضعه أبو هريرة وزمرته، وأن التشريع يجب أن يأتي من القرآن فقط، إذا كان لا بد من تطبيق شرع إسلامي. فأعاد الشيخ طنطاوي نفس مقولتي وأورد عدة آيات من القرآن ما كان لها أي داعي لأننا متفقون فيما يقول وينادي به. ثم شرع الشيخ في نقل نبذة مطولة عن الخوارج من ابن كثير والطبري وغيرهما. وكل ما ذكره عبارة عن تاريخ الحركة ولكنه لم يتطرق إلى فكر الحركة أبداً لأنه اعتمد على كتب التاريخ التي لا تقص علينا إلا التاريخ. وحركة الخوارج في المصادر غير التاريخية مثل كتاب "الملل والنحل للشهرستاني " بدأت كحركة دينية متشددة اتهمت علي بن أبي طالب بالكفر لأنه احتكم لغير كتاب الله، وقالوا إن أي حكم لا يُستمد من كتاب الله فهو حكم باطل. وسماهم أهل السنة خوارج لأنهم خرجوا على إجماع الأمة في أمرين:
1- (بدعتهم في الإمامة إذ جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش، وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور، كان إماماً.) وهذا القول يتجاهل السنة التي زعمت أن النبي قال "لا يزال هذا الأمر في قريش وإن بقي منهم اثنان" وكان يعني الخلافة. وهذا الذي قصدته أنا في مقالي عندما قلت إن الخوارج كانوا أول من نادى بتجاهل السنة والاحتكام إلى القرآن فقط.
2- إنهم قالوا "أخطأ عليّ" في التحكيم، إذ حكّم الرجال، ولا حكم إلا لله. وكفّروا عليّ لأنه قاتل النكثيين (الذين نكثوا عهدهم) والقاسطين (الذين تجاوزا الحق) وما سبى ذراريهم ونساءهم، وقاتل مقاتلين من القاسطين وما اغتنم ولا سبى، ثم رضي بالتحكيم.

هذه كانت بداية فلسفة وفكر حركة الخوارج، ومثلها مثل كل الحركات الدينية والسياسية التي سبقتها ولحقتها، اختلف قادتها وتفرقوا شعباً ومذاهبَ وكفرّوا بعضهم بعضاً كما تفرق المسلمون فرقاً ومذاهب وكفّروا بعضهم بعضاً. فظهرت من الخوارج فرقة "الأزارقة" المنسوبة إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، في أيام عبد الله بن الزبير وقتلوا عماله بالعراق. وكفرت فرقة الأزارقة عثمان وطلحة والزبير وعائشة وابن عباس. ومنهم كذلك فرقة "النجدات العاذرية" وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي. ثم هناك فرقة "البيهسية" نسبةً إلى أبي بيهس الهبثم بن جابر. وقد وافق هؤلاء القدرية وقالوا ليس لله في أعمال العباد مشيئة. ومنهم العجاردة نسبةً إلى عبد الكريم بن عجرد وقد أنكر هؤلاء أن تكون سورة يوسف من القرآن لأنها قصة عشق والقرآن لا دخل له بالعشق. ومنهم عدة فرق مثل الأباضية والميمونية والحمزية والخلفية الخ. فجميع هذه الفرق تولدت من الخوارج الذين بدؤوا مذهبهم بالدعوة إلى تحكيم القرآن فقط. وفي النهاية أصبحوا أكثر من عشرين فرقة متناحرة يكفر بعضها البعض وتختلف معتقداتهم وآراؤهم باختلاف فرقهم.

ثم استمر الشيخ فقال: (ولعلم السيد كامل النجار أن الخوارج لم يؤثر عنهم في أي مصدر من مصادر التاريخ أو الأحاديث أنهم أنكروا ما يسمى بالسنة لأنه وقت ظهور الخوارج لم يكن هناك شيء مدونا يسمى بالسنة ، ولم تكن السنة وقتها قد دونت فالسنة قد تم البدء في تدوينها في أواخر عهد الدولة الأموية , أو على حسب بعض الأقوال بعد وفاة الرسول علية الصلاة والسلام بمائة وخمسين عاما , ولعلم الأستاذ النجار أن الخوارج ظهروا قبل ظهور البخاري ومسلم وكتب المحدثين بعشرات السنين.) انتهى. وقد نعذر الشيخ طنطاوي الذي لم يكن قد سمع بالقرآنيين إلا قبل سنوات بسيطة، في جهله بتاريخهم، أما أن يجهل المراجع الكبيرة في السنة التي يرفضها، فأمر غريب. هل رفض السنة قبل أن يدرسها ويعرف ما تدعو إليه؟ فكتب الحديث قد تحدثت عن وجود السنة وقت ظهور الخوارج: فمثلاً حديث الزبير الذي قال لابنه: (لا تُخاصِم الخَوارِجَ بالقرآن، خاصِمْهم بالسُّنة، قال ابن الزبير: فخاصَمْتُهم بها، فكأنهم صِبْيانٌ يَمرُثون سُخُبَهُم) أي يَعَضُّونها ويَمُصُّونها. والسُّخُب: قَلائد الخَرَز (النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام ابن الأثير، باب الميم). والسبب في أن الخوارج لم يحيروا جواباً عندما جادلهم ابن الزبير بالسنة، هو أنهم ما كانوا يعترفون بالسنة ولا يحفظون الأحاديث. ويبدو أن هذا هو مذهب الشيخ طنطاوي الذي لم يقرأ، كما يبدو، أمهات كتب السنة. فلعلم الشيخ طمطاوي فإن السنة كانت معروفة في زمن الخوارج وليس من الضروري أن تكون قد دونت لتكون معروفة للناس. فالقرآن لم يدون إلا بعد موت النبي ولكنه كان في صدور الرجال وكان معروفاً لهم

ويقول الشيخ طنطاوي، اعتماداً منه على الظن الذي نهاهم عنه القرآن لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً، قال: (واعتقد والله أعلم أن السيد النجار قد استقى معلوماته عن الخوارج من خطبة جمعة أو حديث إذاعي أو تلفزيوني , ولا أعتقد أنه قد بحث في مراجع تاريخية معتمدة) انتهى. وأحب أن أؤكد للشيخ أولاً أني لا أستمع إلى خطب الجمعة، وثانيا، أني مطلع على تاريخ الخوارج أكثر منه بمراحل عديدة. والدليل على ذلك قوله: (ولما رجع على بن أبي طالب إلى الكوفة اعتزل من جيشه ما يقرب من اثنا عشر ألفا وهم الخوارج وكان من أمرهم ما كان فقد كفروا على بن أبي طالب ومعاوية وجميع الصحابة واستحلوا دمائهم وأموالهم وأعراضهم ثم قاتلهم على بن أبى طالب بعد ذلك وهزمهم وكسر شوكتهم فلم تقم لهم قائمة بعدها أبدا) انتهى. وهذه معلومة خاطئة يستطيع طالب الإعدادي أن يصححها للشيخ. فالخوارج قامت لهم قائمة ضخمة بعد موقعتهم مع علي بن أبي طالب في النهروان. فقد تفرقوا في عُمان والبحرين والعراق وشمال إفريقيا، وأصبحوا شوكة في جنب دولة بني أمية وحاربهم الحجاج عدة مرات وقد قتل قطري بن الفجاءة من أمراء جيوش الحجاج ثلاثة وعشرين أميراً. واستمرت حربهم في العراق حتى عام 79 هجرية بينما كانت موقعة النهروان ضد علي في عام 39. –يقول ابن عماد الحنبلي عن سنة تسع وسبعين ( فيها وقيل في التي قبلها قتل رأس الخوارج: قطري بن فجاءة، التميمي، عثر به فرسه، فقتل، وأتي الحجاج برأسه، وكان الحجاج قد جهز إليه جيشاً بعد جيش، وهو يهزمهم). وفي سنة 66 هجرية (قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحروري الخارجي على اليمامة والبحرين) (شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي). أما في المغرب فقد استمر نفوذهم حتى عام 154 هجرية حين أهمَّ المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب، فسار إلى الشام، وزار بيت المقدس، وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس، وعقد له على المغرب، فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف، فافتتح يزيد إفريقية، وهزم الخوارج، وقتل كبارهم) (شذرات الذهب لابن العماد الحتبلي). فمن منا أيها الشيخ استقى معلوماته عن الخوارج من خطبة الجمعة؟

ثم انتقل الشيخ طنطاوي إلى موضوع القصص التي قلنا إنه يسردها علينا بدون أي سند، فقال: (ويقول السيد النجار أنني أتيت ورددت بعض القصص وهنا أتحدى السيد النجار أن يأت بقصة واحدة من كل مقالاتي وأبحاثي فقط قصة واحدة رددتها أو استشهدت بها , بل كل ما ذكرته هو ما نص عليه القرآن الكريم وحده . ثم يقول الأستاذ النجار وهذه القصص لا يسندها غير المصادر الإسلامية نفسها , وبذلك يعني السيد النجار أنها مصادر غير دقيقة وغير صادقة وغير محايدة. وهنا نقول للسيد النجار لماذا إذن تستند على هذه المصادر في كل كتاباتك ومقالاتك؟؟) انتهى. وربما فات على الشيخ طنطاوي أن القرآن نفسه ما هو إلا قصص لا يسندها واقع تاريخي، مثل قصة موسى وهارون التي يكررها القرآن في أكثر من سبعة سور، وقصة أهل الكهف وقصة يوسف التي قال الخوارج إنها ليست من القرآن، وقصة كلام سليمان مع النمل ومع الهدهد، وكذلك قصة جن سليمان الذين أتوا له بعرش بلقيس والذين بنوا له القصور والبيوت. وهذه كلها قصص فلكلورية كانت متداولة في الجزيرة قبل ظهور الإسلام، خاصة قصة بناء تدمر التي وردت في الشعر الجاهلي. والقصص الأخرى التي أتي بها الشيخ دون سند هو تكرار قصة أن المشركين أقاموا معسكرات تعذيب لمحمد وأتباعه وأنهم صادروا ممتلكات المسلمين حين هاجروا من مكة. كل هذه كذلك قصص لا سند لها. أما لماذا أعتمد أنا على المصادر الإسلامية، فالإجابة تكمن في أن تاريخ تلك الفترة في جزيرة العرب لم يؤرخ له إلا المسلمون أنفسهم بعد أن اجتاحوا البلاد المجاورة وقتلوا معظم أهلها وحرقوا المكتبات فضاع جزء من التاريخ. والغالب دائماً هو الذي يكتب التاريخ على هواه. ولكن في بعض الأماكن من الجزيرة استطاعت الحفريات الحديثة أن تأكد لنا بعض الأشياء عن تاريخ تلك الأماكن، ولكن المراجع عن ذلك قليلة. ولذلك نعتمد في كتاباتنا على المراجع الإسلامية التي ننتقدها إذا كان سردها للتاريخ غير منطقي. فليس كل ما كتبت في المراجع الإسلامية صحيحاً

ووعدنا الشيخ وعداً لا يستطيع أن يحققه فقال: (ولو أمد الله في أجلي لأكشفن للقراء عملية التزوير الكبرى التي يقوم بها السيد النجار ومن هم على شاكلته وكيف يأخذون من كتب التراث ما يروق لهم وكيف ينتقون ما يحلوا لهم ويتركون ما لا يتفق مع هواهم وأغراضهم الشخصية) انتهى. وأنا من جانبي أسأل الله وأتوسل إليه أن يمد في عمر الشيخ حتى نرى إن كان في إمكانه الوفاء بوعده وتبيان التزوير الذي نقوم به.

ثم استعان الشيخ طنطاوي بالشيخ د. أحمد صبحي منصور، فقال: (وأكبر دليل على ذلك انه جعل دعوتي أنا والدكتور منصور هي نفس دعوة الخوارج , وأتمنى من الدكتور صبحي منصور واستأذنه أن يكتب دراسة عن الخوارج ومذهبهم وفكرهم حتى يعلم الدكتور النجار من هم الخوارج وما هو مذهبهم ، فلولا ضيق الوقت لدي لقمت بهذه الدراسة وسأكون شاكر للدكتور صبحي منصور لو لبى هذا الطلب.) انتهى. وأنا من جانبي، ورغم غزارة المراجع التي أمتلكها عن الخوارج، يسعدني أن يكتب عنهم د. أحمد صبحي منصور، الذي أكن له الاحترام رغم اختلافي معه، لأنه رجل تحمل السجن وتحمل محاربته في رزقه من أجل معتقده. وربما يكتب الشيخ أحمد صبحي منصور شيئاً جديداً قد غاب عني، فالإنسان كما نعلم، لا يستطيع أن يلم بكل أطراف العلوم، فالتعلم من المهد إلى اللحد. ولا ندري ما الذي يشغل وقت الشيخ طنطاوي وهو لا يقرأ الصحف ولا يقرأ كتب السنة والأحاديث ولا يواكب مجريات عصره من سجن الكتاب وغيرهم ولم يسمع بالقرآنيين، فلا بد أن لديه متسعاً من الوقت ليكتب عن تاريخ الخوارج.

واستمر الشيخ طنطاوي فقال: (أما عن قول الأستاذ النجار "إن سفك الدماء جزء لا يتجزأ من الإسلام" أقول له صدقت إن قتال الطغاة والمتجبرين والمستكبرين في الأرض الذين يفتنون الناس عن دينهم ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم بغير حق هذا شرع قد شرعه الإسلام ، فقد شرع القرآن قتالهم وسفك دمائهم وهذه الشريعة القرآنية هي نفس شريعة جميع دول العالم بل إنها شرعة المنظمة الدولية التي أعطت الحق لجميع شعوب الأرض في المقاومة بشتى الطرق والوسائل بما فيها الكفاح المسلح لاسترداد الحقوق المغتصبة ورفع الظلم والبغي والاضطهاد وتمكين الشعوب من حق تقرير المصير. فإذا كان هذا الحق يعد في نظر الأستاذ النجار إرهاب ودموية ، إذن فشرعة الأمم المتحدة وجميع دساتير دول العالم كلها إرهاب ودموية. ) انتهى. ولا شك أن المقاومة ومحاولة استرداد ما اغتصب العدو حقُ مباح ومشروع، ولكن نرجو أن يوضح لنا الشيخ متى غزا العراق مكة أو المدينة حتى وجد المسلمون عذراً لرد المغتصب، ومتى غزا الشام الجزيرة ومتى غزت الهند والسند وشمال إفريقيا الجزيرة؟ هل احتل المسلمون تلك الأماكن حتى يستطيعوا في المستقبل مقاومة المعتدي الأمريكي؟ الحقيقة الواضحة هي أن الإسلام اعتدى على كل البلاد التي غزاها المسلمون، وقد قال بهذه المقولة الشيخ أحمد صبحي منصور الذي استعان به الشيخ طنطاوي، في أكثر من مرة. فليراجع الشيخ طنطاوي مقالات الشيخ القرآني أحمد صبحي منصور.

ثم قال الشيخ: (أما عن قول الأستاذ النجار: ( القرآن ملئ بضيق الأفق وعدم تحمل الاختلاف في الرأي أو العقيدة مما يجعل محاولة تجميله مستحيلة) فلم يذكر لنا الأستاذ النجار آية واحدة من هذه الآيات ضيقة الأفق والتي لا تتحمل الآخر والتي تملأ القرآن على حد زعمه) انتهى. وهأنذا أورد له بعض الآيات:
• (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) ( الممتحنة 1)
• (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ( المائدة 51)
• (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) ( التوبة 23)
• (ولا تصلي على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) ( التوبة 84)
• (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) (البقرة 193)
• (يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) (التوبة 123)
• (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران 85)
وهذا غيض من فيض. فهل في هذه الآيات أي تحمل للغير أو وسع أفق؟

ثم سرح الشيخ طنطاوي في حديث ممجوج عن حبه لمواطنيه المسيحيين، فقال: (أما عن قول الأستاذ النجار أن المسيحيين كانوا في قريتي أمناء وصادقين ويصادقون المسلمين لوجه الله فهذا شيء يدخل السعادة والسرور في نفسي أن يكون أهل بلدتي بهذه الصفات الحميدة ولأنهم أولا وأخيرا مصريون مثلي مثلهم , وإن كان المسيحيون في بلدي أمهر صناعة فهذا أيضا يشرفني لأنهم أهل بلدتي , ويعلم الله أنى افخر أيما افتخار بالدكتور مجدي يعقوب جراح القلب العالمي ليس لأنه مسيحي بل لأنه مصري يشرف كل مصري في أي مكان في الدنيا فهو وغيره من علماء مصر ومبدعيها بمثابة وسام شرف لكل مصري.) انتهى. وطبعاً من حق الشيخ أن يفخر بالدكتور مجدي يعقوب لأنه جراح ماهر ومشهور ومصري ولكن ماذا عن المصري المسيحي الفقير الذي لا يعرفه أحد؟ هل دافع الشيخ عن حقه في بناء كنائسه وترميم القائم منها، وحقه في دخول كلية طب الأزهر التي يُمنع من دخولها بالقانون؟

وقال الشيخ كذلك: (أما عن دفاع الأستاذ النجار عن إخوانه المسيحيين الطيبين المسالمين , فلا أدري هل يقصد الأستاذ النجار أن أتباع الديانة المسيحية بشكل عام كانوا طوال تاريخهم كانوا طيبون مسالمون؟ فإن كان يقصد ذلك فلا أجد ما أقوله له غير الله يرحم فتاوى الجهاد المقدس , والله يرحم الحروب الصليبية , والله يرحم محاكم التفتيش , وربنا يحفظ عصر التنوير وعصر النهضة في أوروبا ويدومها على الأوربيين نعمة ، فلولا عصر النهضة والتنوير في أوروبا ، ولولا الفتح الإسلامي لدول المشرق لسال جلد الأستاذ كامل النجار من شدة الطيبة والمسالمة ، وكان قد رأى بعينيه خوازيق الرحمة والمحبة والسلام.) انتهى. وفعلاً نحن مدينون لعصر التنوير الذي لولاه لكانت أوربا في نفس مستوى العالم الإسلامي اليوم ولخرج علينا مئات القساوسة يطالبون بتطبيق شريعة الإنجيل كما يفعل الشيوخ اليوم. فمتى يجئ عصر التنوير إلى عالمنا الإسلامي؟

ويبدو أن الشيخ يفتخر بعدم اطلاعه إلا على القرآن فيقول: (أما وصفه لبعض مقالاتي بموضوعات إنشاء فيكفيني أنها صادقة وموضوعية وأمينة ويكفيني أني لم أعتمد على أي مصدر في مقالتي سوى القرآن الكريم الوثيقة الإسلامية الخالدة ولم أتبع أسلوب القص واللصق والتكييف والترقيع والنسخ والتفصيل والانتقاء ، بل كل موضوع كنت أجمع كل النصوص الكاملة التي وردت فيه دون أي تدخل شخصي مني وأترك للقارئ هو الذي يحكم) انتهى. وكان الأحرى بالشيخ أن يطلع على كتب الفلاسفة والمؤرخين ليدعم حججه بما يقول عن القرآن والإسلام، لأنه لو أراد أن يقنع الناس بالقرآن فلا يكفي أن يردد ما يقول القرآن وحده، فلا بد من إقناع العقل بمصادر أخرى تؤيد ما يقول القرآن. ولا أرى مجالاً للفخر بأنه لم يأت بغير القرآن دليلاً. وبهذا القدر أكتفي كي لا أطيل على القارئ بترديد استيلاء أهل مكة على بيوت وأملاك الذين هاجروا وبقية القصص الفلكلورية.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزارع الخصيان والدجاج
- وعاظ السلاطين يبيعون السراب في المونديال
- إله نرجسي وتخبطٌ في قصة الخلق
- الشيخ القرضاوي والتلاعب بالألفاظ
- أيهما خلق الآخر: الإله أم الإنسان؟
- القرآنيون ومحاولة تجميل صورة الإسلام
- النقيضان لا يجتمعان: الدين والعقل
- آلهة من صفيح
- هل للجُبِ من قاع؟
- تعارض الدين مع العلم والمنطق
- قد أخطأ الشيخ العبيكان
- مؤتمر مكة يُثبت أن الإسلام يدور حول الجنس
- احتضار عيد العمال
- الترابي ليس مرتداً
- العرب…الإسلام…والإرهاب


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - لقد أخطأ الشيخ نهرو طنطاوي